معني اسم الله تعالى الرب
الدَّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسمِ اللهِ (الرَّب)
أسماء الله الحسنى للرضواني (2/ 128).
الرَّبُّ فِي اللغةِ صِفةٌ مشبهَةٌ للموصوف بالرُّبُوبِيَّةِ
فعْله ربَّ يربُّ ربوبية
أو ربَّى يربِّي تربية.
والربُّ هو الذي يُربي غيرَه
ويُنشئه شيئًا فشيئًا.
ويُطْلَقُ على المالِك والسَّيِّد والمدَّبِّرِ والمُرَبِّي والقيِّم والمُنْعِم.
ولا يُطْلَقُ غيرَ مُضافٍ إلا على اللهِ تعالى
وإذا أُطلقَ على غيرِه أُضِيفَ
كربِّ الإبل ورَبِّ الدارِ؛ أي: مالكها
ويُطلق أيضًا على السّيدِ المطاعِ
ومنه قولُه تعالى: ﴿ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ﴾ [يوسف: 41]
أي: سيدَهُ المطاعَ
ويطلق الربُّ أيضًا على المعبودِ
ومنه قولُ الشاعر:
أَرَبٌّ يَبُولُ الثُّعْلُبَانِ بِرَأْسِهِ
لقد ذَلَّ من بالتْ عليهِ الثَّعَالِبُ
فوصْفُ الرَّبِّ مِن الناحية اللغوية يكُون لمن أنشَأ الشَّيْءَ حالًا فحالًا إلى حَدِّ التمامِ
أو قام على إصلاحِ شؤونِه وتولَّي أمرَهِ بانتظامٍ
انظر بتصرُّف:
مفردات ألفاظ القرآن (ص: 336)
والنهاية في غريب الحديث (2/ 179
والرَّبُّ سبحانه وتعالى هو المتكفِّلُ بخلْقِ الموجوداتِ وإنشائِها
والقائمُ على هدايتِها وإصلاحِها
وهو الذي نظَّمَ معيشتَها ودبَّر أمْرَهَا
ودليلُ هذا المعنى ما ورد في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54]
فالربُّ سبحانه هو المتكفِّل بالخلائق أجمعين إيجادًا وإمدادًا ورعايةً وقيامًا على كلِّ نفسٍ بما كسبَتْ.
قال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ﴾ [الرعد: 33].
وحقيقةُ معنى الربوبية في القرآن تقوم على رُكْنَين اثنين وَرَدَا في آياتٍ كثيرة:
أحدُهما: إفرادُ اللهِ بالخلْقِ.
والثاني: إفرادُه بالأَمْرِ وتدبير ما خلقَ.
كما قال تعالى عن موسى؛ وهو يُبين حقيقةَ الربوبية لفرعونَ لما سأله: ﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 49، 50]
فأجاب فرعونَ عن الربوبية بحصْرِ معانيها فِي معنيَين جامِعَين
الأول: إفرادُ الله بتخليقِ الأشياء وتكوينها وإنشائها من العدم حيث أعطى كلَّ شيءٍ خلْقَهُ وكمالَ وجودِهِ
والثاني: إفرادُ اللهِ بتدبيرِ الأمْرِ في خلْقِهِ كهِدايتِهم
والقيام على شؤونِهم
وتصريفِ أحوالهم
والعنايةِ بهم
فهو سبحانه الذي تَوكَّل بالخلائق أجمعين
قال تعالى: ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [الزمر: 62
انظر في المعنى القرآنيَّ للرَّبِّ والرُّبوبية: المختصر المفيد في أنواع التوحيد للمؤلف (ص: 88 - 116)
قال اللهُ عز وجل: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2].
وعن العباسِ رضي الله عنه؛ أنه سَمعَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "ذاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَنْ رَضِي بِاللِه رَبًّا، وَبِالإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم رَسُولًا"
أخرجه مسلم (34) في الإيمان
باب: الدليل على أنَّ مَن رضي بالله ربًّا
وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولًا فهو مؤمن
وإنِ ارتكبَ المعاصيَ والكبائر.
قال الحليميُّ
فِي معنى الربِّ:
"هو المُبْلِغُ كلَّ ما أبدعَ حدَّ كمالِهِ الذي قدَّرَ له.
