بسم الله الرحمن الرحيم.
بينما كنت أقرأ أحد المواضيع الساخنة في منتدى النقاش . لفت انتباهي إشارة من الأخ قاهر العلمانيين إلى مسألة معينة وأحال بنا إلى موضوع في منتدى آخر . وفهمت من كلام الأخ قاهر العلمانيين-مع قلة فهمي واطلاعي- أنه يستهزأ بهذه الفكرة وبمن يقولون بها . ولكن المسألة هي أن الكلام الذي وجدته حيث أحالنا الأخ قاهر كان مفحما جدا، إستعمل فيه صاحبه أسلوبا حقا . ففيه الأدلة من الكتاب والسنة وتفسيرها بأقوال السلف . وهذا الذي أريده . فما كان مني سوى التوقف فيها إلى حينِ.
فما على الأخ قاهر العلمانيين هو أو كل من رأى برأيه سوى أن يعتبرني جاهلا- كما أنا بالفعل - ويفحمني ويثبت لي بالكتاب والسنة وأقوال السلف أن نظرية الغرب في ما ذُكر صحيحة وأن الأرض تدور حول الشمس و حول نفسها .
الكلام المحال إليه :
الأدلة الدالة على ثبوت الأرض وعدم دورانها
أولاً الأدلة من القرءان الكريم:-
لقد تكاثرت الأدلة من القرءان على ثبات الأرض بالجبال وعدم تحركها ودورانها وسأذكر شيئاً منها مع ذكر ما قاله أهل التفسير فيها.
1) قال تعال :{أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }النمل61 . قال الحافظ العماد ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره عند هذه الآية (…أي قارة ساكنة ثابتة لا تميد ولا تتحرك بأهلها,ولا ترجف بهم فإنها لو كانت كذلك لما طاب عليها العيش والحياة,بل جعلها من فضله ورحمته مهاداً بساطا ثابتة.
2) قال تعال :{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاء بِنَاء }غافر64
قال الإمام السعدي رحمه الله في تفسيره عند هذه الآية (أي قارة ساكنة مهيأة لكل مصالحكم ,تتمكنون من حرثها,وغرسها,والبناء عليها,والسفر والإقامة عليها )
3) قال تعال :{{5} أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً{6} وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً{7}} النبأ .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره عند هذه الآية (ممهدة للخلائق ذلولا ًلهم قارة ساكنة ثابتة *والجبال أوتادا*أي جعلها لها أوتادا أرساها بهاو ثبتها,وقررها,حتى سكنت,ولم تضطرب بمن عليها)
4) قال تعالى :{أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ }الملك16
قال الإمام الشوكاني رحمه الله في تفسيره عند هذه الآية (أي تضطرب وتتحرك على خلاف ما كانت عليه من السكون)
5) قال تعالى :{وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الرعد3
قال الإمام الآلوسي رحمه الله في تفسيره عند هذه الآية (وما أشارت إليه هذه الآية ونطق به غيرها من الآيات,من كون الجبال سبباً لاستقرار الأرض وأنها لولاها لمادت أمر لا يقوم على أصولنا دليل يأباه, فنؤمن به وإن لم نعلم ما وجه ذلك على التحقيق)
6)قال تعالى :{وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }النحل15
قال الإمام البغوي رحمة الله في تفسيره عند هذه الآية (أي لئلا تميد بكم أي تتحرك وتميل,والميد:هو الأضطراب والتكفؤ ومنه قيل للدوار الذي يعتري راكب البحر(ميد)
7)قال تعالى :{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطاً{19} لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً{20}}نوح
قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره عند هذه الآية (أي بسطها ومهدها وقررها وثبتها بالجبال الراسيات الشم الشامخات)
8) قال تعالى :{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً}فاطر41 .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره عند هذه الآية (... أي أن تضطرب عن أماكنهما كما قال { وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }وقال تعالى : {وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ }.
وفي هذا القدر من أدلة القرءان الكفاية { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }...
