![]() |
|
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
الجهة,المكان,الحد,الحيز ,وخزعبلات أخرى هنا تفنيدها
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
![]() |
رقم المشاركة : 1 | |||||
|
![]() اقتباس:
وأما الحديث المعروف بحديث الجارية فقد قال فيه الإمام النووي في شرح صحيح مسلم الجزء الخامس كتاب المساجد ومواضع الصَّلاة باب تحريم الكلام في الصَّلاة ونسخ ما كان من إباحته : " هذا الحديث من أحاديث الصّفات، وفيها مذهبان تقدَّم ذكرهما مرَّات في كتاب الإيمان: أحدهما: الإيمان به من غير خوض في معناه، مع اعتقاد أنَّ الله ليس كمثله شىء، وتنـزيهه عن سمات المخلوقات. والثَّاني: تأويله بما يليق به.فمن قال بهذا قال: كان المراد امتحانها هل هي موحِّدة تقرُّ بأنَّ الخالق المدبِّر الفعَّال هو الله وحده، وهو الَّذي إذا دعاه الدَّاعي استقبل السَّماء، كما إذا صلَّى المصلِّي استقبل الكعبة، وليس ذلك لأنَّه منحصر في السَّماء، كما أنَّه ليس منحصراً في جهة الكعبة، بل ذلك لأنَّ السَّماء قبلة الدَّاعين، كما أنَّ الكعبة قبلة المصلِّين، أو هي من عبدة الأوثان العابدين للأوثان الَّتي بين أيديهم، فلمَّا قالت: في السَّماء علم أنَّها موحِّدة وليست عابدة للأوثان. قال القاضي عياض: لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدِّثهم ومتكلِّمهم ونظَّارهم ومقلِّدهم أنَّ الظَّواهر الواردة بذكر الله في السَّماء كقوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} [الملك: 16] ونحوه ليست على ظاهرها بل متأوّلة عند جميعهم" انتهى. وقال الحافظ أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي في كتابه المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ما نصه :" وقيل في تأويل هذا الحديث: إن النبي صلى الله عليه وسلم سألها بأين عن الرتبة المعنوية التي هي راجعة إلى جلاله تعالى وعظمته التي بها باين كلَّ مَن نُسبت إليه الإلهية وهذا كما يقال: أين الثريا من الثرى؟! والبصر من العمى؟! أي بعُدَ ما بينهما واختصت الثريا والبصر بالشرف والرفعة على هذا يكون قولها في السماء أي في غاية العلو والرفعة وهذا كما يقال: فلان في السماء ومناط الثريا" اهـ . وقال الرازي أيضا في كتابه أساس التقديس:" إن لفظ أين كما يجعل سؤالا عن المكان فقد يجعل سؤالا عن المنـزلة والدرجة يقال أين فلان من فلان فلعل السؤال كان عن المنـزلة وأشار بها إلى السماء أي هو رفيع القدر جدا " .اهـ وفي كتاب إكمال المعلم شرح صحيح مسلم للإمام محمد بن خليفة الأبي ما نصه: وقيل إنما سألها بأين عما تعتقده من عظمة الله تعالى، وإشارتها إلى السماء إخبار عن جلاله في نفسها، فقد قال القاضي عياض لم يختلف المسلمون في تأويل ما يوهم أنه تعالى في السماء كقوله تعالى: {ءأمنتم من في السماء}.اهـ ومثله في كتاب مكمل إكمال الإكمال شرح صحيح مسلم للإمام محمد السنوسي الحسني. وقال الإمام محمد بن أحمد السرخسي الحنفي المتوفى سنة 483 هـ في كتابه المبسوط، المجلد الرابع (الجزء 7) >> [تابع كتاب الطلاق] >> باب العتق في الظهار : فأما الحديث فقد ذكر في بعض الروايات: أن الرجل قال عليّ عتق رقبة مؤمنة، أو عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق الوحي أن عليه رقبة مؤمنة، فلهذا امتحنها بالإيمان، مع أن في صحة ذلك الحديث كلامًا فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أين الله فأشارت إلى السماء) ولا نظن برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يطلب من أحد أن يثبت لله تعالى جهة ولا مكانًا، ولا حجة لهم في الآية، لأن الكفر خبث من حيث الاعتقاد، والمصروف إلى الكفارة ليس هو الاعتقاد إنما المصروف إلى الكفارة المالية، ومن حيث المالية هو عيب يسير على شرف الزوال"اهـ. وقال القاضي أبو بكر بن العربي في شرح سنن الترمذي : " أين الله؟ والمراد بالسؤال بها عنه تعالى المكانة فإن المكان يستحيل عليه.اهـ وقال الحافظ ابن الجوزي في دفع شبه التشبيه بعد رواية حديث معاوية بن الحكم : قلت " قد ثبت عند العلماء أن الله تعالى لا يحويه السماء والأرض ولا تضمه الأقطار وإنما عرف بإشارتها تعظيم الخالق عندها.اهـ وقال الباجي: لعلها تريد وصفه بالعلو وبذلك يوصف كل من شأنه العلو فيقال فلان في السماء بمعنى علو حاله ورفعته وشرفه.اهـ وقال البيضاوي: لم يرد به السؤال عن مكانه فإنه منـزه عنه والرسول أعلى من أن يسأل ذلك.اهـ وقال الإمام الحجة تقي الدين السبكي في رده على نونية ابن قيم الجوزية المسمى بالسيف الصقيل: أما القول فقوله صلى الله عليه وسلم للجارية: أين الله؟ قالت في السماء، وقد تكلم الناس عليه قديما وحديثا والكلام عليه معروف ولا يقبله ذهن هذا الرجل لأنه مشَّاء على بدعة لا يقبل غيرها.اهـ قال الفخر الرازي: وأما عدم صحة الاحتجاج بحديث الجارية في إثبات المكان له تعالى فللبراهين القائمة في تنـزه الله سبحانه عن المكان والمكانيات والزمان والزمانيات، قال الله تعالى: {قل لمن ما في السموات والأرض قل لله} [الأنعام:12] وهذا مشعر بأن المكان وكل ما فيه ملك لله تعالى، وقال تعالى: {وله ما سكن في الليل والنهار} [الأنعام:13] وذلك يدل على أن الزمان وكل ما فيه ملك لله تعالى فهاتان الآيتان تدلان على أن المكان والمكانيات والزمان والزمانيات كلها ملك لله تعالى وذلك يدل على تنـزيه الله سبحانه عن المكان والزمان.اهـ وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي المفسر في كتاب التذكار في أفضل الأذكار: لأن كل من في السموات والأرض وما فيهما خلق الله تعالى وملك له وإذا كان كذلك يستحيل على الله أن يكون في السماء أو في الأرض إذ لو كان في شىء لكان محصورا أو محدودا ولو كان كذلك لكان محدثا وهذا مذهب أهل الحق والتحقيق وعلى هذه القاعدة قوله تعالى: {ءأمنتم من في السماء} وقوله عليه السلام للجارية: أين الله؟ قالت في السماء، ولم يُنكر عليها وما كان مثله ليس على ظاهره بل هو مؤول تأويلات صحيحة قد أبداها كثير من أهل العلم في كتبهم.اهـ وقال بعض العلماء إن الرواية الموافقة للأصول هي رواية مالك وفيها أن الرسول قال لها: "أتشهدين أن لا إله إلا الله" قالت: "نعم" قال: "أتشهدين أني رسول الله" قالت: "نعم". أخرجها الإمامان إماما أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل ومالك بن أنس رضي الله عنهما. أما أحمد فأخرج عن رجل من الأنصار أنه جاء بأمَةٍ سوداء فقال: "يا رسول الله إن عليَّ رقبه مؤمنة فإن كنت ترى هذه مؤمنة فأعتقها" فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: "أتشهدين أن لا إله الا الله" قالت: "نعم"، قال: "أتشهدين أني رسول الله" قالت: "نعم"، قال: "أتؤمنين بالبعث بعد الموت" قالت: "نعم"، قال: "أعتقها"، ورجاله رجال الصحيح. وفي رواية لابن الجارود بلفظ: أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ قالت: نعم، قال: أتشهدين أني رسول الله؟ قالت: نعم، قال: أتوقنين بالبعث بعد الموت؟ قالت نعم، قال: اعتقها فإنها مؤمنة. وهي رواية صحيحة. ومنها ما رواه الإمام ابن حبان في صـحيحـه عن الشريد بن سويد الثقفي قال قلت: يا رسول الله إن أمي أوصت أن نعتق عنها رقبة وعندي جارية سوداء قال: ادع بها، فجاءت فقال: من ربك؟ قالت: الله، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة. ورواه أيضا بهذا اللفظ النسائي في الصغرى وفي الكـبرى والإمام أحمد في مسنده والطبراني والبيهقي ورواه أيضا بهذا اللفظ ابـن خزيمة في كتابه الذي سماه كتاب التوحيد من طريق زياد بن الربيع عن بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن الشريد. قال بعض العلماء : ظاهر هذا الحديث ( الذي فيه حكم على الجارية بالإسلام لأنها قالت : في السماء ) يخالف الحديث المتواتر الذي رواه خمسة عشر صحابيا. وهذا الحديث المتواتر الذي يعارض حديث الجارية قوله عليه الصلاة والسلام: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله}.هذا الحديث فيه أنّ الرسول لا يحكم بإسلام الشخص الذي يريد الدخول بالإسلام إلا بالشهادتين. لأن من أصول الشريعة أن الشخص لا يحكم له بقول " الله في السماء " بالإسلام لأن هذا القول مشترك بين اليهود والنصارى وغيرهم وإنما الأصل المعروف في شريعة الله ما جاء في الحديث: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله "اهـ ولفظ رواية مالك : أتشهدين ، موافق للأصول . لذا حكم الحافظ أبو بكر البيهقي وغيره باضطراب حديث الجارية هذا.
|
|||||
![]() |
رقم المشاركة : 2 | ||||
|
![]() اقتباس:
يقول الشيخ عبد الله الخليفي في كتابه الماتع الدفاع عن حديث الجارية في نقض ما تعلّق به السقاف ونقله المخالف ما أورده السقاف على حديث الجارية من جهة المتن الشبهة الأولى احتج السقاف في ص52 بالإجماع الذي نقله القاضي عياض حيث قال _ كما في شرح النووي على صحيح مسلم (5/24) (( قال القاضي عياض : لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله تعالى * (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الارض) * ونحوه ليست على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم )) قلت وهذ إجماع مكذوب منقوض فأول ما ينقضه حديث الجارية نفسه فقد صرحت الجارية باثبات العلو أمام النبي صلى الله عليه وسلم وأقرها على ذلك وثاني ما ينقضه ما رواه أبو داود في في مسائل الإمام أحمد (ص263) بسند صحيح عن عبدالله بن نافع عن الامام مالك ( إمام مذهب القاضي عياض في الفقه ) أنه قال (( الله في السماء وعلمه في كل مكان )) وعبدالله بن نافع هذا هو الصائغ وقد عده ابن معين من الأثبات في مالك وقال عنه ابن سعد (( لزم مالك لزوما شديدا )) وقال أحمد (( كان أعلم الناس برأي مالك وحديثه )) وقال أبوداود (( كان عبدالله عالما بمالك )) وقال أحمد بن صالح (( أعلم الناس بمالك وحديثه )) وعلى فرض أنه بن ثابت فهو ثقة أيضاً ( انظر تهذيب التهذيب وثالث ماينقضه ما قاله أبو الحسن الأشعري امام الأشعرية في كتابه مقالات الاسلاميين ( ص290_ 297) عند كلامه على مقالة أهل الحديث (( وأن الله على عرشه كما قال (( الرحمن على العرش استوى )) ورابع ما قاله ابن جرير الطبري _ وهو إمام المفسرين _ في تفسير الآية التي ذكرها القاضي (23/513) (( ( أم أمنتم من في السماء ) وهو الله ) وقال البغوي في تفسيره (8/178) (({ أأمنتم من في السماء } قال ابن عباس: أي: عذاب من في السماء إن عصيتموه )) قلت من هو الذي يتوعد عاصيه بالعقوبة أليس هو الله عز وجل ؟!! الشبهة الثانية نقل السقاف في ص29 عن ابن العربي تأويل حديث الجارية قال ابن العربي في عارضة الأحوذي " (11 / 273) ما نصه : " . . . فقال لها " أين الله " والمراد بالسؤال بها عنه تعالى المكانة فإن المكان يستحيل عليه . . " قلت وهذا مردود من وجوه أولها وثانيها معاً أن العرب لا تسأل بأين عن المكانة إلا اذا اتصلت بمن وكانت في وضع المقارنة فيقولون أين فلان من فلان وهذا لا ينطبق على حديث الجارية ومن ذا الذي يقارن برب العالمين !!! وثالثها أنه يلزم من هذا اتهام الجارية بتشبيه مكانة الله بمكانة من كانت تقول فيهم العرب فلان في السماء فيكون الأشاعرة قد هربوا من تشبيه المكان الى تشبيه المكانة وقد عقد السقاف فصلاً في ص53 في بيان أن العرب كانت تقول فلان في السماء تعني به قدره وبما قدمت نسف لهذا الفصل برمته الشبهة الثالثة نقل السقاف في ص28 عن الإمام النووي قوله في شرحه لصحيح مسلم ((5 / 24) : " هذا الحديث من أحاديث الصفات وفيها مذهبان تقدم ذكرهما مرات في كتاب الايمان ، أحدهما : الايمان به من غير خوض في معناه (أي تفويض المعنى) مع اعتقاد أن الله تعالى ليس كمثله شئ وتنزيهه عن سمات المخلوقات ، والثاني : تأويله بما يليق به ، فمن قال بهذا قال : كان المراد امتحانها هل هي موحدة تقر بأن الخالق المدبر الفعال هو الله وحده وهو الذي إذا دعاه الداعي استقبل السماء كما إذا صلى المصلي استقبل الكعبة وليس ذلك لانه منحصر في السماء كما أنه ليس منحصرا في جهة الكعبة ، بل ذلك لأن السماء قبلة الداعين كما أن الكعبة قبلة المصلين ، أو هي من عبدة الاوثان العابدين للأوثان التي بين أيديهم فلما قالت في السماء علم أنها موحدة وليست عابدة للاوثان )) قلت أما مسلك التفويض فساقط لأن النبي صلى الله عليه وسلم شهد للجارية بالإيمان لما قالته فينبغي أن نقول كما قالت ليشهد لنا بالإيمان كما شهد لها لا أن نفوض الجارية تثبت والنبي صلى الله عليه وسلم يثني عليها وهؤلاء يقولون ( نفوض ) بدلاً من أن يسلكوا مسلك النبي صلى الله عليه وسلم وهذا عين المنابذة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وأما التأويل الثاني فجد بعيد لأنه لو أراد هذا المعنى لسألها (( من ربك )) أو (( ما تعبدين )) بدلاً من هذا السؤال الموهم للتشبيه بزعمهم والنبي صلى الله عليه وسلم أبعد الناس عن الألفاظ الموهمة للباطل وأما من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم انما سكت على الجارية خوفا عليها من التعطيل فأقول جوابا على هذا الهراء اذا وسع النبي صلى الله عليه وسلم السكوت أفلا يسعكم ما وسعه أم أنكم أحرص على الأمة منه ثم انه لا يجوز في حق النبي صلى الله عليه وسلم السكوت على الكفر خوفا من كفر آخر ولو فعل ذلك شخص عادي لسخرنا منه لأن كلا من التشبيه والتعطيل طريق الى النار أفيخرجها من هذا ليدخلها في ذاك؟!! وبقي الكلام على قولهم إن السماء قبلة الدعاء فهذا باطل من وجوه الأول : أن القبلة أمرٌ يعلم بالدليل والإجتهاد والناس يتجهون إلى السماء عند الدعاء بلا تعلم أو اجتهاد ولا تواطؤ على ذلك وأغلبهم من العوام الذين لا يعرفون هذه التفصيلات الكلامية الثاني :أنه جاء في الحديث(( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يستسقي لهم، فقام فدعا الله قائما، ثم توجه قبل القبلة، وحول رداءه، فسقوا)) رواه البخاري 977 ومسلم (611) فلو كانت السماء قبلة الدعاء لما احتاج أن يتجه إلى قبلة أخرى عند الدعاء الثالث: أننا لا نعرف أحداً من السلف قال بهذا القول الرابع : يلزم من هذا القول تحريم أو على الأقل كراهية عدم التوجه إلى السماء عند الدعاء وهذا لم يقل به أحد بل إننا ندعو الله في الصلاة ولا نتوجه إلى السماء وقد نقل السقاف كلاماً لغير هؤلاء من المعطلة ولكنه إنشائي لا حجة فيه ولا حتى شبهة البقية على الرابط https://www.asha3ira.co.cc/2010/07/blog-post_2784.html |
||||
![]() |
رقم المشاركة : 3 | |||
|
![]() الإخوة الأفاضل بارك الله فيكم جميعا إلا أنني أريد ان أعلمكم أن موضوعي لم ينتهي بعد وكل ما طرحه أخي الكريم عادل الميلي سيتم الإجابة عنه لهذا لا تستبقوا الأمر بارك الله فيكم.
