وما نسبه ابن باز غفر الله له إلى الإمام مالك من أن الكيف مجهول، فهذه الرواية لا تصح عنه رضي الله عنه، بل هي موجودة بسند موضوع عن وهب بن منبه وهو من مسلمة أهل الكتاب يزعم أنها موجودة في التوراة، والمحفوظُ عن الإمام مالك أنه قال: ((والكيف غير معقول)) وهو صريح بنفي الكيف عن الله وصفاته.
قوله تعالى: ((فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ)): أي العلي القدر، القاهر الغالب، وهذا هو الذي يتناسب مع إثبات الحكم له وحده جل جلاله.
أما علو المكان أو العلو الحسي فلا مناسبة إطلاقاً بينه وبين كون الحكم لله وحده.
وأيضاً: يلزم ابن باز أن يحمل (الكبير) على نفس المحمل الذي حمل عليه (العلي) _وهو محمل الحس_ وعندها يكون معنى الكبير: أي العظيم الحجم، والعياذ بالله.
ولو كان لعلو المكان شأن للزم أن يكون الملائكة الذين في السماء أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم وهو تحت الأرض، نفسي الفداء لقبره الشريف الطاهر الزكي.
وقوله تعالى: ((إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)): يقابله قوله تعالى: ((وقال إني ذاهب إلى ربي)) فهل سمع أحد أن أبانا إبراهيم عليه الصلاة والسلام صعد إلى السماء؟؟!!
وقوله تعالى: ((أأمنتم من في السماء)) يقابله قوله تعالى: ((وهو معكم أينما كنتم)) وقوله تعالى: ((ونحن أقرب إليه من حبل الوريد)).
وبالجملة: فالمستقرئ لآيات القرآن الكريم وللأحاديث الصحيحة الثابتة، يجد أن الآيات والأحاديث التي يوهم ظاهرها كون الله في العالم الأرضي أكثر من التي يوهم ظاهرها كونه في العالم العلوي.
وقوله عليه الصلاة والسلام: ((ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء)) (ولا أدري مدى صحته) يقابله قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((أنت الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وأَنْتَ الباطِنُ فَلَيْسَ دونَكَ شَيْءٌ)).
قالَ الإمام الحَافِظُ البَيْهَقي في كتابِ ألأسْماءِ والصِّفاتِ : " إِسْتَدَلَّ بَعْضُ أَصْحابِنا في نَفْيِ المكانِ عَنِ الله بِقَوْلِ النَّبيِّ صلّى الله عليه و سلَّم : "أنتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وأَنْتَ الباطِنُ فَلَيْسَ دونَكَ شَيْءٌ"، و إذا لَم يَكُنْ فَوْقَهُ شَيْءٌ ولا دونَهُ شَيْءٌ لَم يَكُنْ في مكان.
الله اهد إخوتنا الوهابية لطريق الحق يا أرحم الراحمين.