تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : فهرس القرآن وعلومة وتفسير القرآن الكريم


الصفحات : 1 2 [3]

*عبدالرحمن*
2019-03-12, 18:46
تفسير قوله تعالى: (وَمِنْ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)

السؤال

(وَمِنْ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمْ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) سألني أحدهم عن معنى الآية السابقة

لكني لم أجبه لأني لا أعرف ، فهل بوسعكم رجاء إخباري بمعنى الآية السابقة ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

هذه الآية التي في سورة التوبة تتحدث عن الأعراب وليس عن العرب ، وفرق بين اللفظين

فالعرب هم الجنس المعروف الذي ينقسم إلى حضر وبدو ، والحضر هم ساكنو المدن والقرى ، أما البدو فهم " الأعراب " سكان البادية ، وهؤلاء هم الذين تخبر عنهم الآيات الكريمات في سورة التوبة .

قال النووي رحمه الله :

"أهل البادية هم الأعراب ، ويغلب فيهم الجهل والجفاء ، ولهذا جاء في الحديث : (من بدا جفا) ، والبادية والبدو بمعنًى [واحد] : وهو ما عدا الحاضرة والعمران . والنسبة إليها بدوي " انتهى .

"شرح مسلم" (1/169) .

وقال الدكتور جواد علي :

" المجتمع العربي : بدو وحضر . .

ويعرف الحضر ، وهم العرب المستقرون بـ " أهل المدر " ، عرفوا بذلك لأن أبنية الحضر إنما هي بالمدر . والمدر : قطع الطين اليابس .

وورد أن أهل البادية إنما قيل لهم " أهل الوبر " ، لأن لهم أخبية الوبر . تمييزاً لهم عن أهل الحضر الذين لهم مبان من المدر .

وتطلق لفظة " عرب " على أهل المدر خاصة ، أي على الحضر و " الحاضر " و " الحاضرة " من العرب ، أما أهل البادية فعرفوا بـ " أعراب ". " انتهى باختصار .

" المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام " (4/271).

ثانياً :

أما الآيات الواردة في ذلك في سورة التوبة ، فهي قول الله تعالى : ( الأعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .

وَمِنَ الأعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .

وَمِنَ الأعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) التوبة/97-99 .

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :

"أخبر تعالى أن في الأعراب كفارا ومنافقين ومؤمنين ، وأن كفرهم ونفاقهم أعظم من غيرهم وأشد

وأجدر : أي : أحرى ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله...عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من سكن البادية جفا

ومن اتبع الصيد غَفَل ، ومن أتى السلطان افتتن) رواه أبو داود والترمذي وقال : حسن غريب ....

وقوله : (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي : عليم بمن يستحق أن يعلمه الإيمان والعلم ، (حَكِيمٌ) فيما قسم بين عباده من العلم والجهل والإيمان والكفر والنفاق ، لا يسأل عما يفعل لعلمه وحكمته .

وأخبر تعالى أن منهم (مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ) أي : في سبيل الله (مَغْرَمًا)

أي : غرامة وخسارة ، (وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ) أي : ينتظر بكم الحوادث والآفات ، (عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ)

أي : هي منعكسة عليهم والسوء دائر عليهم ، (وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي : سميع لدعاء عباده ، عليم بمن يستحق النصر ممن يستحق الخذلان .

وقوله : (وَمِنَ الأعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ)

هذا هو القسم الممدوح من الأعراب ، وهم الذين يتخذون ما ينفقون في سبيل الله قربة يتقربون بها عند الله ، ويبتغون بذلك دعاء الرسول لهم

(أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ) أي : ألا إن ذلك حاصل لهم (سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) " انتهى.

"تفسير القرآن العظيم" (4/201-202) .

وقال العلامة السعدي رحمه الله :

" يقول تعالى : (الأعْرَاب) وهم سكان البادية والبراري (أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا) من الحاضرة الذين فيهم كفر ونفاق ، وذلك لأسباب كثيرة :

منها : أنهم بعيدون عن معرفة الشرائع الدينية والأعمال والأحكام ، فهم أحرى (وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ) من أصول الإيمان وأحكام الأوامر والنواهي ، بخلاف الحاضرة

فإنهم أقرب لأن يعلموا حدود ما أنزل اللّه على رسوله ، فيحدث لهم - بسبب هذا العلم - تصورات حسنة ، وإرادات للخير الذي يعلمون

ما لا يكون في البادية . وفيهم من لطافة الطبع والانقياد للداعي ما ليس في البادية

ويجالسون أهل الإيمان ، ويخالطونهم أكثر من أهل البادية ، فلذلك كانوا أحرى للخير من أهل البادية ، وإن كان في البادية والحاضرة ، كفار ومنافقون ، ففي البادية أشد وأغلظ مما في الحاضرة .

ومن ذلك أن الأعراب أحرص على الأموال ، وأشح فيها . فمنهم (مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ) من الزكاة والنفقة في سبيل اللّه وغير ذلك (مَغْرَمًا)

أي : يراها خسارة ونقصا ، لا يحتسب فيها ، ولا يريد بها وجه اللّه ، ولا يكاد يؤديها إلا كرها .

(ويَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ) أي : من عداوتهم للمؤمنين وبغضهم لهم ، أنهم يودون وينتظرون فيهم دوائر الدهر ، وفجائع الزمان ، وهذا سينعكس عليهم فعليهم دائرة السوء .

وأما المؤمنون فلهم الدائرة الحسنة على أعدائهم ، ولهم العقبى الحسنة ، (وَاللَّهُ سميع عليم) يعلم نيات العباد وما صدرت عنه الأعمال من إخلاص وغيره .

وليس الأعراب كلهم مذمومين ، بل منهم (مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) فيسلم بذلك من الكفر والنفاق ، ويعمل بمقتضى الإيمان . (وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ) أي : يحتسب نفقته

ويقصد بها وجه اللّه تعالى والقرب منه . ( و ) يجعلها وسيلة لـ ( صَلَوَاتِ الرَّسُولِ ) أي : دعائه لهم ، وتبريكه عليهم ،

قال تعالى مبينا لنفع صلوات الرسول : (أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ) تقربهم إلى اللّه وتنمي أموالهم ، وتحل فيها البركة . (سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ) في جملة عباده الصالحين إنه غفور رحيم

فيغفر السيئات العظيمة لمن تاب إليه ، ويعم عباده برحمته التي وسعت كل شيء ، ويخص عباده المؤمنين برحمة يوفقهم فيها إلى الخيرات ، ويحميهم فيها من المخالفات ، ويجزل لهم فيها أنواع المثوبات .

وفي هذه الآية دليل على أن الأعراب كأهل الحاضرة ، منهم الممدوح ومنهم المذموم ، فلم يذمهم اللّه على مجرد تعربهم وباديتهم ، إنما ذمهم على ترك أوامر اللّه ، وأنهم في مظنة ذلك .

ومنها : أن الكفر والنفاق يزيد وينقص ويغلظ ويخف بحسب الأحوال .

ومنها : فضيلة العلم ، وأن فاقده أقرب إلى الشر ممن يعرفه ، لأن اللّه ذم الأعراب ، وأخبر أنهم أشد كفرا ونفاقا ، وذكر السبب الموجب لذلك ، وأنهم أجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل اللّه على رسوله .

ومنها : أن العلم النافع الذي هو أنفع العلوم ، معرفة حدود ما أنزل اللّه على رسوله ، من أصول الدين وفروعه ، كمعرفة حدود الإيمان ، والإسلام

والإحسان ، والتقوى ، والفلاح ، والطاعة ، والبر ، والصلة ، والإحسان ، والكفر ، والنفاق

والفسوق ، والعصيان ، والزنا ، والخمر ، والربا ، ونحو ذلك ، فإن في معرفتها يُتَمَكَّن من فعلها - إن كانت مأمورا بها ، أو تركها إن كانت محظورة ، ومن الأمر بها ، أو النهي عنها .

ومنها : أنه ينبغي للمؤمن أن يؤدي ما عليه من الحقوق ، منشرح الصدر ، مطمئن النفس ، ويحرص أن تكون مغنما ، ولا تكون مغرما " انتهى .

" تيسير الكريم الرحمن " (394) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-12, 18:49
سبب تقديم قوله تعالى في سورة الرحمن (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) على قوله (خَلَقَ الْإِنسَانَ)

السؤال

لماذا ذكر في سورة الرحمن : (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) قبل (خَلَقَ الْإِنسَانَ) ، وعلمه لمن ؟

الجواب

الحمد لله

في هذه السورة العظيمة من سور القرآن الكريم يتعرف الله سبحانه وتعالى إلى خلقه بنعمه عليهم ، وآلائه التي ملأت أرجاء السماء والأرض ، يذكرهم بها عبوديتهم له عز وجل ، ويلزمهم طاعته وابتغاء مرضاته .

ولما كان القرآن الكريم النعمة الكبرى والآية العظمى التي أنزلت على الإنسانية جمعاء ، بدأ بها عز وجل ، وقدمها على كل شيء

حتى على خلق الإنسان نفسه ، ليوحي بذلك إلى الغاية التي خلق الإنسان من أجلها ، وهي معرفة وحي الله والالتزام به ، فلا يشتغل الإنسان بالخلق عن الخالق ، ولا بالوسيلة عن المقصد .

وذكر الله تعالى خلق الإنسان بعد ذِكْر تعليم القرآن ليبين أن الإنسان هو المقصود بتعليم القرآن .

قال الله تعالى : ( الرَّحْمَنُ . عَلَّمَ الْقُرْآنَ . خَلَقَ الإنْسَانَ . عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ) الرحمن/1-4.

قال أبو حيان الأندلسي رحمه الله :

"ولما عدّد نعمه تعالى ، بدأ مِن نِعَمه بما هو أعلى رتبها ، وهو تعليم القرآن ، إذ هو عماد الدين ونجاة من استمسك به.

ولما ذكر تعليم القرآن ولم يذكر المعلَّم ، ذكره بعد في قوله : (خَلَقَ الإنْسَانَ) ، ليُعلم أنه المقصود بالتعليم" انتهى .

"البحر المحيط" (10/187) .

وقال الألوسي رحمه الله :

"ثم أتبع سبحانه نعمة تعليم القرآن بخلق الإنسان فقال تعالى : (خَلَقَ الإنْسَانَ) ؛ لأن أصل النعم عليه ، وإنما قدم ما قدم منها لأنه أعظمها

وقيل : لأنه مشير إلى الغاية من خلق الإنسان ، وهو كماله في قوة العلم ، والغاية متقدمة على ذي الغاية ذِهْنًا ، وإن كان الأمر بالعكس خارجا" انتهى .

"روح المعاني" (27/99) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

" وبدأ الله تعالى بتعليم القرآن قبل خلق الإنسان إشارة إلى أن نعمة الله علينا بتعليم القرآن أشد وأبلغ من نعمته بخلق الإنسان ، وإلا من المعلوم أن خلق الإنسان سابقٌ على تعليم القرآن

لكن لما كان تعليم القرآن أعظمَ مِنَّةٍ من الله عز وجل على العبد قدمه على خلقه " انتهى .

"لقاءات الباب المفتوح" (رقم/188) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-12, 18:55
سبب نزول سورة الكافرون

السؤال

ما هو سبب نزول سورة " الكافرون " ؟

وما هي قصتها ؟

الجواب

الحمد لله

جاء في سبب نزول هذه السورة أن كفار قريش عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يعبدوا الله سبحانه وتعالى ويقبلوا ما جاء به

بشرط أن يشاركهم في عبادة آلهتهم الباطلة بعض الزمان ، فنزلت هذه السورة تقطع كل مفاوضات لا تفضي إلى تحقيق التوحيد الكامل لله رب العالمين .

فعن ابن عباس رضي الله عنهما :

(أن قريشا وعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطوه مالا فيكون أغنى رجل بمكة ، ويزّوجوه ما أراد من النساء ، ويطئوا عقبه ، فقالوا له : هذا لك عندنا يا محمد ، وكفّ عن شتم آلهتنا

فلا تذكرها بسوء ، فإن لم تفعل فإنا نعرض عليك خصلة واحدة ، فهي لك ولنا فيها صلاح . قال : ما هي ؟

قالوا : تعبد آلهتنا سنة : اللات والعزي ، ونعبد إلهك سنة ، قال : حتى أنْظُرَ ما يأْتي مِنْ عِنْدِ رَبّي . فجاء الوحي من اللوح المحفوظ : (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) السورة

وأنزل الله : (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ) ... إلى قوله : (فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) .

رواه ابن أبي حاتم في " التفسير " (10/3471)

والطبري في " جامع البيان " (24/703)

والطبراني في " المعجم الصغير " (751)

جميعهم من طريق أبي خلف عبد الله بن عيسى الخزاز الحداد ، ثنا داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما به .

وقال الطبراني : لم يروه عن داود بن أبي هند إلا عبد الله بن عيسى ... أحاديثه أفراد كلها . انتهى .

وعبد الله بن عيسى الخزاز ضعيف عند عامة العلماء ، لا سيما رواياته عن داود بن أبي هند.

انظر ترجمته في " تهذيب التهذيب " (5/353) .

وعن سعيد بن مينا مولى البَختري قال :

لقي الوليد بن المُغيرة والعاص بن وائل ، والأسود بن المطلب ، وأميَّة بن خلف ، رسولَ الله ، فقالوا : يا محمد ! هلمّ فلنعبد ما تعبد ، وتعبدْ ما نعبد ، ونُشركك في أمرنا كله

فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا كنا قد شَرِكناك فيه ، وأخذنا بحظنا منه ; وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يديك كنت قد شَرِكتنا في أمرنا

وأخذت منه بحظك ، فأنزل الله : (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) حتى انقضت السورة .

رواه الطبري في " جامع البيان " (24/703)

قال : حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن عُلَية ، عن محمد بن إسحاق ، قال : ثني سعيد بن مينا مولى البَختري به .

وسعيد بن ميناء من أوساط التابعين ، فروايته مرسلة ضعيفة .

وقال السيوطي رحمه الله :

"أخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن وهب قال : قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم : إن سرك أن نتبعك عاما وترجع إلى ديننا عاما ، فأنزل الله : (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) إلى آخر السورة .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن قريشا قالت : لو استلمت آلهتنا لعبدنا إلهك ، فأنزل الله : ( قل يا أيها الكافرون ) السورة كلها" انتهى .

"الدر المنثور" (8/655) .

والحاصل : أن الآثار السابقة – وإن ضعفت أسانيد أفرادها – إلا أنها تتقوى بمجموعها ، ويشهد بعضها لبعض ، خاصة وأنه ليس في متنها ما يستنكر ، ووافقت ظاهر القرآن الكريم

ولذلك صحح مضمونها الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح السيرة النبوية " (201)

وانظر : " السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية " (ص/175) .

وأما معنى السورة :

فقال ابن جرير الطبري رحمه الله :

" يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم - وكان المشركون من قومه فيما ذكر عرضوا عليه أن يعبدوا الله سنة ، على أن يعبد نبيّ الله صلى الله عليه وسلم آلهتهم سنة - فأنزل الله معرفة جوابهم في ذلك :

( قُلْ ) يا محمد لهؤلاء المشركين الذين سألوك عبادة آلهتهم سنة ، على أن يعبدوا إلهك سنة (يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ )

بالله ( لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ) من الآلهة والأوثان الآن (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ)

الآن ( وَلا أَنَا عَابِدٌ )

فيما أستقبل ( مَا عَبَدْتُمْ )

فيما مضى ( وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ ) فيما تستقبلون أبدا ( مَا أَعْبُدُ ) أنا الآن

وفيما أستقبل . وإنما قيل ذلك كذلك

لأن الخطاب من الله كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أشخاص بأعيانهم من المشركين ، قد علم أنهم لا يؤمنون أبدا ، وسبق لهم ذلك في السابق من علمه

فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يؤيسهم من الذي طمعوا فيه ، وحدّثوا به أنفسهم ، وأن ذلك غير كائن منه ولا منهم في وقت من الأوقات

وآيس نبي الله صلى الله عليه وسلم من الطمع في إيمانهم ، ومن أن يفلحوا أبدا ، فكانوا كذلك لم يفلحوا ولم ينجحوا ، إلى أن قتل بعضهم يوم بدر بالسيف

وهلك بعض قبل ذلك كافرا ، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وجاءت به الآثار " انتهى .

" جامع البيان " (24/702) .

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-03-13, 18:31
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


معنى قوله تعالى: (ولا تنس نصيبك من الدنيا)

السؤال

ما معنى الآية : (وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا)

الجواب

الحمد لله

لأهل العلم في تفسير هذه الآية قولان مشهوران :

القول الأول :

أن المعني : لا تنس نصيبك مما أباح الله لك فيها من المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمناكح ، فإن لربك عليك حقًّا ، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقا .

"تفسير ابن كثير" (6/253) .

وهذا قول الحسن وقتادة وابن جريج .

وقد سئل الإمام مَالِكٌ رحمه الله عَنْ هذه الآية فَقَالَ : (أَنْ يَعِيشَ وَيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ غَيْرَ مُضَيِّقٍ عَلَيْهِ فِي رَأْيٍ) انتهى .

"المنتقى" (4 / 302) .

ويؤيده قوله تعالى قبلها : ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ )

أي : استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل والنعمة الطائلة ، في طاعة ربك والتقرب إليه بأنواع القربات ، التي يحصل لك بها الثواب في الدار الآخرة ، ولا تنس مع ذلك نصيبك من الدنيا .

فلا نأمرك أن تتصدق بجميع مالك وتبقى ضائعا ، بل أنفق لآخرتك ، واستمتع بدنياك استمتاعا لا يضر دينك ، ولا يضر بآخرتك .

راجع : "تفسير الطبري" (19 / 625)

"تفسير ابن كثير" (6/253)

"زاد المسير" (6/241) -

"تفسير السعدي" (ص/623) .

"والإسلام وسط في العمل للدنيا والآخرة ، فكل منهما عبادة لله تعالى ، وتحقيق لغاية الوجود الإنساني ضمن شروط معينة

بينما تأرجحت المذاهب الأخرى بين الاهتمام بالنواحي المادية الذي يظهر في المدنية الغربية الحديثة ، وأصبح معبودها هو المال والقوة والرفاهية والرقي المادي - وبين الإزراء بهذا الرقي المادي والمتاع الدنيوي

كما هو الشأن في المذاهب التي تدعو إلى الرهبنة وتعذيب الجسد من أجل الروح وتهذيبها للوصول إلى مرحلة الفناء

أما الإسلام فيقول الله تعالى : (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة /201

وقوله : (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) القصص/77 " .

"بحوث ندوة أثر القرآن في تحقيق الوسطية ودفع الغلو" (ص/400) .

والقول الثاني :

لا تنس نصيبك من الدنيا بأن تعمل فيها للآخرة .

وهذا القول اختاره أكثر المفسرين ، وهو قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما .

قال الشوكاني :

"قال جمهور المفسرين : وهو أن يعمل في دنياه لآخرته ، ونصيبُ الإنسان : عمرهُ وعملُه الصالح . قال الزجاج : معناه : لا تنس أن تعمل لآخرتك ، لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا الذي يعمل به لآخرته" انتهى .

"فتح القدير" (4/266) .

وعن مجاهد قال : عمرك تعمل فيه لآخرتك . "تفسير ابن أبى حاتم" (9 / 3010) .

وقال مجاهد أيضا : لا تترك أن تعمل في الدنيا للآخرة حتى تنجو من العذاب ، لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا أن يعمل للآخرة .

"تفسير البغوي" (6 / 221) .

وقال عون بن عبد الله : إن قوما يضعونها على غير موضعها (وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا) :

تعمل فيها بطاعة الله .

"تفسير الطبري" (19 / 524) .

وقال الطبري يقول : ولا تترك نصيبك وحظك من الدنيا ، أن تأخذ فيها بنصيبك من الآخرة ، فتعمل فيه بما ينجيك غدا من عقاب الله .

"تفسير الطبري" (19 / 524) .

وقال القرطبي :

"اختلف فيه ؛ فقال ابن عباس والجمهور : لا تضيع عمرك في ألا تعمل عملا صالحا في دنياك ؛ إذ الآخرة إنما يعمل لها ، فنصيبُ الإنسان : عمره وعمله الصالح فيها ، فالكلام على هذا التأويل شدة في الموعظة .

وقال الحسن وقتادة : معناه : لا تضيع حظك من دنياك في تمتعك بالحلال وطلبك إياه ، ونظرك لعاقبة دنياك . فالكلام على هذا التأويل فيه بعض الرفق به وإصلاح الأمر الذي يشتهيه" انتهى .

"الجامع لأحكام القرآن" (13 / 314) .

ولا منافاة بين القولين فالمؤمن لا ينسى نصيبه من الدنيا ـ فيتمتع بها تمتعاً مباحاً ، لا يجره إلى الحرام ، ويستعين بهذا المباح على طاعة الله تعالى ، فهو ترويح عن النفس ، واستجماع لنشاطها .

والمؤمن لا ينسى نصيبه من الدنيا ، وهو عمله الصالح الذي سيصحبه في قبره ، ولهذا أثنى الله تعالى على من يدعو قائلاً : (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) البقرة/201 .

قال ابن كثير :

" فجمعت هذه الدعوةُ كلَّ خير في الدنيا ، وصرَفت كلّ شر ؛ فإن الحسنة في الدنيا تشملُ كلّ مطلوب دنيوي ، من عافية ، ودار رحبة ، وزوجة حسنة ، ورزق واسع ، وعلم نافع ، وعمل صالح

ومركب هنيء ، وثناء جميل ، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه عباراتُ المفسرين ، ولا منافاة بينها ، فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا .

وأما الحسنة في الآخرة فأعلى ذلك دخول الجنة وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر في العَرَصات ، وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة الصالحة " انتهى .

"تفسير ابن كثير" (1/558) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-03-13, 18:44
العلاقة بين آية ( وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ) وتنامي نفوذ الشيعة الآن

السؤال

أتعتقد أن هذا الحديث له علاقة بما نمر به هذه الأيام من تنامي نفوذ الشيعة ؟

وإذا كان الجواب بلا : فما تفسير هذا الحديث : عن أبي هريرة قال : لمَّا نـزلت (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) كان سلمان إلى جنب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ,

فقالوا : يا رسول الله من هؤلاء القوم الذين إن تولينا استُبدلوا بنا ؟

, قال : فضرب النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على منكب سلمان ,

فقال : (مِن هذا وَقَومِه , والذي نفسي بيده لَوْ أنَّ الدّينَ تَعَلَّقَ بالثُّرَيَّا لَنالَتْهُ رِجالٌ من أهْل فارِس) .

الجواب

الحمد لله

أولاً :

هذا الحديث رواه الترمذي ( 3261 ) ، وفي إسناده مقال

وقد ضعفه كثير من أهل العلم ، قال الترمذي بعد روايته له : غريب في إسناده مقال

. وقال البغوي في "شرح السنة" (7/261) : غريب .

وقال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (6/330) :

روي من طرق كثيرة لم تبلغ مرتبة الصحة .

وقال الشوكاني في "فتح القدير" (5/61) : في إسناده مسلم بن خالد الزنجي ، فيه مقال معروف .

ورأى بعض العلماء أن تعدد طرق الحديث يقوي بعضها يعضاً ، كالألباني رحمه الله ، ولهذا صححه في صحيح الترمذي .

والقطعة الأخيرة من الحديث رواها البخاري (4615) ومسلم (2546) ولفظها : (لَوْ كَانَ الدِّينُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَذَهَبَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ فَارِسَ - أَوْ قَالَ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ - حَتَّى يَتَنَاوَلَهُ) .

وأما اللفظ الآخر وهو : (لَوْ كَانَ الْعِلْمُ بِالثُّرَيَّا لَتَنَاوَلَهُ أُنَاسٌ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ) :

فقد رواه أحمد في "مسنده" (13/331) وضعفه محققوه

وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (2054)

وفيها قوله : "وجملة القول : أن الحديث ضعيف بهذا اللفظ : "العلم" ، وإنما الصحيح فيه : "الإيمان" ، و "الدين" . انتهى .

