فقد أفتى علماء ومشايخ الفوضى وحب الظهور بجواز المظاهرابت والاضرابات فشيخهم عبد الرحمن عبد الخالق يجعل هذه المظاهرات من الدِّين، ويعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم إمام المتظاهرين:
قال عبد الرحمن عبد الخالق موضِّحًا للإمام العلامة عبد العزيز بن باز -رحمه الله- موقفه من المظاهرات؛ وقد ردَّ عليه العلامة ابن باز باطله؛ الذي قرر فيه من ضمن ما قرر: أن المظاهرات من الوسائل التي اتخذها الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله عز وجل:
قال عبد الرحمن: "لقد ذكرت المظاهرات في معرض الوسائل التي اتخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم لإظهار الإسلام، والدعوة إليه؛ لما رُوي أن المسلمين خرجوا بعد إسلام عمر رضي الله عنه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفين (إظهارًا للقوة)، على أحدهما حمزة رضي الله عنه، وعلى الآخر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولهم كديد ككديد الطحين حتى دخلوا المسجد(37)"(38).
هكذا جعل بفهمه السقيم حمزة بن عبد المطلب، وعمر بن الخطاب –رضي الله عنهما– من قادة المتظاهرين.
وقد ردَّ عليه العلامة عبد العزيز بن باز –رحمه الله– قائلاً:
"ذكرتم في كتابكم: (فصول من السياسة الشرعية- ص: 31، 32): أن من أساليب النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة التظاهرات (المظاهرة).
ولا أعلم نصًّا في هذا المعنى، فأرجو الإفادة عمن ذكر ذلك؟ وبأي كتابٍ وجدتم ذلك؟.
فإن لم يكن لكم في ذلك مستند، فالواجب الرجوع عن ذلك؛ لأني لا أعلم في شيء من النصوص ما يدل على ذلك، ولما قد علم من المفاسد الكثيرة في استعمال المظاهرات، فإن صح فيها نص؛ فلا بد من إيضاح ما جاء به النص إيضاحًا كاملاً؛ حتى لا يتعلق به المفسدون بمظاهراتهم الباطلة"(39).
وردَّ عليه أيضًا شيخنا العلامة ربيع بن هادي المدخلي –حفظه الله– قائلاً: "فإن عبد الرحمن ينعى بالباطل على السلفيين؛ إنهم مقلدون لعلماء الإسلام، وهو يقلد أعداء الإسلام تقليدًا أعمى في المظاهرات، والانتخابات، والدعوة إلى المشاركة في البرلمانات، ويقلد في جواز تعدد الحزبيات"(40).
ولنقف معًا قارئي الكريم على ما عليه علماء السنة في مسألة المظاهرات:
قال الإمام العلامة عبد العزيز بن باز –رحمه الله-: "فالواجب على الداعي إلى الله أن يتحمل، وأن يستعمل الأسلوب الحسن الرفيق اللين في دعوته للمسلمين والكفار جميعًا، لا بد من الرفق مع المسلم ومع الكافر ومع الأمير وغيره، ولاسيما الأمراء والرؤساء والأعيان، فإنهم يحتاجون إلى المزيد من الرفق والأسلوب الحسن، لعلهم يقبلون الحق ويؤثرونه على ما سواه، وهكذا من تأصلت في نفسه البدعة أو المعصية، ومضى عليه فيها السنون؛ يحتاج إلى صبر حتى تقتلع البدعة وحتى تزال بالأدلة، وحتى يتبين له شر المعصية وعواقبها الوخيمة، فيقبل منك الحق ويدع المعصية.
فالأسلوب الحسن من أعظم الوسائل لقبول الحق، والأسلوب السيئ العنيف من أخطر الوسائل في رد الحق وعدم قبوله وإثارة القلاقل والظلم والعدوان والمضاربات.
