كثرة الردود والكلام من غير علم ولا حجة ولا برهان
لا تفيد شيئا ولا تسمن ولا تغني من جوع
وضرب اقوال اهل العلم بعضها ببعض من صفات اهل الباطل
بينا ما نعتقده حقا
ونصرناه باقوال اهل العلم
واما الجدال او كلما رلد احد نرد عليه فلا تفيد وانما تقسي القلب
وليس كل رد يستحق الرد
ان السبيل الحق هو الانكِفافُ عن مُتابعةِ الرد على أكثر المُخالِفينَ فيما يَهْرِفُونَ! وعن تتبُّعِهم في أكثر ما به يتسافَهُونَ!!
وقد ظَهَرَ الحقُّ، وانْكَشَفَ الخَلَلُ، وتميَّزَت الصُّفوفُ -وإنْ لمْ يعترِفْ بذلك أقوامٌ!-؛ فقد أدَّينا الذي علينا -بحَمدِ ربِّنا العظيم الجبّار-؛ فلا نريدُ التكرار ، أو أن ننجرّ للاجترار!!!
وما أجملَ ما قالَهُ فضيلةُ الشيخِ ربيع بنِ هادِي -حفظهُ اللهُ- فيما يُشبِهُ ما نحنُ فيه-: (مُجاراة السُّفهاء غير لائقة بالعقلاء)؛ إذْ إنَّ تلكَ الفئةَ المُشاغِبَةَ المُتهجِّمَةَ المُتَجَهِّمَةَ -لُغةً!- قد انكشَفَت؛ حتّى صارَتْ -فوا أَسَفاهُ- أدنَى مِن أنْ تُعطَى أكثرَ مِن حقِّها في الرُّدودِ والاهتمام -ولو بأقلِّ الكلام-!
فالتَّقاوُلُ معهُم هِذْيانٌ لا يَليقُ بالعُقلاءِ! مع حِرصِهِم على استمرارِ (!) التَّخاوُضِ والتَّفاوُضِ معهُم في عَيِّهِم وغَيِّهِم؛ لأنَّهُ لا حياةَ لهم (!) في غيرِ ذلك!! فلو قُطِعَ عنهُمُ الرَّدُّ وأُهْمِلُوا: جَفُّوا كما تَجِفُّ المُستنقَعاتُ! وذَبَلُوا كما تذبُلُ الأحراشُ!
قال شيخَ الإسلامِ ابنِ تيميَّةَ (ص245): (هذا وأنا في سَعَةِ صَدْرٍ لِمَنْ يُخالِفُنِي؛ فإنَّهُ وإنْ تعدَّى حُدودَ الله في تكفيرٍ، أو تفسيقٍ، أو افتراءٍ، أو عصبيَّةٍ، أو جاهليَّةٍ: فأنا لا أتعدَّى حُدودَ اللهِ فيه، بل أضبطُ ما أقولُهُ وأفعلُهُ وأزِنُهُ بمِيزانِ العدلِ...).
«مجموع الفتاوَى» (الجزء3
وقال (ص249): (ومأمورٌ -أيضاً- مع ذلك أنْ أقولَ -أو أقومَ-: بالحقِّ حيثُ ما كُنتُ؛ لا أخافُ في اللهِ لومةَ لائمٍ؛ كما أخرَجَا في «الصحيحَيْنِ» عن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ، قال: (بايَعْنَا رسولَ الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- على السَّمْعِ والطاعةِ في يُسْرِنا وعُسْرِنا، ومَنشطِنا ومَكرهِنا، وأثَرَةٍ علينا، وأنْ لا نُنازِعَ الحقَّ أهلَهُ، وأنْ نَقولَ بالحقِّ حيثُما كُنّا لا نَخافُ في الله لومَةَ لائمٍ)، فبايَعَهُم على هذه الأُصولِ الثَّلاثةِ الجامعَةِ، وهي: الطاعةُ في طاعةِ الله؛ وإنْ كان الآمِرُ ظالِماً، وتَرْكُ مُنازَعَةِ الأمرِ أهلَهُ، والقيامُ بالحقِّ بِلا مَخافةٍ مِن الخَلْقِ»...
وكان قد قال -قبلَ ذلك-: (ومما يجبُ أنْ يُعْلَمَ أنَّ الذي يُريدُ أنْ يُنْكِرَ على الناسِ ليس له أنْ يُنكِرَ إلاّ بحُجَّةٍ وبيانٍ...) إلى آخرِهِ -في كلامٍ جميلٍ دقيقٍ-.
