الزاني المحصن
قرار رقم 84 وتاريخ 11 / 11 / 1401هـ
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فقد اطلع مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الثامنة المنعقدة في مدينة الطائف ابتداء من يوم السبت 29 / 10 / 1401هـ على البحث المعد من قِبَل اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في بيان حكم حد الزاني المحصن . وبعد الإطلاع على ما فيه من الأدلة ونُقول إجماع أهل العلم المعتد بهم في هذا المجال ؛ فإن مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية رأى ذكر بعض النصوص من كتاب الله وسنة رسوله ، وبعض كلام أهل العلم في بيان هذا الحكم الذي استمر عليه العمل من حين رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الصحابة- رضي الله عنهم- إلى يومنا هذا في كافة العصور التي يقضي فيها بأحكام الإسلام قال الله تعالى: وقال سبحانه: وقال تعالى: وقال جل من قائل :
وثبت في صحيح مسلم وغيره من رواية عبادة بن الصامت - رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا ؛ البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم ، وثبت عن عمر - رضي الله عنه- أنه قال: الرجم في كتاب الله
(الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 137)
حق على من زنى من الرجال والنساء إذا أحصن إذا قامت البينة أو الْحَبَل أو الاعتراف . رواه مالك والبخاري ومسلم ، وروى مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما- قال: سمعت عمر - رضي الله عنه- وهو على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ويقول: إن الله بعث محمدًا بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، ومما أنزل عليه آية الرجم ، فقرأناها ووعيناها ، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : ما نجد الرجم في كتاب الله . فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله في كتابه ؛ فإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء ، إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف ، وايم الله لولا أن يقول الناس : زاد عمر في كتاب الله ، لكتبتها .
وروى مالك في الموطأ من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما- أن عمر - رضي الله عنه - لما قدم المدينة من حجته خطب الناس فقال: يا أيها الناس ، قد سنت لكم السنن ، وفرضت لكم الفرائض ، وتركتم على الواضحة إلا أن تضلوا يمينًا وشمالا ، وضرب بإحدى يديه على الأخرى ثم قال: إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم ، يقول قائل : لا نجد حدين في كتاب الله ، فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ، والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس : زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله ، لكتبتها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ، فإنا قد قرأناها . قال مالك : قال يحيى بن سعيد : قال سعيد بن المسيب : فما انسلخ ذو الحجة حتى قُتل عمر - رضي الله عنه - قال مالك : الشيخ والشيخة: يعني الثيب والثيبة .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، وقد ثبت في الصحاح والسنن والمسانيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم ماعزًا ورجم الغامدية ورجم التي زنى بها العسيف حيث قال : واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ، ورجم اليهوديين الذين زنيا ، وتلقى الناس هذا الحكم وعملوا به مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده مع خلفائه الراشدين ، وعمل به المسلمون بعدهم إلى يومنا هذا في كل بلد تطبق فيه أحكام شريعة الإسلام ، وأجمع على هذا الحكم علماء الإسلام ، فنقل الإجماع على ذلك الإمام ابن المنذر وابن عبد البر وابن حزم وابن رشد وابن هبيرة في الإفصاح ، والموفق في المغنى ، ولم يذكر شيخ الإسلام ابن تيميه خلافًا في ذلك إلا في جمع الجلد مع الرجم ، كما نقل الإجماع عن ابن المنذر بهاء الدين المقدسي في شرح العمدة ، وكذا نقل الإجماع ابن الهمام الحنفي والرملي والشربيني وغيرهم ، ولم يعلم
(الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 138)
أن أحدًا خالف في ذلك من أهل العلم إلا من لا يعتد بخلافهم من إحدى طوائف الضلال ، وهؤلاء لا عبرة بخلافهم لإجماع علماء السلف على شناعة بدعتهم وضلالهم .
ولما تقدم يقرر المجلس أن الرجم حد ثابت بكتاب الله وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة ، وأن من خالف في حد الرجم للزاني المحصن فقد خالف كتاب الله وسنة رسوله وإجماع الصحابة والتابعين وجميع علماء الأمة المتبعين لدين الله ، ومن خالف في هذا العصر فقد تأثر بدعايات أهل الكفر وتشكيكهم بأحكام الإسلام ؛ ليفسدوا على المسلمين أحوالهم بانتشار الفساد وشيوع الفواحش واختلاط الأنساب ، وكثرة البغاء حتى تذهب من نفوس المسلمين حميتهم لدينهم وغيرتهم على عقيدتهم ومكارم أخلاقهم ، ولهذا فإن من ينكر حد الرجم قد خالف الكتاب والسنة والإجماع واتبع غير سبيل المؤمنين ؛ إذ لا بقاء لدين الإسلام إذا ألغيت منه حدوده ، واستبعدت منه عقوباته التي هي العلاج الواقي من الهلاك ، وقد قال عمر - وهو المحدث الملهم- : لا تهلكوا عن آية الرجم . فعد ترك هذا الحد هلاكًا للأمة الإسلامية ؛ إذ هو ضياع لأمرها ، وتسليط لأهل الفساد عليها ، ولا بقاء لدين استبعدت عنه أسباب حفظه . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
هيئة كبار العلماء