ويلحق بهذا الباب ما قد يفعله بعض الناس من المظاهرات التي قد تسبب شرًّا عظيمًا على الدعاة، فالمسيرات في الشوارع والهتافات والمظاهرات ليست هي الطريق للإصلاح والدعوة، فالطريق الصحيح بالزيارة والمكاتبة التي هي أحسن، فتنصح الرئيس والأمير وشيخ القبيلة بهذا الطريق لا بالعنف والمظاهرة، فالنبي صلى الله عليه وسلم مكث في مكة ثلاث عشرة سنة لم يستعمل المظاهرات ولا المسيرات، ولم يهدد الناس بتخريب أموالهم واغتيالهم.
ولا شك أن هذا الأسلوب يضر الدعوة والدعاة، ويمنع انتشارها، ويحمل الرؤساء والكبار على معاداتها ومضادتها بكل ممكن، فهم يريدون الخير بهذا الأسلوب لكن يحصل به ضده، فكون الداعي إلى الله يسلك مسلك الرسل وأتباعهم ولو طالت المدة أولى به من عمل يضر الدعوة ويضايقها، أو يقضي عليها ولا حول ولا قوة إلا بالله"(41).
وقال: "كما أوصي العلماء وجميع الدعاة وأنصار الحق أن يتجنبوا المسيرات والمظاهرات؛ التي تضر الدعوة ولا تنفعها، وتسبب الفرقة بين المسلمين، والفتنة بين الحكام والمحكومين"(42).
وسئل –رحمه الله-: هل المظاهرات الرجالية والنسائية ضد الحكام والولاة؛ تعتبر وسيلة من وسائل الدعوة؟ وهل من يموت فيها يعتبر شهيدًا؟.
فأجاب: "لا أرى المظاهرات النسائية والرجالية من العلاج، ولكني أرى أنها من أسباب الفتن، ومن أسباب الشرور، ومن أسباب ظلم بعض الناس، والتعدي على بعض الناس بغير حق.
ولكن الأسباب الشرعية: المكاتبة، والنصيحة، والدعوة إلى الخير بالطرق السليمة؛ الطرق التي سلكها أهل العلم، وسلكها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، بالمكاتبة والمشافهة مع الأمير ومع السلطان، والاتصال به، ومناصحته، والمكاتبة له؛ دون التشهير في المنابر وغيرها؛ بأنه فعل كذا، وصار منه كذا، والله المستعان"(43).
وقال الإمام العلامة محمد ناصر الدين الألباني –رحمه الله–: "المظاهرات ليست وسيلة إسلامية"(44).
وسئل الإمام العلامة محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله-: هل تعتبر المظاهرات وسيلة من وسائل الدعوة المشروعة؟.
فأجاب: "الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن المظاهرات أمر حادث، لم يكن معروفًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد الخلفاء الراشدين، ولا عهد الصحابة رضي الله عنهم.
ثم إن فيه من الفوضى والشغب ما يجعله أمرًا ممنوعًا، حيث يحصل فيه تكسير الزجاج والأبواب وغيرها، ويحصل فيه أيضًا اختلاط الرجال بالنساء، والشباب بالشيوخ، وما أشبه من المفاسد والمنكرات.
وأما مسألة الضغط على الحكومة: فهي إن كانت مُسلِمة؛ فيكفيها واعظًا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا خير ما يعرض على المسلم.
وإن كانت كافرة؛ فإنها لا تبالي بهؤلاء (المتظاهرين) وسوف تجاملهم ظاهرًا، وهي ما هي عليه من الشر في الباطن، لذلك نرى أن المظاهرات أمر منكر.
وأما قولهم إن هذه المظاهرات سلمية، فهي قد تكون سلمية في أول الأمر، أو في أول مرة، ثم تكون تخريبية، وأنصح الشباب أن يتبعوا سبيل من سلف؛ فإن الله سبحانه وتعالى أثنى على المهاجرين والأنصار، وأثنى على الذين اتبعوهم بإحسان"(45).
وسئل: ما مدى شرعية ما يُسمونه بالاعتصام في المساجد، وهم -كما يزعمون- يعتمدون على فتوى لكم في أحوال الجزائر سابقًا؛ أنها تجوز إن لم يكن فيها شغب ولا معارضة بسلاح أو شِبهِه، فما الحكم في نظركم؟ وما توجيهكم لنا؟.
