معني اسم الله تعالى الرقيب
اليوم إن شاء الله تعالى -
أن نطرق اسماً آخر من أسماء الله البديعة
ونعتاً آخر من نعوته الجليلة
مما لو عرفنا حقيقته
واستجلينا عظمته
انضبطت أفعالنا
وصدقت أقوالنا
وحسنت تصرفاتنا
واستقامت علاقاتنا.
ولما ساءت أحوال بعضنا
ولا كثرت الخصومات بين كثير منا
ولا انتشرت الاعتداءات في صفوف بعض شبابنا
ولا سمعنا عن أخبار الاعتداءات والتجاوزات في حق بعضنا
ولا عرف أكلُ أموال الناس بالباطل من سرقة
ورشوة، وتزوير، وتحايل
طريقا إلى أخلاقنا.
إنه اسم الله "الرقيب"
الذي يرقب كل شيء ويحفظه
ويعلم كل شيء ويخبُرُه. لا يخفى عليه من العبد سرُّه ولا علانيتُه
ولا ظاهرُه ولا باطنُه. المدبرُ أمر مملكته
فلا يعزب عنه منها دقيق ولا جليل. أحاط بها حفظا
وتقديرا، وأمرا، و مآلا
﴿ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [يونس: 61].
والرقيب الذي ينظر عن قصد
فيتتبع كل شيء
ويحيط بكل شيء
وليس مجرد بصير
لأن البصير قد يرى الشيء ولا يقصد إلى النظر إليه
بخلاف الرقيب
الذي يعلم الظواهر وخفي الأسرار
ويعلم البصيرة الصادقة وخائنة الأبصار.
﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: 14].
ولفظ الرقيب مأخوذ من مادة رَقَبَ، التي تدل على الانتصاب لتتبع شيء وملازمته. ومنه المَرْقَب
وهو المكان العالي الذي ينتصب فيه الناظر
فيراقب منه. ومنه الرَّقَبَة
لأنها منتصبة
والناظر يتطاول ويشرئب بعنقه وينتصب عند النظر. والترقب: الانتظار
ومنه قوله - تعالى -: ﴿ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ﴾ [هود: 93].
وراقبَ اللهَ - تعالى - في أمره
بمعنى خافه.
قال - تعالى - في مطلع سورة النساء: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
قال ابن كثير - رحمه الله -:
"أي: هو مراقب لجميع أعمالكم وأحوالكم، كما قال: (وَالله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)".
قال الخازن في "لباب التأويل" (1/473)
في تفسير قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) :
"والرقيب في صفة الله تعالى : هو الذي لا يغفل عما خلق ، فيلحقه نقص ، ويدخل عليه خلل
وقيل : هو الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء من أمر خلقه
فبيّن بقوله : (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) أنه يعلم السر وأخفى , وإذا كان كذلك فهو جدير بأن يخاف ويتقى" انتهى .
وقال الألوسي في "روح المعاني" (4/209) :
"ناظراً إلى قلوبكم ، مطلعاً على ما فيها" انتهى .
وقال في "التحرير والتنوير" (13/150)
في تفسير قوله تعالى : (أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ) الرعد/33 .
"والقائم على الشيء : الرقيب فيشمل الحفظ والإبقاء والإمداد" انتهى .
وقال ابن جرير في قوله :
( وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا ) الأحزاب/52 .
"يقول : وكان الله على كل شيء : ما أحل لك ، وحرم عليك ، وغير ذلك من الأشياء كلها ، حفيظًا ، لا يعزب عنه علم شيء من ذلك ، ولا يؤوده حفظ ذلك كله" انتهى .
"تفسير الطبري" (20/304) .
و(الرقيب) اسمٌ من أسماء الله الثابتة بالكتاب.
· الدليل:
1- قولـه تعالى: إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء: 1].
2- وقولـه تعالى: وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ [المائدة: 117 ].
وجاء في "لسان العرب" (1/424) مادة : (رقب) :
"في أَسماءِ اللّه تعالى : الرَّقِيبُ , وهو الحافظُ الذي لا يَغيبُ عنه شيءٌ" انتهى .
قال ابن الأثير
: (الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء)
((جامع الأصول)) (4/179).
وقال السعدي:
(الرقيب: المطلع على ما أكنَّته الصدور، القائم على كل نفس بما كسبت، الذي حفظ المخلوقات وأجراها على أحسن نظام وأكمل تدبير)
((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) (5/301).
قـال القرطبي
: (رقيب؛ بمعنى: رَاقِب، فهو من صفات ذاته، راجعة إلى العلم والسمع والبصر؛ فإن الله تعالى رقيب على الأشياء بعلمه المقدس عن مباشرة النسيان، ورقيب للمبصَرات ببصره الذي لا تأخذه سنة ولا نوم
ورقيب للمسموعات بسمعه الـمُدرِكِ لكل حركة وكلام؛ فهو سبحانه رقيب عليها بهذه الصفات، تحت رِقبته الكليات والجزئيات وجميع الخفيات في الأرضين والسماوات
ولا خفيَّ عنده، بل جميع الموجودات كلها على نمطٍ واحدٍ، في أنها تحت رِقبته التي هي من صفته)
((الأســنى في شرح أسماء الله الحسنى)) (1/401)