|
|||
![]() |
رقم المشاركة : 4 | |||
|
![]() رد الإعتراضات الإعتراض الأول:تفسير الفوقية بالمجاز على أنها فوقية قدر ورتبة . اعلمْ رحمكَ الله بأنَّ المعطِّلةَ ادَّعوْا أنَّ علوَّ الله سبحانه وتعالى مجازٌ فِي فوقيَّة الرُّتبةِ والقهرِ والقدْرِ كَمَا يقالُ: الذهبُ فوقَ الفضَّة، والأميرُ فوقَ الوزيرِ، والدينارُ فوقَ الدرهمِ، والمسكُ فوقَ العنبرِ أي في القيمةِ والقدرِ. قال ابنُ القيِّم رحمه الله: وَالفَوْقُ وَصفٌ ثَابِتٌ بِالذَّاتِ مِنْ كُلِّ الوُجُوهِ لِفَاطِرِ الأكْوَانِ لَكِن نُفَاةَ الفَوْقِ مَا وَافُوا بِهِ جَحَدُوا كَمَالَ الفَوْقِ لِلدَّيـَّانِ بَلْ فَسَّرُوهُ بِأن قَدْرَ الله أعْـ ـلَى لاَ بِفَوْق الذَّات للِرَّحْمَنِ قَالُوا وَهَذَا مِثْل قَوْلِ النَّاسِ فِي ذَهَبٍ يُرَى مِن خَالِص العِقْيَانِ هُو فَوْقَ جِنْسِ الفِضةِ البَيْضَاء لاَ بِالذَّاتِ بَلْ فِي مُقْتَضَى الأثْمَانِ وَالفَوْقُ أنْوَاع ثَلاَث كُلُّهَا لله ثَابِتةٌ بِلاَ نُكْرَانِ هَـذَا الذِي قَالُوا وَفَوْقُ القَهْرِ وَالْـ فَوْقِيـةُ العُلْيَـا عَلَـى الأكْـوَانِ[1] وعلوُّ القدرِ والقهرِ وإنْ كان ثابتًا للرَّبِّ سبحانه وتعالى لكنَّ إنكارَ حقيقةِ فوقيَّته سبحانه وتعالى وحملهَا عَلَى المجازِ باطلٌ منْ وجوهٍ عديدةٍ: أحدُها: أنَّ الأصلَ الحقيقةُ والمجازُ على خلافِ الأصْلِ. والقولُ بالمجازِ في الصِّفاتِ، يفضي بصاحبهِ إلى تكذيبِ النُّصوصِ الصَّريحةِ الصَّحيحةِ المحكمةِ، المفهومةِ اللَّفظِ، المعقولةِ المعنى. قالَ أبو عمرو الدانيُّ رحمه الله: «كُلُّ ما قالَهُ اللهُ تعالى، فعلى الحقيقةِ، لا على المجازِ، ولا تُحْمَلُ صِفَاتُ اللهِ تعالى على العُقُولِ والمَقَايِيسِ، ولا يُوصَفُ إلَّا بما وَصَفَ به نَفْسَهُ أو وَصَفَهُ به نَبِيُّهُ، أو أَجْمَعَتِ الأُمَّةُ عليهِ»[2]. وقال ابنُ عبد البرِّ رحمه الله: «أهلُ السُّنةِ مجمعونَ على الإقرارِ بالصِّفاتِ الواردةِ كلِّها في القرآنِ والسُّنَّةِ والإيمانِ بها وحملهَا على الحقيقةِ لا على المجازِ إلَّا أنَّهم لا يكيِّفونَ شيئًا منْ ذلكَ»[3]. قالَ الذهبيُّ معقبًا: صدقَ والله، فإنَّ منْ تأوَّلَ سائرَ الصفاتِ، وحملَ ما وردَ منها على مجازِ الكلامِ، أدَّاهُ ذلكَ السلبُ إلى تعطيلِ الرَّبِّ، وأنْ يُشابه المعدومَ، كما نُقِلَ عنْ حماد بن زيد أنَّهُ قال: «مثَلُ الجهميَّةِ، كقومٍ قالوا: في دارنا نخلة، قيل: لها سعفٌ؟ قالوا: لا، قيلَ: فلها كَرَبٌ؟ قالوا: لا، قيل: لها رطبٌ وقِنْوٌ؟ قالوا: لا، قيلَ: فلها ساقٌ؟ قالوا: لا، قيل: فما في داركم نخلة»[4]. (قلت): كذلكَ هؤلاء النُّفاة قالوا: إلهنا الله تعالى، وهو لا في زمانٍ ولا في مكانٍ، ولا يرى... وقالوا: سبحانَ المنزَّه عن الصفاتِ! بلْ نقولُ: سبحان الله العلي العظيم السميع البصير المريد، الذي كلَّمَ موسى تكليمًا، واتخذَ إبراهيمَ خليلًا، ويُرى في الآخرة، المتَّصف بما وصفَ بهِ نفسهُ، ووصفه بهِ رسله، المنزَّه عنْ سماتِ المخلوقينَ، وعنْ جحدِ الجاحدينَ، ليس كمثلهِ شيءٌ وهو السميع البصير[5]. وقالَ الحافظُ الإمامُ أبو أحمد بن علي بن محمد القصَّاب رحمه الله (400هـ): « كلُّ صِفَةٍ وَصَفَ اللهُ بها نفسَه، أو وَصَفَهُ بها نبيُّه، فهي صفةٌ حقيقيةٌ لا مجازًا»[6]. قال الذهبيُّ رحمه الله معقِّبًا: «نعمْ لوْ كانتْ صفاتُه مجازًا لَتَحَتَّمَ تأويلُهَا ولقيلَ: معنى البصرِ كذا، ومعنى السَّمعِ كذا، ومعنى الحياةِ كذا، ولفُسِّرَت بغيرِ السَّابقِ إلى الأفهامِ، فلمَّا كانَ مذهبُ السَّلفِ إمرارهَا بلا تأويلٍ عُلِمَ أنَّها غيرُ محمولةٍ على المَجَازِ وأنَّها حَقٌّ بَيِّنٌ»[7]. وقال رحمه الله: «إنَّ النُّصوصَ في الصفاتِ واضحةٌ، ولو كانتِ الصفاتُ تُردُّ إلى المجازِ، لبطلَ أنْ تكونَ صفاتٍ لله، وإنَّما الصفةُ تابعةٌ للموصوفِ، فهو موجودٌ حقيقةً لا مجازًا، وصفاتهُ ليستْ مجازًا، فإذا كانَ لا مثلَ لهُ ولا نظيرَ لزمَ أنْ يكونَ لا مِثْلَ لها»[8]. الثاني: معلومٌ باتِّفاقِ العقلاءِ: أنَّ المخاطبَ المبيِّنَ إذا تكلَّمَ بالمجازِ المخالفِ للحقيقةِ، والباطنِ المخالفِ للظاهرِ، فلا بدَّ أنْ يقرِنَ بخطابهِ ما يدلُّ على إرادةِ المعنى المجازيِّ؛ فإذا كانَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم - الذي بعثَ بأفصحِ اللُّغاتِ وأبينِ الألسنةِ والعباراتِ - المبلِّغُ المبيِّنُ الذي بيَّنَ للنَّاسِ ما نزِّلَ إليهم تكلَّمَ بالكلامِ الذي يفهمُ منهُ معنًى وأعادهُ مرَّاتٍ كثيرةٍ؛ وخاطبَ بهِ الخلقَ كلَّهم وفيهم الذكيُّ والبليدُ، والفقيهُ وغيرُ الفقيهِ، وقدْ أوجبَ عليهم أنْ يتدبَّروا ذلكَ الخطابَ ويعقلوهُ، ويتفكَّروا فيه ويعتقدوا موجبهُ، ثمَّ أوجبَ أنْ لا يعتقدوا بهذا الخطابِ شيئًا منْ ظاهرهِ[9]؛ وهو «يعلمُ أنَّ المرادَ بالكلامِ خلافُ مفهومهِ ومقتضاهُ، كانَ عليهِ أنْ يقرِنَ بخطابهِ ما يصرفُ القلوبَ عنْ فهمِ المعنى الذي لم يردْ؛ لا سيَّما إذا كانَ باطلًا لا يجوزُ اعتقادهُ في الله، فإنَّ عليهِ أنْ ينهاهم عنْ أنْ يعتقدوا في الله ما لا يجوزُ اعتقادهُ إذا كان ذلكَ مخوفًا عليهم؛ ولوْ لمْ يخاطبهمْ بما يدلُّ على ذلكَ، فكيفَ إذا كانَ خطابهُ هو الذي يدلُّهم على ذلكَ الاعتقادِ الذي تقولُ النُّفاةُ: هو اعتقادٌ باطلٌ؟!. فكيفَ يجوزُ أنْ يعلِّمنا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم كلَّ شيءٍ حتَّى «الخراءةَ» ويقولُ: «ما بَقِيَ شَيءٌ يُقَرِّبُ مِنَ الجَنَّةِ،ويُبَاعِدُ مِنَ النَّارِ، إلَّا وقَدْ بُيِّنَ لَكُم»[10] ويقولُ: «لقدْ تَرَكْتُكُم على مِثْلِ البَيْضَاءِ لَيْلُها كَنَهَارِهَا لا يزيغُ عنها إلا هَالِكٌ»[11] ثمَّ يتركُ الكتابَ المنزلَ عليهِ وسنَّتهُ الغرَّاءَ مملؤةٌ ممَّا يزعمُ الخصمُ أنَّ ظاهرهُ تشبيهٌ وتجسيمٌ، وأنَّ اعتقادَ ظاهرهِ ضلالٌ، وهو لا يبيِّنُ ذلكَ ولا يوضِّحُه؟!»[12]. الثالثُ: إنَّ لفظَ «العليِّ» و«العلوِّ» لمْ يستعملْ في القرآنِ عندَ الإطلاقِ في مجرَّدِ القدرةِ، ولا في مجرَّدِ الفضيلةِ. ولفظُ «العلوِّ» يتضمنُ الاستعلاءَ، وغيرَ ذلكَ مِنَ الأفعال إذا عديَ بحرفِ الاستعلاء دلَّ على العلوِّ، كقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [السجدة: 4] فهو يدلُّ على علوِّهِ على العرشِ[13]. الرابعُ: أنَّ القائلَ إِذَا قالَ: الذهبُ فوقَ الفضَّةِ قدْ أحالَ المخاطَبَ عَلَى مَا يفهَمُ مِنْ هَذَا السِّياقِ والمعتد بأمرينِ عُهِدَ تساويهما فِي المكانِ وتفاوتهما فِي المكانةِ فانصرفَ الخطابُ إلى مَا يعرفهُ السَّامعُ، وَلاَ يلتبسُ عَلَيهِ. فهل لأحدٍ منْ أهلِ الإسلامِ وغيرهم عهدَ بمثلِ ذلكَ فِي فوقيَّةِ الرَّبِّ تعالى حتَّى ينصرفَ فهمُ السَّامعِ إليهَا. الخامسُ: أنَّ الفِطَرَ والعقولَ والشَّرائعَ وجميعَ كتبِ الله المنزلةِ عَلَى خلافِ ذلكَ وأنَّه سبحانه وتعالى فوقَ العالمِ بذاتهِ، فالخطابُ بفوقيَّتهِ ينصرفُ إلى مَا استقرَّ فِي الفطرِ والعقولِ والكتبِ السَّماويةِ. السادسُ: أنَّ هَذَا المجازَ لَوْ صُرِّحَ بهِ فِي حقِّ الله كانَ قبيحًا، فإنَّ ذلك إنَّما يقالُ فِي المتقاربينِ فِي المنزلةِ وأحدُهما أفضلُ مِنَ الآخرِ، وأمَّا إِذَا لمْ يتقاربا بوجهٍ فإنَّهُ لا يصحُّ فيهما ذلكَ، وإذا كانَ يقبحُ كلَّ القبحِ أنْ تقولَ: «الجوهرُ فوقَ قشرِ البَصلِ» وإِذَا قلتَ ذلكَ ضحكتْ منكَ العقلاءُ للتَّفاوتِ العظيمِ الَّذي بينهما، فالتَّفاوتُ الَّذي بينَ الخالقِ والمخلوقِ أعظمُ وأعظمُ، وفي مثلِ هَذَا قِيلَ شعرًا: ألم تَرَ أنَّ السيفَ ينْقُـصُ قَـدْرُهُ إ ِذَا قِيلَ إنَّ السيفَ أمضى من العصا السابعُ: أنَّ الرَّبَّ سبحانه وتعالى لم يمتدحْ نفسَهُ فِي كتابهِ وَلاَ عَلَى لسانِ رسولهِ صلى الله عليه وسلم بأنَّه أفضلُ مِنَ العرشِ، وأنَّ رتبتهُ فوقَ رتبةِ العرشِ، وأنَّهُ خيرٌ مِنَ السَّماواتِ والعرشِ. وهذا ممَّا تنفرُ منهُ العقولُ السَّليمةُ، وتشمئزُ منهُ القلوبُ الصَّحيحةُ. فإنَّ قولَ القائلِ ابتداءً: الله خيرٌ منْ عبادهِ، أو خيرٌ منْ عرشهِ، منْ جنسِ قولهِ: الشمسُ أضوأُ مِنَ السِّراجِ، والسَّماءُ أعلى مِنْ سقفِ الدَّارِ، والجبلُ أثقلُ مِنَ الحصى، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم أفضلُ منْ فلانٍ اليهوديِّ، وليسَ في ذلكَ تمجيدٌ، ولا تعظيمٌ، ولا مدحٌ؛ بلْ هوَ منْ أرذلِ الكلامِ، وأسْمجهِ، وأهْجَنِهِ! فكيفَ يليقُ حملُ الكلامِ المجيدِ عليه؟! وحيثُ وردَ ذلكَ فِي الكتابِ فإنَّما هو فِي سياق الرَّدِّ لمنْ سوَّى بينهُ وبينَ غيرهِ في العبادةِ والتألُّهِ، فبيَّن سبحانه وتعالى أنَّه خيرٌ منْ تلكَ الآلهةِ كقولهِ: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: 59] وقولهِ: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف: 39] وقولِ السَّحرةِ: {وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 73]. فهذا السِّياقُ يقالُ في مثلهِ: إنَّ الله خيرٌ ممَّا سواهُ مِنَ الآلهةِ الباطلةِ، وأمَّا بعدَ أنْ يذكرَ أنَّهُ مالكُ الكائناتِ كما في قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255] ويقالُ مَعَ ذلكَ: هوَ أفضلُ منْ مخلوقاتهِ، وأعظمُ منْ مصنوعاتهِ فهذا ينزَّهُ عنهُ كلامُ الله[14]. وَلاَ يصحُّ إلحاقُ هَذَا بذلكَ، وَلاَ يُنكرُ هَذَا إلَّا غبيٌّ. الثامنُ: أنَّ هَذَا المجازَ محتملٌ إذا كانَ هناكَ مقارنةٌ في الصِّفاتِ بينَ مخلوقٍ ومخلوقٍ، كما في قولهِ تعالى لموسى عليه السلام: {لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى} [طه: 68]، وكما في قولهِ تعالى للمؤمنينَ: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ *} [آل عمران: 139] وكما في قولهِ تعالى: {وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [الأعراف: 127] فذلكَ لأنَّه قدْ عُلِمَ أنَّهم جميعًا مستقرُّونَ عَلَى الأرضِ فهيَ فوقيَّةُ قهرٍ وغلبةٍ، لمْ يلزمْ مثلهُ فِي قوله: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18 و16] إذْ قدْ عُلِمَ بالضَّرورةِ أنَّهُ وعبادَهُ ليسوا مستوينِ فِي مكانٍ واحدٍ حتىَّ تكونَ فوقيَّةَ قهرٍ وغلبةٍ. التاسعُ: هبْ أنَّ هَذَا يحتملُ فِي مثلِ قولهِ: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76] لدلالةِ السِّياقِ والقرائنِ المقترنةِ باللَّفظِ عَلَى فوقيَّةِ الرُّتبةِ، ولكنْ هَذَا إنَّما يأتي مجرَّدًا عنْ «مِنْ» وَلاَ يستعملُ مقرونًا بـ«مِنْ» فلا يُعْرَفُ فِي اللُّغةِ البتَّة أنْ يقالَ: الذَّهبُ مِنْ فوقِ الفضَّةِ، وَلاَ عالمٌ مِنْ فوقِ الجاهلِ، وقدْ جاءتْ فوقيَّةُ الرَّبِّ مقرونةً بـ «منْ» كقولهِ تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ *} [النحل: 50] فهذا صريحٌ فِي فوقيَّةِ الذَّاتِ؛ وَلاَ يصِحُّ حملهُ عَلَى فوقيَّةِ الرتبةِ؛ لأنَّ الظرفَ (فوق) جاءَ في هذهِ الآيةِ مقيَّدًا بحرفِ الجرِّ (مِنْ)، والظُّروفُ المقيَّدةُ في اللُّغةِ العربيةِ مثلُ (منْ فوقِ) و(منْ تحتِ) لا تعني إلَّا معاني الظُّروفِ الحقيقيَّةِ لا المجازيةِ، وتختلفُ عنْ جميعِ الظُّروفِ التي تأتي غيرَ مقيَّدةٍ مثل (فوق) و(تحت) التي قد تعني الحقيقةَ أوالمجازَ أو كليهما معًا، ويحدِّدُ ذلكَ القرآنُ. انظر مثلًا قوله تعالى: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 26] {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ} [الشورى: 5]، {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا} [فصلت: 10]، {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} [الزمر: 16]. {لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [الزمر: 