حين تذكّرتُها ، خفق القلب من الوجدِ
و الدمعُ شقّ مسيلاً على الخدِّ .
لأنها في مثل هذا اليوم ـ منذ ثلاث سنوات ـ قد رحلتْ..
ــــــــــــ
ماتت !...
ماتت فسكت ذلك الصوت الذي كان يترنم حبّاً و عطاء بتسابيح الملكوت ...
ماتت فرحل ذلك الطائر الذي كان يغرد بصوت السماء .
ماتت ففقدت المحبة أبوابها ، وفارقت السعادة أسبابها .
ماتت .. فطارت الرحمة بدفئها وارتحلت ، وانهدم السقف و هوى ، و ذبل الزهر إذ ذوى ، و وهن الساعد و العضد ، وتعرت الأطراف و الجسد .
ماتت .. وتركت الحياة كأنها ليلة عزاء ، و أفلتِ النجوم في السماء. .
و أصبحتِ الأرض في مأتم أقيم بليل ، فلا الكلام كلام و لا القول قول .
لو كنت أملك من عمري شيئا قدر الإستطاعة ، لأعطيتها ما يجعلني لا أفارقها ساعة ، آهٍ ! فهي ابتسامة الزمن ، و العون على المحن
ماتت المرأة التي علمتني الرجولة.
ماتت .. فأصبحت أحيا ببعض نفس وبعض روح وبعض عقل .
سبحان ربي الذي جعل من قلبها دنيا من خلقه هو ، وأسكن فيها معان من سره هو .
يد لا تعرف إلا العطاء ، وقلب لا يعرف إلا الحب والصفح والغفران ، ووجه لا يعرف إلا الإقبال والابتسام ، سهلٌ لكل صعب ، ويسرٌ كل عسر .
ماتت .. فلم يعد بعدها قلب ينضح بالحب والعفو بلا حساب ، وذهب الصدر الذي ينفث عطر الأمن والأمان بلا مقابل
ماتت التي إذا ابتسمت ، ضحكت الدنيا بأسرها ، وإذا حزنت ، بكت الأرض والسماء
ماتت سرّ أسراري ، وهادية أفكاري .
كأن العالم كله جاثم أمامها ...
رحل ذلك الصدر الحنون
فكم وضعت عليه رأسي فكنت ملكاً متوّجاً ، أمسك بمفاتيح العالم بأسره ..
كانت قُبلة الله التي حطت على جبيني فرسمت في وجهي معالم الحياة ..
وقِبلتي التي أحمل إليها كل ما يحمله قلبي من سعادة وشقاء ، فماتت القُبلة وماتت القِبلة .
ماتت أمي ...
و حتي لا انتقل من الأحزان ، و أبقى مع هواجس القلب بالأشجان .
يذكرني في ما قاله الشاعر ابن الرومي ، في رثاء ولده محمد الأوسط .
و مطلع قصيدته..
بكاؤكما يشفي و إن كان لا يجدي،**** فجودا فقد أودى نظيركما عندي
و قدأعدوها من عيون الشعر في الرثاء ..
و عندما قرأتها مراراً ..لاح لي فيها عجباً.. فالشاعر يقول في بيتٍ منها .
توخى حمام الموت أوسط صبيتي****فلله كيف اختار واســـــطة العقد
نفهم من هذا البيت أن الولد كان عند والده محبوباً لا يدانيه أحد في الحب ..حيثُ وصفه بـ " واســـــطة العقد ". و نحن نعلم أن واسطة العقد تتخلله جوهرة جميلة تفوق جمالا ً عن جواهر بقية العقد ..
و لكن لو نتأمل ماذا قال الشاعر في بيتٍ أخر من القصيدة ..
وأولادنا مثل الجوارح، أيها.**** فقدناه،كان الفاجع البيّن الفقـــــد
يتبادر إلى سمعنا أن الشاعر غير صادق العاطفة .. فهو هنا يجعل من اولاده في الحب ة العطف سواء.. و ليس كما قال في الاول .
و مع ذلك فإن القصيدة تقطر حزناً .
أبعد الله عنكم الاحزان .
و للحديث بقية .