وأختُمُ هذا الكلمة بما قالَهُ الإمامُ ابنُ القيِّمِ -رحِمَهُ اللهُ- في «مَدارِجِ السَّالِكِينَ» (1/21):«ولمَّا كان طالِبُ الصِّراطِ المُستقيمِ طالِبَ أمْرٍ أكثرُ الناسِ ناكِبُونَ عنهُ، مُريداً لسُلوكِ طريقٍ مُرافِقُهُ فيها في غايةِ القِلَّةِ والعِزَّةِ، والنُّفوسُ مَجبولةٌ على وَحشةِ التفرُّدِ، وعلى الأُنسِ بالرَّفِيقِ: نَبَّهَ اللهُ -سُبحانَهُ- على الرَّفِيقِ في هذه الطَّرِيقِ، وأنَّهُم هُمُ {الذين أنْعَمَ اللهُ عليهِم مِن النبيِّينَ والصدِّيقينَ والشُّهداءِ والصَّالحِِينَ وحَسُنَ أولئكَ رَفيقاً}، فأضافَ الصِّراطَ إلى الرَّفِيقِ السَّالِكينَ له، وهُم الذين أنْعَمَ اللهُ عليهِم؛ ليزولَ عن الطالبِ للهدايةِ، وسُلوكِ الصِّراطِ وَحْشَةُ تفرُّدِهِ عن أهلِ زَمانِهِ وبَنِي جِنسِهِ، ولِيَعْلَمَ أنَّ رفيقَهُ في هذا الصِّراطِ هُم الذين أنْعَمَ اللهُ عليهِم، فلا يَكترِثُ بمُخالفةِ النَّاكِبِينَ عنهُ له؛ فإنَّهُم هُم الأقلُّونَ قَدْراً وإنْ كانُوا الأكثَرِينَ عدداً! كما قال بعضُ السَّلَفِ: عليكَ بطريقِ الحقِّ، ولا تستوحِشْ لِقلَّةِ السَّالِكِينَ، وإيّاك وطريقَ الباطلِ، ولا تَغْتَرَّ بكَثْرَةِ الهالكِينَ.
وكُلَّما استوحَشْتَ في تفَرُّدِكَ فانظُر إلى الرَّفِيقِ السَّابِقِ، واحرِص على اللَّحاقِ بهِم، وغُضَّ الطَّرْفَ عمَّن سِواهُم، فإنَّهُم لنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِن الله شيئاً، وإذا صاحُوا بِكَ في طريقِ سَيْرِكَ فلا تَلْتَفِتْ إليهِم، فإنَّكَ مَتَى الْتَفَتَّ إليهِم أخذُوكَ وأعاقُوكَ.
وقد ضَرَبْتُ لذلك مَثَلَيْنِ؛ فلْيَكُونا مِنكَ على بالٍ:
* المَثَل الأوَّل: رجُلٌ خَرَجَ مِن بيتِهِ إلى الصَّلاةِ -لا يُريدُ غيرَها-، فعرَضَ له في طريقِهِ شيطانٌ مِن شياطِينِ الإنسِ، فألقَى عليه كَلاماً يُؤذِيهِ، فوَقَفَ وردَّ عليه، وتماسَكَا، فرُبَّما كانَ شيطانُ الإنسِ أقوَى منهُ؛ فقَهَرَهُ، ومَنَعَهُ عن الوُصولِ إلى المسجدِ، حتّى فاتَتْهُ الصَّلاةُ!
ورُبَّما كان الرَّجُلُ أقوَى مِن شيطانِ الإنسِ، ولكن اشتغلَ بمُهاوشَتِهِ عن الصَّفِّ الأوَّلِ، وكمالِ إدراكِ الجماعةِ، فإنِ الْتَفَتَ إليه أطْمَعَهُ في نفسِهِ، ورُبَّما فَتَرَتْ عزيمتُهُ!
فإنْ كان له معرفةٌ وعلمٌ زاد في السَّعْيِ والجَمْزِ بقدر التفاتِهِ أو أكثرَ!
فإنْ أعرضَ عنه واشتغلَ بما هُو بصدَدِهِ، وخافَ فَوْتَ الصَّلاةِ أو الوقتِ لمْ يَبْلُغْ عَدُوُّهُ منهُ ما شاءَ.
* المَثَل الثَّانِي: الظَّبْيُ أشدُّ سَعْياً مِن الكَلْبِ، ولكنَّهُ إذا أحسَّ به الْتَفَتَ إليه، فيضعُفُ سَعْيُهُ، فيُدْرِكُهُ الكَلْبُ فيأخُذَهُ!
والقصدُ: أنَّ في ذِكْرِ هذا الرَّفِيقِ ما يُزيلُ وَحشةَ التفرُّدِ، ويَحُثُّ على السيرِ والتشميرِ للَّحاقِ بهِم».
واللهُ المُستعانُ، وعليه التُّكلان...
ولا حول ولاقوة الا بالله