فأجاب: "أما أنا، فما أكثر ما يُكْذَب علي! وأسأل الله أن يهدي من كذب عليَّ وألاَّ يعود لمثلها.
والعجب من قوم يفعلون هذا ولم يتفطَّنوا لما حصل في البلاد الأخرى التي سار شبابها على مثل هذا المنوال! ماذا حصل؟ هل أنتجوا شيئًا؟.
بالأمس تقول إذاعة لندن: إن الذين قُتلوا من الجزائريين في خلال ثلاث سنوات بلغوا أربعين ألفًا! أربعون ألفًا!! عدد كبير خسرهم المسلمون من أجل إحداث مثل هذه الفوضى!.
والنار -كما تعلمون- أوَّلها شرارة ثم تكون جحيمًا؛ لأن الناس إذا كره بعضُهم بعضًا، وكرهوا ولاة أمورهم؛ حملوا السلاح، ما الذي يمنعهم؟ فيحصل الشر والفوضى، وقد أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- من رأى من أميره شيئًا يكرهه أن يصبر، وقال: (من مات على غير إمام؛ مات ميتة جاهلية).
الواجب علينا أن ننصح بقدر المستطاع، أما أن نُظْهر المبارزة والاحتجاجات عَلَنًا؛ فهذا خلاف هَدي السلف، وقد علمتم الآن أن هذه الأمور لا تَمُتُّ إلى الشريعة بصلة، ولا إلى الإصلاح بصلة.
ما هي إلا مضرَّة...، الخليفة المأمون قَتل مِن العلماء الذين لم يقولوا بقوله في خَلْق القرآن، قَتل جمعًا من العلماء، وأجبر الناسَ على أن يقولوا بهذا القول الباطل، ما سمعنا عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة أن أحدًا منهم اعتصم في أي مسجدٍ أبدًا، ولا سمعنا أنهم كانوا ينشرون معايبه من أجل أن يَحمل الناسُ عليه الحقد والبغضاء والكراهية...
ولا نُؤيِّد المظاهرات أو الاعتصامات أو ما أشبه ذلك، لا نُؤيِّدها إطلاقًا، ويمكن الإصلاح بدونها، لكن لابد أن هناك أصابع خَفِيَّة داخلية أو خارجية تحاول بث مثل هذه الأمور"(46).
وسئل: ما حكم الإضراب عن العمل في بلدٍ مسلمٍ للمطالبة بإسقاط النظام العلماني؟...
فأجاب: "هذا السؤال لا شك أن له خطورته بالنسبة لتوجيه الشباب المسلم، وذلك أن قضية الإضراب عن العمل؛ سواء كان هذا العمل خاصًّا، أو بالمجال الحكومي؛ لا أعلم له أصلاً من الشريعة ينبني عليه، ولا شك أنه يترتب عليه أضرار كثيرة؛ حسب حجم هذا الإضراب شمولاً، وحسب حجم هذا الإضراب ضرورة، ولا شك أيضًا أنه من أساليب الضغط على الحكومات، والذي جاء في السؤال أن المقصود به إسقاط النظام العلماني؛ وهنا يجب علينا إثبات أن النظام علماني أولاً، ثم إذا كان الأمر كذلك؛ فليعلم أن الخروج على السلطة لا يجوز إلا بشروط.."(47).
وقال العلامة صالح بن غصون –رحمه الله– في جوابٍ له على سائلٍ يسأل عن حكم المظاهرات والمسيرات وغيرها من الأمور التي ابتدعها المبتدعون:
"فالداعي إلى الله عز وجل، والآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر؛ عليه أن يتحلى بالصبر، وعليه أن يحتسب الأجر والثواب، وعليه أيضًا أن يتحمل ما قد يسمع أو ما قد يناله في سبيل دعوته، وأما أن الإنسان يسلك مسلك العنف، أو أن يسلك مسلك والعياذ بالله أذى الناس، أو مسلك التشويش، أو مسلك الخلافات والنزاعات وتفريق الكلمة، فهذه أمور شيطانية، وهي أصل دعوة الخوارج، هم الذين ينكرون المنكر بالسلاح، وينكرون الأمور التي لا يرونها وتخالف معتقداتهم بالقتال، وبسفك الدماء، وبتكفير الناس، وما إلى ذلك من أمور، فَفَرْقٌ بين دعوة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وسلفنا الصالح وبين دعوة الخوارج ومن نهج منهجهم وجرى مجراهم، دعوة الصحابة بالحكمة، وبالموعظة، وببيان الحق، وبالصبر، وبالتحلي واحتساب الأجر والثواب، ودعوة الخوارج بقتال الناس، وسفك دمائهم، وتكفيرهم، وتفريق الكلمة، وتمزيق صفوف المسلمين، هذه أعمال خبيثة وأعمال محدثة.
