ولهذا كتب (سفيان الثوري) رسالة إلى (عباد بن عباد) وجاء فيها: "..واياك والأمراء أن تدنو منهم وتخالطهم في شيء من الأشياء، وإياك أن تخدع فيقال لك: تشفع وتدرأ عن مظلوم، أو ترد مظلمة، فإن ذلك خديعة إبليس!!، وإنما اتخذها فجّار القراء سلّما، وكان يقال: اتقوا العابد الجاهل والعالم الفاجر، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون".
إن الأمة الإسلامية ابتليت ومازالت بفئتين، فئة لا هم لها إلا (التكفير) و(الخروج) ولم يسلم منهم صاحب المعصية إلا وكفروه، وسلوا سيوفهم على أهل الإسلام وتركوا أهل الكفر والأوثان، وفئة (مرجئة) جعلوا الكفر بمنزلة الإيمان، لا هم لهم إلا الدفاع عن السلطان وتبرير خطاياه وإن كانت تؤدي بالأمة إلى هلاكها وضياعها، فبئس الفريقان!!
جاء سليمان بن عبدالملك مع ابنيه إلى (عطاء) ليسألوه عن بعض مسائل الحج، فأجابهم ولم يلتفت إليهم!!، فقال سليمان لابنيه: "اجتهدا في طلب العلم، فإني لا أنسى ذلنا بين يدي هذا العبد الأسود"!!
وهذا (العباس) أمير الكوفة أرسل ألف درهم (للأعمش) فأرجعها إليه وكتب له الفاتحة، فكتب (الأمير) له: "أبلغك أنا لا نحسن القرآن؟!"، فأجابه الأعمش: "أبلغك منا أنا نبيع العلم؟!".
ولم يكن علماء الأمة يستهينون بالعلم الذي عندهم، فهذا الإمام (ربيعة الرأي) لما دخل على الوليد بن يزيد -وهو خليفة- قال: "يا ربيعة، حدثنا..."، قال (ربيعة): "ما أحدث شيئا!!"... فلما خرج ربيعة قال: "ألا تعجبون من هذا الذي يقترح عليّ كما يقترح على المغنية!! حدثنا يا ربيعة!!".
وبعث (محمد بن ابراهيم) والي مكة إلى سفيان الثوري بمائتي دينار فأبى سفيان أن يقبلها!!، فقال: "يا أبا عبدالله، كأنك لا تراها حلالا؟"، قال: "بلى، ولكن أكره أن أذل!!".
إن مواقف العلماء الصادقين من زمن الصحابة إلى يومنا هذا مع الخلفاء والأمراء والسلاطين لا يمكن عدها ولا حصرها، ومن قرأ سيرة سعيد بن جبير وابن المسيب وعطاء وعمر بن عبدالعزيز والعز بن عبدالسلام وسفيان الثوري والإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية والبخاري وغيرهم الكثير والكثير لعلم حقا أن العلماء هم ورثة الأنبياء، وأنهم كانوا صادقين في عهدهم مع الله، ولهذا أصابهم ما أصابهم من البلاء ولكن حفظوا للأمة دينها وعقيدتها.