ثانياً :

هذا الحديث لا يدل على أن أهل فارس أفضل من الصحابة رضي الله عنهم ، وذلك للوجوه التالية :

الحديث في ذاته ضعيف عند كثير من أهل العلم ، كما سبق .

على فرض صحة الحديث ، فالآية المذكورة فيه وهي قوله تعالى : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) المراد منها التخويف فقط ، وإلا فلا يوجد من هو أفضل من الصحابة رضي الله عنهم ، ولا مثلهم .

قال القرطبي رحمه الله :

"قوله تعالى : ( وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ) هو إخبار عن القدرة ، وتخويف لهم ، لا أن في الوجود من هو خير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" انتهى .

" تفسير القرطبي " ( 18 / 194 ) .

ج. لم يتفق العلماء والمفسرون على تفسير الآية بهذا الحديث ، وأن القوم الذين سيأتون هم من فارس .

قال الماوردي رحمه الله :

"(يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنهم أهل اليمن ، وهم الأنصار ، قاله شريح بن عبيد .

الثاني : أنهم الفرس – وذكر حديث أبي هريرة - .

الثالث : أنهم مَن شاء مِن سائر الناس ، قاله مجاهد" انتهى .

" النكت والعيون " ( 5 / 307 ، 308 ) .

3. وعلى فرض أن الآية في الردة ، وأن المقصود بهم العرب ، وأن القوم الذين سيحلون مكانهم هم " الفرس " : فإنها تحوي علماً غيبيّاً فيها بشارة للمسلمين من أهل الفرس أنه لا يحدث فيهم ردة عن الدِّين

وفيه إشارة لاحتمال وقوعها من غيرهم ، وهو ما حصل بالفعل .

قال الطاهر بن عاشور رحمه الله :

"وأقول : هو يدل على أن " فارس " إذا آمنوا : لا يرتدون ، وهو من دلائل نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإن العرب ارتد منهم بعض القبائل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

وارتدّ البربر بعد فتح بلادهم وإيمانهم ثنتي عشرة مرة ، فيما حكاه الشيخ أبو محمد بن أبي زيد ، ولم يرتد أهل فارس بعد إيمانهم" انتهى .

" التحرير والتنوير " ( 26 / 139 ) .

وعلى هذا ؛ فلا تعلق للآية ولا الحديث بانتشار الرافضة في الأرض ؛ لأن الكلام عن الفرس المسلمين ، والرافضة الفرس ليسوا منهم .

فإما أن يقال : لم يحصل تولي عموماً لا عن الطاعة ، ولا عن النفقة ، فلم يحصل استبدال

أو يقال : حصل التولي من بعض العرب فجاء الله تعالى بالبديل من مسلمي الفرس ، فخدموا دين الله تعالى ، وساهموا في نشره ، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في ذلك .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

"قال القرطبي : وقع ما قاله صلى الله عليه وسلم عِياناً ، فإنه وُجد منهم – أي : من الفرس - من اشتُهر ذِكرُه من حفَّاظ الآثار ، والعناية بها ، ما لم يشاركهم فيه كثيرٌ من أحدٍ غيرهم" انتهى .

" فتح الباري " ( 8 / 643 ) .

ولمعرفة بعض عقائد الشيعة الروافض التي خالفوا بها المسلمين ستجدها في الموضوع التالي


اضغط هنا . (https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2156742)

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-03-13, 18:48
تفسير قوله تعالى في وصف الشمس والقمر أنهما دائبان وأنهما في فلك يسبحون

السؤال

ورد في القرآن قول الله تعالى : ( وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار )

وقوله تعالى في سورة " يس " : ( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون )

فما المقصود بـ " فلك " و " دائبين " ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

هاتان الآيتان من الآيات التي تتحدث عن المظاهر الكونية الباهرة التي تدل على سعة خلق الله تعالى وعظمته ،

الآية الأولى رقم/33 في سورة الرعد يقول الله تعالى فيها : ( وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ )

وقد ذكر المفسرون لوصف دؤوب الشمس والقمر معاني عدة :

أشهرها دوام المسير في هذا الكون الفسيح من غير توقف .

ومنها : دوام طاعة الله تعالى والافتقار إلى تدبيره عز وجل .

ومنها : دوام نفعهما واستمرار فوائدهما على هذا الكون .

يقول الحافظ ابن جرير الطبري رحمه الله :

" يتعاقبان عليكم أيها الناس بالليل والنهار ، لصلاح أنفسكم ومعاشكم ( دَائِبَيْنِ ) في اختلافهما عليكم .

وقيل : معناه : أنهما دائبان في طاعة الله ... عن ابن عباس ، في قوله : ( وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ) قال : دءوبهما في طاعة الله " انتهى.

" جامع البيان " (16/13-14)

ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" أي : يسيران لا يقران ليلا ولا نهارا " انتهى.

" تفسير القرآن العظيم " (4/511)

ويقول الرازي رحمه الله :

" وقوله : ( دَائِبَينَ ) معنى الدؤوب في اللغة : مرور الشيء في العمل على عادة مطردة

يقال دأب يدأب دأباً ودؤوباً ، قال المفسرون : قوله ( دَائِبَينَ ) معناه : يدأبان في سيرهما وإنارتهما وتأثيرهما في إزالة الظلمة وفي إصلاح النبات والحيوان

فإن الشمس سلطان النهار ، والقمر سلطان الليل ، ولولا الشمس لما حصلت الفصول الأربعة ، ولولاها لاختلت مصالح العالم بالكلية " انتهى.

" مفاتيح الغيب " (19/101)

ثانيا :

وأما الآية الثانية التي يصف الرب فيها عز وجل الشمس والقمر بالسباحة في الفلك فقد جاء ذلك في موضعين من القرآن الكريم :

الأول : قوله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) الأنبياء/33

والثاني : قوله عز وجل : ( لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) يس/40

وحاصل تفسير العلماء لهذه الآية هو أنها تصف النجوم والشمس والقمر والأفلاك بالدوران والحركة والسير في الفضاء الفسيح دورانا محكما موزونا .

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" ( وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) أي : يدورون . قال ابن عباس : يدورون كما يدور المغزل في الفلكة

. وكذا قال مجاهد : فلا يدور المغزل إلا بالفلكة ، ولا الفلكة إلا بالمغزل

كذلك النجوم والشمس والقمر لا يدورون إلا به ، ولا يدور إلا بهن

كما قال تعالى : ( فَالِقُ الإصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) الأنعام/96. " انتهى.

" تفسير القرآن العظيم " (5/341)

ويقول العلامة القرطبي رحمه الله :

" ( كلٌّ ) يعني من الشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار ( في فلك يسبحون ) أي : يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء " انتهى.

" الجامع لأحكام القرآن " (11/286)

أما تقييد الآيات جريان وسباحة أجرام السماء بكونها ( في فلك )، فقد اختلف العلماء في تفسير شكله وهيئته وحقيقته على أقوال كثيرة ، لكنها تتفق في النهاية على المعنى المقصود

وهو أن كل أجرام السماء من نجوم وشمس وقمر تجري وتسبح في فلك خاص ، أي : مدار خاص ، ونطاق معين ، لا تصطدم بغيرها ، ولا تختل مسيرتها .

يقول العلامة الطاهر ابن عاشور رحمه الله :

" والفلك : فسره أهل اللغة بأنه مدار النجوم ، وكذلك فسره المفسرون لهذه الآية ، ولم يذكروا أنه مستعمل في هذا المعنى في كلام العرب .

ويغلب على ظني أنه من مصطلحات القرآن ، ومنه أخذه علماء الإسلام ، وهو أحسن ما يعبر عنه عن الدوائر المفروضة التي يضبط بها سير كوكب من الكواكب ، وخاصة سير الشمس ، وسير القمر .

والأظهر أن القرآن نقله من فلك البحر ، وهو الموج المستدير ، بتنزيل اسم الجمع منزلة المفرد

والأصل الأصيل في ذلك كله " فَلْكة المِغْزَل " بفتح الفاء وسكون اللام ، وهي خشبة مستديرة في أعلاها مسمار مثني ، يدخل فيه الغزل ، ويدار لينفتل الغزل " انتهى.

" التحرير والتنوير " (17/45)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-13, 18:54
دراسة ترجمة الطبطبائي للتفسير المسمى بـ تفسير الميزان

السؤال

هل التفسير المسمَّى بـ " تفسير الميزان " الذي قام بتأليفه الطبطبائي موثوق به ، ولماذا ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

مؤلف كتاب " الميزان في تفسير القرآن " من كبار الشيعة ومقدَّميهم

وهو محمد حسين ، بن محمد ، المتصل نسبه بالطباطبائي التبريزي

نسبة إلى " تبريز " ثاني مدن إيران بعد طهران .

ولد سنة (1903م)، وأقام في " قم " يُعَلِّم ويتعلَّم حتى صار من كبار المتصدرين للتدريس والفتوى والتأليف في مدارس الشيعة هناك ، ولما توفي سنة (1981م) أعلنت الدولة الحداد الرسمي .

إذا علم ذلك فلا يسع المسلم إلا أن يتوقف فيما يرد في مؤلفات هذا الكاتب ابتداء ، لما عليه الشيعة الاثنا عشرية (الرافضة) من انحراف عقائدي خطير .

ثانيا :

هذا الكتاب " الميزان في تفسير القرآن " يُعَدُّ أولَ تفسير شيعي جديد بعد تفسيري " مجمع البيان " للطبرسي ، و " التبيان " للطوسي ، كانت بداياته على شكل محاضرات يلقيها الطباطبائي على طلابه

صدر المجلد الأول منه سنة (1956م) ، وتوالت أجزاؤه حتى بلغ (20) مجلدا ، وترجم إلى الإنجليزية والفارسية .

هذه المعلومات ملخصة من رسالة ماجستير مقدمة إلى الجامعة الأردنية عام (1994م)

" تفسير محمد حسين الطباطبائي الميزان في تفسير القرآن : دراسة منهجية ونقدية " للباحث : يوسف الفقير ، (ص/6-23)

ثالثا :

لنا على هذا التفسير الكثير من الملاحظات ، منها :

1- تشكيكه بوقوع النقص في القرآن الكريم - وهذا كفر نعرفه عن كثير من علماء الشيعة -، فقد قال وهو يتحدث عن توثيق النص القرآني بطرق عدد من الروايات في جمع القرآن :

" وبالجملة الذي تدل عليه هذه الروايات أن الموجود فيما بين الدفتين من القرآن هو كلام الله تعالى ، فلم يزد فيه شيء ، ولم يتغير منه شيء ، وأما النقص فإنها لا تفي بنفيه نفيا قطعيا " انتهى.

" الميزان " (12/125)

ويقول أيضا :

" وبالجملة الروايات السابقة كما ترى آحاد محفوفة بالقرائن القطعية نافية للتحريف بالزيادة والتغيير قطعا، دون النقص إلا ظنا ، ودعوى بعضهم التواتر من حيث الجهات الثلاثة لا مستند لها " انتهى.

" الميزان " (12/126)

2- التفسير الباطني الذي هو في حقيقته خروج عن الشريعة باسم الكشف والإلهام والفتوحات

تجد ذلك في " تفسير الميزان " عند تفسير قوله تعالى : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ

زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) النور/35

فهو ينقل البحث الروائي عن الإمام الصادق أنه سئل عن هذه الآية فقال : هو مثل ضربه الله لنا ، فالنبي والأئمة صلوات الله عليهم من دلالات الله وآياته التي يهتدي بها إلى التوحيد ومصالح الدين .

ثم يعلق الطباطبائي فيقول :

" الرواية من قبيل الإشارة إلى بعض المصاديق ، وهو من أفضل المصاديق ، وهو النبي صلى الله عليه وسلم والطاهرون من أهل بيته عليهم السلام ، وإلا فالآية تعم بظاهرها غيرهم من الأنبياء والأوصياء والأولياء " انتهى.

" الميزان " (15/141)

3- كثرة الموضوعات والمكذوبات والأحاديث التي لا أصل لها ، والتي يقرر من خلالها عقائد ومبادئ باطلة ، وهذه أمثلتها لا تحصى كثرة .

يقول الدكتور محمد حسين الذهبي رحمه الله :

" وأشهر تعاليم الإمامية الاثني عشرية أمور أربعة : العصمة ، والمهدية ، والرجعة ، والتقية .

أما العصمة : فيقصدون منها أن الأئمة معصومون من الصغائر والكبائر في كل حياتهم ، ولا يجوز عليهم شيء من الخطأ والنسيان .

وأما المهدية : فيقصدون منها الإمام المنتظر الذي يخرج في آخر الزمان

فيملأ الأرض أمناً وعدلاً بعد أن مُلئت خوفاً وجوراً ، وأول مَن قال بهذا هو " كيسان " مولى عليّ بن أبي طالب في محمد ابن الحنفية ، ثم تسرَّبت إلى طوائف الإمامية فكان لكل منها مهدي منتظر .

وأما الرجعة : فهي عقيدة لازمة لفكرة المهدية ، ومعناها : أنه بعد ظهور المهدي المنتظر يرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الدنيا

ويرجع عليّ ، والحسن ، والحسين ، بل وكل الأئمة ، كما يرجع خصومهم ، كأبي بكر وعمر ، فيُقتص لهؤلاء الأئمة من خصومهم ، ثم يموتون جميعاً ، ثم يحيون يوم القيامة .

وأما التقية : فمعناها المداراة والمصانعة ، وهي مبدأ أساسي عندهم ، وجزء من الدين يكتمونه عن الناس ، فهي نظام سري يسيرون على تعاليمه ، فيدعون في الخفاء لإمامهم المختفي

ويظهرون الطاعة لمن بيده الأمر ، فإذا قويت شوكتهم أعلنوها ثورة مسلحة في وجه الدولة القائمة الظالمة " انتهى.

" التفسير والمفسرون " (3/65-66)

وتفسير " الميزان " مليء بهذه العقائد الفاسدة ، ولتعرف مثالا واحدا من الاستدلالات الفاسدة التي يأتي بها المؤلف في هذا الكتاب ، فانظر كيف يستدل على عقيدة الرجعة – بكل خصوصياتها وتعلقاتها

- بقوله تعالى : ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ) النمل/83، فيقول :

" ظاهر الآية أن هذا الحشر في غير يوم القيامة – ثم ذكر سببا ساقطا لهذا التوجيه المتهافت - "

انتهى. " الميزان " (15/400)

5- تقرير الكتاب لرؤوس المسائل الفقهية التي ضل فيها الشيعة وخالفوا ما أجمع عليه المسلمون فيها ، مثل نكاح المتعة ، فقد نصر القول بجوازه وأنكر على القائلين بحرمته في أكثر من موضع في كتابه

انظر " الميزان " (4/279-316)

6- المراجع والمصادر التي ينقل منها الطباطبائي هي – في أغلبها – من كتب الشيعة الغارقة في الضلالة

كتفسير " الصافي " لمؤلفه الحاقد ملا محسن الكاشاني المعروف بالفيض الكاشاني الذي ملأ كتابه بالطعن على الخلفاء الراشدين وأمهات المؤمنين

نقل عنه في " الميزان " (1/309)، وقد بلغت هذه القائمة نحوا من (83) كتابا

كما عدها الباحث يوسف الفقير في دراسته " تفسير محمد حسين الطباطبائي الميزان في تفسير القرآن : دراسة منهجية ونقدية " (ص/83) - .

7- وغير ذلك من المخالفات العقائدية الكلامية: مثل مسائل صفات الله تعالى ، ورؤية الله يوم القيامة ، وغير ذلك ، وقد سار في أغلبها على ما يقول به المعتزلة من أقوال تخالف الكتاب والسنة .

يمكن مراجعة هذه المسائل عند الباحث يوسف الفقير (ص/139-160).

والخلاصة أننا نحذر من قراءة هذا الكتاب إلا للمتخصصين الذي يميزون الغث من السمين

ويعرفون الحق من الباطل ، أما عامة الناس فلا يجوز لهم إقحام أنفسهم في هذه المتاهات من الشبهات التي تطمس نور القلب والعقل .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-13, 18:58
تفسير قوله تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ)

السؤال

ما تفسير قوله تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) وما هو الشيء الذي يجب فيه تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم ؟

الجواب

الحمد لله

"قوله تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) عامة على ظاهرها

فلا يجوز للمسلمين أن يخرجوا عن شريعة الله ، بل يجب عليهم أن يحكموا شرع الله في كل شيء ، فيما يتعلق بالعبادات

وفيما يتعلق بالمعاملات ، وفي جميع الشؤون الدينية والدنيوية ، لكونها تعم الجميع

ولأن الله سبحانه يقول : (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ويقول : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)

(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) فهذه الآيات عامة لجميع الشؤون التي يتنازع فيها الناس ويختلفون فيها

ولهذا قال سبحانه : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) يعني الناس من المسلمين وغيرهم (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ) يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ، وذلك بتحكيمه صلى الله عليه وسلم حال حياته

وتحكيم سنته بعد وفاته ، فالتحكيم لسنته هو التحكيم لما أنزل من القرآن والسنة (فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ)

أي : فيما تنازعوا فيه ، هذا هو الواجب عليهم : أن يحكموا القرآن الكريم ، والرسول صلى الله عليه وسلم ، في حياته ، وبعد وفاته باتباع سنته التي هي بيان للقرآن الكريم ، وتفسير له ، ودلالة على معانيه .

أما قوله سبحانه : (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) فمعناه : أنه يجب أن تنشرح صدورهم لحكمه

وألا يبقى في صدروهم حرج مما قضى بحكمه عليه الصلاة والسلام . لأن حكمه هو الحق الذي لا ريب فيه ، وهو حكم الله عز وجل

فالواجب التسليم له وانشراح الصدر بذلك ، وعدم الحرج ، بل عليهم أن يسلموا لذلك تسليما كاملا ، رضاً بحكم الله، واطمئناناً إليه

هذا هو الواجب على جميع المسلمين فيما شجر بينهم من دعاوى وخصومات ، سواء كانت متعلقة بالعبادات أو بالأموال أو بالأنكحة أو الطلاق أو بغيرها من شؤونهم .

وهذا الإيمان المنفي هو أصل الإيمان بالله ورسوله بالنسبة إلى تحكيم الشريعة والرضا بها والإيمان بأنها الحكم بين الناس ، فلا بد من هذا ، فمن زعم أنه يجوز الحكم بغيرها

أو قال إنه يجوز أن يتحاكم الناس إلى الآباء أو إلى الأجداد أو إلى القوانين الوضيعة التي وضعها الرجال سواء كانت شرقية أو غربية - فمن زعم أن هذا يجوز فإن الإيمان منتف عنه ، ويكون بذلك كافرا كفرا أكبر .

فمن رأى أن شرع الله لا يجب تحكيمه ، ولكن لو حَكَمَ كان أفضل ، أو رأى أن القانون أفضل ، أو رأى أن القانون يساوي حكم الله فهو مرتد عن الإسلام . وهي ثلاثة أنواع :

النوع الأول :

أن يقول : إن الشرع أفضل ولكن لا مانع من تحكيم غير الشرع .

النوع الثاني :

أن يقول : إن الشرع والقانون سواء ولا فرق .

النوع الثالث :

أن يقول إن القانون أفضل وأولى من الشرع . وهذا أقبح الثلاثة ، وكلها كفر وردة عن الإسلام .

أما الذي يرى أن الواجب تحكيم شرع الله ، وأنه لا يجوز تحكيم القوانين ولا غيرها مما يخالف شرع الله ، ولكنه قد يحكم بغير ما أنزل الله لهوىً في نفسه ضد المحكوم عليه

أو لرشوة ، أو لأمور سياسية ، أو ما أشبه ذلك من الأسباب وهو يعلم أنه ظالم ومخطئ ومخالف للشرع - فهذا يكون ناقص الإيمان

وقد انتفى في حقه كمال الإيمان الواجب ، وهو بذلك يكون كافرا كفرا أصغر ، وظالما ظلما أصغر

وفاسقا فسقا أصغر ، كما صح معنى ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وجماعة من السلف رحمهم الله ، وهو قول أهل السنة والجماعة خلافا للخوارج والمعتزلة ومن سلك سبيلهم .

والله المستعان" انتهى .

"مجموع فتاوى ابن باز" (24/220-223) .

*عبدالرحمن*
2019-03-13, 19:01
تفسير قوله تعالى: (يخرجهم من الظلمات إلى النور)

السؤال

قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) ما المقصود بـ " النور " في الآية ؟

الجواب

الحمد لله

"إن الله ولي الذين آمنوا ، وناصرهم ، ومعينهم ، وموفقهم ، يخرجهم من الظلمات ؛ ظلمات الشرك

وظلمات المعاصي ، والبدع ، إلى نور التوحيد والحق والإيمان ، يعني : بواسطة الرسل ، وبواسطة كتبه المنزلة ، فكفار قريش ، وكفار بني إسرائيل وغيرهم أولياؤهم الطاغوت

والطاغوت الشيطان من الإنس والجن ، فالشياطين من الإنس والجن هم أولياء الكفرة ، يخرجونهم من نور التوحيد والحق إلى ظلمات الشرك والجهل والمعاصي والبدع

فالنور في هذه الآية المقصود به : التوحيد والإيمان والهدى ، والظلمات : الشرك والمعاصي والبدع ، نسأل الله العافية" انتهى .

"مجموع فتاوى ابن باز" (24/209) .

*عبدالرحمن*
2019-03-13, 19:04
تفسير قوله تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ)

السؤال

يقول الله تعالى : (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) فما هو معنى الآية؟

وما هو المراد بالشرك في الآية الكريمة؟

الجواب

الحمد لله

"قد أوضح العلماء معناها كابن عباس وغيره

وأن معناها : أن المشركين إذا سُئلوا عمن خلق السماوات والأرض ومن خلقهم يقولون الله

وهم مع هذا يعبدون الأصنام والأوثان كاللات والعزى ونحوهما ، ويستغيثون بها وينذرون ويذبحون لها . فإيمانهم هذا هو توحيد الربوبية

ويبطل ويفسد بشركهم بالله تعالى ولا ينفعهم . فأبو جهل وأشباهه يؤمنون بأن الله خالقهم ورازقهم، وخالق السماوات والأرض

ولكن لم ينفعهم هذا ، لأنهم أشركوا بالله بعبادة الأصنام والأوثان . هذا هو معنى الآية عن أهل العلم" انتهى .

"مجموع فتاوى ابن باز" (24/248) .

*عبدالرحمن*
2019-03-13, 19:07
لماذا أمات الله بني إسرائيل بالصاعقة ثم أحياهم ؟

السؤال

إذا كان الناس سيموتون جميعهم ثم يحييهم الله جميعا يوم القيامة ,

فلماذا أمات الله بني إسرائيل بالصاعقة ثم أحياهم مرة أخرى ؟

الجواب

الحمد لله

ذكر الله تعالى في كتابه الكريم قصة صعق بني إسرائيل ، ثم بعثهم بعد الموت ، في موضعين اثنين

وقد جاءا في سياق الحديث عن بني إسرائيل وما أنعم الله به عليهم ، وذكر حالهم وما قابلوا تلك النعم بالكفر والجحود والنسيان .

يقول الله تعالى :

( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ . ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) البقرة/55-56.

ويقول سبحانه :

( يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ

مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا ) النساء/153.