والأَوْلى: الذين يدعون إلى هذه الأمور يُجانبونَ، ويُبعد عنهم، ويُساء بهم الظن، هؤلاء فرقوا كلمة المسلمين، الجماعة رحمة والفرقة نقمة وعذاب والعياذ بالله، ولو اجتمع أهل بلد واحد على الخير واجتمعوا على كلمة واحدة لكان لهم مكانة وكانت لهم هيبة.
لكن أهل البلد الآن أحزاب وشيع، تمزقوا، واختلفوا، ودخل عليهم الأعداء من أنفسهم، ومن بعضهم على بعض، هذا مسلكٌ بدعي، ومسلك خبيث، ومسلك مثلما تقدم؛ أنه جاء عن طريق الذين شقوا العصا، والذين قاتلوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن معه من الصحابة وأهل بيعة الرضوان، قاتلوه يريدون الإصلاح؛ وهم رأس الفساد، ورأس البدعة، ورأس الشقاق؛ فهم الذين فرقوا كلمة المسلمين، وأضعفوا جانب المسلمين، وهكذا أيضًا حتى الذي يقول بها، ويتبناها، ويحسنها؛ فهذا سيئ المعتقد، ويجب أن يُبتعد عنه(48).
واعلم والعياذ بالله أن شخصًا ضارًّا لأمته ولجلسائه ولمن هو من بينهم، والكلمة الحق أن يكون المسلم عامل بناء، وداعي للخير، وملتمس للخير تمامًا، ويقول الحق، ويدعو بالتي هي أحسن، وباللين، ويحسن الظن بإخوانه، ويعلم أن الكمال منالٌ صعب، وأن المعصوم هو النبي صلى الله عليه وسلم، وأن لو ذهب هؤلاء؛ لم يأتِ أحسن منهم، فلو ذهب هؤلاء الناس الموجودون؛ سواء منهم الحكام، أو المسؤولين، أو طلبة العلم، أو الشعب، لو ذهب هذا كله، شعب أي بلد؛ لجاء أسوأ منه، فإنه لا يأتي عامٌ؛ إلا والذي بعده شرٌ منه، فالذي يريد من الناس أن يصلوا إلى درجة الكمال، أو أن يكونوا معصومين من الأخطاء والسيئات، هذا إنسان ضال، هؤلاء هم الخوارج، هؤلاء هم الذين فرقوا كلمة الناس وآذوهم، هذه مقاصد المناوئين لأهل السنة والجماعة بالبدع من الرافضة والخوارج والمعتزلة وسائر ألوان أهل الشر والبدع"(49).
وسئل العلامة صالح بن فوزان الفوزان –حفظه الله-: هل من وسائل الدعوة القيام بالمظاهرات لحل مشاكل الأمة الإسلامية؟.
فأجاب: "ديننا ليس دين فوضى، ديننا دين انضباط، ودين نظام وهدوء وسكينة، والمظاهرات ليست من أعمال المسلمين، وما كان المسلمون يعرفونها، ودين الإسلام دين هدوء ودين رحمة ودين انضباط؛ لا فوضى ولا تشويش ولا إثارة فتن، هذا هو دين الإسلام، والحقوق يتوصل إليها بالمطالبة الشرعية والطرق الشرعية، والمظاهرات تحدِث سفك دماء، وتحدِث تخريب أموال، فلا تجوز هذه الأمور"(50).
