السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
من مداد فكري أقدم هذه المشاركة ...
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
العطاء هبة القلوب دونما مقابل ..سعادة الروح في فضاء الحب اللامتناهي ، اضمحلال الأنانية بل هلاكها المؤكد ..صفاء السريرة وخلود الضمير إلى المحبة الأبدية .
وهو أيضا النفس السوية والذات المتصالحة مع نفسها ومع الآخرين . فأن تعطي هذا يعني أنك تعيش حالة حب وصفاء وسكينة ، بل أنت تستمد ضياءك وإشراقك من قدرتك على إسعاد الآخرين .
كم هي رائعة وعظيمة هذه النفس الأمارة بالخير، بالعطاء ، بالحب ، بالسلام ..كم هي سامية مترفعة عن قواعد الشر سارية المفعول والمعنونة عادة بــ " هات وخذ " .
لا تكون النفس في أبهى صورها إلا ويكون ليدها ذلك الاستعداد المهيب وتلك الإيجابية الحاضرة لعطاء محروم أو إسعاف مهموم .
العطاء عادة .. والتضحية قرار . العطاء سلوك والتضحية وقفة ، والفرق بينهما يكاد يلغي نفسه . فمن تعودت نفسه العطاء لا يفكر كثيرا في جدوى التضحية ، ومن كان سلوكه العطاء لا ينتظر كثيرا ليكون سيد الموقف لا خادمه .. ومن كان في رحاب العطاء فهو ماض لا يشنقه التردد ولا تعذبه الأسئلة ولا تسافر به الكلمات المبهمة إلى وادي القلق لأن هذه الذات رابضة مطمئنة ترتع في مروج السلام والحب والدفء والأمان ..
من كانت نفسه بغير عطاء فهو كمن حجبت عنه سبل عدة للحياة ، والذي بانت له فرصة للتضحية وأعرض عنها فهو كمن أقبر كنزا رآه وأقنع نفسه أنه تراب ..
كن معطاء تعط من أبواب كثيرة ، وكن مضحيا تر لونا آخر من السعادة لربما أرقى وأشهى من اللون الذي تعيشه .
الفرق شاسع بين إيجابية المعطاء وسلبية الأناني . فالأول متصالح.. متسامح.. متعاون.. متفهم.. مبادر.. محب.. محسن.. ودود.. ، بينما الثاني متضايق..حقود..منطو..متعجرف..متردد...
ولا شك أن من يعطي لا يتوانى عن التضحية فهما نهران من نبع واحد . ولعل أقصى درجات الحب هي التضحية .
.. ولا تكون التضحية كذلك إلا إذا كانت بالنفس والنفيس . فكلما عظم المضحى لأجله عظمت التضحية . والهدف دائما واحد وهو إسعاد الروح التي لا تهدأ إلا إذا ساقت الخير كل الخير إلى الأحباب عادة والأغراب حينا ..وهي في هذا و ذاك تشبع رغبة جامحة خيرة لا يرضيها إلا العطاء المتدفق والتضحية المثلى .
ولم يشهد التاريخ قديما أو حديثا أناسا أحبوا إلههم وابتغوا إليه الوسيلة كصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم . هؤلاء هم السلف الصالح الرهط الرابح الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فقدموا النفس في الجهاد حبا ورضا وسعيا لمرضاة ربهم فاستحقوا بذلك الحياة بعد الشهادة ونعموا بالفرح من لدن كريم حليم ..
من أعطى روحه سواهم دونما رياء أو حسابات لئيمة تشمئز منها النفوس الكريمة ؟ من ضحى غيرهم بروحه إيمانا بوجود خالق وعدهم الجنة ؟ وما رأوا الخالق وما رأوا جنته ، لكنهم عرفوه بقلوبهم .. دلتهم خلائقه وبدائع صنعه عليه جل وعلا فاستكانت أرواحهم لرحابه بل ذبت وهانت فقدموها عربون محبة ودليل وفاء ورمز إيمان ، فصدقوا رسوله إليهم وكانوا أخيارا أبرارا أبطالا عظماء واستحقوا جنة عرضها السماوات والأرض .
.. وليس هناك أدل من امرأة ضحت ببنيها الأربعة في سبيل الله فحين جاءها خبر استشهادهم لم يرتعش قلب الأم وما أدراك ما قلب الأم ، ولم يفزعها نبأ الموت .. وما أدراك ما مصيبة الموت ؟ بل قامت ورددت مقولتها الشهيرة : الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته . إنها – بدون ألقاب لأن أي لقب لن يوفيها حقها – الخنساء .