فقد كانت الصاعقة عقوبة لهم على جرأتهم على الله ، وإصرارهم على التعنت في السؤال ، والتكلف في تحقيق أسباب الإيمان

ومكابرتهم رغم كل الآيات والبراهين التي أراهم الله عز وجل ، ومع ذلك سألوا الله أن يروه جهرة في الدنيا ، وعلقوا إيمانهم بهذه الآية ، وقد تعالى جل وعلا عن أن تراه العيون الضعيفة الكليلة في الدنيا

وإنما تراه في الجنة ، فعاقبهم بالموت بالصاعقة التي أخذتهم أخذا شديدا ، ولكنه سبحانه لحلمه وعفوه وصفحه وتجاوزه عن عباده بعثهم بعد الموت إلى الدنيا

ليعلموا عظيم نعمة الله عليهم ، ويشكروه سبحانه على إمهاله لهم ، ومنحهم الفرصة مرة أخرى للتوبة والأوبة ، فكانت الصاعقة عقوبة لهم

وكان البعث بعد الموت آية ومنحة منه سبحانه ليعتبروا ويذكروا بها ، ثم يشكروا نعمة الله تعالى عليهم حق شكره ، ولذلك ختم الآية في سورة البقرة بقوله : ( لعلكم تشكرون )

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" اذكروا نعمتي عليكم في بعثي لكم بعد الصعق إذ سألتم رؤيتي جهرة عيانًا ، مما لا يستطاع لكم ولا لأمثالكم ، كما قال ابن جريج .

قال ابن عباس في هذه الآية : ( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً )، قال : علانية " انتهى باختصار.

" تفسير القرآن العظيم " (1/264)

ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" قوله تعالى : ( وإذ قلتم يا موسى ) أي : واذكروا أيضاً يا بني إسرائيل إذ قلتم...؛ والخطاب لمن كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم

لكن إنعامه على أول الأمة إنعام على آخرها ؛ فصح توجيه الخطاب إلى المتأخرين مع أن هذه النعمة على من سبقهم .

قوله تعالى : ( لن نؤمن لك ) أي : لن ننقاد ، ولن نصدق ، ولن نعترف لك بما جئت به .

قوله تعالى : ( فأخذتكم الصاعقة ) يعني الموت الذي صعقوا به .

وقوله تعالى : ( بعثناكم من بعد موتكم ) : هذه نعمة كبيرة عليهم أن الله تعالى أخذهم بهذه العقوبة

ثم بعثهم ليرتدعوا ؛ ويكون كفارة لهم

ولهذا قال تعالى : ( لعلكم تشكرون ) أي : تشكرون الله سبحانه وتعالى ؛ و " لعل " هنا للتعليل " انتهى باختصار.

" تفسير سورة البقرة " (1/191)

يقول الطاهر بن عاشور رحمه الله :

" وكان ذلك إرهابا لهم وزجرا

ولذلك قال : ( بظلمهم ) ، والظلم هو المحكي في سورة البقرة من امتناعهم من تصديق موسى إلى أن يروا الله جهرة

وليس الظلم لمجرد طلب الرؤية ؛ لأن موسى قد سأل مثل سؤالهم مرة أخرى : حكاه الله عنه بقوله : ( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ) الآية " انتهى.

" التحرير والتنوير " (4/301)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-13, 19:19
كيف التوفيق بين قوله تعالى ما كان محمد أبا أحد من رجالكم وحديث إن ابني هذا سيد

السؤال

يقول الله تعالى : (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) وعند البخاري وغيره يقول صلى الله عليه وسلم في حق الإمام الحسن رضي الله عنه : ( ‏ابني هذا سيد

ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين ) سؤالي رعاك الله : هل يصح أن نقول إن الإمام الحسن أو الحسين أبناء النبي صلى الله عليه وسلم لما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم ؟

أم إنهم يدخلون في عموم قوله تعالى : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم . . الآية ) فيما يخص النهي عن التبني بشكل عام ، ويدخل فيه تبني رجل أحدا ليس من صلبه مباشرة

وإن كان من سلالته وإن نزلت ؟

وهل منزلة البنوة التي أثبتها صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور آنفاً حقيقية أم مجازية؟ وفقكم الله ، وفتح عليكم من واسع فضله وعلمه .

الجواب

الحمد لله

ليس بين الآية والحديث تعارض والحمد لله ، وإنما يقوم التعارض في ذهن بعض السامعين بسبب عدم تمكنهم من تصور مقصود السياق تصوراً تاما .

فالآية الكريمة إنما تتحدث عن شأن زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بعد أن طلقها زيد بن حارثة الذي كان قد تبناه النبي صلى الله عليه وسلم قبل تحريم التبني

فأنزل الله تعالى هذه الآيات الكريمات ليزيل ما قد يقع في قلوب بعض الناس من إنكار زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زوجة ابنه بالتبني سابقا

فذكر عز وجل أن التبني باطل ، وأنه لا تنبني عليه أحكام أبوة النسب الحقيقي

فقال عز وجل :

(وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ

لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)

مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38)

الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39) مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) الأحزاب/37-39.

ومعلوم أنه ولد للنبي صلى الله عليه وسلم أربعة من الأولاد الذكور ، وولد له حفيدان اثنان من ابنته فاطمة رضي الله عنهما ، وليس هؤلاء الأولاد محل إشكال ولم يدخلوا في النفي أصلا ، لأسباب عدة :

1- أن سياق الآيات لا يقصدهم أصلا ، بل يقصد نفي وجود أبوة نسب بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أحد من المسلمين كي لا تنكر قلوبهم زواجه من زينب رضي الله عنها

ولذلك جاءت الآية بلفظ الخطاب فقال : ( من رجالكم )، فلا يدخل فيه أصلا أبناء النبي صلى الله عليه وسلم .

2- أن أبناءه الذكور صلى الله عليه وسلم ماتوا جميعا قبل بلوغ الحلم ، وهذا من حكمة الله عز وجل

لما في ذلك من تقرير ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ونفي توهم كون النبوة تنتقل بالوراثة بين الأب وأبنائه

وأما الحسن والحسين فهما وإن كانا من أحفاده صلى الله عليه وسلم لكنهما لا ينتسبان إليه من جهة الأبوة

بل ينتسبان إلى أبيهما علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ولذلك كان بقاؤهما أحياء بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من حكمة الله عز وجل أيضا ، فلم يدَّعِ أحد لهما النبوة بعد جدهما من أمهما النبي صلى الله عليه وسلم

فلا تعارض مع نفي أبوة النبي صلى الله عليه وسلم لأحد من رجال المسلمين .

3- ثم إن الآية نفت أبوة النبي صلى الله عليه وسلم الحقيقية لأحد من المسلمين ، وليس الأبوة المجازية ، وأبوة الرجل لأحفاده من جهة ابنته أبوة مجازية

بل أبوة النبي صلى الله عليه وسلم لسائر المسلمين أبوة مجازية ، وفي تفسير بعض الصحابة لقول الله تعالى : (وأزواجه أمهاتهم ) قال : وهو أب لهم .

وننقل هنا كلام أهل العلم في هذه الآية ، وفي بعضه جواب عن التعارض الذي عرض للسائل الكريم :

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" وقوله : ( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ) نهى تعالى أن يقال بعد هذا : " زيد بن محمد "

أي : لم يكن أباه وإن كان قد تبناه ، فإنه صلوات الله عليه وسلامه لم يعش له ولد ذكر حتى بلغ الحلم ؛ فإنه ولد له القاسم ، والطيب ، والطاهر

من خديجة ، فماتوا صغارا ، وولد له إبراهيم من مارية القبطية ، فمات أيضا رضيعا ، وكان له من خديجة أربع بنات : زينب ، ورقية ، وأم كلثوم

وفاطمة ، رضي الله عنهم أجمعين ، فمات في حياته ثلاث ، وتأخرت فاطمة حتى أصيبت به ، صلوات الله وسلامه عليه ، ثم ماتت بعده لستة أشهر " انتهى.

" تفسير القرآن العظيم " (6/428)

ونحوه في " معالم التنزيل " للبغوي (6/358)

و" اللباب " لابن عادل (15/557) .

وقال بهاء الدين ابن قدامة (682هـ) رحمه الله :

" وقول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن : ( إن ابني هذا سيد ) –

رواه البخاري (2704) - مجاز بالاتفاق ، بدليل قول الله تعالى : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله ) " انتهى.

" الشرح الكبير " (6/224)

ويقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله :

" فقوله تعالى : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ) إنما سيق لانقطاع حكم التبني ، لا لمنع هذا الإطلاق المراد به أنه أبو المؤمنين في الاحترام والإكرام " انتهى.

" الصواعق المحرقة " (2/462)

وجاء في " الدرر السنية " (13/368) :

" وسئل أيضا الشيخ عبد الله بن الشيخ عن قوله تعالى : ( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ) سورة الأحزاب آية/40

هل هذه الآية قطعت كون رسول الله صلى الله عليه وسلم والدا للحسن والحسين ، مع ما ورد من الأحاديث الدالة على تسميتهما ابنين له ؟

فأجاب :

سبب نزول الآية يزيل هذا الإشكال ; وذلك أنه ذكر المفسرون : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب قال الناس : تزوج امرأة ابنه

وأنزل الله هذه الآية – يعني : زيد بن حارثة – يعني : لم يكن أبا لرجل منكم على الحقيقة ، حتى يثبت بينه وبينه ما يثبت بين الأب وولده من حرمة الصهر والنكاح .

فإن قيل : قد كان له أبناء : القاسم ، والطيب ، والطاهر ، وإبراهيم ، وقال للحسن : ( إن ابني هذا سيد ) ؟

فالجواب : أنهم قد خرجوا من حكم النفي بقوله : ( من رجالكم ) ، وهؤلاء لم يبلغوا مبلغ الرجال .

وأجاب بعضهم : بأنه ليس المقصود أنه لم يكن له ولد فيحتاج إلى الاحتجاج في أمر بنيه بأنهم كانوا ماتوا

ولا في أمر الحسن والحسين بأنهما كانا طفلين ،

وإضافة ( رجالكم ) إلى المخاطبين يخرج من كان من بنيه ، لأنهم رجاله لا رجال المخاطبين " انتهى.

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-13, 19:28
وقفة مع قوله تعالى ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها )

السؤال

بعض أعداء الإسلام من الملحدين يحاولون النيل والطعن في هذا الدين وإثارة الشبه ، فحاولوا تفسير الآية من سورة الإسراء المباركة ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ) (16)

, وفق تفسيرات ونظرة مجردة توهم القارئ الغافل ويدّعون بأن الآية الكريمة تُظهر الله عز وجل وكأنه - تنزَّه الله عن ذلك - الإله الظالم المستبد , وأن إرادته للشر تفوق خيره وأنا وللأسف الشديد جدّاً , لست على دراية كاملة بقرآني ,

ولكن والله إني لما سمعت هذا الكلام : انتفض الدم في عروقي ، أنا من نظري وعلمي المحدود أفادنا الله منكم - بأن هذه الآية المباركة وثيقة الصلة بما قبلها من آيات , وأنها مربوطة بحال بني إسرائيل ، وظلمهم

وكفرهم البين , مع الإصرار على المعصية ، وتجاهل العقاب الرباني العادل ، فالله عز وجل لما رأى منهم الإصرار على المعصية مع سبق الإصرار والترصد في الذنب أراد أن يحكم عليهم بأن أدام المترفين في غيهم

فهم الفئة التي يلجأ إليها الناس دوما ، وهم القدوة ، لتكون حجة قاطعة من عنده سبحانه وتعالى . أفيدوني فوراً ، أفادكم الله تعالى

الجواب

الحمد لله

هذه الآية فيها أقوال للعلماء مشهورة ، وملخصها : أن الأمر فيها إما أن يكون أمراً شرعيّاً وهو موجه للمترفين

لكنه أمر بالطاعة ، فأبوها ، وإما أن يكون من الأمر الكوني لله تعالى

كما هو الحال في القضاء الكوني في قوله تعالى ( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً ) الإسراء/ 4

والقول الثالث : أنه " أمَرنا " بمعنى أكثرنا ، وليس ثمة عاقل يقول إن الأمر في الآية هو الأمر الشرعي للمترفين بالفسق ؛ يعني : أن الله شرع الفسق ، وجعله دينا لهم

جل الله عما يقول الجاهلون ، وتقدس وتنزه

كما قال تعالى عن نفسه ( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) الأعراف/ 28 .

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله - :

قوله تعالى : ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ) .

في معنى قوله ( أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ) في هذه الآية الكريمة ثلاثة مذاهب معروفة عند علماء التفسير :

الأول : وهو الصواب الذي يشهد له القرآن ، وعليه جمهور العلماء أن الأمر في قوله ( أَمْرُنَا ) هو الأمر الذي هو ضد النهي ، وأن متعلق الأمر محذوف لظهوره .

والمعنى : ( أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ) بطاعة الله وتوحيده ، وتصديق رسله وأتباعهم فيما جاؤوا به ( فَفَسَقُواْ ) أي : خرجوا عن طاعة أمر ربهم ، وعصوه وكذبوا رسله .

( فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ ) أي : وجب عليها الوعيد ( فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا )

أي : أهلكناها إهلاكاً مستأصلاً ، وأكد فعل التدمير بمصدره للمبالغة في شدة الهلاك الواقع بهم .

وهذا القول الذي هو الحق في هذه الآية تشهد له آيات كثيرة

كقوله : ( وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ... ) .

فتصريحه جل وعلا بأنه لا يأمر بالفحشاء دليل واضح على أن قوله ( أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ )

أي : أمرناهم بالطاعة فعصوا ، وليس المعنى أمرناهم بالفسق ففسقوا ؛ لأن الله لا يأمر بالفحشاء .

ومن الآيات الدالة على هذا : قوله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ) .

فقوله في هذه الآية ( وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ ... ) الآية : لفظ عام ، في جميع المترفين ، من جميع القرى ،

أن الرسل أمرتهم بطاعة الله فقالوا لهم : ( إنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ) ، وتبجحوا بأموالهم وأولادهم ، والآيات بمثل ذلك كثيرة ...

وهذا القول الصحيح في الآية جارٍ على الأسلوب العربي المألوف ، من قولهم : " أمرتُه فعصاني " ، أي : أمرته بالطاعة فعصى ، وليس المعنى : أمرته بالعصيان ، كما لا يخفى .

القول الثاني في الآية هو : أن الأمر في قوله ( أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ) أمرٌ كوني قدري ، أي : قدَّرنا عليهم ذلك ، وسخرناهم له ؛ لأن كلاًّ ميسرٌ لما خُلق له

والأمر الكوني القدري كقوله ( وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحِ بِالْبَصَرِ )

وقوله : ( فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ )

وقوله ( أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً )

وقوله ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) .

القول الثالث في الآية : أن ( أَمَرْنَا ) بمعنى : أَكْثرنا

أي : أكثرنا مترفيها ، ففسقوا .

وقال أبو عبيدة : ( أَمْرُنَا ) بمعنى : أكثرنا ، لغة فصيحة ، كآمرنا ، بالمد .

وقد علمتَ أن التحقيق الذي دل عليه القرآن : أنَّ معنى الآية : أمَرْنا مترفيها بالطاعة فعصوا أمْرَنا ، فوجب عليهم الوعيد ، فأهلكناهم ، كما تقدم إيضاحه .

تنبيه :

في هذه الآية الكريمة سؤال معروف ، وهو أن يقال : إن الله أسند الفسق فيها لخصوص المترفين دون غيرهم في قوله ( أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا )

مع أنه ذكر عموم الهلاك للجميع، المترفين وغيرهم ، في قوله ( فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ) يعني : القرية ، ولم يستثن منها غير المترفين ؟ .

والجواب من وجهين :

الأول : أن غير المترفين تبع لهم ، وإنما خص بالذكر المترفين الذين هم سادتهم وكبراؤهم لأن غيرهم تبع لهم ، كما قال تعالى : ( وَقَالُواْ رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاْ )

وكقوله ( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ )

وقوله : ( حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا )

وقوله تعالى : ( وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَىْءٍ )

وقوله : ( وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِى النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّارِ )

إلى غير ذلك من الآيات .

الوجه الثاني : أن بعضهم إن عصى الله ، وبغى ، وطغى ، ولم ينههم الآخرون : فإن الهلاك يعم الجميع

كما قال تعالى : ( وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً )

وفي الصحيح من حديث أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها : أنها لما سمعت النَّبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شرٍّ قد اقتربْ ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه )

وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها ، قالت له : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟

قال : ( نعم ، إذا كثر الخبث )

" أضواء البيان " ( 3 / 75 – 79 ) باختصار .

وبه يتبين أنه لا يتعلق بتلك الآية لتشكيك الناس في أمر دينهم ، أو الطعن في كتاب ربهم ، إلا جاهل بلغة العرب ، جاهل بكتاب الله ، جاهل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

والله أعلم

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-03-14, 18:45
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


هل أٌبيح للنبي صلى الله عليه وسلم التزوج على نسائه قبل وفاته ؟

السؤال

سمعتُ أنَّ الله قد حرَّم على النَّبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج على نسائه أخريات ، وحرَّم عليه أيضاً أن يطلقهن ، ثم بعد ذلك نسخ الحكم ، وأحل الله له أن يتزوج عليهن ، وأن يطلقهن

فهل هذا صحيح ؟ .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

اختلف العلماء رحمهم الله في مسألة حكم تزوج النبي صلى الله عليه وسلم على نسائه التسع ، هل هو على الإباحة أن ينكح من يشاء ، أو هو ممنوع ؟ .

والذي يظهر – والعلم عند الله – أن الله تعالى منع نبيه صلى الله عليه وسلم من التزوج على نسائه رضي الله عنهن أولاً

بقوله تعالى ( لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً ) الأحزاب/ 52

إكراماً لنسائه ؛ لأنهن اخترن الله ورسله والدار الآخرة عندما خيَّرهن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم نُسخ هذا الحكم المانع بحكم آخر يبيح له صلى الله عليه التزوج بغيرهن ؛ وذلك إكراماً للنبي صلى الله عليه وسلم .

ثم أكرم النبي صلى الله عليه وسلم نساءَه بأن لم يتزوج عليهنَّ ، فكانت المنَّة له عليهن بذلك .

ثانياً:

اختلف العلماء فيما نسخ ذلك المنع ، على ثلاثة أقوال :

1. القول الأول : أن الناسخ هو قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِي

هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الأحزاب/ 50 .

ولا يشكل كون الآية الناسخة قبل المنسوخة في المصحف ؛ إذا العبرة بالنزول وليس بالتدوين والكتابة ، وثمة موضع آخر –

عند الجمهور – يشبه هذا ، ولم يستنكروا كون الآية الناسخة قبل المنسوخة في ترتيب المصحف

والآيتان هما : قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) البقرة/ 234 ,
وهي ناسخة – عند الجمهور -

لقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ) البقرة/ 240 .

قال القرطبي – رحمه الله - :

ويبيِّن لك أن اعتراض هذا المعترض لا يلزم : أن قوله عز وجل ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج ) منسوخة على قول أهل التأويل - لا نعلم بينهم خلافاً

- بالآية التي قبلها ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً ) .

" تفسير القرطبي " ( 14 / 218 ، 219 ) .

وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله - :

قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) ,

هذه الآية يظهر تعارضها مع قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ )

والجواب ظاهر ، وهو : أن الأولى ناسخة لهذه , وإن كانت قبلها في المصحف ؛ لأنها متأخرة عنها في النزول .

وليس في القرآن آية هي الأولى في المصحف وهي ناسخة لآية بعدها إلاّ في موضعين ، أحدهما : هذا الموضع , الثاني : آية ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ) هي الأولى في المصحف

, وهي ناسخة لقوله : ( لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ ) الآية ؛ لأنها تقدمت في المصحف ، فهي متأخرة في النزول , وهذا على القول بالنسخ .

" دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " ( ص 13 ) .

2. القول الثاني : أن الناسخ هو قوله تعالى : ( تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ

فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً ) الأحزاب/ 51 .

وهو قول " الضحَّاك " رحمه الله

كما في " معاني القرآن " للنَّحاس ( 5 / 368 )

وهو الذي رجَّحه النووي رحمه الله ، كما في " شرح مسلم " ( 10 / 50 ) ،

وقال : " قال أصحابنا : الأصح : أنه صلى الله عليه وسلم ما توفي حتى أبيح له النساء مع أزواجه " انتهى .

وهو – كذلك – ترجيح الشيخ أبي بكر الجزائري حفظه الله

كما في كتابه : " أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير " ( 4 / 284 ) .

3. القول الثالث : أن الذي نسخ المنع هو السنَّة النبوية :

عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ الله عَنْها : " مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أُحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ " .

رواه الترمذي (3216) وقال : حسن صحيح ، والنسائي (3204) .

وروي عن أم سلمة رضي الله عنها بلفظ : " لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحلّ الله له أن يتزوج من النساء ما شاء ، إلا ذات محرم ، وذلك قول الله عز وجل : ( تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ ) " .

لكنَّ الأثر ضعيف لا يصح

فقد أخرجه ابن أبى حاتم في " تفسيره " ( 10 / 3145 )

وفيه : عمر بن أبي بكر الموصلي ، وهو متروك ، فالإسناد ضعيف جدّاً .

ورواه ابن سعد ( 8 / 194 ) من طريق الواقدي ، وهو ضعيف جدّاً .

انظر " بيان مشكل الآثار " ( 1 / 453 ) .

وقد رجح " النحَّاس " هذا القول ، ورأى أن السنَّة هي التي نسخت المنع ، وذكر كونها منسوخة بالقرآن احتمالاً ، لا ترجيحاً

فقال رحمه الله :

وهذا والله أعلم أولى ما قيل في الآية ، وهو وقول عائشة رضي الله عنها واحد في النسخ ، وقد يجوز أن تكون عائشة أرادت أحل له ذلك بالقرآن .

" الناسخ والمنسوخ " ( ص 629 ) .

وهو الذي رآه الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله ، وذكر لفتة متينة ، فقال :

قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَك ) الآية

يظهر تعارضه مع قوله : ( لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ ) الآية .

والجواب : أن قوله : ( لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ ) منسوخ بقوله : ( إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَك )

وقد قدمنا في " سورة البقرة " أنه أحد الموضعين اللّذين في المصحف ناسخهما قبل منسوخهما لتقدمه في ترتيب المصحف مع تأخره في النزول - على القول بذلك -

وقيل : إن الآية الناسخة لها هي قوله تعالى : ( تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ ) الآية .

والذي يظهر لنا : أن القول بالنسخ أرجح ، وليس المرجح لذلك عندنا أنه قول جماعة من الصحابة ومَن بعدهم ، منهم : علي ، وابن عباس ، وأنس ، وغيرهم ، ولكن المرجح له عندنا : أنه قول أعلم الناس بالمسألة

أعني أزواجه صلى الله عليه وسلم ؛ لأن حِليَّة غيرهن من الضرات ، وعدمها : لا يوجد مَن هو أشد اهتماماً بهما منهن ، فهن صواحبات القصة

وقد تقرر في علم الأصول أن صاحب القصة يقدَّم على غيره ، ولعل هناك تفريق بين ما إذا كان صاحب القصة راوياً ، وبين كونه مستنبطاً ، كقصة فاطمة بنت قيس في إسقاط النفقة والسكنى

فالحجة معها ، والحديث يؤيدها ، ومع ذلك فعمَر يرد قولها ، ولذلك قدم العلماء رواية ميمونة ، وأبي رافع ( أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال )

على رواية ابن عباس المتفق عليها ( أنه تزوجها مُحْرِماً ) ؛ لأن ميمونة صاحبة القصة وأبا رافع سفير فيها .

فإذا علمت ذلك : فاعلم : أن ممن قال بالنسخ : أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت :

" ما مات صلى الله عليه وسلم حتى أحلَّ الله له النساء "

وأم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها قالت

: " لم يمت صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء إلا ذات محرم " .

أما عائشة : فقد روى عنها ذلك : الإمام أحمد ، والترمذي وصححه ، والنسائي في سننيهما ، والحاكم وصححه ، وأبو داود في " ناسخه " ، وابن المنذر ، وغيرهم .

وأما أم سلمة : فقد رواه عنها : ابن أبي حاتم - كما نقله عنه ابن كثير - ، وغيره .

