من مخاطر معارضة النصّ بالرأي والعقل
قَالَ الإمامُ ابنُ القيم رحمه الله :
فإنّ اللهَ سُبْحَانَهُ لمَّا أَمَرَهُ – أيْ الشيطانُ - بالسجودِ لآدمَ عليه السلام ، كانَ في امتثالِ أمْرِهِ وطاعتهِ سعادتُه وفلاحُه ، وعِزُّه ونجَاتُهُ ، فسوّلَتْ لَه نفسُه الجاهلةُ الظالمةُ : أنّ في سجودِه لآدمَ عليه السلام غَضاضةً عليه وهضمًا لنفسِه ، إذْ يخضع ويقع ساجدًا لمَنْ خُلقَ من طينٍ ، وهو مخلوقٌ من نارٍ ، والنّارُ- بزعمه -أشرفُ من الطينِ ، فالمخلوقُ منها خيرٌ من المخلوقِ منه ! وخضوعُ الأفضلِ لمن هو دونه غضاضةٌ عليه ، وهضمٌ لمنزلتِه ، ثم قرّرَ ذلك بحجّتهِ الداحضةِ ، في تفضيلِ مادّتهِ وأصلهِ على مادةِ آدمَ عليه السلام وأصلهِ ، فأنتجت له هذه المُقدِّماتُ : إباءَه وامتناعَه من السجودِ ، ومعصيتَه الربّ المعبود ، فجمعَ بين الجهلِ والظلمِ ، والكبرِ والحسدِ والمعصيةِ ، ومعارضةِ النصِّ بالرأي والعقل.
فأهان نفسَه كلَّ الإهانةِ من حيثُ أرادَ تعظيمَهَا ، ووضعها من حيثُ أرادَ رفعتَها ، وأذَلّها من حيثُ أرادَ عزّتِها ، وآلَمَها كلَّ الألمِ منْ حيثُ أرادَ لذَّتِها ، ففعلَ بنفسِه ما لو اجتهدَ أعظمُ أعدائِه
في مضرّتِه لمْ يبلغْ منه ذلكَ المبلغ ، ومنْ كانَ هذا غشّه لنفْسِه ، فكيفْ يسمعُ منه العاقلُ ويقبل ويواليه؟!".
أنظر إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (2 / 200-201).
وقال الشيخ السعدي رحمه الله :
"قال إبليسُ معارضًا لربّه : "أنا خيرٌ منه" ثمّ برهنَ على هذه الدعوى الباطلةِ بقولِه : "خلقتني من نارٍ وخلقته من طين".
وموجبُ هذا أنّ المخلوقَ من نارٍ أفضل من المخلوقِ من طينٍ لعلوِ النارِ على الطين وصعودِها !! وهذا القياسُ من أفسدِ الأقيسةِ ، فإنّه باطلٌ من عدّة أوجهٍ :
منها : أنّه في مقابلةِ أمرِ الله له بالسجودِ ، والقياسُ إذا عارضَ النصَّ فإنه قياسٌ باطلٌ ؛ لأنّ المقصودَ بالقياسِ أنْ يكونَ الحكم الذي لم يأتِ فيه نصٌّ يقارب الأمور المنصوص عليها ويكون تابعًا لها.
فأما قياسٌ يعارضها ويلزمُ من اعتبارِه إلغاءُ النّصوص ، فهذا القياسُ من أشنعِ الأقيسة .
ومنها : أن قولَه : " أنا خيرٌ منه " بمجردِها كافيةٌ لنقصِ إبليسَ الخبيثِ ، فإنه برهَن على نقْصِه بإعجَابِه بنفسِه وتكبّرِه ، والقولُ على اللهِ بلا علمٍ ، وأيّ نقصٍ أعظمَ من هذا؟! .
ومنها : أنّه كذَبَ في تفضيلِ مادةِ النّار على مادةِ الطين والتراب ، فإنّ مادةَ الطينِ فيها الخشوعُ والسكونُ والرزانةُ ، ومنْها تظهرُ بركاتُ الأرضِ من الأشجارِ وأنواعِ النّباتِ على اختلافِ أجناسِه وأنواعِه ، وأمّا النارُ ففيها الخِفّةُ والطّيشُ والإحراقُ .
ولهذا لما جَرَى من إبليسَ ما جَرَى ، انْحَطّ مِن مَرتَبَتِه العاليةِ إلى أسفلِ السافلينَ ".
أنظر تفسير السعدي (284) .
اه بواسطة رسالة الوصفات الإيمانية لدفع المكائد الشيطانية للشيخ أبي عبد الله حمزة النايلي حفظه الله.