20]. {يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ} [النور: 40]. {وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} [الزخرف: 51]. {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا} [مريم: 24]. {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65]. {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50]. العاشرُ: إذا كان العلوُّ والفوقيَّةُ صفةَ كمالٍ لا نقصَ فيه وَلاَ يستلزمُ نقصًا وَلاَ يوجبُ محذورًا وَلاَ يخالفُ كتابًا وَلاَ سنَّةً وَلاَ إجماعًا فنفيُ حقيقتِهَا عينُ الباطلِ... فلو لم يقبلِ العلوَّ والفوقيَّةَ لكانَ كلُّ عالٍ عَلَى غيرهِ أكملَ منهُ. فإنَّ في المخلوقاتِ ما يوصفُ بالعلوِّ دونَ السُّفولِ كالسَّمواتِ، وما كان موصوفًا بالعلوِّ دونَ السُّفولِ كانَ أفضلَ ممَّا لا يوصفُ بالعلوِّ[15] والخالقُ أكملُ مِنَ المخلوقِ. فكيفَ تكونُ المخلوقاتُ أكملَ مِنَ الخالقِ سبحانه وتعالى؟![16]. فأنتم لم ترضوا أنْ تجعلوا علوَّ الله أكملَ منْ علوِّ غيرهِ، ولا جعلتموه مثلَ علوِّهِ؛ بل جعلتم علوَّ الغيرِ أكملَ منْ علوِّهِ، وهو يحتاجُ إلى ذلكَ الغيرِ الذي هو مستغنٍ عنهُ، وكلُّ هذا إفكٌ وبهتانٌ عظيمٌ على ربِّ العالمينَ[17]. الحادي عَشَرَ: أنَّهُ لَوْ كانتْ فوقيَّتهُ سبحانه وتعالى مجازًا لا حقيقةَ لها، لمْ يُتصرَّف فِي أنواعِهَا وأقسامها ولوازمِهَا، ولم يُتوسَّع فيهَا غايةَ التَّوسُّعِ؛ فإنَّ فوقيَّةَ الرُّتبةِ والفضيلةِ لا يُتصرَّفُ فِي تنويعها إلَّا بما شاكلَ معناهَا نحو قولنا: هَذَا خيرٌ منْ هَذَا وأفضلُ وأجلُّ وأعلى قيمةً ونحو ذلكَ. وأمَّا فوقيَّةُ الذَّاتِ فإنَّها تتنوعُ بحسبِ معناها فيقالُ فيها: استوى، ويعرجُ إليه كذا، ويصعدُ إليه وينزلُ مِنْ عندهِ، ورفيعُ الدرجاتِ، وتُرفعُ إليه الأيدي، وأنَّ عبادهُ يخافونهُ مِنْ فوقهم، وأنَّهُ ينزلُ إلى السَّمَاء الدُّنْيَا، وأنَّ عبادَهُ المؤمنينَ إِذَا نظروا إليه فِي الجنَّةِ رفعوا رؤوسهم. فهذهِ لوازمُ أنواعِ فوقيَّةِ الذَّاتِ لا أنواع فوقيَّة الفضيلةِ والمرتبةِ. ومنْ تأمَّلَ هَذَا عرفَ أنَّ النُّفاةَ أفسدوا اللُّغةَ والفطرةَ والعقلَ والشَّرعَ. الثاني عَشَرَ: أنَّهُ لَوْ كانتْ فوقيَّةُ الرَّبِّ تبارك وتعالى مجازًا لا حقيقةَ لها، لكانَ إطلاقُ القولِ بأنَّهُ ليسَ فوقَ العرشِ وَلاَ استوى عَلَيهِ وَلاَ هو العليُّ وَلاَ الرفيعُ وَلاَ هو فِي السَّمَاءِ، أصحُّ منْ إطلاقِ ذلكَ، وأدنى الأحوالِ أنْ يصحَّ النَّفيُ كَمَا يصحُّ الإطلاقُ المجازيُّ. ومعلومٌ قطعًا أنَّ إطلاقَ هَذَا النفيَ تكذيبٌ صريحٌ لله ولرسولهِ صلى الله عليه وسلم، ولو كانتْ هذهِ الإطلاقاتُ إنَّما هي عَلَى سبيلِ المجازِ لم يكنْ فِي نفيهَا محذورٌ لا سيَّما ونفيهَا ( عندَ المعطِّلةِ ) عينُ التنزيهِ والتَّعظيمِ[18]. قالَ شيخُ الاسلامِ رحمه الله: «كلُّ منْ أنْكَرَ أنْ يكونَ اللَّفظُ حقيقةً لزمهُ جوازُ إطلاقِ نفيهِ. فمنْ أنكرَ أنْ يكونَ استوى على عرشِهِ حقيقةً، فإنَّهُ يقولُ: ليسَ الرحمنُ على العرشِ استوى، كما أنَّ منْ قالَ: إنَّ لفظَ الأسدِ للرَّجلِ الشجاعِ والحمارِ للبليدِ ليسَ بحقيقةٍ، فإنَّهُ يلزمهُ صحةَ نفيِهِ. فيقولُ: هذا ليسَ بأسدٍ، ولا بحمارٍ، ولكنَّهُ آدميٌّ»[19]. الثالثُ عَشَرَ: إنَّ الجهميَّةَ المعطِّلةَ معترفونَ بوصفهِ تَعَالَى بعلوِّ القهرِ وعلوِّ القدرِ، وإنَّ ذَلِكَ كمالٌ لاَ نقصٌ، فإنَّهُ منْ لوازمِ ذاتهِ، فيقالُ: مَا أثبتم بِهِ هذينِ النوعينِ مِنَ العلوِّ والفوقيَّةِ هُوَ بعينهِ حجةُ خصومكم عليكم فِي إثبات علوِّ الذَّاتِ لَهُ سُبْحَانهُ، وَمَا نفيتمْ بِهِ علوَّ الذَّاتِ يلزمكم أَنْ تنفوا بِهِ ذينك الوجهينِ من العلوِّ، فأحدُ الأمرينِ لازمٌ لكم وَلاَ بدَّ، إمَّا أَنْ تثبتوا لَهُ سبحانه وتعالى العلوَّ المطلقَ منْ كلِّ جهةٍ ذاتًا وقهرًا وقدرًا، وإمَّا أَنْ تنفوا ذَلِكَ كلَّهُ، فإنَّكم إنَّما نفيتم علوَّ ذاتهِ سبحانه وتعالى بناءً عَلَى لزومِ التَّجسيمِ، وَهُوَ لازمٌ لكم فيما أثبتموهُ منْ وجهي العلوِّ، فإنَّ الذَّاتَ القاهرةَ لغيرهَا الَّتِي هِيَ أعلى قدرًا منْ غيرهَا إنْ لَمْ يُعْقَلْ كونها غيرُ جسمٍ لزمكم التَّجسيمُ، وإنْ عقلَ كونها غير جسمٍ فكيفَ لاَ يعقل أَنْ تكونَ الذَّاتُ العاليةُ عَلَى سائرِ الذَّواتِ غيرَ جسمٍ؟! وكيفَ لزمَ التَّجسيمُ مِنْ هَذَا العلوِّ ولمْ يلزمْ منْ ذَلِكَ العلوِّ؟![20]. الرابعُ عَشَر: لَوْ كانتْ فوقيَّةُ الرَّبِّ تبارك وتعالى مجازًا لا حقيقةَ لها، وأنَّ الحقَّ فِي أقوالِ النُّفاةِ المعطِّلينَ، وأنَّ تأويلاتهم هي المرادةُ منْ هذهِ النُّصوصِ، يلزمُ منْ ذلكَ أحدُ محاذيرَ ثلاثةٍ لا بدَّ منها أو منْ بعضِها وهيَ: القدحُ فِي علمِ المتكلِّمِ بها. أو فِي بيانِهِ. أو فِي نصحِهِ. وتقريرُ ذلكَ أنْ يقالَ: إمَّا أنْ يكونَ المتكلِّمُ بهذه النُّصوصِ عالمًا أنَّ الحقَّ فِي تأويلاتِ النُّفاةِ المعطِّلينَ أوْ لا يعلمُ ذلكَ. فإنْ لم يعلمْ ذلكَ، كانَ قدحًا فِي علمهِ. وإنْ كانَ عالمًا أنَّ الحقَّ فِيهَا فلا يخلو إمَّا أنْ يكونَ قادرًا عَلَى التعبيرِ بعباراتهم - التي هي تنزيهٌ للهِ بزعمهم عَنِ التَّشبيهِ والتَّمثيلِ والتَّجسيمِ، وأنَّه لا يعرفُ الله منْ لم ينزِّههُ بها - أو لا يكونُ قادرًا عَلَى تلكَ العباراتِ. فإنْ لمْ يكنْ قادرًا على التعبيرِ بذلكَ، لزمَ القدحُ فِي فصاحتهِ، وكانَ ورثةُ المعتزلةِ والجهميَّةِ، أفصحَ منهُ، وأحسنَ بيانًا وتعبيرًا عَنِ الحقِّ. وإنْ كانَ قادرًا عَلَى ذلكَ، ولمْ يتكلَّمْ بهِ، وتكلَّم دائمًا بخلافهِ وما يناقضهُ، كانَ ذلكَ قدحًا فِي نصحهِ. وقدْ وصفَ اللهُ رسلَهُ بكمالِ النُّصحِ والبيانِ، فقال سبحانه وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4]، وقال سبحانه وتعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] وأخبرَ عنْ رسلهِ عليهم السلام بأنَّهم أنصحُ النَّاسِ لأممهم قالَ عزَّ وجلَّ: {ياقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ} [الأعراف: 93] وقالَ سبحانه وتعالى: {وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 62] وقال عزَّ وجلَّ: {وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} [الأعراف: 68]. فمع النُّصحِ والبيانِ والمعرفةِ التَّامةِ، كيفَ يكونُ مذهبُ النُّفاةِ المعطِّلةِ أصحابُ التَّحريفِ هوَ الصَّوابُ وقولُ أهلِ الإثباتِ أتباعِ القرآنِ والسنَّةِ باطلًا؟![21]. قالَ ابنُ القيِّم رحمه الله: فَسَلِ المُعَطِّلَ عَنْ ثَلاثِ مَسَائِلَ تَقْضِي عَلَى التَعْطيلِ بالبُطْلاَنِ مَاذَا تقُولُ أَكَانَ يَعْرِفُ رَبَّهُ هَذَا الرَّسُولُ حَقِيقَةَ العُرْفَانِ أَمْ لاَ وَهَلْ كَانَتْ نَصيحَتُهُ لَنَا كُلَّ النَّصِيحَةِ لَيْسَ بالخَوَّانِ أَمْ لاَ وَهَلْ حَازَ البلاغَةَ كلَّهَا فَاللَّفْظُ والمَعْنَى لَهُ طَوْعَانِ فَإِذَا انْتَهَتْ هَذي الثلاثَةُ فِيهِ كَا مِلَةً مُبرَّأةً مِنَ النُّقْصَانِ فَلأيِّ شَيءٍ عَاشَ فِينَا كَاتمًا للنَّفْيِ والتَّعْطِيلِ فِي الأَزْمَانِ بَلْ مُفْصِحًَا بِالضدِّ مِنْهُ حَقِيقَةَ الـ إفْصَاحِ مُوَضَّحَةً بِكلِّ بَيَانِ وَلأيِّ شَيْءٍ لَمْ يُصَرِّحْ بِالَّذِي صَرَّحْتُمُ فِي رَبِّنَا الرَّحمَنِ ألِعَجْزِهِ عَنْ ذَاكَ أَمْ تَقْصِيرِهِ فِي النُّصْحِ أمْ لِخَفَاءِ هَذَا الشَّانِ حَاشَاهُ بَلْ ذَا وَصْفُكُمْ يَا أُمَّة التـَّ ـعْطِيلِ لاَ المَبْعُوثِ بالْقُرْآنِ وَلأيِّ شَيْءٍ كَانَ يَذْكُرُ ضِدَّ ذَا فِي كُلِّ مُجْتَمَعٍ وَكُلِّ زَمَانِ أَتَـرَاهُ أَصْبَحَ عَاجِزًَا عَنْ قَوْلِـه اسْـ ـتَـوْلَـى وَيَنْـزِلُ أمـرُهُ وَفُـلاَنِ[22] ومعنى هذا الكلامِ: أنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم إذا كانَ أعلمَ الخلقِ بالحقِّ، و«كانتْ نصيحتهُ لأمَّتهِ كاملةً تامَّةً لا يمكنُ أنْ يساويهُ فيهَا أحدٌ، وكانَ فصيحًا بليغًا مقْتدرًا على التعبيرِ عَنِ المعاني المقْصودةِ بالألفاظِ الجليةِ الفصيحةِ - فمعاني كلامهِ أجلُّ المعاني، وألفاظُه أفْصحُ الألفاظِ - كانَ منْ أعْظمِ المحالِ أنْ يكتمَ ما يجبُ لله مِنَ العلوِّ والفوقيَّةِ وصفاتِ الكمالِ ويفْصحُ بضدِّ ذلكَ. بلْ لمَّا كانَ صلى الله عليه وسلم كاملَ العلمِ برَبِّهِ وبدينهِ فهوَ أعلمُ الخلقِ وأخْشاهم لربِّهِ وكانَ بالمؤمنينَ رحيمًا أرْحمُ بهمْ منْ آبائهم وأمَّهاتهم وأنفسهم وأبلغُ الخلقِ وأقْدرهم على التعبيرِ عَنِ المعاني النافعةِ، علَّمهم صلى الله عليه وسلم ما لمْ يكونوا يعلمونَ، وقدْ بيَّن للنَّاس جميعَ ما يحتاجونَ إليهِ، خصوصًا الأمورَ المهمَّةَ والعقائدَ الدينيَّةَ والأصولَ الإيمانيَّةَ؛ فلو كانَ الحقُّ فيما يقولهُ النُّفاةُ والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لمْ يصرِّحْ بشيءٍ منهُ؛ بلْ صرَّحَ بضدِّهِ وجعلَ الأمْرَ موكولًا لعقولِ النَّاس وآرائهمْ الضعيفةِ لزمَ انْتفاءُ هذهِ الأمورِ الثلاثةِ كلِّهَا، وهذا لا يفوهُ بهِ مسْلمٌ يؤمنُ بالله ورسولهِ صلى الله عليه وسلم»[23]. وفي ذلكَ بلاغٌ لمنْ تدبَّر، وكفايةٌ لمنِ استبصرَ إنْ شاءَ الله تعالى. ومنْ تدبَّرَ ما كتبناهُ، وأعطى منْ قلبهِ النَّصَفَةَ، وأعرضَ عنْ هواه، واستمعَ وأصغى بقلبٍ حاضرٍ، وكانَ مسترشدًا مهتدياَ، ولمْ يكنْ متعنِّتًا، وأمدَّهُ اللهُ بنورِ اليقينِ، عرفَ صحَّةَ جميعِ ما قلناهُ، ولمْ يخف عليهِ شيءٌ منْ ذلكَ، واللهُ الموفِّقُ: {مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام: 39][24]. -------------------------------------------------------------------------------- [1] الكافية الشافية (ص106). [2] الرسالة الوافية (ص254 - 255). [3] التمهيد (7/145). [4] أخرجه ابن شاهين في الكتاب اللطيف (ص79) وذكره الأصبهاني في «الحجة» (1/441). [5] العلو (2/1326 - 1327). [6] تذكرة الحفاظ (3/338 - 339). [7] تذكرة الحفاظ (3/338 - 339). [8] العلو (2/1304). [9] مجموع الفتاوى (6/355 - 362). [10] رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (2/155 - 156) (1647) بلفظ: وصححه المحدث الألباني رحمه الله في «الصحيحة» (1803). [11] رواه ابن ماجه (43)، وصححه الألباني في «صحيح سنن ابن ماجه» (41). [12] مجموع الفتاوى (6/367 - 369) بتصرف يسير. [13] مجموع الفتاوى (16/359). [14] الصواعق (ص1373). [15] مجموع الفتاوى (16/102). [16] درء تعارض العقل والنقل (7/18). [17] بيان تلبيس الجهمية (2/287). [18] مختصر الصواعق (2/216). [19] مجموع الفتاوى (3/219). [20] الصواعق (ص1324 - 1325). [21] الصواعق (1/324 - 326). [22] الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية (ص137). [23] توضيح الكافية الشافية (ص337 - 338). [24] الحجة في بيان المحجة (2/229 - 230). ![]() |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 5 | |||
|
![]() الإعتراض الثاني: قولهم بأن آيات الصفات من المتشابه الذي لا يعرف معناه |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 6 | |||
|
![]() الإعتراض الثالث:إستنكارهم إطلاق لفظ(بذاته) ولفظ(حقيقة) على العلو والإستواء. |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 7 | |||
|
![]() [size="4"]الإعتراض الرابع:تفسيرهم الإستواء بالإستيلاء