ويشهد لذلك : ما رواه جماعة عن عبد الله بن شداد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة وجويرية رضي الله عنهما بعد نزول ( لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء )

قال الألوسي في " تفسيره " إن ذلك أخرجه عنه ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، والعلم عند الله تعالى .

" دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " ( ص 68 ، 69 ) .

فالخلاصة :

أن الله تعالى أباح لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يتزوج من يشاء من النساء غير من عنده من التسع ، وكان هذا بعد المنع منه ، ولكنه صلى الله عليه وسلم اقتصر عليهنَّ ؛ إكراماً لهنَّ .

قال الشيخ أبو بكر الجزائري حفظه الله -

في تفسير قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ) - :

هذه الآية من المتقدم في التلاوة المتأخر في النزول ، ونظيرها آيتي الوفاة في " البقرة " على رأي الجمهور ، إذ مضمون هذه الآية التوسعة على الرسول صلى الله عيه وسلم ؛

إكراماً له لما تحمَّله من نكاح زينب ، ثم قصره في الآيات بعد على من تحته من النساء ؛ إكراماً لهن أيضاً ، وذلك في قوله ( لا يحل لك النساء من بعد ) ، ثم لم يُقبض حتى رَفع الله عنه الحظر ؛

إكراماً ؛ وإعلاءً من شأنه ، إذ قالت عائشة : " ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء " .

" أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير " ( 4 / 281 )

وينظر ما قرره الإمام الطحاوي حول ذلك المعنى في كتابه : " بيان مشكل الآثار " ( 1 / 457 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-03-14, 18:55
تفسير قوله تعالى ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة )

السؤال

برجاء التكرم بتفسير الآية رقم 1،2،3 من سورة النور : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين )

الجواب

الحمد لله

اختلف المفسرون في دلالة قوله تعالى : ( الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) النور/3

على تحريم زواج العفيف من المرأة الزانية حتى تتوب ، وتحريم زواج المرأة العفيفة من الرجل الزاني حتى يتوب ، وذلك على قولين :

القول الأول : أنها تدل على التحريم : وهو قول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كما نجد ذلك في " المغني " لابن قدامة (7/108) ، وانتصر له شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم بالأدلة الكثيرة

انظر " مجموع الفتاوى " (15/315) ، (32/113)

" إغاثة اللهفان " (1/65)

ونحوه قول الإمام الشافعي رحمه الله ، إلا أن الشافعي قال بأنها منسوخة ، وأجاز الزواج من الزاني أو الزانية .

يقول رحمه الله :

" اختلف أهل التفسير في هذه الآية اختلافا متباينا ، والذي يشبهه عندنا - والله أعلم - ما قال ابن المسيب : هي منسوخة

نسختها : ( وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ) النور/32.

فهي من أيامى المسلمين . فهذا كما قال ابن المسيب إن شاء الله ، وعليه دلائل من الكتاب والسنة " انتهى.

" الأم " (5/158)

القول الثاني : أنها لا تدل على التحريم أصلا : وهو قول أكثر أهل العلم .

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" هذا خبر من الله تعالى بأن الزاني لا يطأ إلا زانية أو مشركة

أي : لا يطاوعه على مراده من الزنى إلا زانية عاصية أو مشركة لا ترى حرمة ذلك

وكذلك : ( الزانية لا ينكحها إلا زان ) أي : عاص بزناه ، ( أو مشرك ) لا يعتقد تحريمه .

عن ابن عباس رضي الله عنهما : ليس هذا بالنكاح ، إنما هو الجماع ، لا يزني بها إلا زان أو مشرك . وهذا إسناد صحيح عنه ، وقد روي عنه من غير وجه أيضا . وقد روي عن مجاهد

وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وعروة بن الزبير ، والضحاك ، ومكحول ، ومقاتل بن حيان ، وغير واحد ، نحو ذلك "

انتهى. " تفسير القرآن العظيم " (6/9)

وفي مناقشة هذين القولين الكثير من التدقيق والتحرير

وقد شرح ذلك ووضحه العلامة الأمين الشنقيطي في كتابه " أضواء البيان " (5/417-428) ، ننقل كلامه هنا بشيء من التصرف والاختصار :

" من أنواع البيان التي تضمّنها هذا الكتاب المبارك أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً ، ويكون في نفس الآية قرينة دالَّة على عدم صحة ذلك القول ، ومن أمثلة ذلك هذه الآية الكريمة .

وإيضاح ذلك : أن العلماء اختلفوا في المراد بالنكاح في هذه الآية :

فقال جماعة : المراد بالنكاح في هذه الآية : الوطء الذي هو نفس الزنى .

وقالت جماعة أخرى من أهل العلم : إن المراد بالنكاح في هذه الآية هو عقد النكاح .

قالوا : فلا يجوز لعفيف أن يتزوّج زانية كعكسه ، وهذا القول - الذي هو أن المراد بالنكاح في الآية : التزويج لا الوطء - في نفس الآية قرينة تدلّ على عدم صحّته

وتلك القرينة هي ذكر المشرك والمشركة في الآية

لأن الزاني المسلم لا يحلّ له نكاح مشركة

لقوله تعالى : ( وَلاَ تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ )

وقوله تعالى : ( لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ )

وقوله تعالى : ( وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ) وكذلك الزانية المسلمة لا يحلّ لها نكاح المشرك

لقوله تعالى : ( وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ ) ، فنكاح المشركة والمشرك لا يحلّ بحال .

وذلك قرينة على أن المراد بالنكاح في الآية التي نحن بصددها الوطء ، الذي هو الزنى ، لا عقد النكاح ؛ لعدم ملاءمة عقد النكاح لذكر المشرك والمشركة .

اعلم أن العلماء اختلفوا في جواز نكاح العفيف الزانية ، ونكاح العفيفة الزاني

فذهب جماعة من أهل العلم منهم الأئمّة الثلاثة إلى جواز نكاح الزانية مع الكراهة التنزيهية عند مالك وأصحابه ومن وافقهم ، واحتجّ أهل هذا القول بأدلّة :

منها عموم قوله تعالى : ( وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ ) ، وهو شامل بعمومه الزانية والعفيفة ،

عموم قوله تعالى : ( وَأَنْكِحُواْ الايَامَى مِنْكُمْ )، وهو شامل بعمومه الزانية أيضًا والعفيفة

. ومن أدلّتهم على ذلك : حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما : أن رجلاً جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : إن امرأتي لا تردّ يد لامس ، قال : ( غرّبها )

قال : أخاف أن تتبعها نفسي ؟ قال : ( فاستمتع بها ) . قال ابن حجر في " بلوغ المرام " في هذا الحديث ، بعد أن ساقه باللفظ الذي ذكرنا : رواه أبو داود ، والترمذي ، والبزار ورجاله ثقات

وأخرجه النسائي من وجه آخر ، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما ، بلفظ قال : ( طلّقها ) ، قال : لا أصبر عنها ، قال : ( فأمسكها ) اهـ من " بلوغ المرام " .

ثم اعلم أن الذين قالوا بجواز تزويج الزانية والزاني أجابوا عن الاستدلال بالآية التي نحن بصددها ، وهي قوله تعالى : ( الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً )، من وجهين :

الأول : أن المراد بالنكاح في الآية هو الوطء الذي هو الزنى بعينه ، قالوا :

والمراد بالآية تقبيح الزنى وشدّة التنفير منه ؛ لأن الزاني لا يطاوعه في زناه من النساء إلا التي هي في غاية الخسّة لكونها مشركة لا ترى حرمة الزنى أو زانية فاجرة خبيثة .

وعلى هذا القول فالإشارة في قوله تعالى : ( وَحُرّمَ ذالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) راجعة إلى الوطء الذي هو الزنى ، أعاذنا اللَّه وإخواننا المسلمين منه ، كعكسه ، وعلى هذا القول فلا إشكال في ذكر المشركة والمشرك .

الوجه الثاني : هو قولهم : إن المراد بالنكاح في الآية التزويج

إلا أن هذه الآية التي هي قوله تعالى : ( الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً ) الآية منسوخة بقوله تعالى : ( وَأَنْكِحُواْ الايَامَى مِنْكُمْ) وممن ذهب إلى نسخها بها : سعيد بن المسيّب ، والشافعي .

وقال القرطبي في تفسير هذه الآية

: وقد روي عن ابن عباس وأصحابه أن النكاح في هذه الآية : الوطء .

وابن عباس رضي اللَّه عنهما من أعلم الصحابة بتفسير القرءان العظيم ، ولا شكّ في علمه باللغة العربية

فقوله في هذه الآية الكريمة بأن النكاح فيها هو الجماع لا العقد يدلّ على أن ذلك جار على الأسلوب العربي الفصيح ، فدعوى أن هذا التفسير لا يصحّ في العربية ، وأنه قبيح ، يردّه قول البحر ابن عباس
.
وقالت جماعة أخرى من أهل العلم : لا يجوز تزويج الزاني لعفيفة ولا عكسه ، وهو مذهب الإمام أحمد ، وقد روي عن الحسن وقتادة ، واستدلّ أهل هذا القول بآيات وأحاديث :

فمن الآيات التي استدلّوا بها هذه الآية التي نحن بصددها

وهي قوله تعالى : ( الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرّمَ ذالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ )، قالوا : المراد بالنكاح في هذه الآية : التزويج

وقد نصّ اللَّه على تحريمه في قوله : ( وَحُرّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) قالوا : والإشارة بقوله : ( ذلِكَ ) ، راجعة إلى تزويج الزاني بغير الزانية أو المشركة ، وهو نصّ قرءاني في تحريم نكاح الزاني العفيفة ، كعكسه .

ومن الآيات التي استدلّوا بها قوله تعالى : ( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ )

قالوا : فقوله : ( مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ )

أي : أعِفَّاء غير زناة . ويفهم من مفهوم مخالفة الآية أنه لا يجوز نكاح المسافح الذي هو الزاني لمحصنة مؤمنة ، ولا محصنة عفيفة من أهل الكتاب

وقوله تعالى : ( فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَءاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَات غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ )، فقوله : ( مُحْصَنَات غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ )

أي : عفائف غير زانيات ، ويفهم من مفهوم مخالفة الآية

أنهن لو كنّ مسافحات غير محصنات ، لما جاز تزوّجهن .

ومن أدلّة أهل هذا القول أن جميع الأحاديث الواردة في سبب نزول آية ( الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ) كلّها في عقد النكاح وليس واحد منها في الوطء

والمقرّر في الأصول أن صورة سبب النزول قطعية الدخول . وأنه قد جاء في السنّة ما يؤيّد صحّة ما قالوا في الآية ، من أن النكاح فيها التزويج ، وأن الزاني لا يتزوّج إلا زانية مثله

فقد روى أبو هريرة عن رسول اللَّه ( صلى الله عليه وسلم ) أنّه قال : ( الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله ) ، وقال ابن حجر في بلوغ المرام في حديث أبي هريرة هذا : رواه أحمد ، وأبو داود ورجاله ثقات .

وأمّا الأحاديث الواردة في سبب نزول الآية :

فمنها ما رواه عبد اللَّه بن عمرو بن العاص أن رجلاً من المسلمين استأذن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في امرأة يقال لها أُمّ مهزول ، كانت تسافح ، وتشترط له أن تنفق عليه

قال : فاستأذن النبيّ صلى الله عليه وسلم أو ذكر له أمرها ، فقرأ عليه نبيّ اللَّه : ( وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ). رواه أحمد .

ومنها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه ، عن جده : أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى بمكّة ، وكانت بمكّة بغي يقال لها عناق

وكانت صديقته ، قال : فجئت النبيّ صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول اللَّها أنكح عناقًا ؟

قال : فسكت عني ، فنزلت : ( وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ )، فدعاني فقرأها عليّ ، وقال : ( لا تنكحها ) . رواه أبو داود ، والنسائي والترمذي وقال : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه .

قالوا : فهذه الأحاديث وأمثالها تدلّ على أن النكاح في قوله : ( الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً )، أنه التزويج لا الوطء ، وصورة النزول قطعية الدخول ؛ كما تقرّر في الأصول .

وقال ابن القيّم في ( زاد المعاد ) ، ما نصّه

: وأمّا نكاح الزانية فقد صرّح اللَّه سبحانه وتعالى بتحريمه في سورة ( النور ) ، وأخبر أن من نكحها فهو إما زانٍ أو مشرك ، فإنه إما أن يلتزم حكمه سبحانه

ويعتقد وجوبه عليه أو لا ، فإن لم يلتزمه ، ولم يعتقده فهو مشرك ، وإن التزمه واعتقد وجوبه ، وخالفه فهو زان ، ثم صرح بتحريمه

فقال : ( وَحُرّمَ ذالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ )، ولا يخفى أن دعوى النسخ للآية بقوله : ( وَأَنْكِحُواْ الايَامَى مِنْكُمْ ) من أضعف ما يقال

وأضعف منه حمل النكاح على الزنى . إذ يصير معنى الآية : الزاني لا يزنى إلا بزانية أو مشركة ، والزانية لا يزني بها إلا زان أو مشرك ، وكلام اللَّه ينبغي أن يصان عن مثل هذا

وكذلك حمل الآية على امرأة بغي مشركة في غاية البعد عن لفظها وسياقها ، كيف وهو سبحانه إنما أباح نكاح الحرائر والإماء بشرط الإحصان

وهو العفة ، فقال : (فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَات غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ) فإنما أباح نكاحها في هذه الحالة دون غيرها ، وليس هذا من دلالة المفهوم

فإن الأبضاع في الأصل على التحريم ، فيقتصر في إباحتها على ما ورد به الشرع ، وما عداه فعلى أصل التحريم ، انتهى محل الغرض من كلام ابن القيّم .

وهذه الأدلّة التي ذكرنا هي حجج القائلين بمنع تزويج الزاني العفيفة كعكسه ، وإذا عرفت أقوال أهل العلم ، وأدلّتهم في مسألة نكاح الزانية والزاني ، فهذه مناقشة أدلّتهم :

أمّا قول ابن القيم : إن حمل الزنا في الآية على الوطء ينبغي أن يصان عن مثله كتاب اللَّه

فيردّه أن ابن عباس وهو في المعرفة باللغة العربية وبمعاني القرءان صحّ عنه حمل الزنى في الآية على الوطء ، ولو كان ذلك ينبغي أن يصان عن مثله كتاب اللَّه لصانه عنه ابن عباس

ولم يقل به ولم يخف عليه أنه ينبغي أن يصان عن مثله .

وقال ابن العربي في تفسير ابن عباس للزنى في الآية بالوطء : هو معنى صحيح .

انتهى منه بواسطة نقل القرطبي عنه .

*عبدالرحمن*
2019-03-14, 18:56
وأمّا قول سعيد بن المسيّب والشافعي ، بأن آية : ( الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً )

منسوخة بقوله : ( وَأَنْكِحُواْ الايَامَى مِنْكُمْ ) فهو مستبعد ؛ لأن المقرّر في أصول الشافعي ومالك وأحمد هو أنه لا يصحّ نسخ الخاص بالعام

وأن الخاص يقضى على العام مطلقًا ، سواء تقدم نزوله عنه أو تأخّر

ومعلوم أن آية ( وَأَنْكِحُواْ الأيَامَى مِنْكُمْ ) أعمّ مطلقًا من آية : ( الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً ) فالقول بنسخها لها ممنوع على المقرّر في أصول الأئمة الثلاثة المذكورين

وإنما يجوز ذلك على المقرّر في أصول أبي حنيفة رحمه اللَّه ، كما قدمنا إيضاحه في سورة ( الأنعام ) ، وقد يجاب عن قول سعيد ، والشافعي بالنسخ بأنهما فهماه من قرينة في الآية

وهي أنه لم يقيد الأيامى الأحرار بالصلاح ، وإنما قيّد بالصلاح في أيامى العبيد والإماء ، ولذا قال بعد الآية : ( وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ )

قال مقيّده عفا اللَّه عنه وغفر له :

هذه الآية الكريمة من أصعب الآيات تحقيقًا

لأن حمل النكاح فيها على التزويج ، لا يلائم ذكر المشركة والمشرك ، وحمل النكاح فيها على الوطء لا يلائم الأحاديث الواردة المتعلّقة بالآية ، فإنها تعين أن المراد بالنكاح في الآية : التزويج .

ولا أعلم مخرجًا واضحًا من الإشكال في هذه الآية إلا مع بعض تعسّف ، وهو أن أصحّ الأقوال عند الأصوليين - كما حرّره أبو العباس بن تيمية في رسالته في علوم القرءان

وعزاه لأجلاّء علماء المذاهب الأربعة - هو جواز حمل المشترك على معنييه ، أو معانيه

فيجوز أن تقول : عدا اللصوص البارحة على عين زيد ، وتعني بذلك أنهم عوّروا عينه الباصرة وغوّروا عينه الجارية ، وسرقوا عينه التي هي ذهبه أو فضّته .

وإذا علمت ذلك ، فاعلم أن النكاح مشترك بين الوطء والتزويج ، خلافًا لمن زعم أنه حقيقة في أحدهما ، مجاز في الآخر

كما أشرنا له سابقًا ، وإذا جاز حمل المشترك على معنييه ، فيحمل النكاح في الآية على الوطء

وعلى التزويج معًا ، ويكون ذكر المشركة والمشرك على تفسير النكاح بالوطء دون العقد ، وهذا هو نوع التعسّف الذي أشرنا له ، والعلم عند اللَّه تعالى .

وأكثر أهل العلم على إباحة تزويج الزانية والمانعون لذلك أقلّ ، وقد عرفت أدلّة الجميع
.
واعلم أن الذين قالوا بجواز نكاح العفيف الزانية ، لا يلزم من قولهم أن يكون زوج الزانية العفيف ديوثًا ؛ لأنه إنما يتزوّجها ليحفظها ، ويحرسها

ويمنعها من ارتكاب ما لا ينبغي منعًا باتًّا بأن يراقبها دائمًا ، وإذا خرج ترك الأبواب مقفلة دونها ، وأوصى بها من يحرسها بعده فهو يستمتع بها

مع شدّة الغيرة والمحافظة عليها من الريبة ، وإن جرى منها شىء لا علم له به مع اجتهاده في صيانتها وحفظها فلا شىء عليه فيه ، ولا يكون به ديوثًا ، كما هو معلوم .

والأظهر لنا في هذ المسألة أن المسلم لا ينبغي له أن يتزوّج إلا عفيفة صينة ، للآيات التي ذكرنا والأحاديث ويؤيّده حديث : ( فاظفر بذات الدين تربت بداك ) ، والعلم عند اللَّه تعالى "

انتهى كلام الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى
.
والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-14, 18:59
من يؤتى كتابه بشماله سيؤتاه من وراء ظهره

السؤال

كيف نجمع بين قول الله تعالى: (وأما من أوتي كتابه بشماله) وقوله : (وأما من أوتي كتابه وراء ظهره)؟

الجواب

الحمد لله

"الجمع بينهما أن يقال : يأخذه بشماله لكن تخلع الشمال إلى الخلف من وراء ظهره

والجزاء من جنس العمل

فكما أن هذا الرجل جعل كتاب الله وراء ظهره

أعطي كتابه يوم القيامة من وراء ظهره

جزاءً وفاقاً" انتهى .

"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" رحمه الله (2/42) .

*عبدالرحمن*
2019-03-14, 19:01
لا يقبل التفسير العلمي للقرآن إذا خالف تفسير السلف

السؤال

هل إذا فسر أحد المتأخرين آيات القرآن تفسيراً علمياً الآن

هل نرد تفسيره؛ لأن السلف كان لهم تفسير مخالف لهذا؟

الجواب

الحمد لله

"إذا فسر المتأخرون الآية بتفسير لم يتكلم فيه السابقون، وكان لا يخالف، فإنه يؤخذ به، مثل تفسير كثير من الآيات الكونية بما ثبت الآن مما كان مجهولاً من قبل.

أما إذا كان يخالف ما كان عليه السلف مخالفةً واضحة كتفسير (الاستواء على العرش) بـ(الاستيلاء على العرش)، فهذا يجب أن يُرَدَّ، ولا يجوز قبوله" انتهى .

فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله .

"لقاءات الباب المفتوح" (2/108) .

*عبدالرحمن*
2019-03-14, 19:03
تفسير قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا )

السؤال

ما تفسير قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا) ؟

الجواب

الحمد لله

"الورود في الآية الكريمة: هو المرور على الصراط المنصوب على متن جهنم ، فقد دلت الأحاديث والآثار الكثيرة على أن الصراط ينصب على جهنم ، ويمر الناس عليه على قدر أعمالهم.

ونوصيك بمراجعة تفسير ابن كثير في ذلك؛ لمزيد الفائدة.

وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم" انتهى .

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن قعود ، الشيخ عبد الله بن غديان.

"فتاوى اللجنة الدائمة" (4/258) .

*عبدالرحمن*
2019-03-14, 19:09
تفسير قوله تعالى : ( وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا )

السؤال

في سورة الجن ، الآية (رقم/3) : ( وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ) يكررها النصارى تشكيكا في ديننا

كيف نرد عليهم ردا مفحما ؟

هل المتحدث هنا هم الجن جهلا منهم ؟

أم المقصود بقوله ( جد ) ضد الهزل ؟

الجواب

الحمد لله

هذه الآية من سورة " الجن " ذات الوقع المؤثر في النفوس ، تحكي حديثا صدر عن الجن الذين استمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم ، فآمنوا بالقرآن ، وأسلموا.

قال الله تعالى : ( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا

. يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا . وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا . وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا ) الجن/1-4 .

وظاهر جداً من سياق الآيات :

أن الجن أعلنوا إيمانهم بوحدانية الله ، ورفضهم لما يقوله المشركون من نسبة الصاحبة والولد إلى الله ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .

والجد في الآية معناه : العظمة والجلال ، وليس معناه "أبو الأب" كما فهم هؤلاء المفترون .

قال ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة" (1/364) :

" الجيم والدال أصولٌ ثلاثة : الأوَّل العظمة ، والثاني : الحَظ ، والثالث : القَطْع .

فالأوّل : العظمة : قال الله جلّ ثناؤُه إخباراً عمّن قال : ( وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا ) الجن/3 .

ويقال : " جَدَّ الرجُل في عَينِي " أي : عَظُم ، قال أنسُ بنُ مالكٍ : ( كان الرجلُ إذا قرأ سورةَ البقرة وآلِ عِمرانَ جَدَّ فينا ) أي : عَظُم في صُدورِنا .

والثاني : الغِنَى والحظُّ : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه : ( لا يَنْفَع ذا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ ) يريد : لا ينفَعُ ذا الغنى منك غِناه ، إنّما ينفعه العملُ بطاعتك .

والثالث : يقال : جَدَدت الشيءَ جَدّاً ، وهو مجدودٌ وجَديد ، أي : مقطوع " انتهى .

وانظر : "لسان العرب" (3/107) .

فتفسير عبارة الجن التي حكاها الله عنهم : ( وأنه تعالى جد ربنا ) كتفسير دعاء استفتاح الصلاة أيضا : ( سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، تَبَارَكَ اسْمُكَ ، وَتَعَالَى جَدُّكَ ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ )

رواه مسلم موقوفا عن عمر (399) .

والمقصود في كل منهما : تعالت وارتفعت عظمة الله تعالى ، وكبرياؤه ، وعزته ، ونحو ذلك من المعاني التي فيها تعظيم الله تعالى وإجلاله .

لذلك حكى ابن الجوزي في "زاد المسير" (8/378) الأقوال في تفسير الآية ، فقال :

" للمفسرين في معنى : ( تعالى جَدُّ ربِّنا ) سبعة أقوال :

أحدها : قدرة ربنا ، قاله ابن عباس .

والثاني : غنى ربنا ، قاله الحسن

. والثالث : جلال ربنا ، قاله مجاهد وعكرمة .

والرابع : عظمة ربنا ، قاله قتادة .