فصدق الله وكذب الفلكيون
ثانياً الأدلة من السنة المطهرة:-
1) أخرج الإمام الترمذي في جامعه وابن ماجة في سننه من طريق عاصم بن بهدله عن زر بن حبيش عن صفوان بن عسال رضي الله عنه-وفيه قال صفوان- فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا( حتى ذكر باباً من قبل المغرب مسيرة عرضه أو يسير الراكب في عرضه أربعين عاماً أو سبعين عاما خلقه الله يوم خلق السموات والأرض مفتوحاً للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه).
قال الشيخ العلامة يحيى الحجوري حفظه الله:- في كتابه الصبح الشارق (ص200)والشاهد من الحديث آخره أن بابا بالمغرب مفتوحاًُ للتوبة خلقه الله يوم خلق السموات والأرض لا يغلق حتى تطلع الشمس منه حين أن يأمر الله بخروج علامات الساعة الكبرى وهذا الباب لا يدور تارة من الجنوب وتارة من الشرق وتارة من الشمال وتارة مابين ذلك بل هو منذ خلق السموات والأرض لا يزال عن جهة المغرب على ما خلقه الله ولو كانت الأرض تدور لدار معها يوماً من الدهر إلى جهة أخرى لكنها ساكنة لا تتحرك كما قال الله :{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا }
2) أخرج الإمام الطبراني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:قال رسول الله صلى الله علية وسلم (البيت المعمور في السماء يقال له الضراح وهو على مثل البيت الحرام بحياله لو سقط لسقط عليه...) قال صاحب كتاب هداية الحيران في مسألة الدوران ص92والشاهد فيه أن الأرض لو كانت تدور لتغير موضع البيت الحرام عن حيال البيت المعمور,فلو سقط لم يسقط عليه وهذا واضح)
ýفهم السلف الصالح لنصوص الكتاب والسنة في مسألة الدوران
لقد فهم السلف الصالح من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من نصوص الكتاب والسنة الآنفة الذكر وغيرها ثبوت السموات والأرض حتى أنهم أنكروا على من يقول بدوران السموات فضلاً عمن يقول بدوران الأرض فقد أخرج بن جرير من طريق الأعمش عن أبي وائل قال:جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال له من أين جئت قال من الشام قال من لقيت قال لقيت كعباً قال ماحدثك؟ قال حدثني أن السموات تدور على منكب ملك قال أفصدقته أو كذبته؟ قال ما صدقته ولا كذبته قال وددت أنك افتديت من رحلتك إليه براحلتك ورحلها كذب كعب إن الله تعالى يقول {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ } قال الحافظ ابن كثير وهذا إسناد صحيح إلى كعب وإلى ابن مسعود رضي الله عنهما التفسير(6|558)
قلت:أنظر كيف أنكر بن مسعود على كعب في دوران السموات فكيف لو قال بدوران الأرض التي تكاثرت الأدلة بثبوتها .
ثالثاً ألإجماع:-
لقد قام إجماع علماء ألإسلام والأئمة الأعلام على ثبوت الأرض وعدم حركتها وقد نقله غير واحد من أهل العلم منهم عبد القاهر البغدادي فقال كما في كتابه الفرق بين الفرق ص354(واجمعوا على وقوف الأرض,وسكونها وان حركتها تكون بعارض يعرض لها من زلزلة ونحوها,خلاف قول من زعم من الدهرية أن الأرض تهوي أبدا)
وقال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره 9|280 (والذي عليه المسلمون, وأهل الكتاب القول بوقوف الأرض وسكونها, ومدها, وأن حركتها إنما تكون في العادة بزلزلة تصيبها)
وأقول : أنا لا أريد تعليقات لا على صاحب الكلام ولا على من نقل عنهم. وإنما أريد مقارعة حججه بالحجج وتبيان ما أتى به بالنفي أو الإثبات . كما أتمنى ممن يؤيدون الكلام المنقول أن لا يدلوا بدلائهم إلا بإضافة مفيدة مشروطة بكونها من الكتاب والسنة أو أقوال السلف فقط.
وإني لأرجو أن تكون الردود علمية مفيدة بعيدة عن التعصب والإنغلاق متسمة بالأدب وحسن الظن . فارغة من السباب واللمز والشتيمة . راقية بأساليبها ومناهجها.
راجيا من المولى جل وعلا أن يفيدنا ويعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا . وأن يهدينا إلى سواء السبيل.
وبارك الله في الجميع.