معني اسم الله تعالى المعطي و المانع
أيها المسلمون:
الله -سبحانه وتعالى- وحده الذي يملك
المنع والعطاء
وكل الخلق إلى كريم عطائه فقراء
وإلى حمايته مبتغون لها؛
لأنهم عاجزون عن حماية أنفسهم وضعفاء.
ولقد سمى الله -تعالى- نفسه بالمانع والمعطي -سبحانه جل في عليائه-,
ولعلنا في هذه الخطبة أن نقف مع هذين الاسمين الشريفين:
فالاسم الأول المانع؛ ومعنى ذلك:
أي: الذى يمنع البلاء حفظا وعناية
ويمنع العطاء عمن يشاء ابتلاء أو حماية.
و “المانع” هو الذي يمنع أولياءه ويحوطهم وينصرهم، من المنعة
أو: يمنع من يستحق المنع، من المنع،
أي: الحرمان
لأنّ منعه -سبحانه- حكمة, وعطاؤه جود ورحمة
فلا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع.
وقد يكون المانع: الذي يمنع أسباب الهلاك والنقصان بما يخلقه في الأبدان والأديان من الأسباب المعدة للحفظ.
وقد ورد اسم الله “المانع” في السنة النبوية
فكان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ وَسَلَّمَ، قَالَ: “لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ
لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ“
رواه البخاري (6330) ومسلم (594)
أنَّ جَابِرَ بنَ عبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا، أَخْبَرَ: أنَّهُ غَزَا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَفَلَ معهُ
فأدْرَكَتْهُمُ القَائِلَةُ في وادٍ كَثِيرِ العِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بالشَّجَرِ، فَنَزَلَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَحْتَ سَمُرَةٍ وعَلَّقَ بهَا سَيْفَهُ
ونِمْنَا نَوْمَةً، فَإِذَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدْعُونَا، وإذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ
فَقالَ: إنَّ هذا اخْتَرَطَ عَلَيَّ سَيْفِي، وأَنَا نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وهو في يَدِهِ صَلْتًا، فَقالَ: مَن يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فَقُلتُ: اللَّهُ، - ثَلَاثًا - ولَمْ يُعَاقِبْهُ وجَلَسَ.
رواه البخاري ( 4136 )
؛ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال للرجل عندما سأله: من يمنعك مني؟، الله، الله، الله، تأكيداً على أن الله هو المانع -سبحانه-.
وأما اسمه المعطي -سبحانه- فهو الذي يعطى الدنيا لمن يحب ومن لا يحب
ولا يعطى الآخرة إلا لمن يحب، وقد يكون باطن المنع العطاء، قد يمنع العبد من كثرة الأموال ويعطيه الكمال والجمال، فالمانع هو المعطى؛ ففي باطن المنع عطاء وفى ظاهر العطاء بلاء.
واسم الله “المعطي” ورد في القرآن الكريم بصيغة الفعل ومصدره
كما قال الله -تعالى-: (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا) [الإسراء: 20]
وفي قوله -سبحانه-: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) [الضحى: 5]
وقوله -عز وجل-: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) [الكوثر:1]
وقال -تعالى-: (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) [طه:50].
وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم؛ حتى يأتي أمر الله“(
البخاري ومسلم)؛
فقوله: -صلى الله عليه وسلم-: “وإنما أنا قاسم والله معطي” أي: “إنما أنا أقسم ما أمرني الله بقسمته، والمعطي حقيقة هو الله -تعالى-“.
وعطاؤه -سبحانه- واسع ليس له حد ولا عد، يعطي من الدنيا عباده جميعاً المؤمن منهم والكافر، أما في الآخرة فيخص بعطائه وفضله أهل طاعته
قال الله -تعالى-: (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا) [الإسراء:20-21]
وعطاؤه -سبحانه- واسع يشمل كل العطايا والهبات، وأعظمها عطية الإيمان والهداية.
والمعطى -سبحانه- هو الذي يعطي أهل الجنة عطاء غير مقطوع، قال -تعالى-: (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)[هود: 108].