والخامس : أمر ربنا ، قاله السُّدِّي

. والسادس : ارتفاعُ ذِكْرِه وعظمته ، قاله مقاتل . والسابع : مُلك ربنا وثناؤه وسلطانه ، قاله أبو عبيدة " انتهى .

وهذه المعاني كلها متقاربة وتدل على عظمة الله تعالى وكبريائه .

والمعنى الإجمالي منها في الآية : هو التعبير عن الشعور باستعلاء الله سبحانه وبعظمته وجلاله عن أن يتخذ صاحبة ، أي : زوجة ، وولداً ، بنين أو بنات!

وكانت العرب تزعم أن الملائكة بنات الله ، جاءته من صهر مع الجن! فكذبت الجن هذه الخرافة الأسطورية .

قال ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (14/222) :

"التعالي : شدة العلوّ .

والجَدّ : العظمة والجلال ، وهذا تمهيد وتوطئة لقوله : (ما اتخذ صاحبة ولا ولَداً) ، لأن اتخاذ الصاحبة للافتقار إليها لأنسها وعونها والالتذاذ بصحبتها ، وكل ذلك من آثار الاحتياج

والله تعالى الغني المطلق ، وتعالى جَدّه بغناه المطلق ، والولد يرغب فيه للاستعانة والأنس به . . . وكل ذلك من الافتقار والانتقاص" انتهى .

وقال السعدي في تفسيره (ص 1055) :

"(وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) أي: تعالت عظمته وتقدست أسماؤه، (مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا) فعلموا من جَدِّ الله وعظمته، ما دلهم على بطلان من يزعم أن له صاحبة أو ولدا

لأن له العظمة والكمال في كل صفة كمال، واتخاذ الصاحبة والولد ينافي ذلك، لأنه يضاد كمال الغنى" انتهى

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله :

ما معنى قولنا في دعاء الاستفتاح للصلاة : ( وتعالى جدك ) ؟

الجواب :

" معنى ذلك : تعالى كبرياؤك وعظمتك ، كما قال سبحانه في سورة الجن - عن الجن - أنهم قالوا : ( وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا ) " انتهى .

"فتاوى الشيخ ابن باز" (11/74) .

فتبين من ذلك أن في الآية رداًّ على من نسب لله الصاحبة والولد ، كالمشركين والنصارى ، لأن ذلك يتنافى من عظمة الله وجلاله .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-14, 19:13
من هم حاضرو المسجد الحرام؟

السؤال

قال الله تعالى : (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) البقرة/196

من هم حاضرو المسجد الحرام ؟

هل هم أهل مكة أم أهل الحرم ؟

وما رأيكم فيمن قال : إن المكي لن يتمتع ولن يقرن بدون أهله؟

الجواب

الحمد لله

"هذا الذي ذكره السائل هو جزء من آية ذكرها الله سبحانه وتعالى فيمن تمتع فقال :

(فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ) البقرة/196

وقد اختلف العلماء رحمهم الله في المراد بحاضري المسجد الحرام .

فقيل : هم من كان داخل حدود الحرم ، فمن كان خارج حدود الحرم فليسوا من حاضري المسجد الحرام.

وقيل : هم أهل المواقيت ومن دونهم .

وقيل : هم أهل مكة ومن بينه وبينها دون مسافة القصر .

والأقرب أن حاضري المسجد الحرام هم أهل الحرم .

فمن كان من حاضري المسجد الحرم فإنه إذا تمتع بالعمرة إلى الحج فليس عليه هدي مثل :

لو سافر الرجل من أهل مكة إلى المدينة مثلاً في أشهر الحج ثم رجع من المدينة فأحرم من ذي الحليفة بالعمرة مع أنه قد نوى أن يحج هذا العام فإنه لا هدي عليه هنا

لأنه من حاضري المسجد الحرام ، وكذلك أهل مكة يمكن أن يقرنوا ولكن لا هدي عليهم مثل : أن يكون أحد من أهل مكة في المدينة ثم يحرم من ذي الحليفة في أيام الحج بعمرة وحج قارناً بينهما

فهذا قارن ولا هدي عليه أيضاً ، لأنه من حاضري المسجد الحرام" انتهى .

"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 70، 71) .

وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/389) :

"اختلف أهل العلم في المعنى بـ : (حاضري المسجد الحرام) ، والراجح أنهم أهل الحرم.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .

*عبدالرحمن*
2019-03-14, 19:16
هل يوجد في القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية أن الأرضين سبع؟

السؤال

هل يوجد في القرآن الكريم : الأرضون السبع ، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وفي أي سورة من القرآن الكريم أو حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم؟

الجواب

الحمد لله

"ثبت في القرآن الكريم أن الله تعالى خلق سبع أرضين، كما خلق سبع سماوات

قال سبحانه: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) الطلاق/12

وثبت أيضا في الحديث الصحيح: أن الأرضين سبع، فقد روى البخاري ومسلم

عن سعيد بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين) وفي الصحيحين عن عائشة مرفوعا مثله.

وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .

الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود
.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1/63) .

وقال ابن كثير رحمه الله

في تفسير قوله تعالى : (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) الطلاق/12 ،

قال: "يقول تعالى مخبرا عن قدرته التامة وسلطانه العظيم

ليكون ذلك باعثًا على تعظيم ما شرع من الدين القويم : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ) أي: سبعا أيضا" انتهى .

وقال السعدي رحمه الله :

"أخبر تعالى أنه خلق الخلق من السماوات السبع ومن فيهن ، والأرضين السبع ومن فيهن ..." انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

"وأما الأرض فإنها جاءت بلفظ الإفراد في القرآن، وجاءت في السنة بلفظ الجمع؛ وعددها سبع: جاء ذلك في صريح السنة، وفي ظاهر القرآن؛ ففي ظاهر القرآن: (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ)

لأن المماثلة في الوصف متعذرة؛ فلم يبق إلا العدد" انتهى .

"تفسير سورة البقرة" (3/436) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-14, 19:25
الغلامان الحليم والعليم اللذان بشر بهما إبراهيم عليه السلام

السؤال

بشر الله تعالى إبراهيم عليه السلام بغلام حليم وفي آية أخرى (بغلام عليم) . فهل هو شخص واحد أم شخصان؟

الجواب

الحمد لله

نعم ، بشر الله تعالى إبراهيم عليه السلام بغلام حليم في آية من كتابه في سورة الصافات .

وجاءت البشرى بالغلام العليم في موضعين في القرآن الكريم ، في سورة الذاريات وفي سورة الحجر .

والذي ذهب إليه جمهور المفسرين ـ وهو الصحيح ـ أن الغلام الحليم إسماعيل عليه السلام، والغلام العليم هو إسحاق عليه السلام.

ويدل على صحة هذا القول دليلان :

الأول : أن الغلام العليم جاءت به البشرى لإبراهيم وامرأته وهي سارة ، وابن سارة هو إسحاق .

وأما إسماعيل فهو ابن هاجر جارية إبراهيم .

الدليل الثاني : سياق الآيات ، فإن سياق الآيات ظاهر جداً . للدلالة على هذا القول .

أما البشرى بالغلام الحليم ، فقد قال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام أنه دعا ربه قائلاً :

(رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ *

فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ *

سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ) سورة الصافات/100-113 .

فهذه الآيات تدل على أن الغلام الحليم هو إسماعيل ، لأنه هو الذي أمر إبراهيم بذبحه .

ولا يمكن أن يكون هو إسحاق

لأن الله تعالى بعد أن ذكر قصة الغلام الحليم وهو الذبيح ، بشر إبراهيم بإسحاق

فقال : (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ) وهذا يدل دلالة واضحة على أن الغلام السابق ليس هو إسحاق ، وأيضاً : لأن إسحاق بشر أنه سيكون نبياً فلا يمكن أن يؤمر بذبحه .

ووصف إسماعيل بـ (الحليم) ، مناسب جداً ، فإن الحلم هو العقل

وكمال الرأي ، المتضمن كمال الصبر ، وجوابه عليه السلام لما أخبر بالأمر بذبحه يدل على كمال عقله ، وكمال صبره ، (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ) .

قال ابن كثير رحمه الله :

"وإسماعيل وصف هاهنا بالحليم؛ لأنه مناسب لهذا المقام" انتهى .

وأما الغلام العليم ، فقد قال الله تعالى : (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ *

فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ

* فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ * قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ)الذاريات/24-30 .

وقال تعالى : (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ * وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ

* إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ * قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِي الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) الحجر/49-4 .

فآيات سورة الذاريات تدل على أن هذا الغلام العليم سيكون من امرأته ، وامرأته هي سارة ، وابنها هو إسحاق .
بل جاءت هذه البشرى في سورة هود صريحة بأنه إسحاق .

قال الله تعالى : (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ * فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ *

وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَاوَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ *

قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ * فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) هود/96-75 .

فسياق هذه الآيات موافق لسياق آيات سورة الذاريات ، مما يدل على أن المبشر به في السورتين هو شخص واحد وهو إسحاق عليه السلام .

وانفرد مجاهد رحمه الله

وقال : الغلام العليم هو إسماعيل ، ولم يوافقه أحد من العلماء على هذا القول ، بل حكموا بضعفه ورده .

وهذه طائفة من أقوال العلماء ، في أن الغلام الحليم هو إسماعيل ، والغلام العليم هو إسحاق عليه السلام .

قال ابن جرير الطبري (9/7626) :

"( قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ ) يعني: بإسحاق ، و (عليم) بمعنى عالم إذا كبر.

ورُوي عن مجاهد في قوله : ( بِغُلامٍ عَلِيمٍ ) قال: إسماعيل.

وإنما قلت (ابن جرير) : عنى به إسحاق، لأن البشارة كانت بالولد من سارّة، وإسماعيل لهاجَر لا لسارّة" انتهى باختصار .
وقال ابن كثير (4/299) :

"(وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) وهو إسحاق، عليه السلام، كما تقدم في سورة هود" انتهى .

واختار القرطبي أيضاً أن المراد بـ "الغلام العليم" هو إسحاق عليه السلام ، فقال :

"(وبشروه بغلام عليم) أي بولد يولد له من سارة زوجته....

"ومعنى (عليم) أي : يكون بعد بلوغه من أولي العلم بالله وبدينه.

والجمهور على أن المبشَّر به هو إسحق .

وقال مجاهد وحده: هو إسماعيل ، وليس بشيء ، فإن الله تعالى يقول: (وبشرناه بإسحق).
وهذا نص" انتهى .

"تفسير القرطبي" (19/494) .

يشير القرطبي بذلك إلى أن آيات الصافات ذكرت البشرى بإسحاق بعد ذكر البشرى بالغلام الحليم وهو الذبيح، إسماعيل عليه السلام.

وقال في "البحر المحيط" (10/139) :

"(بغلام عليم) : أي سيكون عليماً ، وفيه تبشير بحياته حتى يكون من العلماء . وعن الحسن : عليم نبي؛ والجمهور : على أن المبشر به هو إسحاق بن سارة . وقال مجاهد : هو إسماعيل" انتهى .

وقال الشوكاني في فتح القدير (4/183) :

"(إِنَّا نُبَشّرُكَ بغلام عَلِيمٍ) والعليم : كثير العلم ..... وهذا الغلام : هو إسحاق كما تقدّم في هود" انتهى .

وقال أيضاً (7/46) :

"(وَبَشَّرُوهُ بغلام عَلَيمٍ) أي : بشروه بغلام يولد له كثير العلم عند أن يبلغ مبالغ الرجال

والمبشر به عند الجمهور هو إسحاق . وقال مجاهد وحده : إنه إسماعيل ، وهو مردود بقوله : (وبشرناه بإسحاق) الصافات/112" انتهى .

وقال الطاهر بن عاشور في "التحرير والتنوير" (7/485) :

"(إنا نبشرك بغلام عليم) والغلام العليم : إسحاق عليه السلام ، أي : عليم بالشريعة ، بأن يكون نبياً" .

وقال أيضاً (12/140) :

"(فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ) الغلام الذي بشر به هو الولد الأول الذي ولد له ، وهو إسماعيل لا محالة.

والحليم : الموصوف بالحلم ، وهو اسم يجمع أصالة الرأي ، ومكارم الأخلاق ، والرحمة بالمخلوق .

وهذا الغلام الذي بشر به إبراهيم هو إسماعيل ابنه البكر ، وهذا غير الغلام الذي بشره به الملائكة الذين أرسلوا إلى قَوم لوط

في قوله تعالى : (قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) الذاريات/28 ، فذلك وُصف بأنه (عليم) .

وهذا وصُف بـ (حَلِيمٍ) .

وأيضاً : ذلك كانت البشارة به بمحضر سَارَة أمِّه ، وقد جُعلت هي المبشرة

في قوله تعالى : (فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَاوَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا) هود/72

فتلك بشارة كرامة ، والأولى بشارة استجابة دعائه ، فلما ولد له إسماعيل تحقق أمل إبراهيم أن يكون له وارث من صلبه" انتهى باختصار .

وقال السعدي (ص963):

"(لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) وهو إسحاق عليه الصلاة والسلام، تضمنت هذه البشارة بأنه ذكر لا أنثى (عليم) أي: كثير العلم، وفي الآية الأخرى : (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ)" انتهى .

وقال أيضاً (ص831) :

"فبشرناه بغلام حليم" وهذا إسماعيل بلا شك ، فإنه ذكر بعده البشارة بإسحاق ، ولأن الله تعالى قال في بشراه بإسحاق : (فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب)

فدل على أن إسحاق غير الذبيح ، ووصف الله إسماعيل عليه السلام بالحلم ، وهو يتضمن الصبر وحسن الخلق وسعة الصدر والعفو عمن جنى" انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين في تفسير سورة الذاريات :

"(وبشروه بغلام عليم) البشارة هي الإخبار بما يسر، أي : أخبروه بما يسره وهو الغلام العليم، وكان إبراهيم عليه الصلاة والسلام قد بلغ من الكبر عتيًّا قبل أن يولد له، فبشروه بهذا الغلام، وبشروه بأنه عليم

أي : سيكون عالماً؛ لأن الله تعالى جعله من الأنبياء، والأنبياء هم أعلم الخلق بالله عز وجل وأسمائه وصفاته وأحكامه وأفعاله، وهذا الغلام العليم غير الغلام الحليم

لأن في القرآن أن إبراهيم بُشر بغلام عليم في آيتين من كتاب الله، وبشر بغلام حليم في آية واحدة، وهما غلامان

أما الغلام الحليم فإنه إسماعيل أبو العرب، وأما الغلام العليم فإنه إسحاق أبو بني إسرائيل، ولذلك تجد قصتهما مختلفة، ولقد أبعد عن الصواب، من قال: إن الغلام الحليم هو الغلام العليم

بل ونص صريح في سورة الصافات أنهما غلامان مختلفان

فإن الله تعالى لما ذكر قصة الذبيح في سورة الصافات قال بعدها : (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) فكيف يبشر بمن أمر بذبحه، وكان عنده وبلغ معه السعي

كل هذا مما يدل على أن الغلام الحليم غير الغلام العليم" انتهى .

وقال ابن القيم رحمه الله بعد أن ذكر آيات سورة الصافات وفيها قصة الذبيح الذي هو الغلام العليم :

ثم قال تعالى : (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) الصافات/112

فهذه بشارة من الله تعالى له شكراً على صبره على ما أمر به ، وهذا ظاهر جدا في أن المبشَّر به غير الأول، بل هو كالنص فيه"

انتهى من "زاد المعاد" (1/73) .

وقال أيضاً (1/74) :

" فإن الله سبحانه سمى الذبيح حليما ، لأنه لا أحلم ممن أسلم نفسه للذبح طاعة لربه ، ولما ذكر إسحاق سماه عليما

فقال تعالى : (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ) الذاريات/24، 25

إلى أن قال : (قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ) الذاريات/28 ، وهذا إسحاق بلا ريب لأنه من امرأته وهي المبشرة به ، وأما إسماعيل فمن السُّرِّيّة (يعني : الأمة) ، وأيضا :

فإنهما بشرا به على الكبر واليأس من الولد ، وهذا بخلاف إسماعيل فإنه ولد قبل ذلك" انتهى .

وبهذا يتبين أن الغلام الحليم الذي بشر به إبراهيم هو إسماعيل ، والغلام العليم هو إسحاق ، عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

Ali Harmal
2019-03-14, 19:46
ليس بوسعي إلا ان اقول جزاك الله خيرا اخي عبد الرحمن .

ommaloka
2019-03-15, 16:29
سبحان الله
القرآن نظام حياة متكامل

*عبدالرحمن*
2019-03-15, 17:37
ليس بوسعي إلا ان اقول جزاك الله خيرا اخي عبد الرحمن .



الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخي الفاضل

بارك الله فيك
و جزاك الله عني كل خير

*عبدالرحمن*
2019-03-15, 17:39
سبحان الله
القرآن نظام حياة متكامل

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

فعلا هو كذالك احتي الفاضلة

بارك الله فيكِ
و جزاكِ الله عنا كل خير

*عبدالرحمن*
2019-03-15, 17:42
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


كيف يكون المسلم فتنة للكافر؟

السؤال

يقول الله سبحانه وتعالى: (رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) الممتحنة/5

فكيف يكون المسلم فتنة للذين كفروا؟

الجواب

الحمد لله

"يكون فتنة للذين كفروا بتسلُّط الكفار عليه؛ لأن تسلط الكفار على المؤمن فتنة، حيث إنهم يؤزَرون على ذلك ، ويأثمون عليه، فيكون ذلك فتنة لهم.

ويحتمل أن معنى (فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أي: أن يفتنونا هم عن ديننا

كقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) البروج/10.

والآية تشتمل المعنيين جميعاً؛ لأن المعنيين لا ينافي أحدهما الآخر

والقاعدة في التفسير:

أن الآية إذا احتملت معنيين لا ينافي أحدهما الآخر فإن الواجب حملها على المعنيين جميعاً" انتهى.

فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله .

"لقاءات الباب المفتوح" (2/106).

*عبدالرحمن*
2019-03-15, 17:48
الغيب المطلق لا يعلمه إلا الله

السؤال

أود معرفة كيف يتوافق إخبار القرآن بأنه لا يعلم الغيب إلا الله مع اكتشافي بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا في أحد الأحاديث بأن تنبؤ الجن بما سيحدث في المستقبل يحمل جزءا من الصدق

ثم يدخل الجن به مئات الأكاذيب ويخبرونا بها ، كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى بأن التنجيم يقوم على الأكاذيب " الشمس والقمر هما آيتان فقط من آيات الله " .

فكيف تخبرنا الجن بما سيحدث فى المستقبل مع أنه لا يعلم بذلك إلا الله ؟

الجواب

الحمد لله :

فإن علم الغيب مما استأثر الله تعالى بعلمه كما دلت على ذلك نصوص الكتاب و السنة

فقد قال الله تعالى : ( قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) النمل/65

وقال سبحانه : ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) الأنعام/59 .

وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه المفاتيح بالأمور الخمسة التي وردت في سورة لقمان

في قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) الآية/34

وروى البخاري في صحيحه حديث رقم (4477) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( من حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرأت : وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ) .

ولكن من المهم في هذه المسألة أن نعلم ما هو الغيب الذي استأثر الله تعالى بعلمه فإن الغيب معناه ما كان غائبا ؛ وهذا الغائب إما أن يكون غائبا عن الخلق كلهم - أهل السماء وأهل الأرض - ،

فهذا النوع من الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وهو الذي يسمى بالغيب المطلق .

وإما أن يكون هذا الغائب غائبا عن بعض الخلق ، ومعلوما لخلق آخرين ، فهذا إنما يسمى غيبا بالنسبة للجاهل به ، وليس هو غيبا عن جميع الخلق ، فلا يختص الله عز وجل بعلمه .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

في "شرح العقيدة الواسطية" (ص/158)

: " المراد بالغيب : ما كان غائباً ، والغيب أمر نسبي ، لكن الغيب المطلق علمه خاص بالله " انتهى .

وما يخبر به الكهان ، مما سيقع في المستقبل ليس من علم الغيب في شيء ، وليس من علم الغيب في شيء ، وليس من علم ما في غد

بل هم كذابون في دعاواهم ؛ لكن قد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنهم سرقوا علم ذلك ، مما أوحاه الله على ملائكته

فعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عنها قالت : سَأَلَ أُنَاسٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكُهَّانِ ، فَقَالَ : ( إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ

فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا ، قَالَ : فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنْ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ فَيُقَرْقِرُهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ كَقَرْقَرَةِ الدَّجَاجَةِ فَيَخْلِطُونَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ ) رواه البخاري برقم (7561) .

وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم كيفية استراق الجن لهذه الكلمة فقال : ( وَلَكِنْ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ

ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، ثُمَّ قَالَ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ لِحَمَلَةِ الْعَرْشِ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ

فَيُخْبِرُونَهُمْ مَاذَا قَالَ . قَالَ : فَيَسْتَخْبِرُ بَعْضُ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ بَعْضًا حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ هَذِهِ السَّمَاءَ الدُّنْيَا

فَتَخْطَفُ الْجِنُّ السَّمْعَ فَيَقْذِفُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ وَيُرْمَوْنَ بِهِ فَمَا جَاءُوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ ، وَلَكِنَّهُمْ يَقْرِفُونَ فِيهِ وَيَزِيدُونَ ) رواه مسلم برقم (2229) .

فتبين من هذا أن الجن لا يعلمون الغيب وإنما يسترقون السمع من الكلام الذي تردده الملائكة ، والملائكة أنفسهم لم يكن عندهم شيء من علم ذلك

إلا بعد أن أعلمهم الله عز وجل به ، وبعد علمهم به لم يعد غيبا مطلقا ، وأما قبل ذلك فإنهم كغيرهم من الخلق لايعلمون من الغيب شيئا ، فرجع هذا إلى إخبار الله ، وإعلامه لهم

قال تعالى : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً ) الجن/26 .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" إن أشرف الرسل الملكي وهو جبريل سأل أشرف الرسل البشري وهو محمد عليه الصلاة والسلام قال أخبرني عن الساعة ؟ قال : ( ما المسؤول عنها بأعلم من السائل )

والمعنى : كما أنه لا علم لك بها ، فلا علم لي بها أيضا ) انتهى .

"شرح العقيدة الواسطية" (ص/158) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-03-15, 17:51
قوله تعالى وأطعموا القانع والمعتر

السؤال

يقول الله تعالى : ( وأطعموا القانع والمعتر ) ، مَن هو المعتر ؟

الجواب

الحمد لله

هذه الكلمة جاءت في سياق آيات من سورة الحج

حيث يقول الله عز وجل :

( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

. لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ) الحج/36-37

يقول الحافظ ابن كثير في تفسير المعنى الإجمالي للآية

كما في "تفسير القرآن العظيم" (5/425) - :

" يقول تعالى ممتنا على عباده فيما خلق لهم من البدن ، وجعلها من شعائره ، وهو أنه جعلها تهدى إلى بيته الحرام ، بل هي أفضل ما يهدى إلى بيته الحرام .

وقوله : ( لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ) ، أي : ثواب في الدار الآخرة .

وقال الأعمش ، عن أبي ظِبْيَان ، عن ابن عباس في قوله : ( فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ )

قال : قيامًا على ثلاث قوائم ، معقولةً يدُها اليسرى ، يقول : " بسم الله والله أكبر ، اللهم منك ولك " وكذلك روى مجاهد ، وعلي بن أبي طلحة ، والعَوْفي ، عن ابن عباس ، نحو هذا.

وقوله : ( فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ) قال : ابن أبي نَجِيح

عن مجاهد : يعني : سقطت إلى الأرض " انتهى باختصار .

أما قوله تعالى : ( وأطعموا القانع والمعتر ) : فقد اختلف في تفسيرها أهل العلم على أقوال كثيرة ، اختار الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره (ص/538) منها : أن القانع هو الفقير الذي لا يَسأل

والمعتر : هو الفقير الذي يسأل .