اعلمْ رحمكَ الله تعالى بأنَّهُ يجبُ قبولُ ما دلَّ عليهِ الخبرُ، إذا اجتمعت فيهِ أوصافٌ أربعةٌ: الأوَّلُ: أنْ يكونَ صادرًا عنْ عِلمٍ. الثاني: الصِّدْقُ. الثالثُ: البَيَانُ والفَصَاحَةُ. الرابعُ: سلامَةُ القَصْدِ والإرادَةِ؛ بأنْ يريدَ المخبرُ هدايةَ منْ أخبرهم. فدليلُ الأوَّلِ - وهو العِلْمُ -: قولهُ سبحانه وتعالى: {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة: 140] وقولُهُ سبحانه وتعالى: {فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ *} [النحل: 74]. وقولُهُ عزَّ وجلَّ: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الإسراء: 55]؛ فهوَ أعلمُ بنفسهِ وبغيرهِ منْ غيرهِ؛ فهوَ أعلمُ بكَ منْ نفسكَ؛ لأنَّهُ يعلمُ ما سيكونُ لكَ في المستقبلِ، وأنتَ لا تعلمُ ماذا تكسبُ غدًا؟ ودَليلُ الوصفِ الثاني - الصِّدقُ -: قولُهُ سبحانه وتعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: 115] وقولُهُ سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء: 122]؛ أي: لا أحد أصدقُ منهُ، فأصدقُ الكلامِ كلامُ الله. والكلامُ الصِّدقُ يتضمَّنُ مطابقةَ الكلامِ للواقعِ أي: الإخبارُ عَنِ الأمورِ على ما هي عليهِ، لا على خلافِ ما هيَ عليهِ[1]. ولا شيءَ مِنَ الكلامِ يطابقُ الواقعَ كما يطابقهُ كلامُ الله سبحانه وتعالى فكلُّ ما أخبرَ الله بهِ؛ فهو صدقٌ، بلْ أصدقُ منْ كلِّ قولٍ. ودليلُ الوصفِ الثالثِ - البيانُ والفصاحةُ -: قولهُ تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء: 87] وحسنُ حديثهِ يتضمَّنُ الحسنَ اللَّفظيَّ والمعنويَّ. ودليلُ الوصفِ الرابعِ - سلامةُ القصدِ والإرادةِ -: قولُه تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176]، {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [النساء: 26]. وقولُه سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ *} [التوبة: 115]. فاجتمعَ في كلامِ الله سبحانه وتعالى الأوصافُ الأربعةُ التي توجبُ قبولَ الخبرِ. وإذا كانَ كذلكَ؛ فإنَّهُ يجبُ أنْ نقبلَ كلامهُ على ما هو عليهِ، وأنْ لا يلحقنا شكٌ في مدلولهِ؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى لم يتكلَّم بهذا الكلامِ لأجلِ إضلالِ الخلقِ، بلْ ليبيِّنَ لهم ويهديهم، وصدرَ كلامُ الله عزَّ وجلَّ عنْ نفسهِ أو عنْ غيرهِ منْ أعلمِ القائلينَ، ولا يمكنُ أنْ يعتريهُ خلافُ الصِّدقِ، ولا يمكنُ أنْ يكونَ كلامًا عييًّا غيرَ فصيحٍ، وكلامُ الله سبحانه وتعالى لو اجتمعتِ الإنسُ والجنُ على أن يأتوا بمثلهِ؛ لما استطاعوا؛ فإذا اجتمعت هذه الأمورُ الأربعةُ في الكلامِ؛ وجبَ على المخاطبِ القبولُ بما دلَّ عليه[2]. وأنْ لا يترك ذلكَ إلى قولِ مَنْ يفترونَ على الله الكذبَ ويقولونَ عليهِ ما لا يعلمونَ؛ فإنَّ هذا هو غايةُ الضَّلاَلِ، ومُنتهى الخُذْلاَنِ[3]. ومنْ تأوَّلَ الاستواءَ بالاستيلاءِ «فهذا - عندَ السَّلفِ والأئمَّةِ - باطلٌ لا حقيقةَ لهُ؛ بلْ هوَ منْ بابِ تحريفِ الكلمِ عنْ مواضعهِ، والإلحادِ في أسماءِ الله وآياتهِ»[4]. وهذا يتبيَّنُ منْ وجوهٍ: أحدُها: أنَّ الاستواءَ فِي اللُّغةِ يُستعملُ على وجوهٍ: الأولُ: أنْ يكونَ مطلقًا غيرَ مقيَّدٍ فيكونُ معناهُ الكمالُ كقولهِ عزَّ وجلَّ: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} [القصص: 14]، وهذا معناهُ: كملَ وتمَّ. يقالُ: استوى النباتُ واستوى الطَّعامُ. الثاني: أنْ يكونَ مقرونًا بـ(الواو) فيكونُ بمعنى التساوي كقولهم: استوى الماءُ والخشبةُ. واستوى الليلُ والنَّهارُ. الثالثُ: أنْ يكونَ مقرونًا بـ(إلى) فيكون المعنى قصدَ إليهِ علوًّا وارتفاعًا كقولهِ سبحانه وتعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة: 29]. الرابعُ: أنْ يكونَ مقرونًا بـ(على) فيكونُ بمعنى العلوِّ والارتفاعِ كقولهِ سبحانه وتعالى: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزخرف: 13]، وقولهِ: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود: 44] وقولهِ: {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} [الفتح: 29]. هذه معاني الاستواءِ المعقولةِ فِي كلامهم، ليسَ فيهَا معنى (استولى) البتةَ، وَلاَ نقلهُ أحدٌ منْ أئمَّةِ اللُّغةِ الذينَ يُعْتَمَدُ قولهم، وإنَّما قالهُ متأخرو النُّفاةِ ممَّنْ سلكَ طريقَ المعتزلةِ والجهميَّةِ. الثاني: أنَّ الذينَ قالوا ذلكَ استدلوا بقولِ الشَّاعرِ: قد استوى بشْرٌ عَلَى العراقِ من غير سيْفٍ أو دمٍ مُهْـراق قالَ ابنُ كثيرٍرحمه الله: وهذاَ البيتُ تستدلُّ بهِ الجهميَّةُ على أنَّ الاستواءَ على العرشِ بمعنى الاستيلاءِ، وهذا منْ تحريفِ الكلمِ عنْ مواضعهِ، وليستْ في بيتِ هذا النصرانيِّ حجةٌ ولا دليلٌ على ذلكَ، ولا أرادَ الله عزَّ وجلَّ باستوائهِ على عرشهِ استيلاَءهُ عليه - تعالى الله عنْ قولِ الجهميَّةِ علوًّا كبيرًا - فإنَّهُ إنَّما يقالُ: استولى على الشيءِ إذا كانَ ذلكَ الشيءُ عاصيًا عليهِ قبلَ استيلائهِ عليهِ، كاستيلاءِ بشرٍ على العراقِ، واستيلاءِ عبدِ الملكِ على المدينةِ بعدَ عصيانها عليهِ، وعرشُ الرَّبِّ لمْ يكنْ ممتنعًا عليهِ نفسًا واحدًا، حتَّى يقالَ استولى عليهِ، أو معنى الاستواءِ الاستيلاءِ، ولا تجدُ أضعفَ منْ حججِ الجهميَّةِ، حتَّى أدَّاهمُ الافلاسُ مِنَ الحججِ إلى بيتِ هذا النَّصرانيِّ المقبوحِ وليسَ فيه حجةٌ واللهُ أعلمُ[5]. وقدْ أنْشَدَ فيهمُ المنْشِدُ: قبْحًا لمنْ نبَذَ القرآنَ وراءهُ فإذا استدلَّ يقولُ قال الأخطل[6] الثالثُ: أنَّ أهلَ اللُّغةَ لمَّا سمعوا ذلكَ، أنكروهُ غايةَ الإنكارِ، ولمْ يجعلوه منْ لغةِ العربِ. قَالَ ابنُ الأعرابيِّ - وقد سئلَ: هل يصحُّ أنْ يكونَ (استوى) بمعنى استولى؟ - فقالَ: لا تعرفُ العربُ ذلكَ. وهوَ منْ أكابرِ أئمَّةِ اللُّغةِ. الرابعُ: أنَّ هذا تفسيرٌ لكلامِ الله بالرأيِ المجرَّدِ الَّذي لم يذهبْ إليهِ صاحبٌ وَلاَ تابعٌ، وَلاَ قالهُ إمامٌ منْ أئمَّةِ المسلمينَ، وَلاَ أحدٌ منْ أهلِ التفسيرِ الذينَ يحكونَ أقوالَ السَّلفِ. الخامسُ: أنَّ إحداثَ القولِ فِي تفسيرِ كتابِ الله الَّذي كانَ السَّلفُ والأئمَّةُ عَلَى خلافهِ يستلزمُ أحدَ أمرينِ: إمَّا أنْ يكونَ خطأً فِي نفسهِ، أو تكونَ أقوالُ السَّلفِ المخالفةِ لهُ خطأً، وَلاَ يشكُّ عاقلٌ أنَّهُ أولى بالغلطِ والخطأ منْ قولِ السَّلفِ. السادسُ: أنَّه أتى بلفظةِ (ثمَّ) التي حقيقتها الترتيبُ والمهلةُ، ولوْ كانَ معناهُ القدرةَ عَلَى العرشِ والاستيلاءَ عَلَيهِ؛ لمْ يتأخَّر ذلكَ إلى مَا بعد خلقِ السَّماواتِ والأرضِ، فإنَّ العرشَ كانَ موجودًا قبلَ خلقِ السَّماواتِ والأرضِ بخمسينَ ألفِ عام كَمَا ثبتَ عنهُ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدَّرَ مَقَادِيرَ الْخَلاَئِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ»[7]. وقالَ سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7] فكيفَ يجوزُ أنْ يكونَ غيرَ قادرٍ وَلاَ مستولٍ عَلَى العرشِ إلى أنْ خلقَ السَّماواتِ والأرضَ؟!. السابعُ: أنَّ القائلَ بأنَّ معنى (استوى) بمعنى (استولى) شاهدٌ عَلَى الله أنَّه أرادَ بكلامهِ هذا المعنى، وهذهِ شهادةٌ لا علمَ لقائلهَا بمضمونها، بلْ هيَ قولٌ عَلَى الله بلا علمٍ، وقدْ حرَّم الله تعالى الكلامَ بلا علمٍ مطلقًا، وخصَّ القولَ عليهِ بلا علمٍ بالنَّهيِ، وأخبرَ أنَّ الذي يأمرُ بالقولِ بغيرِ علمٍ هو الشيطانُ فقالَ سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] وقالَ سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ *} [البقرة: 169] وقال سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ *} [الأعراف: 33]. فلوْ كانَ اللَّفظُ محتمِلًا لها فِي اللُّغةِ وهيهات!! لَمْ يجز أَنْ يشهدَ عَلَى الله أنَّهُ أرادَ هذا المعنى، بخلافِ منْ أخبرَ عَنِ الله تعالى أنَّهُ أرادَ الحقيقةَ والظاهرَ، فإنَّهُ شاهدٌ بما أجرى الله سبحانه عادتَهُ مِنَ خطابِ خلقهِ بحقائقِ لغتهم وظواهرها؛ كَمَا قَالَ سبحانه وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4]. فإذا كان الاستواءُ فِي لغةِ العرب معلومًا؛ كانَ هو المرادُ؛ لكونِ الخطابِ بلسانهم، وهو المقتضي لقيامِ الحجَّةِ عليهم فإذا خاطبهم بغيرِ مَا يعرفونَهُ كانَ بمنزلةِ خطابِ العربيِّ بالعجمية. قالَ ابنُ قدامة رحمه الله: إنَّ المتأوِّلَ يجمعَ بينَ وصفِ الله تعالى بصفةٍ ما وصفَ بها نفسَهُ ولا أضافها إليهِ، وبين نفيِ صفةٍ أضافها الله تعالى إليهِ. فإذا قالَ: معنى استوى «استولى» فقدْ وصفَ الله تعالى بالاستيلاءِ واللهُ تعالى لم يصفْ بذلكَ نفسَهُ، ونفى صفةَ الاستواءِ مع ذكرِ الله تبارك وتعالى لهَا في القرآنِ في سبعةِ مواضعَ. أفمَا كانَ اللهُ سبحانه وتعالى قادرًا على أنْ يقولَ: «استولى» حتَّى جاءَ المتكلِّفُ المتأوِّلُ فتطرَّف وتحكَّمَ على الله سبحانهُ وعلى رسولهِ؟ تعالى الله عمَّا يقولُ الظَّالمونَ علوًّا كبيرًا![8]. الثامنُ: أنَّهُ لا يقالُ لمنِ استولى عَلَى بلدةٍ ولم يدخلْهَا ولمْ يستقرَّ فيها بلْ بينهُ وبينها بعدٌ كثيرٌ: أنَّهُ قَدِ استوى عليها، فلا يقالُ استوى أبو بكرٍ عَلَى الشامِ، وَلاَ استوى عمرُ عَلَى مصرَ والعراقِ، ولا قَالَ أحدٌ قطٌّ استوى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى اليمنِ، مع أنَّهُ استولى خلفاؤهُ عَلَى هذهِ البلادِ، ولم يزلْ الشعراءُ يمدحونَ الملوكَ والخلفاءَ بالفتوحاتِ، فلمْ يسمَعْ عنْ قديمٍ منهم جاهليٍّ وَلاَ إسلاميٍّ وَلاَ محدثٍ أنَّهُ مدحَ أحدًا قطُّ أنَّهُ استوى عَلَى البلدِ الفُلانيِّ الّذي فتحهُ واستولى عَلَيهِ، فهذهِ دواوينهم وأشعارهم موجودةٌ. التاسعُ: أنَّهُ لَوْ كانَ الاستواءُ بمعنى الملكِ والقهرِ؛ لجازَ أنْ يقالَ: استوى عَلَى ابنِ آدمَ وعلى الجبلِ وعلى الشَّمسِ والقمرِ وعلى البحرِ والشجرِ والدَّوابِ، وهذا لا يطلقهُ مسلمٌ. «ولا استعملَ ذلكَ أحدٌ مِنَ المسلِمينَ في كلِّ شيءٍ، ولا يوجدُ في كتابٍ ولا سنةٍ، كما استعملَ لفظُ الربوبيةِ في العرشِ خاصَّةً {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة: 129] وفي كلِّ شيءٍ عامَّةً {رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 164] وكذلكَ لفظُ الخلقِ ونحوه مِنَ الألفاظِ التي تخصُّ، وتعمُّ. كقولهِ سبحانه وتعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ *} [العلق: 1 - 2] فالاستواءُ مِنَ الألفاظِ المختصَّةِ بالعرشِ، لا تضافُ إلى غيرهِ لا خصوصًا ولا عمومًا»[9]. العاشرُ: أنَّهُ إِذَا فسِّرَ الاسْتِوَاءُ بالغلبةِ والقهرِ؛ عادَ معنى هذه الآياتِ كلِّها إلى أنَّ الله تعالى أعلمَ عبادهُ بأنَّهُ خلقَ السَّماواتِ والأرضَ ثمَّ غلبَ العرشَ بعدَ ذلكَ وقهرهُ وحكمَ عَلَيهِ، أفلا يستحي مِنَ الله مَنْ فِي قلبهِ أدنى وقارٍ لله ولكلامهِ أنْ ينسبَ ذلكَ إليهِ، وأنَّهُ أرادهُ بقوله: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]؛ أي: اعلموا يا عبادي أنِّي بعدَ فراغي منْ خلقِ السَّماواتِ والأرضِ غلبتُ عرشي وقهرتهُ واستوليتُ عَلَيهِ؟!. الحادي عَشَرَ: أنَّ أئمَّةَ السنَّةِ متَّفقونَ عَلَى أنَّ تفسيرَ الاسْتِوَاءِ بالاستيلاءِ إنَّما هو متلقًّى عَنِ الجهميَّةِ والمعتزلةِ والخوارجِ..