أستسمحك أخي الفاضل على المقاطعة ، وذلك لأني لن أكون حاضرا معكم في الأيام القابلة - أسبوع أو أكثر -لأمور جدت فأحبت أن أعلق بكلمات فيها اجابة عن الاشكالات التي طرحت :
أخي الكريم لا يوجد أي تناقض في كلامي ما أردت ايضاحه و بيانه هو أن أئمة الدعوة اذ ينفون تكفير الجاهل الواقع في الشرك فانهم يقصدون التكفير الذي يحارب صاحبه و يحكم له بالنار يوم القيامة .
و أما التكفير الذي هو نفي الاسلام عنه فلا ينفونه عنه .
و هذا الذي ذكرته قد حكاه عنهم العلامة محمد بن ابراهيم و العلامة صالح آل الشيخ ،و نصوصهم - أي أئمة الدعوة - تدعمه ،و للجنة الدائمة فتوى في تقريره فأسنقلها في موضعها - ان شاء الله -.
على أنه ينبغي أن يعلم أن مسألة العذر بالجهل لها شقين شق متعلق بأحكام الدنيا و شق متعلق بأحكام الآخرة .
ففي الشق المتعلق بأحكام الدنيا فمن أهل العلم من أطلق القول بعدم العذر بالجهل كالقاضي عياض و تبعه ابن عرفة و غيره من متأخري المالكية ، و منهم من قيده بأصول الدين و من هؤلاء القرافي و عليه جرى الدكتور وهبة الزحيلي من المعاصرين ، و منهم من قيده بالمعلوم من الدين بالضرورة و عليه جرى عبد الرحمان بن حسن في رسالة له في الباب ،و منهم من قيده بالمسائل الظاهرة و على هذا جمع من أئمة الدعوة و عليه جرى الفوزان من المعاصرين و منهم من قيده بما لا يصح الاسلام الا به و عليه جرى جملة من أئمة الدعوة و به قال العلامة صالح آل الشيخ .
و الذي نجزم به أن الجاهل بالتوحيد الواقع فيما يناقضه لا يعذر لأن الاسلام لا يصح بدون التوحيد قال صاحب الجواب المفيد - تحت فصل تأثير عارض الجهل على التوحيد - : ( و هذا لا عذر فيه بالجهل سواء وجدت مظنة العلم كدار الاسلام أم لم توجد كدار الحرب و سواء ثبتت اقامة الحجة أم لم تثبت و يجب اعتبار الجاهل فيه كافرا في ظاهر الأمر و هذا القدر متفق عليه بين الأئمة )
و أما فيما يخص المشرك الجاهل يوم القيامة فقد وقع النزاع فذهب بعضهم الى أنه معذب و هؤلاء فريقان :الفريق الأول الذين أطلقوا القول بعدم العذر بالجهل في أصول الدين و حجتهم أن الله شدد في العقائد ما لم يشدد في الأحكام .
و الفريق الثاني من فرقوا بين أصول الدين التي تدرك بالعقل و الفطرة و بين التي لا تدرك الا بالسمع ، فقالوا أن المشرك معذب لا لتركه للاسلام و لكن لتغييره لفطرته و هو مذهب الطبري ،و به قال الأستاذ أحمد فاروق الدسوقي في كتابه ( النظرية القرآنية ) و اختاره الشيخ عبد الله الغامدي .
و ذهب آخرون الى أن له حكم أهل الفترة و هذا الذي اختاره جملة من المحققين منهم ان القيم رحمه الله و اليه نميل .
هذا ما أعرفه من مذاهب أهل العلم في هذه القضية و الله أعلم .
و أما بخصوص هؤلاء القبورية هل هم مرتدون أم كفار أصليون فالخلاف راجع الى أن من اعتبرهم مرتدين فذلك باعتبار أبائهم و من جعلهم أصليين لم يعتبر ذلك و الا فليس لهم من الاسلام ذرة كيف و الاسلام انما هو توحيد الله قال الصنعاني في سياق كلامه عن القبورية : ( فان قلت هم جاهلون أنهم مشركون ما يفعلونه قلت :قد صرح الفقهاء في كتب الردة أن من تكلم كلمة الكفر يكفر و ان لم يقصد معناها و هذا دال على أنهم لا يعرفون حقيقة الاسلام و لا ما هية التوحيد فصاروا حينئذ كفارا أصليين ) ( تطهير الاعتقاد ) ص 22
و قال اسحاق آل الشيخ : ( و كيف يعرفون عباد القبور و هم ليسوا بمسلمين و لا يدخلون في مسمى الاسلام و هل يبقى مع الشرك عمل )
و كلام هذين العالمين الجليلين ليس عن اليهود و النصارى و نحوهم و انما عمن يصلون و يزكون و يتصدقون من القبورية .