وهو اختيار الطاهر ابن عاشور في تفسيره "التحرير والتنوير" (17/192)

بل هو اختيار أكثر المفسرين .

ويكفي السائل ـ إن شاء الله ـ أن حفظ ذلك ، من جملة الأقوال التي قيلت في تفسيرها .

وأما عن جملة الأقوال التي قيلت فيها

فقال ابن الجوزي في "زاد المسير" (5/433) :

" فيهما ستة أقوال :

أحدها : أن القانع : الذي يسأل ، والمعتر : الذي يتعرض ولا يسأل : رواه بكر بن عبد الله عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، واختاره الفراء .

والثاني : أن القانع : المتعفف ، والمعتر : السائل : رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال قتادة ، والنخعي ، وعن الحسن كالقولين .

والثالث : أن القانع : المستغني بما أعطيته وهو في بيته ، والمعتر : الذي يتعرض لك ويلم بك ولا يسأل : رواه العوفي عن ابن عباس .

والرابع : القانع : أهل مكة ، والمعتر : الذي يعتر بهم من غير أهل مكة : رواه خصيف عن مجاهد .

والخامس : القانع : الجار وإن كان غنيا ، والمعتر الذي يعتر بك : رواه ليث عن مجاهد .

والسادس : القانع : المسكين السائل ، والمعتر : الصديق الزائر : قاله زيد بن أسلم " انتهى باختصار .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-15, 17:56
تفسير قوله تعالى : ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا )

السؤال

ما معنى الآية الكريمة : ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون )

فكيف يسأل الرسول الرسل الذين من قبله ؟

الجواب

الحمد لله

هذه الآية في سورة الزخرف يقول الله عز وجل فيها : ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ ) رقم/45 .

وظاهرها – كما يبدو - أمر النبي صلى الله عليه وسلم بسؤال الرسل الذين بعثوا قبله عن التوحيد

فاستشكل العلماء ذلك إذ كيف يأمره الله بسؤالهم مع الانقطاع الزمني الظاهر بينه وبينهم

فكانت تفسيراتهم على عدة أقوال :

القول الأول :

المقصود أمره بسؤال الرسل والأنبياء الذين صلى بهم ليلة الإسراء .

نقل هذا ابن جرير الطبري في "تفسيره" (21/611) عن ابن عباس ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم

وعزاه القرطبي إلى سعيد بن جبير وقتادة وغيرهم من التابعين ثم قال في "الجامع لأحكام القرآن" (16/95) : " هذا هو الصحيح في تفسير هذه الآية " انتهى .

القول الثاني :

المقصود أن يسأل الأمم التي أرسل إليها الأنبياء من قبله ، وليس سؤال الرسل أنفسهم

قال ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (7/230) :

" قوله : ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ )

أي : جميع الرسل دعوا إلى ما دعوت الناس إليه من عبادة الله وحده لا شريك له ، ونهوا عن عبادة الأصنام والأنداد

كقوله : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) النحل/36 .

قال مجاهد : في قراءة عبد الله بن مسعود : " واسأل الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا " ، وهكذا حكاه قتادة والضحاك والسدي عن ابن مسعود ، وهذا كأنه تفسير لا تلاوة " انتهى .

قال ابن جرير الطبري في تفسيره (21/612-613) :

" وأولى القولين بالصواب في تأويل ذلك قول من قال : عنى به : سل مؤمني أهل الكتابين .

فإن قال قائل : وكيف يجوز أن يقال : سل الرسل ، فيكون معناه سل المؤمنين بهم وبكتابهم ؟

قيل : جاز ذلك من أجل أن المؤمنين بهم وبكتبهم أهل بلاغ عنهم ما أتوهم به عن ربهم

فالخبر عنهم وعما جاءوا به من ربهم ، إذا صحَّ ، بمعنى خبرهم ، والمسألة عما جاءوا به بمعنى مسألتهم إذا كان المسئول من أهل العلم بهم والصدق عليهم

وذلك نظير أمر الله جلّ ثناؤه إيانا برد ما تنازعنا فيه إلى الله وإلى الرسول ، يقول : ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ )

ومعلوم أن معنى ذلك : فردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله ، لأن الرد إلى ذلك رد إلى الله والرسول .

وكذلك قوله : ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا ) إنما معناه : فاسأل كتب الذين أرسلنا من قبلك من الرسل ، فإنك تعلم صحة ذلك من قبلنا ،

فاستغنى بذكر الرسل من ذكر الكتب ، إذ كان معلوما ما معناه " انتهى .

وهناك أقوال أخرى غير قوية يمكن مراجعتها في "تفسير القرطبي" (16/96) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-15, 18:06
شرح قوله تعالى ( الخبيثات للخبيثين ) والتوفيق بينها وبين حال امرأتي نوح ولوط

السؤال

ما تفسير الآية التالية : ( الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات) سورة النور

وكيف نوفق بين الآية وبين ما نسمعه من أنه قد تكون الزوجة صالحة والزوج فاسقاً كأن لا يصلي أو يشرب الخمر ؟ .

الجواب

الحمد لله

أولاً :

قال الله تعالى : ( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) النور/26 .

وقد اختلف المفسرون في معناها على أقوال متقاربة ، لا يناقض بعضها بعضا .

فمن معاني " الخبيث " و " الطيب " في الآية :

1. الخبث والطيب في الأقوال .

فيكون معنى الآية : الكلمات الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال ، وكذا الخبيثون من الناس للخبيثات من القول ، وكذا الكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس ، والطيبون من الناس للطيبات من القول .

وهذا قول عبد الله بن عباس ، ومجاهد بن جبر ، وسعيد بن جبير ، والشعبي ، والحسن البصري ، وحبيب بن أبي ثابت ، والضحاك ، واختاره ابن جرير الطبري .

قال النحاس في كتابه " معاني القرآن " :

وهذا من أحسن ما قيل في هذه الآية .

ودل على صحة هذا القول : قوله تعالى ( أولئك مبرءون مما يقولون ) أي : عائشة وصفوان مبرَّآن مما يقول الخبيثون والخبيثات .

قال الطبري – رحمه الله - :

وأولى هذه الأقوال في تأويل الآية : قول من قال : عنى بالخبيثات : الخبيثات من القول ، وذلك قبيحه وسيئه ، للخبيثين من الرجال والنساء

والخبيثون من الناس للخبيثات من القول ، هم بها أولى ؛ لأنهم أهلها ، والطيبات من القول ، وذلك حسنه وجميله ، للطيبين من الناس ، والطيبون من الناس للطيبات من القول ; لأنهم أهلها وأحقّ بها .

وإنما قلنا هذا القول أولى بتأويل الآية : لأن الآيات قبل ذلك إنما جاءت بتوبيخ الله للقائلين في عائشة الإفك

والرامين المحصنات الغافلات المؤمنات ، وإخبارهم ما خصهم به على إفكهم ، فكان ختم الخبر عن أولى الفريقين بالإفك من الرامي والمرمي به : أشبه من الخبر عن غيرهم .

وقوله : ( أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ ) يقول : الطيبون من الناس مبرّءون من خبيثات القول

إن قالوها فإن الله يصفح لهم عنها ، ويغفرها لهم ، وإن قيلت فيهم ضرّت قائلها ولم تضرّهم ، كما لو قال الطيبَ من القول الخبيثُ من الناس لم ينفعه الله به ؛ لأن الله لا يتقبله .. "

" ولو قيلت له لضرّته؛ لأنه يلحقه عارها في الدنيا، وذلها في الآخرة " .

" تفسير الطبري " ( 19 / 144 ، 145 ) .

2. الخبيث والطيب من الأفعال :

ويكون معنى الآية : الأفعال الخبيثات للخبيثين من الرجال ، وكذا الخبيثون من الناس للخبيثات من الأفعال ، وكذا الأفعال الطيبات للطيبين من الناس ، والطيبون من الناس للطيبات من الأفعال .

وهو قول حبيب بن أبي ثابت ، وعطاء بن أبي رباح ، وقتادة ، وروي عن هؤلاء الأئمة أنهم أضافوا الأقوال إلى الأفعال في معنى الآية ؛ فجمعوا بين القولين السابقين .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

قال جمهور السلف : الكلمات الخبيثة للخبيثين ، ومن كلام بعضهم : الأقوال والأفعال الخبيثة للخبيثين .

وقد قال تعالى ( ضرب الله مثلاً كلمة طيبة )

( ومثل كلمة خبيثة ) ، وقال الله : ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) ، والأقوال والأفعال صفات القائل الفاعل ، فإذا كانت النفس متصفة بالسوء والخبث : لم يكن محلها ينفعه إلا ما يناسبها .

" مجموع الفتاوى " ( 14 / 343 ) .

3. الخبث والطيب من الأشخاص في النكاح :

ويكون معنى الآية : الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال ، وكذا الخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء ، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال ، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء .

وهو قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وقال :

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيِّباً ، وكان أولى بأن يكون له الطيبة ، وكانت عائشة الطيبة , وكانت أولى بأن يكون لها الطيب .

قال القرطبي – رحمه الله - :

وقيل : إن هذه الآية مبنية على قوله : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ) النور/3 ، الآية ، فالخبيثات : الزواني ، والطيبات : العفائف ، وكذا الطيبون ، والطيبات .

واختار هذا القول النحاس أيضاً ، وهو معنى قول ابن زيد .

" تفسير القرطبي " ( 12 / 211 ) .

*عبدالرحمن*
2019-03-15, 18:07
ثانياً :

لا إشكال في الآية ، على القول الأول أو الثاني ، ولا تعارض بينها وبين ما ذكر السائل ، ويراه الناس ، من أن الزوجة ربما كانت صالحة والزوج فاسقا ، أو العكس .

وإنما الإشكال – عند بعض الناس – في القول الثالث في مسألتين :

1. ما يرونه من عموم تزوج طيب بفاسقة ، وتزوج فاسق بطيبة .

2. ما ورد بخصوص زوجتي نوح ولوط عليهما السلام ووصف الله لهما بالخيانة ، وما ورد في تزوج امرأة فرعون المؤمنة بفرعون الطاغية .

فيقال هنا : إن معنى الآية ـ على تقدير أن يكون المراد بالخبث والطيب : خبث الأزواج وطيبهم

: أنه لا يليق بالطيب أن يتزوج إلا طيبة مثله ، ولا يليق بالخبيثة إلا خبيث مثلها ، ومن رضي بالخبيثة مع علمه بحالها : فهو خبيث مثلها ، ومن رضيت بخبيث مع علمها بحاله : فهي خبيثة مثله .

قال ابن كثير – رحمه الله - :

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال ، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء ، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال ، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء .

وهذا - أيضاً - يرجع إلى ما قاله أولئك باللازم

أي : ما كان الله ليجعل عائشة زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهي طيبة ؛ لأنه أطيب من كل طيب من البشر ، ولو كانت خبيثة لما صلحت له ، لا شرعاً ولا قَدَراً ؛

ولهذا قال : ( أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ) أي : هم بُعَداء عما يقوله أهل الإفك والعدوان .

( لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ) أي : بسبب ما قيل فيهم من الكذب .

( وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) أي : عند الله في جنات النعيم .

وفيه وعد بأن تكون زوجة النبيّ صلى الله عليه وسلم في الجنة .

" تفسير ابن كثير " ( 6 / 35 ) .

وفي الآية بيان براءة عائشة رضي الله عنها ، حيث زكاها الله تعالى بوصفها بالطيبة لأنها كانت تحت الطيب ، وهو النبي صلى الله عليه وسلم

ولم يكن الله تعالى ليختارها زوجة لنبيه صلى الله عليه وسلم لو كانت خبيثة ! ومن هنا كان الطاعن في عرض عائشة طاعناً في النبي صلى الله عليه ، ومستحقّاً للحكم بالردة والقتل .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

قال أبو السائب القاضي : كنتُ يوماً بحضرة الحسن بن زيد الداعي بطرستان ، وكان يلبس الصوف

ويأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، ويوجِّه في كل سنَة بعشرين ألف دينار إلى مدينة السلام يفرِّق على سائر ولد الصحابة ، وكان بحضرته رجلٌ فذكَر عائشة بذكرٍ قبيحٍ من الفاحشة

فقال : يا غلام اضرب عنقه ، فقال له العلويون: هذا رجل من شيعتنا ، فقال : معاذ الله ، هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم ،

قال الله تعالى : ( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (النور:26)

فإن كانت عائشة خبيثة فالنبي صلى الله عليه وسلم خبيث ، فهو كافر ، فاضربوا عنقه ، فضربوا عنقه ، وأنا حاضر ، رواه اللالكائي

" الصارم المسلول " ( 1 / 568 ) .

والأثر في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة " للالكائي ( 1958 ) .

فلله دره من حاكم ، ونسأل الله تعالى أن يجزيه خير الجزاء ، وأن يكرم نزله بما ذبَّ عن عرض نبينا صلى الله عليه وسلم .

وأما ما كان من زوجتي لوط ونوح عليهما السلام

حيث وصفهما الله تعالى بالخيانة في قوله ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) التحريم/10

فالخيانة هنا هي خيانة في الإيمان .

قال ابن كثير – رحمه الله - :

( فَخَانَتَاهُمَا ) أي : في الإيمان ، لم يوافقاهما على الإيمان ، ولا صدَّقاهما في الرسالة ، فلم يُجْدِ ذلك كلَّه شيئاً ، ولا دفع عنهما محذوراً ؛ ولهذا قال : ( فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ) أي : لكفرهما .

( وَقِيلَ ) أي : للمرأتين : ( ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) .

وليس المراد ( فَخَانَتَاهُمَا ) في فاحشة ، بل في الدين ، فإنَّ نساء الأنبياء معصوماتٌ عن الوقوع في الفاحشة ؛ لحرمة الأنبياء ، كما قدمنا في " سورة النور " .

قال سفيان الثوري عن موسى بن أبي عائشة عن سليمان بن قتة : سمعت ابن عباس يقول في هذه الآية ( فَخَانَتَاهُمَا ) قال : ما زنتا

أما امرأة نوح : فكانت تخبر أنه مجنون ، وأما خيانة امرأة لوط : فكانت تدل قومها على أضيافه .

وقال العَوفي عن ابن عباس قال : كانت خيانتهما أنهما كانتا على عَورتيهما ، فكانت امرأة نُوح تَطَلع على سر نُوح ، فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به

وأما امرأة لوط فكانت إذا أضاف لوط أحداً أخبرت به أهل المدينة ممن يعمل السوء .

وهكذا قال عكرمة ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، وغيرهم .

وقال الضحاك عن ابن عباس : ما بغت امرأة نبي قط ، إنما كانت خيانتهما في الدين .

" تفسير ابن كثير " ( 8 / 171 ) .

وهذه فتوى جامعة من علماء اللجنة الدائمة لكل ما سبق من المسائل نرجو أن تكون نافعة للسائل والقارئ ، وفيها الجواب على القسم الثاني من الإشكال الثاني

وهو بخصوص تزوج امرأة فرعون المؤمنة من فرعون الطاغية .

سئل علماء اللجنة الدائمة :

حدثت مناظرة بيني وبين شخص مسيحي ، وقد فاجأني بقوله لي : هناك آية في القرآن تتضمن قول الله سبحانه وتعالى : ( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ) إلخ الآية

والآية الأخرى تتضمن قوله تعالى ( رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ ) ، ( يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ )

وهناك آية أخرى وهي قوله تعالى ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ .

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ) إلخ الآية ، وأن هناك على حد زعمه تناقضاً

فكيف يقول الله سبحانه وتعالى ( وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ ) إلخ الآية ، بينما زوجات أنبياء الله نوح ولوط خبيثات

وفرعون كما جاء فيه في القرآن وزوجته طيبة ، وحيث ليس لدي جواب مقنع آمل التكرم بإفتائي عن ذلك ، جزاكم الله خيراً .

فأجابوا :

أولاً :

قال الله تعالى : ( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ )

هذه الآية ذُكرت بعد الآيات التي نزلت في قصة الإفك تأكيداً لبراءة عائشة رضي الله عنها مما رماها به عبد الله بن أبيّ بن سلول رأس المنافقين

زوراً وبهتاناً ، وبياناً لنزاهتها ، وعفتها في نفسها ، ومن جهة صلتها برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وللآية معنيان :

الأول : أن الكلمات الخبيثات والأعمال السيئات أولى بها الناس الخبيثون ، والناس الخبثاء أولى وأحق بالكلمات الخبيثات والأعمال الفاحشة

والكلمات الطيبات والأعمال الطاهرة أولى وأحق بها الناس الطيبون ذوو النفوس الأبية والأخلاق الكريمة السامية ، والطيبون أولى بالكلمات والأعمال الصالحات .

والمعنى الثاني : أن النساء الخبيثات للرجال الخبيثين ، والرجال الخبيثون أولى بالنساء الخبيثات ، والنساء الطيبات الطاهرات العفيفات أولى بالرجال الطاهرين الأعفاء

والرجال الطيبون الأعفاء أولى بالنساء الطاهرات العفيفات

والآية على كلا المعنيين دالة على المقصود منها ، وهو نزاهة عائشة رضي الله عنها عمَّا رماها به عبد الله بن أبيّ بن سلول من الفاحشة ومن تبعه ممن انخدع ببهتانه واغتر بزخرف قوله .

ثانياً :

قال الله تعالى ( وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ . قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ )

ومعنى الآيتين :

أن الله تعالى أخبر عن رسوله نوح عليه السلام أنه سأله تعالى أن ينجز له وعده إياه بنجاة ولده من الغرق والهلاك بناء على فهمه من ذلك من

قوله تعالى له ( احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ) فقال :

( فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ) ، وقد وعدتني بنجاة أهلي ، ووعدك الحق الذي لا يخلف وأنت ( أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ) ، ( قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ )

أي : الذين وعدتك بإنجائهم ؛ لأني إنما وعدتك بإنجاء مَن آمن مِن أهلك ، بدليل الاستثناء في قوله تعالى ( إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ) ؛

ولذلك عاتبه الله تعالى على تلك المساءلة وذلك الفهم بقوله : ( يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) ، وبيَّن ذلك بقوله ( إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) ؛ لكفره بأبيه نوح عليه السلام

ومخالفته إياه ، فليس من أهله ديناً ، وإن كان ابناً له من النسب ، قال ابن عباس وغير واحد من السلف رضي الله عنهم : " ما زنت امرأة نبي قط " وهذا هو الحق

فإن الله سبحانه أغْيَر مِن أن يمكِّن امرأة نبي من الفاحشة ؛ ولذلك غضب سبحانه على الذين رموا عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم بالفاحشة

وأنكر عليهم ذلك وبرَّأها مما قالوا فيها ، وأنزل في ذلك قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة .

ثالثاً :

قال الله تعالى : ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا ) الآيتين من سورة التحريم .

بعد أن عاتب الله تعالى أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخاصة عائشة وحفصة رضي الله عنهن جميعاً على ما بدَر منهن مما لا يليق بحسن معاشرة النبي صلى الله عليه وسلم حتى حلف أن يعتزلهن شهراً

وأنكر تعالى عليهن بعض ما وقع منهن من أخطاء في حقه عليه الصلاة والسلام ، وأنذرهن بالطلاق وأن يبدله أزواجاً خيراً منهن :

ختم سورة التحريم بمثلَين : مثل ضربه للذين كفروا بامرأتين كافرتين امرأة نوح وامرأة لوط ، ومثل ضربه للذين آمنوا بامرأتين صالحتين بآسية امرأة فرعون ،

ومريم بنت عمران ؛ إيذاناً بأن الله حكم عدل لا محاباة عنده ، بل كل نفس عنده بما كسبت رهينة ، وحث العباد على التقوى ، وأن يخشوا يوماً يرجعون فيه إلى الله

يوماً لا يجزي فيه والد عن ولده ، ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً ، يوم يفرُّ المرء من أخيه ، وأمه وأبيه ، وصاحبته وبنيه ، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه

يوم لا تزر فيه وازرة وزر أخرى ، وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى ، يوم لا تنفع فيه الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً ء

فبيَّن سبحانه أن امرأة نوح وامرأة لوط كانتا كافرتين ، وكانتا تحت رسوليْن كريميْن من رسل الله ، وكانت امرأة نوح تخونه بدلالة الكفار على مَن آمن بزوجها

وكانت امرأة لوط تدل الكفار على ضيوفه ، إيذاء وخيانة لهما ، وصدّاً للنَّاس عن اتباعهما ، فلم ينفعهما صلاح زوجيهما نوح ولوط ، ولم يدفعا عنهما من بأس الله شيئاً

وقيل لهاتين المرأتين : ادخلا النار مع الداخلين ، جزاءً وفاقاً بكفرهما وخيانتهما ؛ بدلالة امرأة نوح على من آمن به ، ودلالة امرأة لوط على ضيوفه ، لا بالزنى

فإن الله سبحانه لا يرضى لنبي من أنبيائه زوجة زانية ، قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى ( فَخَانَتَاهُمَا ) قال : " ما زنتا "

وقال : " ما بغت امرأة نبي قط إنما كانت خيانتهما في الدين " ، وهكذا قال عكرمة وسعيد بن جبير والضحاك وغيرهم .

وبيَّن الله سبحانه بالمثل الذي ضربه للذين آمنوا بآسية زوجة فرعون ، وكان أعتى الجبابرة في زمانه ، أن مخالطة المؤمنين للكافرين لا تضرهم ، إذا دعت الضرورة إلى ذلك

، ما داموا معتصمين بحبل الله تعالى متمسكين بدينه ، كما لم ينفع صلاحُ الرسولين : نوح ولوط زوجتيهما الكافرتين ،

قال الله تعالى : ( لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً )

ولذلك لم يضر زوجة فرعون كفرُ زوجها وجبروته ، فإن الله حكم عدل لا يؤاخذ أحداً بذنب غيره بل حماها وأحاطها بعنايته وحسن رعايته ، واستجاب دعاءها وبنى لها بيتاً في الجنة

ونجَّاها من فرعون وكيده ، وسائر القوم الظالمين

مما تقدم في تفسير الآيات من أن ابن نوح ليس ابن زنى ، وأن عائشة رضي الله عنها برَّأها الله في القرآن مما رماها به رأس النفاق

ومن انخدع بقوله من المؤمنين والمؤمنات ، وأن كلا من امرأة نوح وامرأة لوط لم تزن وإنما كانتا كافرتين ، ودلت كل منهما الكفار على ما يسوؤهما ويصد الناس عن اتباعهما

وأن زواج المؤمن بالكافرة كان مباحاً في الشرائع السابقة ، وكذا زواج الكافر بالمؤمنة

وأن الله حمى امرأة فرعون من كيده وحفظ عليها دينها ونجاها من الظالمين : يتبين أن الآيات المذكورة متوافقة ، لا متناقضة ، وأن بعضها يؤيِّد بعضاً .

الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان

" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 3 / 270 – 276 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-03-15, 18:12
هل الرفع لدرجة الآباء في الجنة يكون للذرية جميعها صغارها وكبارها ؟

السؤال

قرأتُ أنه من كرم الله سبحانه وتعالى أنه يرفع درجة الأبناء في الجنة إلى درجة آبائهم الأعلى منهم , وعلى هذا الأمر فإن أبناء الصحابة سترفع درجتهم لدرجة آبائهم ، والأحفاد لدرجة الآباء

وهكذا كل جيل يرفع الجيل التالي حتى يصل الأمر لجيلنا فنرتفع لدرجة الصحابة إذا كنا أحفادهم ، مما قد يسبب التهاون بالعمل ونعتمد على هذا الكرم الإلهي ، فما رأيكم ؟

الجواب

الحمد لله

هذا الإشكال الوارد في السؤال يرد عند الحديث على قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ) الطور/21

وقد اختلف أهل التفسير في لفظ " الذرية " هل يراد به : الصغار ، أو الكبار ، فأما من قال إن المراد به الصغار ، فلا إشكال عنده في معنى الآية

وإنما يرد الإشكال في حال كون معنى " الذرية " : الكبار ، والراجح في تفسيرها أنهم الصغار ، وعليه : فلا يرد ما استشكله الأخ السائل ، فالرفع للذرية الصغار ، وإلا للزم كون جميع أهل الجنة في درجة واحدة .