معاشر المسلمين:
إن من مقتضى الإيمان بهذين الاسمين الكريمين: ألا يفرق أحد هذين الاسمين عن الآخر وذلك تأدباً مع الله -تعالى-
فإن إفراد أحدهما عن الآخر يوهم نقصاً, فالرب -سبحانه- هو المعطي المانع ؛كما
قال -تعالى-: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ)[فاطر: 2],
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-
: “إن الرب -سبحانه- هو الملك المدبر، المعطي المانع، الضار النافع، الخافض الرافع، المعز المذل، فمن شهد أن المعطي أو المانع، أو الضار أو النافع, أو المعز أو المذل غيره، فقد أشرك بربوبيته“.
وقال السعدي -رحمه الله-:
“المعطي المانع هذه من الأسماء المتقابلة التي لا ينبغي أن يثني على الله بها إلا كل واحد منها مع الآخر؛ لأن الكمال المطلق من اجتماع الوصفين، فهو المعطي المانع: لا مانع لما أعطى
ولا معطي لما منع، فجميع المصالح والمنافع منه تطلب، وإليه يرغب فيها، وهو الذي يعطيها لمن شاء ويمنعها من يشاء بحكمته ورحمته”.
وقال الخطابي:
“وفي ذكرهما معاً إنباء عن القدرة وأدل على الحكمة؛ كقوله -تعالى- (وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[البقرة: 245]، وإذا ذكرت القابض مفرداً عن الباسط كنت
كأنك قد قصرت بالصفة على المنع والحرمان، وإذا وصلت أحدهما بالآخر فقد جمعت بين الصفتين منبئاً على وجه الحكمة فيهما”.
عبد الله
: لا يمنع الله عنك شيئاً, ولا يعطيك شيئاً, ولا يحرمك من شيء, ولا يؤخر عنك شيئاً إلا لغاية وحكمة,
قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “إِنَّ لِلَّهِ عَبَّادًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، يُقِرُّهُمْ فِيهَا مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا مِنْهُمْ، فَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ“
المعجم الأوسط
الصفحة أو الرقم: 5/227 |
خلاصة حكم المحدث : لم يرو هذا الحديث عن الأوزاعي إلا عبد الله بن زيد الحمصي
وكمثل رجل يمشي في الصحراء فوجد كوباً من الماء (هذا الماء به سُم) ففرح به وكأنه كل الحياة
ولما أدركه سقط منه وانسكب فحزن حزناً شديداً على الماء المسكوب,
ولكنه لا يدرى أن هذا الماء به سُم فإن شربه مات, هكذا الدنيا
وهكذا إن منع الله عنك شيئاً أو حرمك من شيء,
فذلك لحكمة لا تعلمها أنت, وكن على يقين أن الله أعلم منك بما هو خير لك، فأحــيانا يمنع اللّه عنك مَا تريد ليمنحك مَا تحتاج؛ عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-
قال: “إن الله ليحمي عبده المؤمن الدنيا وهو يحبه، كما تحمون مريضكم الطعام والشراب“(صححه الألباني)؛
فقد يكون الإنسان المؤمن طالباً للمال وللدنيا، فيكدح ويتعب، ورزقه قليل
وقد يظن في نفسه أنه محروم، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: “إن الله -عز وجل- يحمي“؛ بمعنى: يمنع والحمية: الامتناع، أي: يمنع عبده المؤمن من الدنيا.
فعندما يكون لك مريض، والأطباء منعوه من أن يأكل طعاماً معيناً فإنك لا تعطيه هذا الطعام
ليس لكونك تبغضه، وإنما لكونك تحبه، وتخاف عليه من أن يزداد عليه المرض، ولله -عز وجل- المثل الأعلى، فإنه يمنع عبده من الدنيا وهو يحبه، ولو أعطاه الدنيا لأفسدته
فيحميه ويمنعه منها ليدخر له أجره موفوراً يوم القيامة، فلذلك لا يحزن العبد المؤمن ولا يشقى بقلة المال، وإنما الشقي هو الذي حرم من معرفة رب العالمين -سبحانه-, قال الشافعي:
النفس تجزع أن تكون فقيرةً *** والفقر خيرٌ من غنىً يُطغيها
لا تنس يا عبد الله:
أن الله حرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الولد؛ فمات ابنه إبراهيم صغيراً، وجاءت السورة لترد على الجاهلين الذين ظنوه منعا لخير، إنما الحرمان من الله ابتلاء وعطاء, (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)[الكوثر: 3].
وتذكر يا بني آدم، لو فتح الله لنا الغيب لسجدنا لله شكراً على حجبها عنا؛ فالخير ما اختاره الله.
قلت قولي هَذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الشيخ محمد صالح المنجد