أخي نسيم تحية عميقة ، وطابت أيامك بالخير و المحبة .
ماشاء الله الصيد ثمين هذه المرة ، بورك فيك .
أولا : نون الوقاية في " إنني " وردت سهوا ، وهي على كل في محلها .
ثانيا : فيما تعلق باللام الداخلة على الماضي التي تجعله للدعاء إلا إذا تكررت ، لست أنا الذي جزمت بذلك ، و لكنها كتب النحو و قواعده.
أما الشواهد التي ذكرتها باستثناء الآية القرآنية فهي شاذة تحفظ و لا يقاس عليها ، ولكني أصارحك القول إني لم أكن على علم بها فأنا أجزي لك الشكر ، لا سيما بيت عنترة .فقد ذكر لي أحد الزملاء أن عنترة استعمل لا زال لغير الدعاء ، ولكن من غير أن يحدد البيت . حتى جئت أنت يا صاح على قدر جميل .
أما الآية القرآنية " فلا اقتحم العقبة " فاللام هنا تطرح إشكالا لغويا عويصا تضاربت فيه التفاسير و التأويلات ، فهناك من يرى أنها ليست للنفي و لكنها للحث بالاستفهام و قد حذفت أداة الاستفهام ، وتقدير الكلام " أفلا اقتحم العقبة ؟"
وهو تأويل أراه منطقيا جدا لأن سياق الآية الحث على اقتحام العقبة لا الإخبار بالنفي
على كل إليك الفقرة التالية .من : تفسير القرآن
التحرير والتنوير
محمد الطاهر بن عاشور
فيها إجابة شافية فيما يتعلق ب" فلا اقتحم العقبة " و في الوقت ذاته إشكال اللام التي تدخل على الماضي ، اقرأه بتأن ، ففيه فائدة عظيمة : "
مسألة: الجزء الحادي والثلاثون التحليل الموضوعي
( فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة .
يجوز أن يكون ( فلا اقتحم العقبة ) تفريع إدماج بمناسبة قوله : ( وهديناه النجدين ) أي : هديناه الطريقين فلم يسلك النجد الموصل إلى الخير .
ويجوز أن يكون تفريعا على جملة ( يقول أهلكت مالا لبدا ) وما بينهما اعتراضا ، وتكون ( لا اقتحم العقبة ) استفهاما حذف منه أداته . وهو استفهام إنكار ، والمعنى : أنه يدعي إهلاك مال كثير في الفساد من ميسر وخمر ونحو ذلك ، [ ص: 356 ] أفلا أهلكه في القرب والفضائل بفك الرقاب وإطعام المساكين في زمن المجاعة ، فإن الإنفاق في ذلك لا يخفى على الناس خلافا لما يدعيه من إنفاق .
وعلى هذا الوجه لا يعرض الإشكال بعدم تكرر ( لا ) فإن شأن ( لا ) النافية إذا دخلت على فعل المضي ولم تكرر أن تكون للدعاء إلا إذا تكررت معها مثلها معطوفة عليها ، نحو قوله : ( فلا صدق ولا صلى ) أو كانت ( لا ) معطوفة على نفي نحو : ما خرجت ولا ركبت . فهو في حكم تكرير ( لا ) .
وقد جاءت هنا نافية في غير دعاء ، ولم تكرر استغناء عن تكريرها بكون ( ما ) بعدها ، وهو ( اقتحم العقبة ) يتضمن شيئين جاء بيانهما في قوله : ( فك رقبة أو إطعام ) فكأنه قال : فلا فك رقبة ولا أطعم يتيما أو مسكينا .
ويجوز أن يكون عدم تكرير ( لا ) هنا استغناء بقوله : ( ثم كان من الذين آمنوا ) فكأنه قيل : فلا اقتحم العقبة ولا آمن .
............................
لعلك لاحظت أخي نسيم أن المفسر الجليل ابن العاشور يرى بأن اللام إذا دخلت على الماضي جعلته للدعاء وليس أنا الفقير إلى رحمة الله .
ولعلك لاحظت أيضا أن الشاهد القرآني حمال أوجه .ومن أوجهه استفهام محذوف الأداة ، وهو قول أحد أئمة التفسير.
وعليه القاعدة التي تقول إن اللام إذا دخلت على الماضي جعلته للدعاء سليمة وماضية ، لست أنا الذي وضعها و إنما وضعها النحويون الكبار .
القاعدة لها سلطة على الجميع مثل القانون علينا الالتزام بها .
ختاما أنا سعيد حقا بمعرفتك و بمحاورتك ، حقا إن معرفة الرجال كنوز
صيدي هذه المرة شاهد عنترة فشكرا تارة أخرى يا صاح
تقبل خالص تحيتي وعميق مودتي