فهو يسلُّ النطفةَ من الصُّلبِ ثم يجعلُها علقةً
ثم العلقةَ مُضغةً، ثم يخلق المُضْغَةَ عظامًا
ثم يكسو العَظمَ لحمًا، ثم يخلقُ الرُّوحَ فِي البدَنِ
ويخرجُه خلقًا آخر
وهو صغيرٌ ضعيفٌ
فلا يزال يُنميه ويُنشيه حتى يجعلَهُ رجلًا
ويكونُ فِي بدءِ أمرِهِ شابًّا
ثم يجعلهُ كهلًا
ثم شيخًا وهكذا كلُّ شيءٍ خلقَهُ
فهو القائِمُ عليه
والمُبلِغُ إياه الحدَّ الذي وضَعَه له
وجعله نهايةً ومقدارًا له.
وقال أبو سليمان
فيما أُخبرتُ عنه: قد رَوَى غيرُ واحدٍ من أهلِ التَّفْسيرِ فِي قوله جل وعلا: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]
إِنَّ معنى الرَّبِّ السَّيِّدُ
وهذا يستقيمُ إذا جعلنا العالمين معناه المميّزون دون الجمادِ
لأنه لا يصحُّ أن يُقالَ: سَيّدُ الشجرِ والجبالِ ونحوِها. كما يُقال: سَيِّدُ النَّاسِ
ومِنْ هذا قولُه: ﴿ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ﴾ [يوسف: 50]
أي: إلى سيدك.
وقيل: إِنَّ الرَّبَّ المالِكُ
وعلى هذا تستقيُم الإضافةُ إلى العمومِ
وذَهَبَ كثيرٌ منهم إلى أَنَّ اسم العالَم يقع على جميع المكوناتِ
واحتجّوا بقوله سبحانه وتعالى: ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ﴾ [الشعراء: 23، 24]
الأسماء والصفات للبيهقي (ص: 73 - 74).
والرَّبُّ: المُصلِحُ والجابِرُ والمدَبِّرُ والقائِمُ.
قال الهَرَويُّ وغيرُه:
ويقال لمن قام بمصالح شيءٍ وإتمامِهِ: قد رَبَّه يربُّه فهو رَبٌّ
ومنه سُمِّي الرَّبَّانيُّون لقيامهم بالكتُبِ وإصلاح الناس بها
ومنه الحديث "هَلْ لَكَ مِنْ نِعْمَةٍ تُرَبُّهَا عَلَيْهِ"
أي تقومُ بها. ومنه قول النابغة:
وَرَبَّ عَلَيْــهِ اللهُ أَحْسَنَ صُنْعِهِ
وَكَانَ لَهُ خَيْرُ البَرِيَّـةِ ناصرًا
ورببْتُ الأديمَ: دهنتُه بالرُّبِّ قال:
فَإِنْ كُنْتِ مِنِّى أَوْ تُرِيدِينَ صُحْبَتِي
فَكُونِي لَهُ كَالسَّمْنِ رُبَّ لَهُ الأدمُ
وهو يرجعُ إلى معـنى الإصـلاح يُقال: رببتُ الزق بالـرُبِّ
والـربُّ السلافُ الخـائر مِن كـلِّ الثمـار
ويُقـال مِـن ذلك (رببت الزقَّ) بالقـير إذا أصلحْته.
والرَّبُّ المعبودُ يدل عليه حديثُ عذابِ القبرِ
يقال له: "مَنْ ربُّك"؛ المرادُ: مَنْ معبودُك.
فالله سبحانه رَبُّ الأربابِ ومعبودُ العُبَّادِ
يَمْلكُ المالكَ والمَمْلوكَ وجميعَ العبادِ.
وهو خالقُ ذلك ورازقُه
وكلُّ ربٍّ سواهُ غيرُ خالقٍ ولا رازقٍ.
وكلُّ مخلوقٍ فمُملَّكٌ بعد أَنْ لم يكُنْ
ومنتَزعٌ ذلك مِن يدِهِ
وإنَّما يَملِكُ شيئًا دونَ شيءٍ
وصِفةُ اللهِ تعالى مخالِفَةٌ لهذا المعنى
فهذا الفرقُ بين صفاتِ الخالقِ والمخلوقين.
فأما قولُ فرعونَ - لعنهُ اللهُ - إذ قال: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات: 24]، فإنه أراد أن يَستبدَّ بالرُّبوبيَّةِ العاليةِ على قومِهِ، ويكُونَ ربَّ الأربابِ، فيُنازِع اللهَ في ربُوبيَّته ومُلكِهِ الأعلى:
﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى ﴾ [النازعات: 25].