فهل تخرج –أخي القارئ- إن هاته الجماعات التي تدعو للخروج عن الحاكم وإقامة المظاهرات والإضرابات من كونها جماعة فوضى وتشويش وإثارة فتن!!.
وصدق العلامة حماد الأنصاري –رحمه الله-؛ إذ يقول: "إن الدولة كالأسد، فإن الأسد إذا لم تتحرش به لا يُؤذيك، وإذا تحرَّشت به آذاك"(51).
أما علماء السنة؛ فلهم –في هذا الشأن- كلامٌ نفيسٌ؛ لا تدركه هذه الجماعات الفوضوية الخارجية، ولا ترفع به رأسًا، وهو كالآتي:
قال العلامة عبد العزيز بن باز –رحمه الله-: "ولا يجوز لولاة الأمور، ولا غيرهم؛ أن يحولوا بين الناس وبين هذه المنابر، إلا من عُلِم أنه يدعو إلى باطل، أو أنه ليس أهلاً للدعوة، فإنه يمنع أينما كان"(52).
وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله-: "إذا كان الذي يأكل الثوم والبصل يُمنع من دخول المسجد، فكيف بمن يفسد على الناس دينهم، أفلا يكون أحق بالمنع؟.
بلى والله، ولكن كثيرًا من الناس غافلون"(53).
وقال العلامة حماد الأنصاري –رحمه الله-: "إذا كان ولاة الأمر منعوا بعض الناس من الدعوة ونحوها، فعليهم أن يَلزَموا بيوتهم؛ لأنهم لا يستطيعون أن يُغيِّروا الواقع بالقوة.
ثم قال: سمعًا وطاعةً للسلطان"(54).
بل وزاد العلامة ابن عثيمين –رحمه الله– الأمر وضوحًا حين قال:
" إذا رأوا(55)مثلاً: إسكات واحد منا، قال: لا تتكلم، فهذا عذر عند الله، لا أتكلم كما أمرني؛ لأن بيان الحق فرض كفاية، لا يقتصر على زيد وعمر، ولو علقنا الحق بأشخاص؛ مات الحق بموته، الحق لا يُعلَّق بأشخاص، افرض أنهم منعوني أنا؛ قالوا: لا تتكلم، لا تخطب، لا تشرح، لا تُدرِّس.
سمعًا وطاعةً، أذهب أصلي، إن أذنوا لي أكون إمامًا؛ صرت إمامًا، وإن قالوا: لا تؤم الناس؛ ما أممت الناس، صرت مأمومًا؛ لأن الحق يقوم بالغير، ولا يعني أنهم إذا منعوني قد منعوا الناس كلهم، ولنا في ذلك أسوة، فإن عمَّار بن ياسر رضي الله عنه كان يحدث عن الرسول –عليه الصلاة والسلام- أنه يأمر الجُنب أن يتيمم، وكان عمر بن الخطاب لا يرى ذلك، فدعاه ذات يوم؛ فقال: ما هذا الحديث الذي تحدث الناس به؟ يعني: يتيمم الحُنب إذا عدم الماء.
فقال: أما تذكر حين بعثني النبي عليه الصلاة والسلام وإياك في حاجة فأجْنَبْت وتمرَّغت بالصعيد، وأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته، وقال: يكفيك أن تقول بيديك هكذا، وذكر له التيمم.
ولكن يا أمير المؤمنين، إني بما جعل الله لك عليَّ من الطاعة؛ إن شئت أن لا أُحدِّث به فعلت.
الله أكبر؛ صحابي جليل يمسك عن الحديث عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- بأمر الخليفة الذي له الطاعة، فقال له: لا أنا لا أمنعك، لكن أوليك ما توليت، يعني: أن العهدة عليك، فإذا رأى ولي الأمر أن يمنع أشرطة ابن عثيمين، أو أشرطة ابن باز، أو أشرطة فلان؛ نمتنع.
وأما أن نتخذ مثل هذه الإجراءات سبيلاً إلى إثارة الناس ولاسيما الشباب، وإلى تنفير القلوب عن ولاة الأمور؛ فهذا والله يا إخواني عين المعصية، وهذا أحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس"(56).
هذا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.