معني اسم الله عز وجل الحليم
الدَّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاِسْمِ (الحَلِيمِ
الأسماء الحسنى للرضواني (2/ 60).
الحَلِيمُ فِي اللُّغَةِ صِفَةٌ مُشَبّهَةٌ لِلْمَوْصُوفِ بِالحِلْمِ
فِعْلُهُ حَلُمَ يَحْلُمُ حِلْمًا، وَصِفَةُ الحِلْمِ تَعْنِي الأَنَاةَ
وَمُعَالَجَةَ الأُمُورِ بِصَبْرٍ وَعِلْمٍ وَحِكْمَةٍ
وَفِي مُقَابِلِهَا العَجَلَةُ المُفْسِدَةُ لِأُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا
وَالحَلِيمُ هُوَ الذِي يُرَغِّبُ فِي العَفْوِ وَلَا يُسَارِعُ بِالعُقُوبَةِ
قَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِ إِبْرَاهِيمَ: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 114]
وَيَدْخُلُ فِي مَعْنَى الحِلْمِ بُلُوغُ الصَّبِيِّ الحلمَ أَوْ مَبْلَغَ الرِّجَالِ الحُكَمَاءِ العُقَلَاءِ
كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ ﴾ [النور: 59]
وَقَالَ: ﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴾ [الصافات: 101]
يَعْنِى لَدَيْهِ أَنَاةٌ وَبَصِيرَةٌ وَحِكْمَةٌ مِنْ صِغَرِه
لسان العرب (12/ 146)
وكتاب العين (3/ 246)
زاد المسير (1/ 255).
وَالحَلِيمُ سُبْحَانَهُ هُوَ المُتَّصِفُ بِالحِلْمِ
وَالحِلْمُ صِفَةٌ كَرِيمَةٌ تَقُومُ عَلَى الحِكْمَةِ وَالعِلْمِ وَالصَّبْرِ
وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ صَبُورٌ يَتَمَهَّلُ وَلَا يَتَعَجَّلُ
بَلْ يَتَجَاوَزُ عَنِ الزَّلَّاتِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ يُمْهِلُ عِبَادَهُ الطَّائِعِينَ لِيَزْدَادُوا مِنَ الطَّاعَةِ وَالثَّوَابِ
وَيُمْهِلُ العَاصِينَ لَعَلَّهُم يَرْجِعُونَ إِلَى الطَّاعَةِ وَالصَّوَابِ
وَلَوْ أَنَّهُ عَجَّلَ لِعِبَادِهِ الجِزَاءَ مَا نَجَا أَحَدٌ مِنَ العِقَابِ
وَلَكِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ هُوَ الحَلِيمُ ذُو الصَّفْحِ وَالأَنَاةِ، اسْتَخْلَفَ الإِنْسَانَ فِي أَرْضِهِ وَاسْتَرْعَاهُ فِي مُلْكِهِ
وَاسْتَبْقَاهُ إِلَى يَوْمٍ مَوْعُودٍ وَأَجَلٍ مَحْدُودٍ، فَأَجَّلَ بِحِلْمِهِ عِقَابَ الكَافِرينَ
وَعَجَّل بِفَضْلِهِ ثَوَابَ المُؤْمِنِينَ
تفسير أسماء الله الحسنى (ص: 45)
الدر المنثور (4/ 637).
وَخُلَاصَةُ المَعَانِي فِي تَفْسِيرِ الحَلِيمِ أَنَّهُ الذِي لَا يَعْجَلُ بِالعُقُوبَةِ وَالانْتِقَامِ
وَلَا يَحْبِسُ إِنْعَامَهُ عَنْ عِبَادِهِ لأَِجْلِ ذُنُوبِهِم بَلْ يَرْزُقُ العَاصِي كَمَا يَرْزُقُ المُطِيعَ
وَهُوَ ذُو الصَّفْحِ مَعَ القُدْرَةِ عَلَى العِقَاب
الأسماء والصفات للبيهقي (ص: 72)
وتفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (ص: 45)
والمقصد الأسنى (ص: 94).
وُرُودُهُ فِي القُرآنِ الكَرِيمِ
النهج الأسمى (1/ 274 - 280)
وَرَدَ الاِسْمُ فِي القُرْآنِ إِحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً مِنْهَا:
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 235].
قَوْلُهُ: ﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 263].
قَوْلُهُ: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 51].
قَوْلُهُ: ﴿ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [فاطر: 41].
مَعْنَى الاِسْمِ فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى:
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ:
"(حَلِيمٌ) يَعْنِى: أَنَّهُ ذُو أَنَاةٍ لَا يَعْجَلُ عَلَى عِبَادِهِ بَعُقُوبَتِهِم عَلَى ذُنُوبِهِم
جامع البيان (2/ 327).
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ:
"حَلِيمًا عَمَّنْ أَشَرَكَ وَكَفَرَ بِهِ مِنْ خَلْقِهِ، فِي تَرْكِهِ تَعْجِيلُ عَذَابِهِ لَهُ"
جامع البيان (22/ 95).
قَالَ الخَطَّابِيُّ:
هُوَ ذُو الصَّفْحِ وَالأَنَاةِ، الذِي لَا يَسْتَفِزُّهُ غَضَبٌ، وَلَا يَستَخِفُّهُ جَهْلُ جَاهِلٍ، وَلَا عِصْيَانُ عَاصٍ.