وقد قِيلَ: إِنَّ الربَّ مُشْتَقٌّ مِن التربيةِ
فالله سبحانه مُدبِّرٌ لخلقِهِ ومُربِّيهم ومصلِحُهُم وجابِرُهم
القائِمُ بأمورِهم
قيومُ الدُّنيا والآخرةِ
كلُّ شَيءٍ خَلْقُه
وكلُّ مذكورٍ سِواه عَبْدُه
وهو سبحانه رَبُّه
لا يصلحُ إلا بتدبيرِهِ
ولا يقـومُ إلا بأمـرِهِ
ولا يربُّه سِـوَاه
ومـِن هـذا المعـنى قـوله تعـالى: ﴿ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ﴾ [النساء: 23]
فسَمَّى وَلدَ الزَّوجةِ ربيبةً لتربيةِ الزوجِ لها
فعلى أَنَّه مُدَبِّرٌ لخلقِهِ ومربيهم ومُصلحُهم وجابرُهُم يكُون صِفة فعْلٍ
وعلى أن الربَّ المالكُ والسَّيِّدُ يكونُ صِفةَ ذاتٍ.
فيجبُ على كلِّ مكلَّفٍ أَنْ يَعلَمَ أَنْ لا رَبَّ له على الحقيقةِ إلا اللهُ وَحْدَهُ
وأَنْ يُحسِنَ تربيةَ مَنْ جُعِلَتْ تربيتُه إليه
فيقومَ بأمرِهِ ومَصالحِهِ كما قام الحقُّ به
فيُرَقِّيهُ شيئًا شيئًا
وطورًا طورًا
ويحفظهُ ما استطاعَ جُهْدَهُ كما حَفِظَهُ اللهُ.
قال ابن عباس وسُئل عن الرَّبَّانيِّ؟
فقال: "هو الذي يُعلمُ الناسَ بصِغارِ الأَمْرِ قَبْلَ كبارِه".
فالعبدُ يتضرَّعُ إلى اللهِ العظيمِ
فيقول: ﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ﴾ [القصص: 16].
ولا يتحلَّى به
ولا يَصِفُ نفسَه به
فقد صَحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي وَأَمَتِي، وَلَا يَقُلِ المَمْلُوكُ: رَبِّي وَرَبَّتِي، وَلْيَقُلِ المَالِكُ: فَتَاتِي وَفَتَايَ، وَلْيَقُلِ المَمْلُوكُ: سَيِّدِي وَسَيِّدَتِي؛ أَنْتُمُ المُمَلَّكُونَ وَالرَّبُّ الُله"
صحيح: أخرجه البخاري في الأدب المفرد (210)
وأبو داود (4975) في الأدب
باب: لا يقول المملوك: (ربِّي) و (ربك)
وأحمد في مسنده (2/ 423)
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو في الصحيحين بلفظٍ قريبٍ منه،
وقال الألباني في صحيح سُنن أبي داود: صحيح.
ذكرَهُ ابنُ العربي
الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى للقرطبي (1/ 396).
وقال ابنُ الأنباري
هو الإمام الحافظ اللغوي ذو الفنون، أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار بن الأنباري، المقرئ النحوي.
قال الخطيب: كان ابنُ الأنباري صدوقًا دَيِّنًا مِن أهل السُّنَّةِ.
قال الذهبي: له كتاب الوقْف والابتداء، وكتاب المُشْكِل، و غريب الحديث النبوي، وغيرها
تاريخ بغداد (3/ 181 - 186)
السير (15/ 274).
"الرَّبُّ ينقسِمُ على ثلاثةِ أَقْسام
النهج الأسمى (1/ 410 - 418).
يكونُ الرَّبُّ المالِكَ
ويكونُ الربُّ السِّيدَ المُطاعَ
قال الله تعالى: ﴿ فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ﴾ [يوسف: 41]
أي: سَيِّدَهُ.
ويكون الربُّ المُصلِحَ،
ربَّ الشيءَ إذا أصلحَه"
اللسان (3/ 1547)
وقد ذكر الطبري هذه الوجوهَ الثلاثةَ في تفسيره (1/ 47 - 48)
والزجاجي (ص: 32)
والخطابي في شأن الدعاء (ص: 99 - 100)
والقرطبي في الأسنى (ورقة 370 ب، 371 أ)
وزاد معنى رابعًا وهو: المعبود.
وقال الراغبُ:
"الربُّ في الأصلِ التربيةُ
وهو إنشاءُ الشَّيءِ حالًا فحالًا إلى حدِّ التَّمامِ"
المفردات (ص: 184).