فلا يجوزُ العدولُ عنْ تفسيرِ الصَّحابةِ والتَّابعينَ إلى تفسيرهمْ. الثاني عَشَرَ: أنَّ الاستيلاءَ يكونُ مَعَ مزايلةِ المستولي للمستولى عَلَيهِ ومفارقتهِ؛ كَمَا يقالُ: استولى عثمانُ بنُ عفَّانَ عَلَى خراسانَ، واستولى عبدُ الملكِ بنُ مروانَ عَلَى بلادِ المغربِ، واستولى الجوادُ عَلَى الأمدِ، قَالَ الشاعرُ: ألا لمثلكَ أوْ مَنْ أنتَ سـابقُهُ سَبْقَ الجَوادِ إذا استولى عَلَى الأمَدِ فجعلهُ مستوليًا عَلَيهِ بعدَ مفارقتهِ لهُ وقطعِ مسافتهِ، والاستواءُ لا يكونُ إلَّا مَعَ مجاورةِ الشَّيءِ الَّذي يستوى عَلَيهِ؛ كَمَا في قولهِ تعالى: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود: 44] {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزخرف: 13]، وقولهِ: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} [المؤمنون: 28]، وهكذا فِي جميعِ مواردهِ فِي اللُّغةِ التي خوطبنا بها، وَلاَ يصحُّ أنْ يقالَ: استوى عَلَى الدَّابة والسطحِ إِذَا نزل عنها وفارقها؛ كَمَا يقالُ: استولى عليها، هَذَا عكسُ اللُّغةِ وقلبُ الحقائقِ، وهذا قطعيٌّ بحمدِ الله. الثالثُ عَشَرَ: أنَّ نقلَ معنى الاسْتِوَاءِ وحقيقتهِ كنقلِ لفظهِ، بل أبلغُ فإنَّ الأمَّةَ كلَّها تعلمُ بالضَّرورةِ أنَّ الرسولَ أخبرَ عنْ ربِّهِ بأنَّهُ استوى عَلَى عرشِهِ، منْ يحفظُ القرآنَ منهم ومنْ لا يحفظهُ، وهذا المعنى عندهم كَمَا قَالَ مالكٌ وأئمَّةُ السنَّةِ: الاسْتِوَاءُ غيرُ مجهولٍ، كَمَا أنَّ معنى السَّمعِ والبصرِ والقدرةِ والحياةِ والإرادةِ وسائرِ مَا أخبرَ بهِ عنْ نفسهِ معلومٌ، وإنْ كانتْ كيفيَّتهُ غيرَ معلومةٍ للبشرِ؛ فإنَّهم لم يُخَاطَبُوا بالكيفيَّةِ، ولم يردْ منهم العلمُ بها، فإخراجُ الاسْتِوَاءِ عنْ حقيقتهِ المعلومةِ؛ كإنكارِ ورودِ لفظهِ؛ بل أبلغُ، وهذا ممَّا يعلمُ أنَّهُ مناقضٌ لما أخبرَ الله بهِ ورسولُهُ. الرابعُ عَشَرَ: أنَّ الله سبحانه وتعالى وصفَ نفسَهُ بأنَّهُ بيَّنَ لعبادهِ غايةَ البيانِ - وبيانُ الرَّبِّ تعالى فوقَ كلِّ بيانٍ ـ، وأمرَ رسولَهُ بالبيانِ، وأخْبرَ أنَّهُ أنْزلَ عليهِ كتابهُ ليبيِّنَ للنَّاسِ، وقدْ فعلَ سبحانهُ مَا عليهِ، وفعلَ رسولُهُ ما عليهِ، فماذا نشأَ بعدَ ذلكَ إلَّا أنْ نأتيَ بمَا علينا، كما قال الزهْريُّ: «مِنَ الله الرسالة، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغُ، وعَلَيْنَا التَّسْليمُ»[10] فهذا البيانُ الذي تَكَفَّلَ بهِ سبحانهُ، وأمرَ بهِ رسولهُ، إمَّا أنْ يكونَ المرادُ بهِ بيانَ اللَّفظِ وحدهُ، أو المعْنى وحدهُ، أو اللَّفظِ والمعْنى جميعًا، ولا يجوزُ أنْ يكونَ المرادُ بهِ بيانَ اللَّفظِ دونَ المعْنى، فإنَّ هذا لا فائدةَ فيهِ، ولا يحْصلُ به مقْصودُ الرسالةِ[11]، بل كانَ ترْكهُ أنْفعَ مِنَ الاتيانِ بهِ؛ فإنَّ الاتيانَ بهِ إنَّما حصلَ منهُ إيهامُ المحالِ والتَّشْبيهِ، وأوْقعَ الأمَّةَ في اعْتقادِ الباطلِ. ولا ريبَ أنَّ هذا إذا نسبَ إلى آحادِ النَّاسِ كانَ ذمُّهُ أقْربَ مِنْ مدْحهِ؛ فكيفَ يليقُ نسبتهُ إلى مَنْ كلامهُ هدًى وشفاءٌ، وبيانٌ ورحمةٌ؟ هذا منْ أمْحلِ المحالِ[12]؛ بلْ كانتْ عنايتهُ ببيانِ المعْنى أشدَّ منْ عنايتهِ ببيانِ اللَّفظِ، وهذا هوَ الذي ينْبغي، فإنَّ المعْنى هو المقْصودُ، وأمَّا اللَّفظُ فوسيلةٌ إليهِ ودليلٌ عليهِ، فكيفَ تكونُ عنايتهُ بالوسيلةِ أهمَّ منْ عنايتهِ بالمقْصودِ؟ وكيفَ نتيقنُ بيانَهُ للوسيلةِ، ولا نتيقنُ بيانهُ للمقْصودِ؟ وهلْ هذا إلَّا منْ أبينِ المحال؟! الخامسُ عَشَرَ: أنَّ الله سبحانه وتعالى ذمَّ المحرِّفينَ للكلمِ، والتَّحريفُ نوعان: تحريفُ اللَّفظِ، وتحريفُ المعنى. أمَّا في اللَّفظِ، فمثالهُ نصبُ اسمِ الجلالةِ بدلَ رفعهِ في قولهِ تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] ليكونَ التكليمُ منْ موسى عليه السلام. وأمَّا في المعنى؛ كتحريفِ معنى الاستواءِ إلى الاستيلاءِ. ولو تدبَّرَ المشتغلونَ بعلمِ الكلامِ كتابَ الله، لمنعهم ذلكَ منْ تبديلِ الاستواءِ بالاستيلاءِ، لأنَّ الله جلَّ وعلا يقولُ في محكمِ كتابهِ: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ *} [البقرة: 59]. ويقولُ: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ *} [الأعراف: 162]، فالقولُ الذي قالهُ الله لهم، هوَ قولهُ حطةٌ، فقالوا حنطةٌ وهي القمحُ. «فَلَقُوا من البلاء ما لَقُوا - وإنَّما زادوا حَرْفًا في الكلمة ـ؛ يُعَرِّفُهُمْ أنَّ الزيادةَ في الدِّين والابتداعَ في الشَّرعِ عظيمُ الخَطَرِ. وإذا كانَ تغييرُ كلمةٍ في بابِ التوبةِ - وذلكَ أمرٌ يرجعُ إلى المخلوقِ - يوجبُ كلَّ ذلكَ العذابِ؛ فما ظنُّكَ بتغييرِ ما هوُ خبرٌ عنْ صفاتِ المعبودِ؟!»[13]. وأهلُ التَّأويلِ قيلَ لهم: على العرشِ استوى. فزادوا لامًا فقالوا: استولى. وهذهِ اللامُ التي زادوها أشبهُ شيءٍ بالنُّونِ التي زادهَا اليهودُ في قولهِ تعالى: {وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة: 58]. قال ابن القيِّمِ رحمه الله: أُمِـرَ اليهودُ أن يقولوا حِطَّةٌ فَأَبَوْا وقالوا حِنْطَةٌ لِهَوَانِ وكذلكَ الجهميُّ قيل له استوى فأَبَى وزادَ الحَرْفَ للنُّقْصَانِ قَالَ اسْتَوَى اسْتَوْلَى وذَا مِنْ جَهْلِهِ لغةً وعقلًا مَا هما سيَّانِ نُون اليهودِ ولامُ جَهْمِيٍّ هما فِي وَحْيِ رَبِّ العرشِ زَائِدَتَانِ وكذلكَ الجَهْميُّ عَطَّـلَ وَصْفَهُ وَيَهُودُ قَدْ وَصَفُوهُ بالنُّقْصَانِ فَهُـمَا إِذًا فِي نَفْيِهِمْ لِصفَاتِهِ الـ عُلْيَا كَمَا بَيَّنْتُهُ أَخـَـوَانِ[14] ولا شكَّ أنَّ منْ بدَّل استوى بـ(استولى) لم يتَّبعْ ما أوحيَ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. فعليهِ أنْ يجتنبَ التبديلَ ويخافَ العذابَ العظيمَ، الذي خافهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لو عصا الله فبدَّلَ قرآنًا بغيرهِ المذكورُ في قولهِ تبارك وتعالى: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [يونس: 15]. وأهلُ [التَّحريفِ] لم ينكروا أنَّ كلمةَ القرآنِ هي استوى، ولكنْ حرَّفوها وقالوا في معناها استولى وإنَّما أبدلوها بها، لأنَّها أصلحُ في زعمهمْ منْ لفظِ كلمةِ القرآنِ، لأنَّ كلمةَ القرآنِ توهمُ غيرَ اللائقِ، وكلمَةُ استولى في زعمهم هي المنـزِّهةُ اللائقةُ بالله مَعَ أنَّهُ لا يعقلُ تشبيهٌ أشنعُ منْ تشبيهِ استيلاءِ اللهِ على عرشهِ المزعومِ، باستيلاءِ بشرٍ على العراقِ. وليسَ بلائقٍ قطعًا، إلَّا أنَّهُ يقولُ: إنَّ الاستيلاءَ المزعومَ منـزَّهٌ، عنْ مشابهةِ استيلاءِ الخلقِ، معْ أنَّهُ ضربَ لهُ المثلَ باستيلاءِ بشرٍ على العراقِ واللهُ يقولُ: {فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ *} [النحل: 74][15]. ونحنُ نقولُ: أيُّها المؤوِّلُ هذا التَّأويل، نحنُ نسألكَ إذا علمتَ أنَّهُ لا بدَّ منْ تنـزيهِ أحدِ اللَّفظينِ أعنىَ لفظَ (استوى) الذي أنزلَ الله بهِ الملَكَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم قرآنًا يتلى، كلُّ حرفٍ منهُ عشرُ حسناتٍ ومنْ أنكرَ أنَّهُ منْ كتابِ الله كفرَ. ولفظة استولى التي جاءَ بها قومٌ منْ تلقاءِ أنفسهم منْ غيرِ استنادٍ إلى نصٍّ منْ كتابِ الله ولا سنَّةِ رسولهِ ولا قولِ أحدٍ مِنَ السَّلفِ. فأيُّ الكلمتينِ أحقُّ بالتنـزيهِ في رأيِكَ؟![16]. والظَّاهر أنَّك ستضطرُ إلى أنْ تقولَ: إنَّ كلامَ ربِّ العالمينَ أحقُّ بالتنزيهِ منْ كلامٍ جاءَ بهِ ناسٌ منْ تلقاءِ أنفسهم منْ غيرِ استنادٍ إلى دليلٍ منْ نقلٍ ولا عقلٍ إلَّا إذا كنت مُكَابِرًا، والمُكَابِرُ لا داعي للكلامِ معهُ {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ *} [الأنعام: 104][17]. وهذه الوجوهُ كافيةٌ شافيةٌ نافعةٌ لمنْ أرادَ الهدايةَ. ونختمُ هذا الفصلَ بنقطتينِ: إحداهُما: أنَّهُ ينبغي للمُؤَوِّلِينَ أنْ يتأمَّلُوا آيةً منْ «سورةِ الفرقان» وهيَ قولهُ تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَانُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59] ويتأمَّلوا معها قولَهُ تعالى في سورةِ فاطر: {وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 14]. فإنَّ قولَهُ في الفرقانِ: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59] بعدَ قولهِ: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الفرقان: 59] يدلُّ دلالةً واضحةً: أنَّ الله الذي وصفَ نفسهُ بـ «الاستواءِ» خبيرٌ بما يصفُ بهِ نفسهُ لا تخفى عليهِ الصِّفةَ اللائقةَ منْ غيرهَا. ويفهمُ منهُ: أنَّ الذي ينفي عنهُ «صِفَةَ الاسْتِوَاءِ» ليسَ بخبيرٍ، نعمْ هُو واللهِ ليسَ بخبيرٍ[18]. الثانيةُ: إنَّ السَّلَفِيِّينَ إذا قيلَ لهم: ما الدليلُ على أنَّ اللهَ تعالى فَوْقَ العَرْشِ؟ قالوا: قالَ اللهُ سبحانه وتعالى كذا، وقالَ رسولُهُ صلى الله عليه وسلم كذا. وأنتم إذا قيلَ لكم: ما الدليلُ على تفسيرِ الاستواءِ بالاستيلاءِ؟ قلتم: قالَ الأخْطلُ: استوى بشرٌ على العراقِ... بَنَيْتُمْ مذْهبَكُم على بيتِ شعرٍ منْ قولهِ، وتركْتُمْ الكتابَ والسُّنَّةَ؟! وهذا قطرةٌ منْ بحرٍ نبَّهنا بهِ تنْبيهًا يعلمُ بهِ اللَّبيبُ ما وراءهُ. وإلَّا لو أعْطينا هذا الموضعَ حقَّهُ - وهيهاتَ أنْ يصلَ إلى ذلكَ علْمنا، أوْ قدرتنا - لكتبنا فيهِ عدَّةَ أسْفارٍ، وكذا كلُّ وجهٍ منْ هذهِ الوجوهِ، فإنَّهُ لو بسطَ، وفصِّلَ لاحْتملَ سفرًا أو أكْثرَ[19]. فعلى المتأوِّل أنْ يجيبَ عنْ ذلكَ كلِّه! وهيهاتَ لهُ بجوابٍ صحيحٍ عنْ بعضِ ذلكَ! -------------------------------------------------------------------------------- [1] درء تعارض العقل والنقل (7/123). [2] انظر: شرح العقيدة الواسطية (ص107 - 108)، للعلامة: ابن عثيمين رحمه الله. [3] شرح العقيدة الواسطية (ص75)، للعلامة: محمد خليل هراس رحمه الله. [4] درء تعارض العقل والنقل (5/382). [5] البداية والنهاية (9/8 و273). [6] مجموع الفتاوى (6/297). [7] رواه مسلم (2653). [8] تحريمُ النظر في كتب الكلام (ص53)، للإمام: موفّق الدين ابن قدامة المقدسي رحمه الله. [9] انظر: مجموع الفتاوى (17/376). [10] أخرجه البخاري (6/2738) تعليقًا [طبعة دار ابن كثير، الطبعة الثالثة]. [11] الصواعق (ص737). [12] مختصر الصواعق (2/145). [13] الحوادث والبدع (ص27 - 28). [14] الكافية الشافية (ص157). [15] قال أبو هريرة رضي الله عنه لرجل: «يا ابنَ أخي! إذا حدَّثْتُكَ عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حديثًا فلا تَضْرِبْ له الأمثالَ» أخرجه ابن ماجه في المقدمة، باب: تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والتغليظ على منْ عارضه (22)، وحسنه العلامة الألباني رحمه الله في «صحيح سنن ابن ماجه» (20). [16] أضواء البيان (7/452 - 453). [17] آداب البحث والمناظرة (2/161). [18] منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات (ص88)، للعلامة الشنقيطي رحمه الله. [19] الصواعق (ص917).[/size] |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 8 | |||
|