1. قال ابن قيم الجوزية رحمه الله :

" وقد اختلف المفسرون في " الذرية " في هذه الآية ، هل المراد بها : الصغار ، أو الكبار ، أو النوعان ، على ثلاثة أقوال . ....

ثم قال :

واختصاص " الذرية " ههنا بالصغار : أظهر ؛ لئلا يلزم استواء المتأخرين بالسابقين في الدرجات ، ولا يلزم مثل هذا في الصغار ؛ فإن أطفال كل رجل وذريته معه في درجته ، والله أعلم " انتهى .

"حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" (ص 279-281) باختصار .

2. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

" إذا كان الأولاد سعداء ، والأب من السعداء :

فإن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ) يعني : أن الإنسان إذا كان له ذرية

وكانوا من أهل الجنة : فإنهم يَتبعون آباءهم ، وإن نزلت درجتُهم عن الآباء ، ولهذا قال : ( وَمَا أَلَتْنَاهُمْ ) أي : ما نقصنا الآباء ( مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ )

بل الآباء بقي ثوابهم موفَّراً ، ورُفعت الذرية إلى مكان آبائها ، هذا ما لم يَخرج الأبناء عن الذرية بحيث ينفردون بأزواجهم ، وأهليهم ، فيكون هؤلاء لهم فضلهم الخاص ، ولا يلحقون بآبائهم ؛ لأننا لو قلنا :

كل واحد يلحق بأبيه ولو كان له أزواج ، أو كان منفرداً بنفسه : لكان أهل الجنة كلهم في مرتبة واحدة

لأن كل واحد من ذرية من فوقه ، لكن المراد بالذرية : الذين كانوا معه ، ولم ينفردوا بأنفسهم ، وأزواجهم ، وأولادهم ، فهؤلاء يرفعون إلى منزلة آبائهم ، ولا يُنقص الآباء من عملهم من شيء " انتهى .

"فتاوى نور على الدرب" ( شريط 324 ، وجه : أ ) .

3. وقال رحمه الله - أيضاً - :

" ثم قال عز وجل : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) الطور/21

الذين آمنوا واتبعتهم الذرية بالإيمان ، والذرية التي يكون إيمانها تبعاً : هي الذرية الصغار

فيقول الله عز وجل : ( أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) أي : جعلنا ذريتهم تلحقهم في درجاتهم .

وأما الكبار الذين تزوجوا : فهم مستقلون بأنفسهم في درجاتهم في الجنة ، لا يلحقون بآبائهم ؛ لأن لهم ذرية ، فهم في مقرهم

أما الذرية الصغار التابعون لآبائهم : فإنهم يرقَّون إلى آبائهم ، هذه الترقية لا تستلزم النقص من ثواب ودرجات الآباء ، ولهذا قال : ( وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ) ، ( ألتناهم ) يعني : نقصناهم ، يعني : أن ذريتهم تلحق بهم

ولا يقال أخصم من درجات الآباء بقدر ما رفعتم درجات الذرية ، بل يقول : ( وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ) " انتهى
.
"تفسير القرآن من الحجرات إلى الحديد" (ص 187) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-03-15, 18:18
تفسير قوله تعالى ( خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب )

السؤال

ما هو تفسير قوله تعالى : ( يخرج من بين الصلب والترائب )؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

المراد بالآية تذكير الإنسان بأصل نشأته ، وخلقه من ذلك الماء الدافق ، وأن الذي خلقه هذه الخلقة بقدرته ، قادر ـ سبحانه ـ على أن يعيد بعثه للحساب ، مرة أخرى

قال الزمخشري :

" فإن قلت : ما وجه اتصال قوله ( فَلْيَنظُرِ ) بما قبله ؟

قلت : وجه اتصاله به : أنه لما ذكر أن على كل نفس حافظاً ، أتبعه توصيةَ الإنسان بالنظر في أوّل أمره ونشأته الأولى ؛ حتى يعلم أنّ من أنشأه قادر على إعادته وجزائه

فيعملَ ليوم الإعادة والجزاء ، ولا يُملي على حافظه إلا ما يسره في عاقبته "

انتهى من "تفسير الكشاف" .

وإذا كان الصلب هو : الظهر ، باتفاق المفسرين هنا ، وأما الترائب ، فقد اختلف أهل العلم فيما هي ، وأين موضعا
.
قال الإمام الطبري رحمه الله :

" واختلف أهل التأويل في معنى الترائب ، وموضعها :

قال بعضهم : الترائب : موضع القلادة من صدر المرأة " ، وهو مروي عن ابن عباس وعكرمة ، وغيرهما.

وقال آخرون : الترائب : ما بين المنكبين والصدر ، وهو مروى عن مجاهد ، وغيره من السلف .

وقال آخرون : معنى ذلك ، أنه يخرج من بين صلب الرجل ونحره " ، وهو مروى عن قتادة .

وروى ـ أيضا ـ قول من قال : هو اليدان والرجلان والعينان ، ومن قال : هي الأضلاع التي أسفل الصلب ، ومن قال : هي عصارة القلب .

ثم قال – أي : الطبري - رحمه الله : " والصواب من القول في ذلك عندنا ، قولُ من قال: هو موضع القِلادة من المرأة ، حيث تقع عليه من صدرها

لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب ، وبه جاءت أشعارهم ، قال المثقَّب العبدي :

وَمِنْ ذَهَبٍ يُسَنُّ عَلَى تَرِيبٍ... كَلَوْنِ العَاجِ لَيْسَ بِذِي غُضُونِ " انتهى بتصرف .

تفسير الطبري (24/354-356) .

وهذا الذي اختاره إمام المفسرين : من أن المراد به : صلب الرجل ، وترائب المرأة ، وهو موضع القلادة منها

هو الذي اختاره الإمام القرطبي في تفسيره (16/343 ،20/5) ، والحافظ ابن كثير في تفسيره (8/375) ، واختاره أيضا : العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله ، قال :

" اعلم أنه تعالى بين أن ذلك الماء ، الذي هو النطفة ، منه ما هو خارج من الصلب ، أي : وهو ماء الرجل ، ومنه ما هو خارج من الترائب ، وهو ماء المرأة

وذلك قوله جل وعلا : فَلْيَنظُرِ الإنسان مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصلب والترآئب ) الطارق/5-7 لأن المراد بالصلب : صلب الرجل

وهو ظهره ، والمراد بالترائب : ترائب المرأة ، وهي موضع القلادة منها . ومنه قول امرىء القيس :

مُهَفهَفَةٌ بَيضاءُ غَيرُ مُفاضَةٍ تَرائِبُها مَصقولَةٌ كَالسَجَنجَلِ " انتهى .

أضواء البيان (3/194) .

واختار ابن القيم رحمه الله أن المراد صلب الرجل وترائبه ، قال :

" لا خلاف أن المراد بالصلب صلب الرجل . واختلف في الترائب :

فقيل : المراد به ترائبه أيضا ، وهي عظام الصدر ، ما بين الترقوة إلى الثندوة .

وقيل : المراد ترائب المرأة .

والأول أظهر :

1- لأنه سبحانه قال : ( يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ) ولم يقل يخرج من الصلب والترائب ، فلا بد أن يكون ماء الرجل خارجا من بين هذين المختلفين ، كما قال في اللبن : ( يخرج من بين فرث ودم ) .

2- وأيضا فإنه سبحانه أخبر أنه خلقه من نطفة في غير موضع ، والنطفة هي ماء الرجل . كذلك قال أهل اللغة : قال الجوهري : " والنطفة الماء الصافي قل أو كثر ، والنطفة ماء الرجل ، والجمع نطف " .

3- وأيضا فإن الذي يوصف بالدفق والنضح إنما هو ماء الرجل ، ولا يقال نضحت المرأة الماء ولا دفقته " انتهى
.
"إعلام الموقعين" (1/145-146) .

وهو اختيار الشيخ ابن عاشور ، وابن سعدي ، وابن عثيمين ، كما في "لقاء الباب المفتوح" (رقم/45)

وانظر نحوا من ذلك في "اللقاء الشهري" (رقم/45) .

ونقل القرطبي عن الحسن البصري رحمه الله أن

: " المعنى : يخرج من صلب الرجل وترائب الرجل ، ومن صلب المرأة وترائب المرأة " انتهى .

تفسير الطبري (20/4) .

واختار هذا القول الإمام ابنُ جُزي ، رحمه الله ، في تفسيره . انظر : تفسير التسهيل ، لابن جزي (785) .

ثانيا :

ثم السؤال الثاني هو أن الحقائق العلمية المكتشفة اليوم تقول بأن مني الرجل يصنع في الخصية التي تحتوي على الخلايا المهيئة لذلك ، وليس في منطقة الظهر أو الصدر

فكيف يصف القرآن خروج الماء الدافق بأنه من بين الصلب والترائب ؟

والجواب : أن هذا من الإعجاز العلمي لهذا الكتاب العظيم ، فقد اكتشف الطب الحديث أن هذا المكان

– بين الصلب والترائب - هو مكان نشوء الخلايا الأولى للخصية التي تنزل بعد مرحلة من تخلق الجنين إلى كيس الصفن أسفل البطن .

يقول الدكتور محمد دودح :

" والحقيقة العلمية هي أن الأصول الخلوية للخصية في الذكر أو المبيض في الأنثى تجتمع في ظهر الأبوين خلال نشأتهما الجنينية

ثم تخرج من الظهر من منطقة بين بدايات العمود الفقري وبدايات الضلوع ليهاجر المبيض إلى الحوض بجانب الرحم ، وتهاجر الخصية إلى كيس الصفن حيث الحرارة أقل

وإلا فشلت في إنتاج الحيوانات المنوية ، وتصبح معرضة للتحول إلى ورم سرطاني إذا لم تُكمل رحلتها .

والتعبير ( يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ ) يفي بوصف تاريخ نشأة الذرية ، ويستوعب كافة الأحداث الدالة على سبق التقدير والاقتدار والإتقان والإحكام في الخلق ،

منذ تكوين البدايات في الأصلاب وهجرتها خلف أحشاء البطن

ابتداءً من المنطقة بين الصلب والترائب إلى المستقر , وحتى يولد الأبوان ويبلغان ويتزاوجان وتخلق الذرية مما يماثل نطفة ماء في التركيب عديمة البشرية من المني لكنها حية تتدفق ذاتياً لتندمج مع نطفة نظير

فتتكون النطفة الأمشاج من الجنسين .

( خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ . يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ ) .. حقائق علمية تأخر العلم بها والكشف عن معرفتها وإثباتها ثلاثة عشر قرنًا ,

بيان هذا أن صلب الإنسان هو عموده الفقري (سلسلة ظهره) وترائبه هي عظام صدره.. وإذا رجعنا إلى علم الأجنة وجدنا في منشأ خصية الرجل ومبيض المرأة ما يفسر لنا هذه الآيات التي حيرت الألباب ..

فكل من الخصية والمبيض في بدء تكوينهما يجاور الكلى ويقع بين الصلب والترائب ، أي ما بين منتصف العمود الفقري تقريباً ، ومقابل أسفل الضلوع ..

فإذا كانت الخصية والمبيض في نشأتهما وفي إمدادهما بالدم الشرياني وفي ضبط شئونهما بالأعصاب قد اعتمدتا في ذلك كله على مكان في الجسم يقع بين الصلب والترائب

فقد استبان صدق ما نطق به القرآن الكريم وجاء به رب العالمين ، ولم يكشفه العلم إلا حديثاً بعد ثلاثة عشر قرناً من نزول ذلك الكتاب ,

هذا وكل من الخصية والمبيض بعد كمال نموه يأخذ في الهبوط إلى مكانه المعروف ؛ فتهبط الخصية حتى تأخذ مكانها في الصفن ، ويهبط المبيض حتى يأخذ مكانه في الحوض بجوار بوق الرحم ,

وقد يحدث في بعض الأحيان ألا تتم عملية الهبوط هذه فتقف الخصية في طريقها ولا تنزل إلى الصفن فتحتاج إلى عملية جراحية " انتهى .

نقلا عن موقع الإسلام اليوم .

ويقول الدكتور محمد علي البار حفظه الله :

" تقول الآية الكريمة أن الماء الدافق يخرج من بين الصلب والترائب , ونحن قد قلنا أن هذا الماء ( المني ) إنما يتكون في الخصية وملحقاتها

, كما تتكون البويضة في المبيض لدى المرأة , فكيف تتطابق الحقيقة العلمية مع الحقيقة القرآنية ؟

إن الخصية والمبيض إنما يتكونان من الحدبة التناسلية بين صلب الجنين وترائبه , والصلب هو العمود الفقري والترائب هي الأضلاع , وتتكون الخصية والمبيض في هذه المنطقة بالضبط

أي بين الصلب والترائب , ثم تنزل الخصية تدريجيا حتى تصل إلى كيس الصفن (خارج تجويف البطن) في أواخر الشهر السابع من الحمل ، بينما ينزل المبيض إلى حوض المرأة ..

, ومع هذا فإن تغذية الخصية والمبيض بالدماء والأعصاب واللمف تبقى من حيث أصلها

أي من بين الصلب والترائب , فشريان الخصية أو المبيض يأتي من الشريان الأبهر ( الأورطي البطني ) من بين الصلب والترائب , كما أن وريد الخصية يصب في نفس المنطقة

أي بين الصلب والترائب ,

كما أن الأعصاب المغذية للخصية أو للمبيض تأتي من المجموعة العصبية الموجودة تحت المعدة من بين الصلب والترائب , وكذلك الأوعية اللمفاوية تصب في نفس المنطقة ، أي بين الصلب والترائب .

فهل يبقى بعد كل هذا شك أن الخصية أو المبيض إنما تأخذ تغذيتها ودماءها وأعصابها من بين الصلب والترائب !!

فالحيوانات المنوية لدى الرجل أو البويضة لدى المرأة إنما تستقي مواد تكوينها من بين الصلب والترائب ,

كما أن منشأها ومبدأها هو من بين الصلب والترائب , والآية الكريمة إعجاز كامل ، حيث تقول : ( مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ ) , ولم تقل من الصلب والترائب , فكلمة " بَيْنِ " ليست بلاغية فحسب

وإنما تعطي الدقة العلمية المتناهية.

والعلم الحديث يقرر أن الماء الذي لا يقذف ولا يندفع وإنما يسيل.. إنما هو إفرازات المهبل وغدد بارثولين المتصلة به ، وأن هذه الإفرازات ليس لها دخل في تكوين الجنين

وإنما وظيفتها ترطيب المهبل.. ولكن العلم الحديث يكشف شيئا مذهلا ؛ أن الحيوانات المنوية يحملها ماء دافق هو ماء المني , كذلك البويضة في المبيض تكون في حويصلة " جراف " محاطة بالماء

فإذا انفجرت الحويصلة تدفق الماء.. وتلقفت أهداب البوق البويضة لتدخلها إلى قناة الرحم حيث تلتقي بالحيوان المنوي لتكون النطفة الأمشاج.. هذا الماء يحمل البويضة تماما كما يحمل ماء الرجل الحيوانات المنوية ,

كلاهما يتدفق , وكلاهما يخرج من بين الصلب والترائب : من الغدة التناسلية ؛ الخصية أو المبيض .

وتتضح مرة أخرى معاني الآية الكريمة في إعجازها العلمي الرائع : ماء دافق من الخصية يحمل الحيوانات المنوية , وماء دافق من حويصلة " جراف " بالمبيض يحمل البويضة " انتهى .

"خلق الإنسان بين الطب والقرآن" (ص/114-124) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-15, 18:23
معنى قوله تعالى : (وليضربن بخمرهن على جيوبهن)

السؤال

قال الله تعالى : ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) ، ولم يقل على وجوههن ، فدل ذلك على أن وجه المرأة ليس عورة .
الجواب

الحمد لله

لا يصح الاستدلال بقوله تعالى : ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) على عدم وجوب ستر المرأة وجهها ، بل العكس هو الصحيح ، فهذه الآية تدل على وجوب ذلك ، ويبين هذا :

فعل الصحابيات الجليلات من المهاجرات بعد نزول هذه الآية ، فقد شققن أزرهنَّ وغطين بها رؤوسهن ووجوههن ، كما ذكرت ذلك عائشة رضي الله عنها .

فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) : شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا ) رواه البخاري ( 4480 ) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

"قوله : (مروطهن) : جمع مرط ، وهو الإزار ، وفي الرواية الثانية : (أزرهن) ، قوله : (فاختمرن) أي : غطين وجوههن ، وصفة ذلك : أن تضع الخمار على رأسها

وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر ، وهو التقنع" انتهى .

" فتح الباري " ( 8 / 490 ) .

وقال الشنقيطي رحمه الله :

"وهذا الحديث الصحيح صريح في أن النساء الصحابيّات المذكورات فيه فهمن أن معنى قوله تعالى : ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) : يقتضي ستر وجوههن

وأنهن شققن أزرهن فاختمرن ، أي : سترن وجوههن بها ؛ امتثالاً لأمر اللَّه في قوله تعالى : ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) ، المقتضي : ستر وجوههن .

وبهذا يتحقّق المنصف : أن احتجاب المرأة عن الرجال وسترها وجهها عنهم : ثابت في السنَّة الصحيحة ، المفسّرة لكتاب اللَّه تعالى ، وقد أثنت عائشة رضي اللَّه عنها على تلك النساء بمسارعتهن لامتثال أوامر اللَّه في كتابه

ومعلوم أنهن ما فهِمْن ستر الوجوه من قوله : ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ )

إلا من النبيّ صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه موجود ، وهنَّ يسألنه عن كل ما أشكل عليهن في دينهن ، واللَّه جلَّ وعلا يقول : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) ، فلا يمكن أن يفسرنها من تلقاء أنفسهن .
.. .
فالعجب كل العجب ، ممن يدّعي من المنتسبين للعلم أنه لم يرد في الكتاب ولا السنَّة ما يدلّ على ستر المرأة وجهها عن الأجانب

مع أن الصحابيات فعلن ذلك ممتثلات أمر اللَّه في كتابه إيمانًا بتنزيله ، ومعنى هذا ثابت في الصحيح

كما تقدم عن البخاري ، وهذا من أعظم الأدلّة وأصرحها في لزوم الحجاب لجميع نساء المسلمين ، كما ترى" انتهى .

" أضواء البيان " ( 6 / 250 ، 251 ) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-15, 18:30
هل ثمة تعارض بين خلق الجان من نار وبين قوله تعالى ( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) ؟

السؤال

في سؤال يثيره بعض المسيحيين في المنتديات ، وهو الآية القرآنية ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ) الأنبياء/30 ، والآية الأخرى ( وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ ) الرحمن/15

فهل هذا تناقض ؟

الجواب

الحمد لِلَّه

أولا :

أخبرنا الله في كتابه الكريم عن أصل خلق الجن

فقال تعالى : ( وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ ) الحجر/27

وقال تعالى : ( وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ ) الرحمن/15

وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خُلِقَتْ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ ) رواه مسلم (2996)

ثانيا :

يقول سبحانه وتعالى : ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ) الأنبياء/30 .

ولفهم معنى الآية الكريمة فهما صحيحا ، وللوقوف على ما تقتضيه اللغة العربية في ذلك

لا بد من بيان بعض الأمور
:
1- التأمل في سياق الآيات من ضرورات الفهم الصحيح ، ويبدو للقارئ أن سياق هذه الآية في معرض إفحام المشركين بالحجج والبراهين ، والرد على بعض ما يعتقدونه من الباطل .

يقول ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (3/238) :

" يقول تعالى منبها على قدرته التامة وسلطانه العظيم في خلقه الأشياء وقهره لجميع المخلوقات فقال : ( أولم ير الذين كفروا ) أي : الجاحدون لإلهيته

العابدون معه غيره ، ألم يعلموا أن الله هو المستقل بالخلق ، المستبد بالتدبير ، فكيف يليق أن يعبد معه غيره ، أو يشرك به ما سواه ، ألم يروا ( أن السموات والأرض كانتا رتقا )

أي : كان الجميع متصلا بعضه ببعض ، متلاصق متراكم بعضه فوق بعض في ابتداء الأمر ، ففتق هذه من هذه ، فجعل السموات سبعا

والأرض سبعا ، وفصل بين السماء الدنيا والأرض بالهواء ، فأمطرت السماء وأنبتت الأرض

ولهذا قال : ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ )

أي : وهم يشاهدون المخلوقات تحدث شيئا فشيئا عيانا ، وذلك كله دليل على وجود الصانع الفاعل المختار القادر على ما يشاء " انتهى .

إذا فمناسبة سياق المحاججة تقتضي الاستشهاد بآيات ظاهرة يشاهدها المخاطبون ويعايشونها

فكان قوله تعالى : ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) منطلقا من واقعهم الذي يرونه : من حاجتهم وحاجة جميع الحيوانات إلى الماء

أو من تخلقهم وتخلق الحيوانات من ماء التناسل . وليس في هذا السياق تعرض ـ أصلا ـ لعالم الغيب من الملائكة أو الجن أو غيرهم من خلق الله ؛ لأن المحاججة إنما تكون بعالم الشهادة

حتى تكون الحجة أقوى وأبين ، وأما عالم الغيب فقد لا يؤمن به المخاطب ، فضلا عن أن يعرف كيفية خلقه وما هي مكوناته ، وعلى هذا يكون الجن والملائكة لم يدخلوا في سياق العموم ابتداء .

2- صيغ العموم في اللغة العربية ليست دائما على إطلاق عمومها ، فقد تكون مخصوصة ، بل قال أهل العلم : إن أكثر عمومات القرآن مخصوصة .

وقد جاءت صيغة العموم ( كل ) في بعض الآيات ، ولم تدل على العموم المطلق ، وذلك في قوله تعالى عن الريح التي أ

رسلها لإهلاك قوم عاد : ( تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ )

الأحقاف/25 ، وقوله تعالى عن ملكة سبأ : ( إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ) النمل/23 ، ومن المعلوم أن الريح لم تدمر السماء ولا حتى المساكن ، وأن ملكة سبأ لم تؤت ما أوتيه النبي سليمان عليه السلام .

وعلى هذا ينبغي فهم صيغ العموم في القرآن ، لأنه نزل بلسان عربي مبين ، والعرب تطلق صيغ العموم كثيرا ، وهي تعلم أن ثمة بعض المخصوصات .

فكذلك قوله تعالى : ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) ينبغي تخصيصه بالملائكة ، فإنها قد خلقت من نور ، ولا تحتاج إلى الماء ، ويبقى الجن أيضا في دائرة احتمال التخصيص .

وبهذا يظهر التوافق وعدم التناقض بين الآيات .

يقول الألوسي في "روح المعاني" (7/36) :

" ولا بد من تخصيص العام ، لأن الملائكة عليهم السلام وكذا الجن أحياء ، وليسوا مخلوقين من الماء " انتهى .

وانظر "البحر المحيط" لأبي حيان (8/327) .

ويقول الرازي في تفسيره (11/13) :

" لقائل أن يقول : كيف قال : وخلقنا من الماء كل حيوان ، وقد قال : ( والجآن خلقناه مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السموم ) الحجر/27

وجاء في الأخبار أن الله تعالى خلق الملائكة من النور ، وقال تعالى في حق عيسى عليه السلام : ( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطين كَهَيْئَةِ الطير بِإِذْنِى فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِى ) المائدة/110

وقال في حق آدم : ( خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ) آل عمران/59 .

