بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
* والدَّلِيْلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ *
قوله: (والدليل)
أي على هذه المراتب الأربع قوله تعالى:
﴿وَالْعَصْرِ﴾ أقسم الله عز وجل في هذه السورة بالعصر؛ الذي هو الدهر وهو محل الحوادث من خير وشر، فأقسم الله عز وجل به على أن الإنسان كل الإنسان في خسر إلا من اتصف بهذه الصفات الأربع: الإيمان ، والعمل الصالح ، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر.
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- : جهاد النفس أربع مراتب:
إحداها: أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به.
الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد علمه.
الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه.
الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ،ويتحمل ذلك كله لله. فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين".
فالله عز وجل أقسم في هذه السورة بالعصر على أن كل إنسان فهو في خيبة وخسر مهما كثر ماله وولده وعظم قدره وشرفه إلا من جمع هذه الأوصاف الأربعة:
أحدها: الإيمان، ويشمل كل ما يقرب إلى الله تعالى من اعتقاد صحيح وعلم نافع.
الثاني: العمل الصالح، وهو كل قول أو فعل يقرِّب إلى الله؛ بأن يكون فاعله لله مخلصًا، ولمحمد صلى الله عليه وسلم متبعًا.
الثالث: التواصي بالحق، وهو التواصي على فعل الخير والحث عليه والترغيب فيه.
الرابع: التواصي بالصبر، بأن يوصي بعضهم بعضًا بالصبر على فعل أوامر الله تعالى، وترك محارم الله، وتحمُّل أقدار الله.
والتواصي بالحق والتواصي بالصبر يتضمنان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذين بهما قوام الأمة وصلاحها ونصرها وحصول الشرف والفضيلة لها:﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾[آل عمران:الآية110].