![]() الإعتراض الخامس: إعتراضهم على الإستدلال بآيات الصعود والعروج والرفع والفوقية وتنزيل الكتب خامسا:الفوقية تأتي بالمعنيين: تأتي حسية ومعنوية، فالحسية مثل قوله تعالى: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل:50] ، ففي هذه الآية إثبات صفة الفوقية الحسية، وأما الفوقية المعنوية فمثل قوله تعالى في أتباع عيسى: وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [آل عمران:55] فهذه الفوقية ليست حسية، بل المقصود بها الفوقية المعنوية بالترفع عليهم فقط. وكذلك فوقية الله سبحانه وتعالى على خلقه فوقية حسية وفوقية معنوية: فوقية حسية بارتفاعه وعلوه واستوائه على عرشه، وفوقيته المعنوية بمخالفته للحوادث وقهرهم بإحاطته بما هم فيه. فالله له العلو المطلق، فله علو الشأن، فشأنه عظيم، ولا يحيطون بشيء من علمه، ولا يحيطون به علماً سبحانه وتعالى، وله علو القهر، فقد غلب كل شيء، وقهر كل شيء، وعلا على كل شيء، وله علو الذات سبحانه وتعالى كما قال سبحانه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، فاستوى فوق عرشه، وعرشه فوق سماواته، كما جاء في الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة في فلاة، والكرسي بجوار العرش كحلقة في فلاه)، والله على عرشه استوى. وقد يقول قائل:ولماذا فسرتم قوله تعالى((يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )) بالفوية الحسية دون المعنوية؟ فيقال: لأن سياق الكلام في كلام العرب يدل على الفوقية الحسية لا المعنوية فقد جاءت الآيات تتحدث عن عباد الله المتقين الذين يخافون ربهم الذي فوقهم(من فوقهم) فلا شك أن لفظ الفوق إذا جاء مجرورا ب(من) لا يفهم منه إلا الفوقية الحسية كما في قوله تعالى((إذا جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم)) وكقوله تعالى((قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم..)) فإذا لم تكن هذه فوقية حسية فماعساها أن تكون؟!!!! أما تفسيرك للفوقية الحسية التي يثبتها السلفيين بأنها جسم فوق جسم فذاك في حق المخلوقات ولكن كلامنا عن الخالق جلا جلاله الذي(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). وقد تقدم الرد على هذا في الرد على الشبهات فليراجع. من طرائف ابن جهبل و للعلم : لم يكن ابن جهبل محققا لمذهب السلف بل من طرائفه في رده على شيخ الإسلام ابن تيمية انه أدرج كلام الإمام أحمد مع كلام ابن تيمية و ظن انه كله كلام الامام أحمد ! فقال :( و لو تنازل واكتفى بما نُقل عن إمامه الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، حيث قال: " لا يُوصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا نتجاوز القرآن والحديث، ونعلم أن ما وُصِفَ اللهُ به من ذلك فهو حق، ليس فيه لغو ولا أحاج، بل معناه يُعرف من حيث يُعرف مقصود المتكلم بكلامه، وهو مع ذلك ( ليس كمثله شيء) في نفسه المقدسة المذكورة بأسمائه وصفاته، ولا في أفعاله، فكان ينبغي أن الله سبحانه له ذات حقيقية، وأفعال حقيقية، وكذلك له صفات حقيقية، وهو ( ليس كمثله شيء) لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وكل ما أوجب له نقصاً أو حُدوثاً فإن الله عز وجل منزه عنه حقيقةً، فإنه سبحانه مُستحق للكمال الذي لا غاية فوقه، وممتنع عليه الحدوث لا متناع العدم عليه، واستلزام الحدوث سابقة العدم، وافتقار المُحدَث إلى مُحدِث ووجوب وجوده بنفسه سبحانه وتعالى " ولقد أتى إمامك في هذا المكان بجوامع الكلم، وساق أدلة المتكلمين على ما تدعيه بأحسن رد وأوضح معان، مع أنه لم يأمر بما أمر به هذا الفريق. ) اهـ كلام ابن جهبل في رسالته تلك ! و الطريف ان الكلام الملّون باللون الأحمر هو كلام شيخ الإسلام أصلاً ! و لكن ابن جهبل ظنه كلام الإمام أحمد ! و كلام الإمام أحمد انتهى عند قوله : " لا يُوصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا نتجاوز القرآن والحديث " فامتدح كلام شيخ الإسلام ظانا أنه كلام الامام أحمد ! و احتج بكلامه عليه ! و هذا يدلك على مدى تحقيق مثل هذا لمذهب السلف ! |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 9 | |||
|
![]() الإعتراض السادس:إعتراضهم على دليل :رفع الأيدي إلى السماء.
قالو: أنَّ ذلكَ إنَّما لكونِ السَّماءِ قبلةَ الدعاءِ، كمَا أنَّ الكعبةَ قبلةٌ للصَّلاةِ، ثمَّ هوَ منْقوضٌ بوضعِ الجبْهةِ على الأرضِ معَ أنَّهُ ليسَ في جهةِ الأرضِ))انتهى واحتج الأحباش ومن وافقهم بشبهة واهية وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقلب يديه في الاستسقاء فتارة يوجه باطن كفه إلى السماء وتارة إلى الأرض. بمعنى أنه إذا كنا نوجه الأيدي إلى السماء لأن الله في السماء فهذا مردود بتوجيه يديه إلى الأرض. وهذا الكلامُ باطلٌ معلومٌ بالاضطرارِ بطلانُهُ، مخالفٌ لصريحِ المعقولِ، وصحيحِ المنقولِ عنْ الرسولِ صلى الله عليه وسلم. وذلكَ يظهرُ بوجوهٍ: أحدُها: أنَّ قولَكُم: إنَّ السَّماءَ قبْلَةُ الدُّعاءِ لمْ يقلْهُ أحدٌ منْ سلفِ الأمَّةِ، ولا أنْزلَ اللهُ بهِ منْ سُلطانٍ، وهوَ قولٌ مُحْدَثٌ، ومخالفٌ لإجماعِ المسلمينَ، ولما عُلِمَ بالاضطرارِ منْ دينِ الإسلامِ، فيكونُ منْ أبطلِ الباطلِ. الوجهُ الثاني: أنَّ توجُّهَ الخلائقِ بقلوبهم وأيديهم وأبصارهم إلى السَّمَاءِ حالَ الدُّعاءِ أمرٌ فطريٌّ ضروريٌّ لا يختصُّ بهِ أهلُ المللِ والشرائعِ؛ والمسْتقبلُ للكعبةِ يعْلمُ أنَّ الله تعالى ليسَ هناكَ، بخلافِ الدَّاعي، فإنَّه يتوجَّهُ إلى ربِّهِ وخالقهِ، ويرجو الرَّحمةَ أنْ تَنْزِلَ منْ عندهِ. الوجهُ الثالثُ: أنَّ قبلةَ الدُّعاءِ هي قبْلةُ الصَّلاةِ، فإنَّهُ يسْتحبُّ للدَّاعي أنْ يسْتقْبلَ القِبْلَةَ، وكانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يسْتقبلُ القبْلةَ في دعائهِ في مواطنَ كثيرةٍ، فمنْ قالَ: إنَّ للدُّعاءِ قبْلةً غيْرُ قبْلةِ الصَّلاةِ، أو إنَّ لهُ قبْلتينِ: إحْداهما الكعْبةُ، والأخْرى السَّماءُ، فقدِ ابْتدعَ في الدِّينِ، وخالفَ جماعةَ المسْلمينَ. الوجهُ الرابعُ: أنَّ القبلةَ تقبلُ النَّسخَ، كما نُسِخَتْ منْ بيتِ المقْدِسِ إلى المسجدِ الحرامِ، أمَّا التَّوجُّهُ إلى السَّماءِ حالَ الدُّعاءِ فهوَ أمْرٌ مركوزٌ في الفطرِ، لا يتوجَّهونَ إلى غيرِ جهةِ العلوِّ، يفعلهُ العالمُ والجاهلُ. وإذا كانتِ القبلةُ أمرًا يقبلُ النَّسخَ والتبديلَ فيجبُ على هذا التقديرِ إذا كانتِ السَّماء قدْ جعلتْ قبلةً للدعاءِ أنْ يجوز تغييرُ ذلكَ وتبديلُه؛ حتىَّ يجوز أنْ يُدْعا الله إلى نحو الأرضِ، ويجوزُ أنْ يدعوهُ الإنسانُ مِنَ الجهاتِ السِتِّ، ويمدُّ يدَهُ وعينيهِ إلى سائرِ جهاتهِ، وأنْ يكونَ ذلكَ قبلةً لبعضِ الدَّاعينَ دونَ بعضٍ[1]. الوجهُ الخامسُ: أنَّ القبلةَ: مَا يستقبلهُ العابدُ بوجههِ، كما تُسْتَقْبَلُ الكعبةُ في الصَّلاةِ والدُّعاءِ والذِّكرِ والذَّبْحِ، ولذلك سمِّيتْ وُجْهَةً، والاسْتقْبالُ خلافُ الاسْتدْبارِ، فالاسْتقْبالُ بالوجْهِ، والاستدْبارُ بالدُّبرِ، فأمَّا مَا حاذاهُ الإنْسانُ برأسهِ أو يديهِ أو جنْبهِ، فهذا لا يسمَّى قبْلةً، لا حقيقةً ولا مجازًا، فلو كانتِ السَّماءُ قبلةَ الدُّعاءِ، لكانَ المشروعُ أنْ يوجِّهَ الدَّاعي وجههُ إليها، وهذا لمْ يشْرعْ. الوجهُ السادسُ: أنَّ القبلةَ لا يجدُ النَّاسُ فِي أنفسهم معنًى يطلب تعيينها، وَلاَ فرقَ بين قبلةٍ وقبلةٍ، بخلافِ التَّوجُّهِ في الدُّعاءِ نحوَ السَّماءِ، فالنَّاسُ يجدونَ في أنْفسهم طلبًا ضروريًّا لما فوق. الوجهُ السابعُ: عندما كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُقَلِّبُ وجههُ (في السَّماء) يسألُ الله عزَّ وجلَّ - وهوَ أعلمُ بهِ - عن القبلةِ، استجابَ لهُ ربُّه وحدَّد لهُ المسجدَ الحرامَ، كما قال تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: 144] والنصُّ هنا يشيرُ بوضوحٍ إلى أنَّ الله عزَّ وجلَّ أبدلَ نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم قبلةً جديدةً يرضاها هي المسجدُ الحرامُ بدلًا منْ بيتِ المقدسِ، ولم يسمِّ تَقَلُّبَ وجهِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في السَّماءِ توجُّهًا نحو القبلةِ، بلْ إنَّ النَّصَّ يشيرُ إلى أنَّ تَقَلُّبَ وجههِ في السَّماءِ إنَّما كانَ ينتظرُ الأمرَ مِنَ الله في السَّماء، الذي استجابَ لهُ وعيَّن لهُ قبلةً في الأرضِ لا في السَّماء[2]. الوجهُ الثامنُ: رفعُ الأيدي بالدعاءِ «يتضمنُ ثلاثةَ أشياء: الرفعُ الذي فيهِ الإشارة الحسية الظاهرة، والقصدُ والإرادة التي يقصدُ بها الصمدُ الأعلى، والاعتقاد الذي هو أصلُ القصدِ الذي هو أصلُ العمل. [والجهمية يزعمون] أن الثلاثة فاسدة. فيقال: لو كانَ الأمرُ كذلك لكانَ النهيُ عن ذلك من أعظمِ الواجباتِ في الدينِ، إذ ذاكَ من أعظمِ المنكراتِ لتضمنهِ اعتقادًا فاسدًا في حقِّ اللهِ تعالى، ودعًا فاسدًا متعلقًا بهِ، وعبادةً غير صالحة لهُ. ومِنَ المعلومِ أنَّ اللهَ قد بعثَ الأولينَ والآخرينَ مِنَ النبيِّين مبشرين ومنذرين، ولم ينه أحدٌ من الأنبياء والمرسلين لبني آدمَ عن شيء من ذلك، لا عن هذا الرفعِ ولا عن هذا القصدِ ولا عن هذا الاعتقاد، بل كانَ الأنبياءُ موافقين لهم على هذا العمل، وذلك يوجب العلم الضروري من دين النبيين: أن ذلك عندهم ليس من المنكر بل من المعروف، وذلك يبطلُ كونهُ مبنيًّا على اعتقادٍ فاسدٍ في حقِّ الله تعالى مستلزمًا له ودالًّا عليهِ، فإن كلَّ ما كانَ متفرعًا عن الاعتقاد الفاسد أو كانَ مستلزمًا له مثل أن يكونَ دليلًا عليه فإنهُ يجبُ النهي عنهُ، فإن العقائدَ الفاسدةَ، والمقاصدَ الفاسدةَ، في حقِّ الله تعالى تجبُ إزالتها وإزالةُ فروعها وأصولها التي توجبها. وإذا كان كذلك فالجهمية تنهى عن هذا الاعتقادِ وهذه الإرادةِ، فهم ناهونَ عن معرفةِ اللهِ تعالى وعبادتهِ»[3]. الوجه التاسع:أن هذا الرفع يستدل به من وجوه: أحدها: أن العبد الباقي على فطرته يجد في قلبه أمرا ضروريا إذا دعا الله دعاء المضطر أنه يقصد بقلبه الله الذي هو عال وهو فوق. الثاني: أنه يجد حركة عينه ويديه بالإشارة إلى فوق تتبع إشارة قلبه إلى فوق وهو يجد ذلك أيضا ضرورة. الثالث: أن الأمم المختلفة متفقة على ذلك من غير مواطأة. الرابع: أنهم يقولون بألسنتهم أنا نرفع أيدينا إلى الله ويخبرون عن أنفسهم أنهم يجدون في قلوبهم اضطرارا إلى قصد العلو فالحجة تارة بما يجده الإنسان من العلم الضروري وتارة بما يدل على العلم الضروري في حق الناس وتارة بأن الناس لا يتفقون على ضلالة فإنه إذا كان إجماع المسلمين وحدهم لا يكون إلا حقا فإجماع جميع الخلق الذين منهم المسلمون أولى أن لا يكون إلا حقا. وبهذه المجامع يظهر الجواب عما تذكر الجهمية وجماعة شيئان: أحدهما: أن يكون الناس مخطئين في هذا الرفع لاعتقادهم أن الله فوق وليس هو فوق. الوجه العاشر: أن يقال كون العرش أو السماء قبلة للدعاء لا يثبت بغير الشرع فإن اختصاص بعض الجهات والأمكنة بأنه يستقبل دون غيرها هو أمر شرعي ولهذا افترقت أهل الملل كما قال تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} فلو كان الله جعل العرش أو السماء قبلة للدعاء كان في الشريعة ما يبين ذلك ومعلوم أنه ليس في الكتاب والسنة ولا شيء من الآثار عن سلف الأمة ولا أئمتها ولا في الإثارة عن الأنبياء المتقدمين كموسى وعيسى وغيرهما من المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين أن العرش أو السماء قبلة للدعاء فعلم أن دعوى ذلك من أعظم الفرية على الله وأن هذا من جملة افتراء الجهمية ونحوهم على الله وعلى رسله ودينه. الوجه الحادي عشر:أن الناس مع اختلاف عقائدهم واديانهم يشيرون إلى السماء عند الدعاء لله تعالى والرغبة إليه وكلما عظمت رغبتهم واشتد الحاحهم قوي رفعهم واشارتهم ولهذا لما كان دعاء الاستسقاء فيه من الرغبة والإلحاح ما ليس في غيره كان رفع النبي صلى الله عليه وسلم وإشارته فيه أعظم منه في غيره وهذا يفعلونه إذا دعوا الله مخلصين له الدين عندما يكونون مضطرين إلى الله عند الرغبة والرهبة مثل ركوب البحر وغيره وفي تلك الحال يكونون قاصدين الله قصدا قويا بل لا يقصدون غيره ويقرنون بقصد قلوبهم وتوجهها اشارتهم بعيونهم ووجوهم وأيديهم إلى فوق ومعلوم أن الإشارة تتبع قصد المشير وإرادته فإذا لم يكونوا قاصدين إلا الله ولا مريدين إلا إياه لم تكن الإشارة إلا إلى ما قصدوه وسألوه فإنه في تلك الحال لا يكون في قلوبهم إلا شيئان المسؤول والمسؤول منه ومعلوم أن هذه الإشارة باليد وغيرها ليست إلى الشيء المسؤول المطلوب من الله ولا يخطر بقلوبهم أن هذه الإشارة إلى ذلك ولا ادعاه المنازع في ذلك في يقصده الداعي ولم يشعر به وهذا ممتنع وهذا واضح لمن تدبره. الوجه الثاني عشر:أنه قد نهى عن رفع البصر في الصلاة إلى فوق أمرا بالخشوع الذي أثنى الله على أهله حيث قال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} وقال: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} والخشوع