[align=justify]وقفات مع القوادح العقدية في قصيدة البردة للبصيري (1) :
من منا لا يعرف محمد بن سعيد البوصيري صاحب الميمية في مدح النبي عليه الصلاة والسلام والمشهورة بقصيدة البردة هذه القصيدة التي كثيرا ما يرددها المتصوفة في احتفالهم بأعيادهم ولقد أردت من خلال هذا البحث أن أسلط الضوء على بعض ما جاء في هذه القصيدة من مخالفات عقدية لا ينبغي لم عرف التوحيد واردا النجاة من الغلو أن يسكت عنها لما فيها من أثر بالغ على عقيدة العبد وتوحيده
تسمية القصيدة:
للبردة أسماء كثير ولعل أشهرها (البردة) وكذلك من أسمائها (الكواكب الدرية في مدح خير البرية) وكذا يقال لها (البرأة) حيث قيل أن البوصيري شفي بسبب نظمها من مرض كان به ويسميها البعض (بقصيدة الشدائد) وذلك أنها تفرج الشدائد وتيسير كل أمر عسير , وقد تناولها كثير من الخلق بالشرح والتعليق ولعل من أشهر شروحها حاشية الباجوري على البردة .
[ أما عن صاحب البردة فهو محمد بن سعيد البوصيري نسبة إلى بلدته أبو صير بين الفيوم وبني سويف بمصر ولد سنة 608 هـ وإشتغل بالتصوف وعمل كاتبا مع قلة معرفته بصناعة الكتابة ويظهر من ترجمته وأشعاره أن الناظم لم يكن عالما فقيها كما لم يكن عابدا صالحا حيث كان ممقوتا عند أهل زمانه لإطلاقه لسانه في الناس بكل قبيح كما أنه كثير السؤال للناس ولذا كان يقف مع ذوي السلطان مؤيدا لهم سواءا كانوا على الحق أم على الباطل .
والبوصيري على الطريقة الشاذلية وقد نافح عنها والتزم بها فأنشد أشعارا في الالتزام بآدابها كما كانت له أشعار بذيئة يشكوا من حال زوجته التي يعجز عن إشباع شهوتها
توفي البوصيري سنة 795 هـ ولد ديوان شعر مطبوع(2)
والآن مع المقصود :
1- يقول البوصيري:
وكيف تدعـوا إلى الدنيا ضـــرورة من ******* لــولاه لم تخـرج الدنيا مـن العـدم
ولا يخفى ما في عَجُز هذا البيت من الغلو الشنيع في حق نـبـيـنــا محمد -صلى الله عليه وسلم-، حيث زعم البوصيري أن هذه الدنيا لم توجد إلا لأجله -صلى الله عليه وسلم-، وقد قال - سبحانه: ((ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ)) [الذاريات:56]، وربما عوّل أولئك الصوفية على الخبر الموضوع : لولاك لما خلقت الأفلاك (3).
2- ويقول :
لو ناسبت قــدره آيــاتــه عِظماً *** أحيا اسمه حين يُدعى دارس الرمم
يقول بعض شرّاح هذه القصيدة : لو ناسبت آياته ومعجزاته عظم قدره عند الله - تعالى - وكل قربه وزلفاه عنده لكان من جملة تلك الآيات أن يحيي الله العظام الرفات ببركة اسمه وحرمة ذكره(4).
يقول الشيخ محمود شكري الآلوسي منكراً هذا البيت : ولا يخفى ما في هذا الكلام من الغلو ؛ فإن من جملة آياته -صلى الله عليه وسلم- القرآن العظيم الشأن ؛ وكيف يحل لمسلم أن يقول : إن القرآن لا يناسب قدر النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل هو منحط عن قدره ثم إن اسم الله الأعظم وسائر أسمائه الحسنى إذا ذكرها الذاكر لها تحيي دارس الرمم؟(5).
3- ثم قال :
أقسمتُ بالقمر المنشق إنّ له *** من قلبه نسبةً مبرورة القسم
ومن المعلوم أن الحلف بغير الله - تعالى - من الشرك الأصغر ؛ فعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك(6).
وقال ابن عبد البر - رحمه الله - :لا يجوز الحلف بغير الله - عز وجل - في شيء من الأشياء ولا على حال من الأحوال، وهذا أمر مجتمع عليه... إلى أن قال : أجمع العلماء على أن اليمين بغير الله مكروهة منهي عنها، لا يجوز الحلف بها لأحد(7).
4- قال البوصيري :
ولا التمست غنى الدارين من يــده *** إلا استلمت الندى من خير مستلم
فجعل البوصيري غنى الدارين مُلتَمساً من يد النبي -صلى الله عليه وسلم-، مع أن الله - عز وجل - قال : ((ومَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)) [النحل:53]، وقال - سبحانه - : ((فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ واعْبُدُوهُ)) [العنكبوت:17]، وقال - تعالى - : ((قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ) [يونس:31]، ((قُلِ ادْعُوا الَذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ الله لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ)) [سبأ:22] .
وأمر الله نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم- أن يبرأ من دعوى هذه الثلاثة المذكورة في قوله - تعالى - : ((قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ ولا أَعْلَمُ الغَيْبَ ولا أَقُولُ لَكُمْ إنِّي مَلَكٌ إنْ أَتَّبِعُ إلاَّ مَا يُوحَى إلَيَّ)) [الأنعام:50].
5- وقال البوصيري :
إن لم يـكـن في معادي آخذاً بيدي *** فضلاً وإلا فقل يا زلة الـقــدم
والشاعر في هذا البيت ينزل الرسول منزلة رب العالمين ؛ إذ مضمونه أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو المسؤول لكشف أعظم الشدائد في اليوم الآخر، فانظر إلى قول الشاعر، وانظر في قوله - تعالى - لنبيه -صلى الله عليه وسلم- : ((قُلْ إنِّي أَخَافُ إنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)) [الزمر:13].
ويزعم بعض المتعصبين للقصيدة أن مراد البوصيري طلب الشفاعة ؛ فلو صح ذلك فالمحذور بحاله، لما تقرر أن طلب الشفاعة من الأموات شرك بدليل قوله - تعالى - : ((ويَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ ولا يَنفَعُهُمْ ويَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ ولا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)) [يونس:18]، فسمى الله - تعالى - اتخاذ الشفعاء شركاً.
الهوامش :
1- هذا المقال منقول بتصرف وإختصار من مقال بعنوان قوادح عقدية في بردة البوصيري للدكتور عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف وهو منشور في مجلة البيان طبعة 1422-2001 الطبعة الأولى.
2 - أنظر ترجمته في مقدمة ديوان البوصيري تحقيق محمد سيد كيلاني .
3 - قال الشيخ الألباني موضوع أنظر السلسة الضعيفة 1/299 رقم 282.
4 - غاية الأماني في الرد على النبهاني للآلوسي 2/349.
5- غاية الأماني في الرد على النبهاني للآلوسي 2/350.باختصار.
6- رواه أحمد والترمذي وحينه الأباني رحمه الله تعالى ينظر الإرواء رقم 2561.
7- التمهيد لابن عبد البر 14/366-367.
يتبع ----------[/align]