قال ابن مهدي :
خلتُها في المعصفرات القوافي * وردة من شقائق النعمان
أنتِ تفاحتي، وفيك من التفــــ*ـــاح رماتنان من غصن بانِ !!
للخضر أحاديث وملح في الأدب كالذي نقلت من شعر ابن مهدي،وكنت أحسب أن "تخصص" الفواكه في المطابخ وتحت أيدي السيدات ، فهي محددة الغرض والموقع بين مطبخ للغذاء ،أو حمية للدواء ،أو في غناء مغن كالذي في غناء الشيخ درياسة في: يا الماطيشة ...وياالتفاحة...وما دار بخلدي أن يكون للخضر والفواكه أخبار في السياسة !
ولو أنا أطلقتُ العِنان لقلمي واصطلحتُ معكم على تسمية بعض الناس بأسماء خضر وفواكه [وسلفي في ذلك ابن مهدي ! ] لوجدنا فواكه وخضرا تملأ شاشات التلفاز،وتطالعك على أولى صفحات الجرائد والمجلات،فهذه موزة عربية،وتلك ليمونة يابانية،وكليمونتين أمريكية،وقد ضاعت آمال العرب السياسية بين موزة وليمونة،فهذه تشعل حربا،وتلك « تصنع سلاما » !
وإذا كان أهل الطب ومعدلو المزاج و(النباتيون)ينصحون بالخضر والفواكه فإن التاريخ لا يصلح إلا على اللحم الني واللحم الحي….وانظر أين نحن وقد أعطينا مقادتنا لموزة... ومشورتنا للحرب والسلم لموزة ... وأخشى ما أخشاه أن لو تمادينا في « أكل » الموزة؛وأغرتنا الموزة،فعاقبتنا ستكون فضيحة على يد بصلة !!!
وقد زعموا أن دمنة وكليلة تراجعا الحديث عن حال العرب وتاريخهم الغابروالحاضروعن بعض "أيامهم"،فقال دمنة لكليلة إن حالهم يشبه حال الخضر والفواكه يوم احتفالها،قال كليلة :وكيف ذاك ؟
قال دمنةُ : إن جماعة من الفاكهات حدثتها أنفُسها أن تصنع حفلابموسيقاه،فتكون وليمة بأجواء عرس،فيجتمعن ويلهِين ويعبثن؛ويخلين القيد شأن الحسناوت المقصورات إذا ذهبن للمصيف على شاطئ بحر والدهر والأهل في غفلة !!
قال كليلة كالمواطئ المتعجب : وهل أجمل من الفواكه ريحا ومنظر………..و "مأكلا" !
قال دمنة : وقد كان الذي عزمن عليه،وأجمعن رأيهن فيه،وجاء يوم الحفل وليس مدعوا فيه إلا فاكهة أو شبيه بفاكهة؛كتلك الفواكه والخضر التي يسمونها "الأنانيش"،وقد قالوا إنها فاكهة العصر !
وتداعت كل ذات نواة،وتزينت وتجملت،فكان حفلا لا شرقيا ولا غربيا،ويشبه أن يكون اسمه من المترادف،فأهل الشرق يسمونه (ستار أكاديمي)،وأهل المغرب يسمونه (ألحان وشباب)،وكانت عادة الحفلات أن يكون لها ضيف شرف من أعلاها وأغلاها في سوق الشهرة والغواية و(الحرب والسلم !)
وحفلة الفواكه ليست بِدْعا من الحفلات ،ويومها ليس جديدا في الأيام ،وكان ضيفها الشيخة موزة،وقبلها كانت الشيخة الرميتي !