يكون مع تحفض البصر كما قال تعالى: {وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} وقال تعالى: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} وقال: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ}: {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} كما وصف الأصوات بالخشوع في قوله: {وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً} وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم" فاشتد قوله في ذلك حتى قال: "لينتهن أو لتخطفن أبصارهم" رواه البخاري وأكثر أهل السنن وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لتخطفن أبصارهم" رواه مسلم وغيره ولو كان الله ليس فوق بل هو في السفل كما هو في الفوق لا لاختصاص لأحد الجهتين به لم يكن رفع البصر إلى السماء ينافي الخشوع بل كان يكون بمنزلة حفظها. الوجه الثالث عشر:أما عن تقليب اليدين في الإستسقاء فلا دلالة فيه على إعتراضكم في شيء لأن في كلتا الحالتين تكون الأيدي مرفوعة إلى السماء فوق الرؤوس سواء كان الكف في الأعلى أم العكس. فقد جاء في حديث أنس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض أبطيه" رواه الجماعة أهل الصحاح والسنن والمسانيد مثل البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والإمام أحمد في مسنده وغيرهم وفي رواية لمسلم "أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفه إلى السماء" رواه أبو داود ولفظه "أن النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي هكذا يعني ومد يديه وجعل بطونهما مما يلي الأرض حتى رأيت إبطيه" فهذا هو رفعهما إلى فوق رأسه وهو الابتهال ومن صوره هذا الرفع إلى فوق الرأس أن تصير كفيه من جهة السماء إذ لا يمكن مع استيفاء الرفع أن تكون بطونهما من نحو السماء. فتبيَّنَ منْ هذا الكلامِ: أنَّ القولَ بأنَّ السَّماءَ قبلةُ الدُّعاءِ منْ أعْظمِ الفريةِ على الله، وأنَّهُ منْ جملةِ افْتراءاتِ الجهميَّةِ ونحوهم على اللهِ وعلى رسلهِ ودينهِ. |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 10 | |||
|
![]() السؤال بأين الله ليس بدعةً(1) من الأدلة الصحيحة على جواز السؤال بأين الله ما رواه الطبراني في المعجم الكبير (13054) من طريق محمد بن نصر الصائغ ثنا أبو مصعب الزهري ثنا عبدالله بن الحارث الجمحي ثنا زيد بن أسلم قال مر ابن عمر براع فقال :هل من جزرة ؟ فقال ليس ها هنا ربها قال ابن عمر تقول له أكلها الذئب قال فرفع رأسه الى السماء وقال فأين الله ؟ فقال أنا والله أحق أن أقول أين الله ؟ واشترى الراعي والغنم فأعتقه وأعطاه الغنم قال الألباني في مختصر العلو (( رجاله ثقات مترجمون في التهذيب إلا شيخ الطبراني وهو ثقة مترجم في تاريخ بغداد )) قلت: تأمل معي رفع رأسه الى السماء حينما قال فأين الله مما يدل أن المتقرر عندهم هو أن الله في السماء الدليل الثاني: ما رواه أحمد مسنده (4/11-12) الترمذي (3109) وحسنه وابن ماجة في سننه، المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية (1/64) من حديث وكيع بن حدس عن عمه أبي رزين العقيلي قال قلت يا رسول أين كان ربنا قبل أن يخلق ؟ قال (( كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء وخلق عرشه على الماء )) قلت هذا حديث حسن أعله جمع من الأفاضل بجهالة وكيع بن عدس ويقال حدس والصواب أنه معروف ذكره ابن حبان في كتاب مشاهير علماء الأمصار( ص124) وقال انه من الأثبات وقال عنه الجورقاني في كتابه الأباطيل و المناكير والصحاح المشاهير (1/232) صدوق صالح الحديث وصحح له الترمذي وابن خزيمة _ كما في التذييل على كتب الجرح والتعديل ص125 _ والجوزقاني هذا صنفه التهانوي مع المتشددين في كتابه (( قواعد في علم الحديث )) ص191 وأقره المحقق عبدالفتاح أبو غدة وقد صحح هذا الحديث ابن جرير الطبري في تاريخه (1/19) ------- (1) هذا الفصل نقلته من كتاب(الدفاع عن حديث الجارية) للأخ الفاضل:عبد الله خليفي. |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 11 | |||
|
![]() الإعتراض الثامن: شبهاتهم حول حديث النزول . قبلَ البدءِ بذكرِ الشُّبهاتِ الواردةِ على حديثِ النزولِ والردِّ عليها أذكرُ كلامًا نفيسًا يزيلُ كثيرًا منَ الشُّبهاتِ في هذا البابِ وغيرهِ.اعلمْ رحمكَ اللهُ بأنَّ صفاتِ الله لا يتوهَّمُ فيها شيءٌ منْ خصائصِ المخلوقينَ لا في لفظهَا ولا في ثبوتِ معناهَا. فإثباتهَا للرَّبِّ تعالى لا محذورَ فيهِ بوجهٍ، بلْ تثبتُ لهُ على وجهٍ لا يماثلُ فيها خلقهُ، ولا يشابههم، فمنْ نفاها عنهُ لإطلاقهَا على المخلوقِ ألحدَ في أسمائهِ، وجحدَ صفاتِ كمالهِ. ومنْ أثبتهَا على وجهٍ يماثلُ فيها خلقهُ فقدْ شبَّههُ بخلقهِ، ومنْ شبَّهَ الله بخلقهِ فقدْ كفرَ، ومنْ أثبتهَا لهُ على وجهٍ لا يماثلُ فيها خلقهُ، بلْ كما يليقُ بجلالهِ وعظمتهِ فقد برىءَ من فرثِ التَّشبيهِ ودمِ التَّعطيلِ، وهذا طريقُ أهلِ السنَّةِ. فما لزمَ الصفَّة لإضافتها إلى العبدِ وجبَ نفيهُ عَنِ الله كما يلزمُ حياةُ العبدِ منَ النَّومِ والسِّنةِ والحاجةِ إلى الغذاءِ والمرضِ والموتِ، وكذلكَ علمهُ محفوفٌ بنقصينِ: جهلٌ سابقٌ، ونسيانٌ لاحقٌ؛ وكذلكَ ما يلزمُ إرادتهُ عنْ حركةِ نفسهِ في جلبِ ما ينتفعُ بهِ ودفعِ ما يتضررُ بهِ، وكذلكَ ما يلزمُ علوُّهُ من احتياجهِ إلى ما هو عالٍ عليهِ وكونهِ محمولًا بهِ مفتقرًا إليهِ محاطًا بهِ، كلُّ هذا يجبُ نفيهُ عنِ القدُّوسِ السَّلامِ - تباركَ وتعالى ـ. فإذا أحطتَ بهذهِ القاعدةِ خبرًا وعقلتهَا كما ينبغي خلصتَ مِنَ الآفتينِ اللتينِ هما أصلُ بلاءِ المتكلِّمينَ، آفةُ التَّعطيلِ وآفةُ التَّشبيهِ، فإنَّكَ إذا وفَّيتَ هذا المقامَ حقَّهُ أثبتَ لله الأسماءَ الحسنى والصفِّاتِ العلى حقيقةً، فخلصتَ مِنَ التَّعطيلِ ونفيتَ عنهَا خصائصَ المخلوقينَ ومشابهتهم فخلصتَ مِنَ التَّشبيهِ. فعليكَ بمراعاةِ هذا الأصلِ والاعتصامِ بهِ، واجعلهُ جُنَّتَكَ التي ترجعُ إليهَا في كلِّ ما يطلقُ على الرَّبِّ تعالى وعلى العبدِ. وبعدَ هذا الكلامِ النَّفيسِ نذكرُ شبهاتِ القومِ ونأتي عليهَا مِنَ القواعدِ بإذنِ العليِّ الأعلى الكبيرِ المتعالِ سبحانه وتعالى. الشبهة الأولى : تأويلهم للنزول على أنه نزول الملك أو الأمر من الله أو الرحمة. و الشبهة الثانية :قولهم بأن الليل ينتقل من مكان إلى مكان على هذا الرابط: https://www.djelfa.info/vb/showpost.p...33&postcount=5 الشبهة الثالثة ![]() و الشبهة الرابعة : قولهم((هل يستلزم نزول الله عز وجل أن يخلو العرش منه أو لا؟)). و الشبهة الخامسة :قولهم بأن النزول يقتضي الحركة والإنتقال وهذا من خصائص الأجسام. على هذا الرابط: https://www.djelfa.info/vb/showpost.p...43&postcount=6 الشبهة السادسة:هل النزول يستلزم أن تكون السماء الدنيا تقله ، والسماء الثانية فوقه ؟ و الشبهة السابعة :نسبتهم التأويل للإمام مالك رحمه الله على هذا الرابط: https://www.djelfa.info/vb/showpost.p...54&postcount=7 |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 12 | |||
|
![]() تعقيبات على الإمام النووي رحمه الله(أ): قال الإمام النووي فى شرح قول النَّبي صلى الله عليه و سلم للجارية : (( أين الله ؟)) . فقالت : في السماء . قال : (( من أنا ؟)). قالت : أنت رسول الله . قال : (( أعتقها فإنها مؤمنة (1) )) قال ما نصه ( 5 / 24-25 ) : (( هذا الحديث من أحاديث الصفات ، و فيها مذهبات تقدم ذكرهما مرات فى كتاب الإيمان : أحدهما: الإيمان به من غير خوض فى معناه : مع اعقاد أن الله - تعالى - ليس كمثله شىء ، و تنزيهه عن سمات المخلوقات . هل هي موحدة تقر بأن الخالق المدبر الفعال هو الله و حده ، و هو الذي إذا دعاهُ الداعي استقبل السماء ، كما إذا صلى المصلي استقبل الكعبة و ليس ذلك لأنه منحصر فى السماء كما أنه ليس منحصراً فى جهة الكعبة : بل ذلك لأنَّ السَّماي قبلة الدَّاعين ، كما أنَّ الكعبة قبلة المصلِّين ، أو هيَ من عبدة الأوثان العابدين للأوثان التي بيم أيديهم ؟ فلمَّا قالت : في السماء ، أنَّها موحَّّدة , و ليست عابدة للأوثان (2) . قال القاضي عياض : لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم و محدِّثهم و متكلِّمهم و نظَّارهم و مقلِّدهم أن الظَّواهر الواردة بذكر الله فى السماء , كقوله تعالى : (( أأمنتم من في السماء أني يخسف بكم الأرض )) ( 3) و نحوه ، ليست على ظاهرها , لا متأوَّولة عند جميعهم , فمن قال بإثبات جهة فوق من غير تحديد ولا تكييف من المحدِّثين و الفقهاء و المتكلِّمين و أصحاب التنزيه بنفي الحج و استحالة الجهة فى حقه سبحانه و تعالى ، تأولها تأويلات بحسب مقتضاها و ذكر نحو ما سبق . قال : و يا ليت شعري ! ما الذي جمع أهل السنة و الحق كلهم على وجوب الامساك عن الفكر فى الذات كما أمروا ، و سكتوا لحيرة العقلو و اتفقوا على تحريم التكييف و التشكيل ؟، و أن ذلك من وقوفهم و إمساكهم غير شاك في الوجود و الموجود ، و غير قادح فى التوحيد , بل هو حقيقته ثم تسامح بعضهم بإثبات الجهة حاشياً من مثل هذا التسامح و هل بين التكييف و إثبات الجهات فرق ؟ لكن إطلاق ما أطلقه الشرع من أنه ( القاهر فوق عباده ) (4) و أنه استوى على العرش، مع التمسك بالآية الجامعة للتَّنزيه الكُلي الذي لا يصح فى المعقول غيره و هو قوله تعالى : (( ليس كمثله شيء )) عصمة لمن وفقه الله - تعالى - و هذا كلام القاضي - رحمه الله تعالى - )) . التعقيب: تصرف النووي - رحمه الله - فى كلام القاضي عياض ، و هذا نص كلام القاضي عياض بحروفه : (( و المسألة بالجملية ، و إن كان تساهل في الكلام فيه بعض الأشياخ المقتدى بهم من الطائفتين ، فيه من معوصات مسائل التوحيد ، ويا ليت شعري ما الذي جمع أراء كافة أهل السنة و الحق على تصويب القول بوجوب الوقوف عن. لتفكر فى الذات كما أمروا ، و سكتوا لحيرة العقول و هناك , و سلموا , و أطبقوا على تحريم التكييف و التخييل و التشكيل , و أن ذلك من وقوفهم و حيرتهم غر شك فى الوجود أو جهل بالموجود , و غير قادح فى التوحيد , بل هو حقيقة عندهم ,ثم تسانح بعضهم فى فصل منه بالكلام في إثبات جهة تخصه أو يشار إليه بحيز يحاذيه ، و هل بين التكييف من فرق , أو بين التحديد فى الذات و الجهات من بون ، لكن إطلاق ما أطلقه الشرع من أنه (( القاهر فوق عباده )) و أنه استوى على عرشه ، مع التمسك بالآية الجامعة للتنزيه الكلي الذي لا يصح فى معقول سواه (( لأيس كمثله شىء و هو السميع البصير )) عصمة لمن وفقه الله - تعالى - و هداه )) (5) و قد و قع فى كلام النووي ما يستحق أن يقف عنده ، و أن يُنبه إله الطلبة ،فهذه مسألة من المسائل المهمة التي ينبغي أن تكون واضحة وضوح الشمس من غير أدنى لبس أو عموض ، و الكلام المذكور آنفا لا يفي بشىء من ذكل ، بل عليه مؤاخذات ، و لما كان هذا الشرح سار فى الاقطار ، فى سائر الاعصار , لا بد من الوقوف على ما في هذا الكلا لمناصرة الحق ، و الوقوف على العقيدة السلفية فنقول : أولاً : قول النووي (( من غير خوض فى معناه )) ليس مذهب السلف و إنما السلف يعلمون المعنى و يمسكون عن الخوض فى الكيفية ، و ما رآه النووي من أن مذهب السلف هو تفويض المعني ليس بصحيح كما بيناه فى الباب الأول . ثانياً : قوله نقلاً عن القاضي عياض : (( إن الظواهر الواردة بذكر الله - تعالى - فى السماء .... ليست على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم ، فمن قال بإثبات جهة فوق من غير تحيد ولا تكييف من المحدثين و الفقهاء و المتكلمين تأول (( فى السماء )) أي : على السماء )) فما ينبغي أن يذكر هنا : الفرق الكبير بين تفسير السلف الذي هو عين مقتضى اللفظ و