وَلَا يَسْتَحِقُّ الصَّافِحُ مَعَ العَجْزِ اسْمَ الحِلْمِ، إِنَّمَا الحَلِيمُ هُوَ الصَّفُوحُ مَعَ القُدْرَةِ وَالمُتَأَنِّي الذِي لَا يَعْجَلُ بِالعُقُوبَةِ.
وَقَدْ أَنْعَمَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ بَيَانَ هَذَا المَعْنَى فِي قَوْلِهِ:
لَا يُدْرِكُ المَجْدَ أَقْوَامٌ وَإِنْ كَرُمُوا
حَتَّى يَذِلُّوا وَإِنْ عَزُّوا لِأَقْوَامِ
وَيُشْتَمُوا فَتَرَى الْأَلْوَانَ مُسْفرَةً
لَا صَفْحَ ذُلٍّ وَلَكِنْ صَفْحَ أَحْلَامِ
قَالَ ابْنُ الحَصَّارِ
"فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يَتَضَمَّنُ الحِلْمُ الأَنَاةَ.
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَِشَجِّ عَبْدِ القَيْسِ: "إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ الحِلْمُ وَالأَنَاةُ فَعَدَّدَهُمَا؟
رواه مسلم (1/ 18).
فَاعْلَمْ أَنَّ الأَنَاةَ، قَدْ تَكُونُ مَعَ عَدَم الحِلْمِ، وَلَا يَصِحُّ الحلمُ أبدًا إلا مع الأَنَاةِ
والأَناةُ تركُ العَجَلةِ فقد تكونُ لِعَارِضٍ يَعْرِضُ
وَلَا يَكُونُ الحِلْمُ أَبَدًا إِلَّا مُشْتَمِلًا عَلَى الأَنَاةِ، فَتَأَمَّلْهُ!
وكَذَلِكَ لَا يَكُونُ الحَلِيمُ إِلَّا حَكِيمًا، وَاضِعًا لِلْأُمُورِ مَوَاضِعَهَا
عَالِمًا قَادِرًا، إِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا كَانَ حِلْمُهُ مُتَلَبِّسًا بِالعَجْزِ وَالوَهَنِ وَالضَّعْفِ
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا (كَانَ) تَرْكُهُ الانْتِقَامَ لِلْجَهْلِ
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَكِيمًا رُبَّمَا كَانَ حِلْمُهُ مِنَ السَّفَهِ وَتَتَبُّعُ أَمْثَالِ هَذَا..."
الكتاب الأسنى للقرطبي (ورقة 264 ب).
وَقَالَ الأَصْبَهَانِيُّ:
"(حَلِيمٌ) عَمَّنْ عَصَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَخْذَهُ فِي وَقْتِهِ أَخَذَهُ فَهُوَ يَحْلُمُ عَنْهُ وَيُؤَخِّرُهُ إِلَى أَجِلِهِ.
وَهَذَا الاِسْمُ - وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا يُوصَفُ بِهِ المَخْلُوقُ
فَحِلْمُ المَخْلُوقِينَ حِلْمٌ لَمْ يَكُنْ فِي الصِّغَرِ ثُمَّ كَانَ فِي الكِبَرِ.
وَقَدْ يَتَغَيَّرُ بِالمَرَضِ وَالغَضَبِ وَالأَسْبَابِ الحَادِثَةِ
وَيَفْنَى حِلْمُهُ بِفَنَائِهِ وَحِلْمُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَزَلْ وَلاَ يَزُولُ.
وَالمَخْلُوقُ يَحْلُمُ عَنْ شَيءٍ وَلَا يَحْلُمُ عَنْ غَيْرِهِ
وَيَحْلُمُ عَمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ
وَاللهُ تَعَالَى حَلِيمٌ مَعَ القُدْرَةِ"
الحجة في المحجة (ق 21 أ)
اعلم أن حلم المخلوق يليق بضعفه وعجزه
ولكن حلم الله يليق بكماله وجلاله.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ:
"(حَلِيمٌ غَفُورٌ): أَنْ يَرَى عِبَادَهُ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِهِ وَيَعْصُونَهُ، وَهُوَ يَحْلُمُ فَيُؤَخِّرُ وَيُنْظِرُ وَيُؤَجِّلُ وَلاَ يَعْجَلُ، وَيَسْتُرُ آخَرِينَ وَيَغْفِرُ
التفسير (3/ 561)
وانظر: (1/ 318)
والاعتقاد للبيهقي (ص: 58).
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ فِي نُونِيَّتِهِ:
النونية بشرح أحمد بن إبراهيم بن عيسى (2/ 227).
وَهُوَ الحَلِيمُ فَلَا يُعَاجِلُ عَبْدَهُ ♦♦♦ بِعُقُوبَةٍ لِيَتُوبَ مِنْ عِصْيَانِ
وَقَالَ السَّعْدِيُّ:
"(الحَلِيمُ): الذِي يَدُرُّ عَلَى خَلْقِهِ النِّعَمَ الظَّاهِرَةَ وَالبَاطِنَةَ
مَعَ مَعَاصِيهِم وَكَثْرَةِ زَلَّاتِهِم
فَيَحْلُمُ عَنْ مُقَابَلَةِ العَاصِينَ بِعِصْيَانِهِم
وَيَسْتَعْتِبُهُم كَيَّ يَتُوبُوا، وَيُمهِلُهُم كَيَّ يُنِيبُوا
تيسير الكريم الرحمن (5/ 304).