وآن أون حفلة القاطو (على وزن الناطو) وجاءت الكروموسة العربية بعد غروب شمس يومها مُبْكِرة كعادةالبدو،وجاءت الحُرة،والنصارنية،وحضرت المشماشة تعلوها "شوشة"،وتداعت الرمانة الحمراء [لقبوها بذلك لكثرة ما تضع أحمر الشفاه !]،ولما استوى الحفل على حده،واختلط جده بهزله-وكان كل شيئ فيه يغري وعلى وفق الهوى -جاءت الموزة ؛نجمة حفل القاطو (على وزن الناطو)،طويلة ممشوقة،تتبختر،معجبة بطولها،مزهوة بشُقرتها،مدلة بريحها العطرة الفواحة،ورمقتها العيون،وكان يعجبها أن تملأ عيون طلاّبها فتنة ودلالا،وقد كانت هي في نفسها حسناءَ كأنما انتزعت حسنها من أيدي الملائكة !
قال دمنة : وبينا أهل الحفل يتسامرون ويتعارفون…ويتراجعون الحديث ويتقاولون….بين تمنشير وتمنكير…وبين تقرعيج وتمسخير ....إذا بصرخة عالية تسكت أصواتهم وحديثهم،وتسكِّن جلبتهم وضوضاءهم.
قال كليلة : وما سبب ذلك ؟
قال دمنة : إن الموزة بعد ساعة في حفل القاطو (على وزن الناطو) ذهبت تعدّل "مكياجها"،وتنظر في أناقتها كأنه "مارياجها" [إذ بعض الفواكه لا تصمد ليوم وليلة إلا ماكان كتفاحة ابن مهدي ! ]إذ طلعت عليها بصلة حمراء عرْبِيّةْ،وهي أشد ما تكره الموزة،وصدقتْ؛فالبصلة جمعت الخستين كما يقول المناطقة،خسة الريح التي تُفيق المغشي عليه وتصرع الحي،وخسة المنظر،وكافحت الموزةُ البصلةَ قائلة :ما جاء بك أيتها الكريهة البدينة ؟ !
وكانت البصْلة فحْلة،ورمت "المانكير"1 من يدها وقالت : لا يغرنك يا شيخة موزة جمالك ،وطول قدك،وتتبع العيون لك،وشغف القلوب بك،وإذا كنت أنتِ الجميلة ،فأنت في فعلك قبيحة ذميمة؛وكل مَن وقعتِ تحت يده خلع سروالك،وطرح سربالك في طرفة عين ،لا يبالي مشقة ولا تعمُّلا،وأنا وإن كنتُ القبيحة الكريهة (المكورة المدورة) فإنه لا يقربني "المتقربون" إلا لضرورة،ولا ينالون مني نيلَهم حتى تسيل دموعهم ،وتحمر أعينهم، وتسح كأنما فقدت حبيبا، أو كأنها دموع عاشق صدمته قبلة من محبوبه.
قال كليلة : فما كان جواب موزة؟
قال دمنة : إنها خرّت مغشيا عليها،ولم تحر جوابا.....وأنّى لها،فقد كانت حفلة القاطو (على وزن الناطو) شر ليلة باتتها على وسادة الحزن.
وكذلك كان يوم الحفل،فإن الأيام واحدة في وحدتها الزمنية،لكن للعرب حروب وساعات شدة يسمونها الأيام،والأيام هي مجموع التواريخ ،ولها كلمة غير كلمة الحفلات و "المطابيخ" ،والتاريخ الحق وحده له كلمة الفصل في الوقائع وما تخلده الحوادث…
ألا إن للتاريخ حكما لا تحكمه قوانين الطلب والعرض في السوق،ولا تحكمه الأهواء والنزعات،وللتاريخ غربال يخرجه الخطرة بعد الخطرة عند الحساب لا يثبت عليه إلا أهل الصدق والعزم والهمم العالية،ويتساقط من تحت عيونه من الكلام والزيف والدجل و« الأنوثة"المؤنثة والذكورة المخنثة ما لا يحصيه إلا الملائكة الموكلون بالكذب،ويرحم الله كل واع للتاريخ وتصاريفه،مؤمن بهويته ومبادئه وحضارته،ولا مكان؛ ولا ذكر لمن كفر بهذه جميعا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1: استعارة من وصف البصل إذا قُشِّر وبدى بياض لبّه من حمرة قشره،وكذلك المانكير إذا لابس طرف الأظافر !
هكذا :