تأويل الخلف المخالف لمقتضى اللفظ ، فالتفصير المذكور ، أعني (( على السماء )) هو التفسير السلفي للآية ، و ليس فيه إخراج للفظ عن ظاهره , و هو المراد من قوله صلى الله عليه و سلم (( ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء )) (6) فكما هو مقرر في الأذهان ، و مشاهد في العيان أن الناس على الأرض ، و هو المراد من قوله صلى الله عليه و سلم : (( ارحمو من في الأرض )) فكذلك المراد من قوله (( يرحمكم من في السماء )) فتأمل ولا تكن من الغافلين . ثالثاً : تفرقة النووي بين قبلة الداعي و قبلة المصلي مما لا دليل عليه ، فلا قبلة للمسلم إلا واحدة و حمله جواب الجارية لرسول الله صلى الله عليه و سلم و قولها : (( في السماء )) على قبلة الداعين بعيد ، يعوزه الدليل(وقد تقدم الرد على هذا التفريق) . رابعاً : عقيدة السلفة القائمة على الكتاب و السنة : أن الله - عز و جل - مستو على عرشه ، بائن من خلقه ، أخبر الله - عز و جل - بذلك فى مواضع كثيرة من القرآن الكريم , منها : قوله تعالى : (( ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيراً )) (7) . فان هذه الآية تدل دلالة واصحة أن الله وصف نفسه بالاستواء ، خبير بما وصف به نفسه ، لا تخفى عليه الصفة اللائقة من غيرها ، و يفهم منه أن الذي ينفي عنه صفة الاستواء ليس بخبير ، نعم ، و اله هو ليس بخبير (8) . و الادلة النقلية العقلية على هذه المسألة كثيرة و شهيرة ، و نقول السلف حافلةبها ، و هذه الأدلة و النقول مسطرة في كتب التوحيد (9) ، و أخص منها : ما كتب مفرداً في هذا الباب(10) ، من مثل كتاب الامام الذهبي (( العلو للعلي الغفار )) وكتاب ابن قدامة المقدسي (( إثبات صفة العلو )) و كتاب ابن القيم (( اجتماع الجيوش الاسلامية )) فإنه ألفه للرد على من أول الاستواء بمعني يخالف ما عليه سلف الأمة ، من مثل المعتزل و الجهمية ، و من سار على منهجهم فى التأويل خامساً : و من بين الأمور التي وقعت في كلام الإمام النووي السابق و تحتاج إلى توضيح نسبة الجهة و المكان لله - عز و جل- ولإزالة الغموض في هذه المسألة ، أحب أن أبين ما يلي : أن لفظ الجهو فيه إجمال و تفصيل ، فنحن نوافق على نفيه عن الله - تبارك و تعالى - و من وجه آخر ، ذلك أنه قد يراد بنفي الجهة أن الله - سبحانه و تعالى - منزه عن أن يكون في شيء من مخلوقاته ، و إن كان المقصود بنفي الجهة العدمية التي هي عبد عن أن اله - سبحانه و تعالى - فوق خلقه فهذا الامر مرفوض تماماً لأنه لا يجوز أن يقال أن - سبحان و تعالى - ليس فى جهة قصد نفي علوه و فوقيته على خلقه ، و بناء على ما تقدم فإن الجهة قسمنا : الأول : جهة يجب أن ينز الله - تبارك و تعالى - عنها و هي هذا العالم الوجودي فأن الله - تبارك و تعالى - ليس حالاً في شىء من مخلوقاته ، و على هذا مضى سلف الأمة الثاني : جهة ثانية و هي عدم محض ، و هي ما فوق العالم ، فإثبات جهة لله تبارك و تعالى بمعنى أنه فوق العالم مستو على عرشه بائن من خلقه فهذا واجب شرعاً ، مع مراعاة عدم التشبيه و التكييف ، لأن هذه الجهة ثابتة لله تبارك و تعالى بما تواتر من نصوص القرآن الكريم و السنة المطهرة و إجماع سلف الأمة ، بل جميع الاديات السمواي و الكتب المنزل ، فمن قال أن الله تبارك و تعالى فوق العالم لم يقل بجهة وجودية بل بجهة عدمية أثبتها الشرع , و أثبتتها الفطرة , و أثبتها العقل كذلك . يقول شيخ الاسلام ابن تيمية موضحاً هذا المعنى : (( فإذا كان سبحان فوق الموجودات كلها ، و هو غني لم يكن عنده جهة وجودية يكون فيها فضلاً عن أن يحتاج إليها ، و إن أريد بالجهة ما فوق العالم ليس بشىء ولا هو أمر وجودي ، و هؤلاء أخذوا لفظ الجهة بالاشتراك ، و توهموا و أوهموا إذا كان فى جهة كان في شىء غيره ، كما يكون الأنسان في بيته ، ثم رتبوا على ذلم أن يكون الله محتاجاً إل غيره والله تعالى غني عن كل ما سواه )) (11) وجملة القوة في الجهة إن أريد بها أمر وجودي فهذا ينبغي نفيه لأن الله تبارك و تعالى لا يحصره ولا يحيط به شيء من خلقه ، فهو سبحانه و تعالى فوق عرشه بائن من خلقه و هو معهم بعلمه ، و إن أريد بالجهة أمر عدمي و هو ما فوق العالم فهذا ينبغي اثباته لأنهي ليس هنالك فوق العالم إلا الله و حده . ----------------- (أ) التعقيب على النووي نقلته عن كتاب ((الردود والتعقيبات على ما وقع للإمام النووي في شرح صحيح مسلم من التأويل في الصفات وغيرها من المسائل المهمات )) للشيخ مشهور حسن آل سلمان . (1) خرجته و بينت طرقه فى تعليقي على رسالة ابن رشد (( الرد على من ذهب إلى تصحيح علم الغيب من جهة الخط )) ( 23 - 30 )) (2) هذا معنى كلام المازري فى (( المعلم )) ( 1/ 275- 276) (3) الملك : 16 (4) الأنعام 18 ، 61 (5) (( إكمال العلم )) ( ق 206 /ب). (6) الحديث صحيح راجع (( السلسلة الصحيحة )) رقم ( 920) (7) الفرقان : (59) (8) (( منهج و دراسات لآيات الصفات )) (26). (9) من مثل : (( إبطال التأويلات )) ( 1/232) لأبي يعلي الفراء ، و (( التوحيد )) (101) لبن خزيمة و (( الرد على الجهمية )) (18 ) لعثمان بن سعيد الدرامي ، و (( شرح أصول اعتقاد أهل السنة )) ( 3 / 387و ما بعدها ) للالكائي و (( الابانة )) (36) لأبي الحسن الأشعري ، و (( مختصر الصواعق المرسلة )) (2/126 ) لابن القيم , و (( درء تعارض العقل و النقل )) ( 6 / 258 ) لابن تيمية و كتبه حافلة في بيان هذه المسألة و (( التمهيد )) ( 7 /128) لابن عبد البر القرطبي و (( عقيدة عبد الغني المقدسي )) (40) و (( شرح العقيدة الطحاوية )) 325) ، و غيره كثير (10) و قد صنف فيها كثير من المحدثين مثل : أسامة القصاص - رحمه الله تعالى - و عبد الله السبت ، و الأخ سليم الهلالي و عوض منصور (11) انظر (( نقض تأسيس الجهمية )) ( 1/ 520 ) و (( التدمرية )) ( ص 45 ) ،و (( مختصر العلو )) ( 286 - 287 ) ، و (( منهاج الأدلة )) ( 178 ) , و (( البيهقي و موقفه من الألهيات )) ( 353 ) و (( ابن جرير و دفاعه عن عقيدة السلف )) ( 475 - 476 ) |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 13 | ||||||||
|
![]()
|
||||||||
![]() |
رقم المشاركة : 14 | ||||||||||
|
![]() أنا إستعملت مصطلح الحسّي وأنت وافقتني فهل ورد في الكتاب والسّنّة مصطلح الحسّي ؟. اقتباس:
ولماذا كانت فوقية الله تستلزم أنّ العرش أقرب إليه من السماء؟ وأنّ الصعود في السماء يزيدنا قربا من ذات الله تعالى ؟ وأنّ نزول الله يستلزم قربه من المخلوقات بذاته؟..فهذه لوازم في حقّ المخلوق جعلتموها كذلك في حق الخالق. اقتباس:
كلام عجيب..فلو رجعت إلى المعاجم اللغوية لوجدت التعبير بقرب المسافة والمكان فيما يخص القرب الحسّي وربما لا تجد لفظ الحسّي.. وسأختصر لك الطريق مرتين ..قال الشيخ ابن جبرين رحمه الله عند تفسيره لقوله تعالى -- إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ -- الوجه الثالث: هو ما قرره بعض علماء العربية أنالقرب نوعان: قرب في النسب، وقرب في المسافة المكانية وفي الزمانية. https://www.ibn-jebreen.com/book.php?...86&subid=29259 اقتباس:
نعم هي عربية وقد نقلنا لك قول علماء اللغة.. اقتباس:
كلامك هذا يهدم مذهبك في معرفة معاني الصفات الخبرية.. فهل أجد معنى القرب الحقيقي الذي تصف الله تعالى به في القواميس والمعاجم اللغوية أم لا؟ اقتباس:
حديثنا عن القرب الحقيقي بالذات..فإذا نفيت عنه المسافة والمكان فهو ليس قربا حقيقيا وعكسه ليس بعدا حقيقيا. اقتباس:
اقتباس:
هل القرب عندك في هذا الحديث قرب بالذات؟! """""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" عودة قال الشيخ حمود التويجري في '' إثبات العلو''.. ص : 150 .. تقريض المفتي ابن باز رحم الله الجميع : وأما قول ابن القيم [1] : فهو قريب من المحسنين بذاته ورحمته قربا ليس له نظير ، وقول المردود عليه [2] فأثبت له القرب الذاتي مع علوه قربا ليس له نظير . فجوابه أن يقال : أما قرب رحمة الله تعالى من المحسنين فهو ثابت في القرآن ، قال الله تعالى :-- إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ - وأما قرب ذاته منهم فليس عليه دليل ينص عليه لا من القرآن ولا من السنة ، وما ليس عليه دليل ينص عليه فليس عليه تعويل . قلتُ :أذكر لنا يا أخانا جمال البليدي دليلك على القرب الذاتي لله تعالى ؟ [1] :وهو نفس القول الذي نقله الأخ جمال البليدي ويدافع عنه [2] : الشيخ ابن عثيمين رحمه الله |
||||||||||
![]() |
رقم المشاركة : 15 | ||||
|
![]() اقتباس:
السلام عليكم أول شيء أن الإستدلال بالآية "ليس كمثله شيء " لا يخدم البتة طرحك ؟ هناك تناقض واضح، كيف؟ هذه الآية هي الدليل الواضح على أن الله سبحانه و تعالى لا يشابهه شيء من مخلوقاته ، فهي بالإضافة لذلك تعتبر من المحكم كما أن حكمها مطلق أي إذا أردنا أن نبسط الفهم نقول لا يشبهه من خلقه أي شيء في أي شيء، و أنت تعلم أن هذه الآيه هي التي يرتكز عليها المنزهة في نفي التشبيه عن الله تعالى. فالمغايرة هي أشمل و أعم من الإنفصال لا كما قلت ،و هي الأنسب في فهم " ليس كمثله شيء". أما التناقض فهو : كيف تستدعي هذه الآية للإستدلال على أن ما يكون في حق المخلوق لا يجوز في حق الخالق ، بينما تثبت قبل ذلك أن الخالق مباين لخلقه بذاته، فقلت المباينة هي عكس الحلول ، فإذا قبلت أن الحلول هو الإتحاد أو المخالطة للخلق لزم أنك تعني بالمباينة الإنفصال عن المخلوقات، و هنا بيت القصيد إذ لا يمكن فهم الإنفصال إلا إذا تمت نسبته إلى المحسوسات ولا ننسب الإنفصال إلى معنى . و أخيرا : لماذا تقول أن معنى الإستواء حقيقي بينما المباينة - التي هي هنا بمعنى الإنفصال- غير حقيقية - أي لا تستلزم مسافة- لأن ما يجوز في حق المخلوق لا يجوز في حق الخالق. أليس هذا تناقضا؟ فصح أن نقول إذن أن الإستواء ليس حقيقيا، فإذا أبيت ذلك فينبغي أن تقول أن المباينة - الإنفصال- هو أيضا حقيقي أي منفصل حقيقة بذاته. فإذا فهمت عني ما تقدم علمت أن قول الذهبي الذي أوردته يؤيد كلامي لا كلامك ز ذلك من أوجه: 1- أنه قال مباين من خلقه و عنى بها المغايرة المطلقة، لأنه لم يقل مباين من خلقه بذاته، فهو إذن لا يقول : منفصل عن خلقه بذاته، ولو كان يعني الإنفصال حقا لأشار لذاته كما يقول المثبتة.و لكنه لم يقلها لأنها كما أوردنا عن العلماء قبل هذا أنها لفظة منكرة و تشغب النفوس، و الذهبي نفسه أنكر على السجزي الذي قال في كتاب الإبانة الذي ألفه في السنة ما يلي : أئمتنا كسفيان الثوري ومالك وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وسفيان بن عيينة والفضيل وابن المبارك وأحمد وإسحاق متفقون على أن الله سبحانه بذاته فوق العرش وعلمه بكل مكان وأنه ينزل إلى السماء الدنيا وأنه بغضب ويرضى ويتكلم بماشاء . قلت هو الذي نقله عنهم مشهور محفوظ سوى كلمة بذاته فإنها من كيسه نسبها إليهم بالمعنى ليفرق بين العرش وبين ما عداه من الأمكنة ). ا.هـ كلامه رحمه الله فعلمت أن الذهبي الذي تحتج به يرفض قطعا كلمة بذاته. كما أن ما سقته عن الذهبي عن ابن أبي زرعة :........أدركنا العلماء في جميع الأمصار، حجازا وعراقا ومصرا وشاما ويمنا..... يؤيد مقالتي لا مقالتك، ففضلا عن عدم ذكر لفظة بذاته، ينضح بالتنزيه لا بالتشبيه" ليس كمثله شيء". 2- و ليستبين لديك مقصود الذهبي فانظر إلى الآية التي ساقها ليدلل على كلامه الذي يصدق ما قلته و هي ليس كمثله شيء فهل تتصور أن الذهبي يقول بالمباينة - الإنفصال- ثم يسوق ليعضد مقالته آيه محكمة تنفي المشابهة المطلقة من الخالق لكافة المخلوقات؟ |
||||
الكلمات الدلالية (Tags) |
الغلو, شبهات, عليها, والرد, واعتراضات |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc