معني اسم الله تعالى الحيّ
الدَّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسمِ (الحيّ
أسماء الله الحسنى للرضواني (2/ 52).
الحيُّ فِي اللُّغة صِفَةٌ مشبهةٌ للموصوفِ بِالحَياةِ
فِعلُهُ (حَيَى) يحْيَا مِن باب (تَعِبَ)
حياةً فهو (حيٌّ)
قَالَ: ﴿ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ﴾ [الأنفال: 42].
والحَيُّ مِنْ كُلِّ شيءٍ: نَقِيضُ الميّتِ، والجمعُ أَحْياء.
والحَيُّ يُطْلَقُ أيضًا عَلَى كُلِّ مُتَكَلِّمٍ نَاطِقٍ.
وَالحَيُّ مِنَ النَّبَاتِ مَا كَانَ أَخْضَرَ طَرِيًّا يَهْتَزُّ.
وَالحَيُّ أيضًا: هُوَ الواحدُ مِنْ أَحْياءِ العَربِ يقع على بَني أَبٍ، كثروا أم قلوا، وعلى شَعْبٍ يجمَعُ القبائلَ.
والحي أَيضًا البطنُ مِنْ بطونِ العربِ
انظر: لسان العرب (14/ 211)
والمفردات للأصفهاني (ص: 269)
والنهاية في غريب الحديث (1/ 472).
والحيُّ سُبْحَانَهُ هُوَ الدائمُ فِي وجودِهِ الباقي حيًّا بذاته عَلَى الدوامِ أزلًا وأبدًا
لا تأخذُهُ سِنةٌ ولا نومٌ.
وهَذَا الوصفُ ليس لِسِواه، فأي طاغوتٍ عُبِدَ مِنْ دون اللهِ إنْ كَانَ حيًّا فحياتُهُ تُغالبُها الغفلةُ والسِّناتُ
وإِنْ قاوَمَها وأراد البقاءَ عَددًا مِنَ الساعاتِ فإِنَّ النومَ يراودُهُ ويأتيه
فضلًا عَنْ كونِ الموتِ يوافيهِ
فَلاَ يَنفردُ بكمالِ الحياةِ وَدَوَامِهَا باللزوم إلا الحيُّ القيومُ
جامع البيان (3/ 5).
قال ابنُ جريرٍ الطبري:
"وأما قولُه الحيُّ فإنَّهُ يعني:
الذي له الحياةُ الدائمةُ والبقاءُ
الذي لا أولَ له يُحدُّ ولا آخِرَ له يُؤمَّدُ
إذ كَانَ كلُّ ما سِوَاه فإنه وإن كان حيًّا فلحياتِهِ أولٌ محدودٌ
وآخرٌ مأمودٌ
ينقطع بانقطاعِ أمدِها وينقضي بانقضاءِ غايتِها"
جامع البيان (3/ 4)
واشتقاق أسماء الله (ص: 102).
والحيُّ سُبْحَانَهُ هو المتصفُ بالحياةِ كوصفِ ذاتٍ للهِ لا يتعلق بمشيئتِهِ
وإنْ تعلَّقَ بها فالإحياءُ وصفُ فعلِهِ.
ولَـمَّا كان كلُّ ما سِوى اللهِ حياتُه قائمة على إحياءِ اللهِ
وإحياءُ الله يدلُّ بالضرورةِ عَلَى وصفِ الحياةِ
عَلَى اعتبار أنَّ الحياةَ الذاتيةَ لله هِيَ الحياةُ الحقيقيةُ وكل مَنْ سِواه يفنى أو قابلٌ للفناء بمشيئةِ اللهِ
فإنَّ اسمَ الله الحيّ دالٌّ عَلَى الوَصفينِ معًا
الحياةُ كوصفِ ذاتٍ والإحياءُ كوصفِ فعلٍ
ومِنْ هنا كانت دعوةُ الموحِّدين إِلَى الاعتمادِ على اللهِ
لأنه الحيُّ الذي لا يموت
كما قال سُبْحَانَهُ: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ﴾ [الفرقان: 58].
والله عز وجل مِنْ أسمائِهِ المقيّدةِ المحيِي فلم يَرِدْ فِي القرآن والسُّنَّة إلا مضافًا
كَمَا فِي قولِهِ: ﴿ إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الروم: 50]
فالمحيي اسمٌ مقيدٌ يدل على صفةِ الحياةِ باللزوم والإحياءِ بالتَّضمنِ
والله عز وجل هو الحيُّ الذي يحيي ويميتُ
إنْ تعلق وصفُ الحياة بالمشيئة كان الإحياءُ وصفَ فعلِهِ
وإنْ لم يتعلقْ بهَا كَانَتْ الحياةُ وصفَ ذاتِهِ
انظر في معنى الاسم: تفسير أسماء الله للزجاج (ص: 56)
والمقصد الأسنى (ص: 117).
وُرُودُهُ فِي القرآنِ الكريمِ
النهج الأسمى (2/ 67 - 71).
وَرَدَ هَذَا الاسمُ فِي خمسِ آياتٍ مِنْ الكتابِ العزيزِ، وهِيَ:
قولهُ تَعَالَى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ﴾ [البقرة: 255].
وقولهُ تَعَالَى: ﴿ الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [آل عمران: 1، 2].
وقولهُ تَعَالَى: ﴿ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ﴾ [طه: 111].
وقولهُ تَعَالَى: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 58].
وقولهُ تَعَالَى: ﴿ هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [غافر: 65].
مَعْنَى الاسمِ فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى:
قَالَ الطبريُّ:
"وأما قولهُ: (الحي) فإنه يعني: الذي له الحياةُ الدائِمةُ والبقاءُ الذي لا أولَ له يُحَدُّ
ولا آخرَ له يُؤمَّدُ
من الأمد: وهو الغاية ومنتهى الأجل.
إذْ كان كلُّ ما سِواه فإنه وإنْ كان حيًّا فلحياتِهِ أولٌ محدود
وآخرٌ مأمود
ينقطعُ بانقطاعِ أمدِهَا
وينقضي بانقضاءِ غايتِها"
جامع البيان (3/ 4).
وقد حكى بعد ذلك الاختلافَ في تأويلِ هذا الاسمِ
وما يدلُّ عليه مِن الصفة
فقال: "وقد اختلَف أهلُ البحث في تأويلِ ذلك
فقال بعضُهم: إنما سمَّى اللهُ نفسَه (حيًّا) لصرفِهِ الأمورَ مصارفَها
وتقديرِه الأشياءَ مقاديرَها
فهو حيٌّ بالتدبير لا بحياة...
وقال آخرون:
بل هو حيٌّ بحياةٍ هي له صفة...
وقال آخرون:
بل ذلك اسم من الأسماء تَسَمَّى به؛ فقُلناه تسليمًا لأمره"
انتهى كلام ابن جرير.
والعجبُ كيف سكَت على القول الأول
وهو مِن أقوال الجهميَّةِ نُفَاةِ الصفاتِ
إذ كلامهم هنا يقتضي نفيَ الصفة وتفسيرَها بلوازمها وهو التقديرُ والتدبيرُ.
والقول الأخير أيضًا هو مذهب المفوّضةِ المبتدِعةِ.
والصواب هو القول الثاني
وقد اختاره في الموضع الآتي ذكره
قاله النجدي.
وَقَالَ فِي آية آل عمرانَ: "
وَقَالَ آخرون: معنى ذلك:
أَنَّ له الحياةَ الدائمةَ التي لم تَزَلْ له صفةً ولا تزالُ كذلك
وقالوا: إنما وَصَفَ نَفسَهُ بالحياةِ لأنَّ له حياةً
كما وصفَها بالعلمِ لأنَّ لها عِلمًا
وبالقدرةِ لأن لها قُدْرةً.
ومعنى ذلك عندي: أنه وَصَفَ نَفسَهُ بالحياةِ الدائمةِ التي لا فَناء لها ولا انقطاعَ
وَنَفَى عَنهَا ما هو حَالٌ لكلِّ ذي حَياةٍ مِنْ خلقِهِ
من الفناءِ وانقطاعِ الحياةِ عند مجيءِ أجلِهِ
فأخبر عبادَهُ أنه المستوجبُ عَلَى خلقِهِ العبادةَ والألُوهةَ.
و(الحيُّ) الذي لا يموتُ ولا يَبيدُ
كما يموتُ كلُّ مَنِ اتُّخِذَ مِنْ دونِهِ رَبًّا
ويَبيدُ كلُّ مَنِ ادُّعِيَ مِنْ دونه إلهًا، واحتجَّ على خَلقه بأنَّ: مَنْ كَانَ يبيدُ فيزولُ ويموتُ فيفنى
فلا يكون إلهًا يستوجب أَنْ يُعبدَ دون الإلهِ الذي لا يبيدُ ولا يموتُ
وَأَنَّ الإلهَ هو الدائمُ الذي لا يموت ولا يبيدُ ولا يفنى
وذلك الله الذي لا إله إلا هو"
جامع البيان (3/ 109)
وهنا قد صرَّح باختياره للمذهب الحق في معنى الاسم
والحمد لله.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ:
"(الحيُّ) يُفيدُ دوامَ الوجودِ
والله تَعَالَى لم يَزلْ مَوجودًا
وَلا يزال موجودًا"
تفسير الأسماء (ص: 56).
وَقَالَ الزجاجيُّ:
"(الحيُّ) في كلامِ العربِ: خِلافُ الميتِ
والحَيَوان خلافُ المواتِ.
فالله عز وجل الحيُّ الباقي
الذي لا يجوزُ عليه الموتُ ولا الفناءُ عز وجل وتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ علوًّا كبيرًا.
ولا تَعرفُ العربُ عن الحيِّ والحياةِ غيرَ هذا"
اشتقاق الأسماء (ص: 102).
وَقَالَ الخطابي:
"(الحيُّ) مِن صفة الله تَعَالَى:
هو الذي لم يزلْ موجودًا وبالحياة موصوفًا
لم تَحدُثْ له الحياةُ بعد موتٍ
ولا يَعترضُه الموتُ بعدَ الحياةِ
وسائرُ الأحياء يَعْتَورُهُم الموتُ أو العدمُ فِي أحدِ طَرَفَي الحياةِ أو فيهما معًا
{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88]"
شأن الدعاء (ص: 80).
وذكر البيهقيُّ
العبارةَ الأولى للخطابي
ثم قال: "فالحياةُ له صفةٌ قائمةٌ بذاتِهِ"
الاعتقاد (ص: 62).
وَقَالَ ابنُ كثيرٍ:
"(الحيُّ القيومُ)
أي: الحيُّ فِي نفسِهِ الذي لا يموتُ أبدًا
القيِّمُ لغيرِهِ"
التفسير (1/ 308).
اخوة الاسلام
و في الموضوع القادم سوف نبين
معني اسم القيوم بالتفصيل