والجواب : اللفظ وإن كان عاماً إلا أن القرينة المخصِّصَة قائمة ، فإن الدليل لا بد وأن يكون مشاهداً محسوساً ليكون أقرب إلى المقصود

وبهذا الطريق تخرج عنه الملائكة والجن وآدم وقصة عيسى عليهم السلام ؛ لأن الكفار لم يروا شيئاً من ذلك " انتهى .

ونقله الشنقيطي في "أضواء البيان" (4/215) .

3- وخلق الجن من النار هو في أصل خلق الله سبحانه وتعالى لهم ، ثم كان تكاثرهم عن طريق التناسل ، تماما كما أن الله خلق الإنسان بداية من الطين ، ثم بدأ بالتناسل والتكاثر

ولما لم نكن نعرف شيئا عن كيفية تناسل الجن ، يبقى احتمال تناسلهم بماء التناسل قائما ، ومن ينفي الاحتمال يحتاج إلى دليل حسي أو عقلي أو شرعي

وقد لا يوجد ، وقد فسر بعض أهل العلم : ومنهم أبو العالية من السلف

الماءَ الوارد في قوله سبحانه : ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) بماء النطفة التي جعلها الله طريق التناسل في جميع الحيوانات ، فقد يكون الجن يتناسلون بالنطف أيضا .

يقول الشنقيطي في "أضواء البيان" (4/216-217) :

" قوله تعالى : ( وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ )

الظاهر أن ( جَعل ) هنا بمعنى خَلَق ؛ لأنها متعدية لمفعول واحد ؛ ويدل لذلك قوله تعالى في سورة النور : ( والله خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ ) النور/45

واختلف العلماء في معنى : " خلق كل شيء من الماء " :

قال بعض العلماء : الماء الذي خلق منه كل شيء هو النطفة ؛ لأن الله خلق جميع الحيوانات التي تولد عن طريق التناسل من النطف ، وعلى هذا فهو من العام المخصوص.

وقال بعض العلماء : هو الماء المعروف ؛ لأن الحيوانات إما مخلوقة منه مباشرة ، كبعض الحيوانات التي تتخلق من الماء ، وإما غير مباشرة

لأن النطف من الأغذية ، والأغذية كلَّها ناشئة عن الماء ، وذلك في الحبوب والثمار ونحوها ظاهر ، وكذلك هو في اللحوم والألبان والأسماك ونحوها : لأنه كله ناشئ بسبب الماء .

وقال بعض أهل العلم : معنى خَلْقه كل حيوان من ماء : أنه كأنما خلقه من الماء لفرط احتياجه إليه ، وقلة صبره عنه ، كقوله : ( خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ ) " انتهى .

وانظر "زاد المسير" (5/348)

"تفسير القرطبي" (11/248)

"الدر المنثور" (5/626) .


ثالثا :

يظهر جليا لمن يهتم بالجواب عن الشبه التي يطلقها بعض النصارى أنَّ هؤلاء المنشغلين باستخراج هذه الشبه بعيدون كل البعد عن فهم اللغة العربية

بل قد يكونون من الأعاجم الذين لم يدرسوا العربية ، وإنما يريدون العبث ومحاولة الطعن في هذا القرآن العظيم
.
وكل عاقل يدرك أن لا محل لأي تناقض في كتاب الله تعالى ، ليس ذلك فقط لأن الله سبحانه وتعالى قال فيه : ( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ) النساء/82

، بل لأن العرب أصحاب اللسان العربي العالي ، البالغ في الفصاحة والبلاغة القمة العالية

والذي تحداهم القرآن في آيات عديدة أن يجاروا أسلوب القرآن الرفيع ، فلم يستطيعوا إليه سبيلا

لم يَدُر في خلدهم مثل هذه الدعاوى المتنطَّعة في تناقض القرآن ، ولم يخطر لهم مثل هذه الشبه مع شدة تحريهم عن كل مطعن في القرآن .

ويدلك ذلك على الجهل الذي يخيم في أذهان أصحاب الشبه هؤلاء ، وهم لا يشعرون أنهم بشبهاتهم هذه إنما يكشفون عن جهلهم وقلة معرفتهم .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-03-16, 18:13
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


معنى قوله تعالى : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة )

السؤال

هل بوسعكم رجاء توضيح معنى الآية (195:2) : ( وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ) وأنا في حيرة

حيث قرأت في فتوى إلى أن المقصود من إلقاء النفس في التهلكة هو عدم الإنفاق في سبيل الله .

ثم قرأت فتوى أخرى تقول بأن المقصود هو قتل النفس ، وهذا إذا كنت قد أحسنت فهمها ، أرجو الرد .

الجواب

الحمد لله

يتفق أهل العلم من المفسرين والفقهاء وغيرهم على

أن قول الله تعالى : ( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) البقرة/195

أنه وارد في سياق الأمر بالنفقة ، وأنه قد ورد في سبب نزول الآية أن بعضَ الصحابة أرادوا أن يركنوا إلى ضيعاتهم وتجاراتهم ليصلحوها ويتركوا الجهاد في سبيل الله ، فحذرهم الله من ذلك في هذه الآية .

فقد روى الإمام البخاري رحمه الله (4516) عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه قال في هذه الآية : " نزلت في النفقة " انتهى.

وروى الترمذي (2972) عَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ : ( كُنَّا بِمَدِينَةِ الرُّومِ فَأَخْرَجُوا إِلَيْنَا صَفًّا عَظِيمًا مِنْ الرُّومِ ، فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صَفِّ الرُّومِ حَتَّى دَخَلَ فِيهِمْ ، فَصَاحَ النَّاسُ وَقَالُوا :

سُبْحَانَ اللَّهِ ! يُلْقِي بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ ! فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّكُمْ تَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الآيَةَ هَذَا التَّأْوِيلَ ، وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةَ فِينَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ ، لَمَّا أَعَزَّ اللَّهُ الإِسْلامَ

وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ ، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ سِرًّا دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ أَمْوَالَنَا قَدْ ضَاعَتْ ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَزَّ الإِسْلامَ ، وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ ، فَلَوْ أَقَمْنَا فِي أَمْوَالِنَا فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا

فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا قُلْنَا ( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) فَكَانَتْ التَّهْلُكَةُ الإِقَامَةَ عَلَى الأَمْوَالِ وَإِصْلاحِهَا

وَتَرْكَنَا الْغَزْوَ . فَلَمْ يَزَلْ أَبُو أَيُّوبَ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى دُفِنَ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّة )

وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (13)

ومع ذلك ، فإن العلماء - من المتقدمين والمتأخرين - يستدلون بهذه الآية أيضا على النهي عن قتل النفس وإيذائها وإلقائها إلى التهلكة بأي طريقة من طرق التهلكة

آخذين بعموم لفظ الآية ، وبالقياس الجلي ، مقررين بذلك القاعدة الأصولية القائلة : " العبرة بعموم اللفظ ، لا بخصوص السبب "

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وأما قصرها عليه – يعني قصر الآية على موضوع ترك النفقة في سبيل الله - ففيه نظر ، لأن العبرة بعموم اللفظ " انتهى.

"فتح الباري" (8/185)

ويقول الشوكاني رحمه الله :

" أي : لا تأخذوا فيما يهلككم .

وللسلف في معنى الآية أقوال .

والحق أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فكل ما صدق عليه أنه تهلكة في الدين أو الدنيا فهو داخل في هذا ، وبه قال ابن جرير الطبري " انتهى.

"فتح القدير" (1/193)

ويدل على ذلك أيضا تنوع تفسيرات السلف لهذه الآية ، فقد ورد عن البراء بن عازب رضي الله عنه أنه اعتبر من يذنب الذنب ثم ييأس من رحمة الله : أنه ألقى بيده إلى التهلكة .

قال ابن حجر في "فتح الباري" (8/33): أخرجه ابن جرير وابن المنذر بإسناد صحيح.

وبهذا يتبين أنه ليس بين الجوابين السابقين تناقض

فالذي جاء في جواب السؤال القادم

بيان لسبب نزول هذه الآية وسياقها .

والذي جاء في جواب السؤال بعد القادم

هو الاستدلال بعموم لفظ الآية

وبيان أنه لا يجوز الإلقاء باليد إلى التهلكة مطلقا ، مهما كان شكل وطريقة هذه التهلكة أو الأذى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-16, 18:20
من عقوبات ترك الجهاد في سبيل الله

السؤال

هل هناك عقوبة معينة يستحقها من ترك الجهاد في سبيل الله ؟.

الجواب

الحمد لله

ورد في الأمر بالجهاد في سبيل الله ، والترهيب من تركه الكثير من الآيات والأحاديث .

وإذا ترك المسلمون الجهاد في سبيل الله ، وآثروا حياة الدعة والراحة

وركنوا إلى الدنيا ، أصابهم الذل والهوان ، وفسدت أمورهم ، وعرضوا أنفسهم لمقت الله تعالى وغضبه . وتعرض الإسلام للضياع ، وطغيان الكفر عليه . ولذلك كان ترك الجهاد من كبائر الذنوب .

قال ابن حجر في "الزواجر" :

(الكبيرة التسعون والحادية والثانية والتسعون بعد الثلاثمائة ترك الجهاد عند تعينه

بأن دخل الحربيون دار الإسلام أو أخذوا مسلماً وأمكن تخليصه منهم . وترك الناس الجهاد من أصله . وترك أهل الإقليم تحصين ثغورهم بحيث يخاف عليها من استيلاء الكفار بسبب ترك ذلك التحصين) اهـ .

ولذلك صار معلوما ومقررا عند الصحابة أنه لا يقعد عن الجهاد إذا كان فرض عين إلا ضعيف معذور أو منافق

وهذا ما يحكيه كعب بن مالك رضي الله عنه حين تخلف عن تبوك : (فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطُفْتُ فِيهِمْ أَحْزَنَنِي أَنِّي لَا أَرَى إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ

أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنْ الضُّعَفَاءِ) . رواه البخاري (4066) ومسلم (4973) .

وقد بينت تلك الأدلة بعض ما يترتب عليه من عقوبات ، فمنها :

1- ترك الجهاد سبب للهلاك في الدنيا والآخرة .

أما في الدنيا فإن الجبان الرعديد يكون ذليلاً مستعبداً تابعا غير متبوع . وأما في الآخرة فترك الجهاد سبب لعذاب الله تعالى .

قال الله تعالى : (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة/195 .

روى الترمذي (2972) عَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ : كُنَّا بِمَدِينَةِ الرُّومِ فَأَخْرَجُوا إِلَيْنَا صَفًّا عَظِيمًا مِنْ الرُّومِ، فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صَفِّ الرُّومِ حَتَّى دَخَلَ فِيهِمْ ، فَصَاحَ النَّاسُ وَقَالُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ! يُلْقِي بِيَدَيْهِ

إِلَى التَّهْلُكَةِ ! فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّكُمْ تَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الآيَةَ هَذَا التَّأْوِيلَ ، وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةَ فِينَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ ، لَمَّا أَعَزَّ اللَّهُ الإِسْلامَ ، وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ

فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ سِرًّا دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ أَمْوَالَنَا قَدْ ضَاعَتْ ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَزَّ الإِسْلامَ ، وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ

فَلَوْ أَقَمْنَا فِي أَمْوَالِنَا فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا قُلْنَا ( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) فَكَانَتْ التَّهْلُكَةُ الإِقَامَةَ عَلَى الأَمْوَالِ وَإِصْلاحِهَا

وَتَرْكَنَا الْغَزْوَ . فَلَمْ يَزَلْ أَبُو أَيُّوبَ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى دُفِنَ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ. وصححه الألباني في صحيح الترمذي .

قال في "تحفة الأحوذي" :

وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِإِلْقَاءِ الْأَيْدِي إِلَى التَّهْلُكَةِ هُوَ الإِقَامَةُ فِي الأَهْلِ وَالْمَالِ وَتَرْكُ الْجِهَادِ اهـ .

2- ترك الجهاد سبب للذل والهوان .

روى أبو داود (3462) عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ

وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلا لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلا لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلا لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود .

ولقد صدق رسولنا صلى الله عليه وسلم ، فإن الناظر إلى أحوال المسلمين اليوم يرى أنهم قد فرطوا في دينهم تفريطا عظيما . . فأكلوا الربا

وركنوا إلى الدنيا ، وتركوا الجهاد في سبيل الله . فماذا كانت النتيجة ؟!!

ألزمهم الله الذل في أعناقهم ، فهم يلجأون إلى الشرق أو الغرب خاضعين ذليلين يطلبون منهم النصر على الأعداء

وما عرف أولئك أن الذل لا يرفع عنهم حتى يرجعوا إلى دينهم كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم .

وصدق الله العظيم : ( بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) النساء/138-139 .

3- وترك الجهاد سبب لنزول العذاب في الدنيا والآخرة .

روى أبو داود (2503) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ لَمْ يَغْزُ ، أَوْ يُجَهِّزْ غَازِيًا ، أَوْ يَخْلُفْ غَازِيًا فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ ، أَصَابَهُ اللَّهُ بِقَارِعَةٍ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ) . حسنه الألباني في صحيح أبي داود .

والقارعة هي الدَاهِيَة المُهْلِكَة التي تأتي فجأة , يقال : قَرَعَهُ أَمْرٌ إِذَا أَتَاهُ فَجْأَة .

وقال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ (38)

إِلا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) التوبة/38-39 .

"وليس العذاب الذي يتهددهم هو عذاب الآخرة فقط ، بل عذاب الدنيا والآخرة ، عذاب الذل الذي يصيب القاعدين عن الجهاد

عذاب الحرمان من الخيرات التي يستفيد منها العدو الكافر ويحرمها أهلها ، وهم مع ذلك كله يخسرون من النفوس والأموال أضعاف ما يخسرون في الجهاد

ويقدمون على مذابح الذل أضعاف ما تتطلبه منهم الكرامة لو قدموا لها الفداء ، وما من أمة تركت الجهاد إلا ضرب الله عليها الذل فدفعت مرغمة صاغرة أضعاف ما كان يتطلبه منها جهاد الأعداء"

اهـ . الظلال (3/1655) .

وقال السعدي رحمه الله ص (532) :

(يا أيها الذين آمنوا) ألا تعملون بمقتضى الإيمان ، ودواعي اليقين ، من المبادرة لأمر الله ، والمسارعة إلى رضاه ، وجهاد أعدائه لدينكم ، فـ ( مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثّاقلتم إلى الأرض )

أي : تكاسلتم ، وملتم إلى الأرض والدعة والكون فيها .

( أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة )

أي : ما حالكم إلا حال من رضي بالدنيا ، وسعي لها ، ولم يبال بالآخرة فإنه ما آمن بها .

( فما متاع الحياة الدنيا ) التي مالت بكم ، وقدمتموها على الآخرة ( إلا قليل ) أفليس قد جعل الله لكم عقولاً ، تزنون بها الأمور وأيها أحق بالإيثار ؟

أفليست الدنيا ـ من أولها إلى آخرها ـ لا نسبة لها في الآخرة .

فما مقدار عمر الإنسان القصير جداً من الدنيا ، حتى يجعله الغاية ، التي لا غاية وراءها فيجعل سعيه ، وكده وهمه وإرادته لا يتعدى الحياة الدنيا القصيرة المملوءة بالأكدار المشحونة بالأخطار .

فبأي رأي رأيتم إيثارها على الدار الآخرة ، الجامعة لكل نعيم التي فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين

وأنتم فيها خالدون . فوالله ما آثر الدنيا على الآخرة من وقر الإيمان في قلبه ، ولا من جزل رأيه ، ولا من عُدَّ من أولى الألباب ، ثم توعدهم على عدم النفير فقال :

(إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً )

في الدنيا والآخرة ، فإن عدم النفير في حال الاستنفار من كبائر الذنوب الموجبة لأشد العقاب ، لما فيه من المضار الشديدة فإن المتخلف قد عصى الله تعالى ، وارتكب لنهيه ، ولم يساعد على نصر دين الله

ولا ذَبَّ عن كتاب الله وشرعه ، ولا أعان إخوانه المسلمين على عدوهم ، الذي يريد أن يستأصلهم ، ويمحق دينهم ، وربما اقتدى به غيره من ضعفاء الإيمان ،

بل ربما فَثّ في أعضاد من قاموا بجهاد أعداء الله ، فحقيق بمن هذا حاله أن يتوعده الله بالوعيد الشديد

فقال : (إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً ) فإنه تعالى متكفل بنصرة دينه وإعلاء كلمته ، فسواء امتثلتم لأمر الله أو ألقيتموه وراءكم ظهرياً .

( والله على كل شيء قدير ) لا يعجزه شيء أراده ، ولا يغالبه أحد اهـ .

نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً . وأن يرفع عنهم الذل والهوان .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-16, 18:24
حكم صيام الحامل التي تتضرر بالصوم

السؤال

هل يجب على الحامل أن تصوم رمضان وعاشوراء ؟

نصحت زوجتي بأن لا تصوم خلال رمضان وهي لم تفعل لأنها كانت حاملاً ، كانت ضعيفة ولديها فقر دم أثناء الحمل .

أجهضت في نهاية رمضان وهي في الأسبوع الثاني عشر( الشهر الثالث) ، فما هو الحكم بالنسبة للأيام التي أفطرت فيها من رمضان ؟ هل يجب أن تقضيهما قبل رمضان القادم ؟

هل يمكن أن تصوم كالمعتاد إذا كانت حامل ؟

تصر دائماً على الصيام أثناء الحمل ، أي إثبات طبي أن الصيام لن يؤذي الجنين أثناء الحمل سيساعد في هذا .

الجواب

الحمد لله

وبعد : فهذا السؤال يتضمن ثلاثة أمور:

الأول : حكم إفطار الحامل في رمضان .

الثاني : ما يترتب على الإجهاض في رمضان .

الثالث : حكم القضاء بعد رمضان .

ـ فأما بالنسبة للحامل : فيَجُوزُ لها أَنْ تُفْطِرَ إنْ خَافَتْ ضَرَرًا بِغَلَبَةِ الظَّنِّ عَلَى نَفْسِهَا أو على نفسها وَوَلَدِهَا ,

وَيَجِبُ ذَلِكَ إذَا خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا هَلَاكًا أَوْ شَدِيدَ أَذًى , وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ بِلا فِدْيَةٍ , وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ .

لقوله تعالى : " ولا تقتلوا أنفسكم "

وقوله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " . وَاتَّفَقُوا كَذَلِكَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ في هذه الحال ; لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ الْخَائِفِ عَلَى نَفْسِهِ .

وإن خافت على جنينها فقط ؛ فذهب بعض العلماء إلى : أنه يجوز لها الفطر ، ويلزمها القضاء والفدية ( وهي إطعام مسكين عن كل يوم) .

لِمَا ورد َ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه في قوله تعالى : وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ قَالَ :

كَانَتْ رُخْصَةً لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ وَهُمَا يُطِيقَانِ الصِّيَامَ أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَالْحُبْلَى وَالْمُرْضِعُ إِذَا خَافَتَا قَالَ أَبُو دَاوُد يَعْنِي عَلَى أَوْلادِهِمَا أَفْطَرَتَا (

أخرجه أبو داود 1947 ) وصححه الألباني في الإرواء ( 4 / 18 ، 25 ) .

(انظر الموسوعة الفقهية 16 / 272 )

وبهذا يتضح أن المرأة إذا كان صيامها سيضرها أو يضر جنينها هذا الضرر البالغ فيجب عليها الفطر ، على أن يكون الطبيب الذي يقرر الضرر طبيبا موثوقا في قوله .

ـ هذا فيما يتعلق بالفطر في رمضان . وأما عاشوراء فصيامه ليس بواجب بالإجماع بل هو مستحب .

ولا يجوز للمرأة أن تصوم النافلة وزوجها حاضر إلا بإذنه وإذا منعها من الصوم لزمها طاعته وخصوصاً إذا كان في ذلك مصلحة للجنين .

ـ وأما بالنسبة للإجهاض :

" فإذا كان الواقع كما ذكرت من إسقاطها الحمل في الشهر الثالث من حملها ، فلا يعتبر الدم الذي يخرج منها دم نفاس , بل هو دم استحاضة

لأن ما نزل منها إنما هو علقة لا يتبين فيها خلق آدمي ، وعلى ذلك فإنها تصلي وتصوم ولو كانت ترى الدم ، لكن تتوضأ لكل صلاة ، وعليها أن تقضي ما أفطرته من أيام ، وما تركته من صلوات . "

( انظر فتاوى اللجنة الدائمة 10 / 218 )

ـ وأما قضاء ما فاتها من أيام :

" فيلزم كل من عليه أيام من رمضان أن يقضيها قبل رمضان القادم ، وله أن يؤخر القضاء إلى شعبان ، فإن جاء رمضان الثاني ولم يقضها من غير عذر أثم بذلك ، وعليه القضاء مستقبلاً مع إطعام مسكين عن كل يوم

كما أفتى بذلك جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ومقدار الطعام نصف صاع عن كل يوم من قوت البلد ، يدفع لبعض المساكين ولو واحداً .

أما إن كان معذوراً في التأخير لمرض أو سفر فعليه القضاء فقط ، ولا إطعام عليه ، لعموم قوله سبحانه : ( ومن كان مريضاً أو على سفر فعدّة من أيام أخر ) والله الموفق "

. ( فتاوى الشيخ ابن باز 15 /340 ).

: الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-03-16, 18:28
تفسير قوله تعالى : ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا )

السؤال

ورد في السورة رقم (76) - سورة " الإنسان " - قوله تعالى : ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ) ما المقصود بقوله تعالى ( الدهر ) ؟

وهل آدم وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام ضِمن المقصود بـ " الإنسان" في الآية ؟

الجواب

الحمد لله

سورة الإنسان تبدأ باستفهام تقريري رفيق مُنَبِّهٍ للقلب ، يوقظه إلى حقيقةِ عدمه قبل أن يكون

ومن الذي أوجده وجعله شيئا مذكورا بعد أن لم يكن ، وجاء على صيغة الاستفهام تشويقا للسامع لينتظر الخطاب الذي يلحقه

فيقول الله تعالى : ( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ) الإنسان/1

وكلمة ( الإنسان ) في الآية تعم كل إنسان ، إذ البشرُ كلهم مخلوقون ، حادثون ، وُجدوا بعد أن كانوا في العدم

ولم يكونوا شيئا يذكر

كقوله سبحانه وتعالى – في شأن النبي زكريا عليه السلام - : ( قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ) مريم/9

يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :

" ذكر الله في هذه السورة الكريمة أول حالة الإنسان ، ومبتدأها ، ومتوسطها ، ومنتهاها ، فذكر أنه مر عليه دهر طويل - وهو الذي قبل وجوده - وهو معدوم ، بل ليس مذكورا " انتهى.

"تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان" (ص/900)

ويقول العلامة الطاهر ابن عاشور رحمه الله :

" المعنى : هل يقر كل إنسان موجود أنه كان معدوما زمانا طويلا ، فلم يكن شيئا يذكر ، أي: لم يكن يُسمَّى ولا يُتحدَّث عنه بذاته ، وتعريف : ( الإنسان ) للاستغراق

مثل قوله : ( إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ) العصر: 2-3 الآية .

أي : هل أتى على كل إنسان حين كان فيه معدوما . و ( الدهر ) : الزمان الطويل " انتهى باختصار.

"التحرير والتنوير" (29/345-346)

ولعل هذا القول – وهو مروي عن ابن عباس وابن جريج – أقرب من القول بتعيين آدم عليه السلام مرادا من قوله ( الإنسان )

فالسياق عام ، ويدل على عمومه الآية التي بعدها

التي يقول الله تعالى فيها : ( إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا )

ومعلوم أن بني آدم هم الذين خلقوا من نطفة أمشاج ، فهو دليل على أن المراد بكلمة ( الإنسان ) في الآية الأولى جميع الناس .

وهذا النفي لوجود الإنسان إنما هو بالنسبة للخلق والواقع ، وبهذا الاعتبار فالنفي يشمل جميع الخلق ، حتى الرسل والأنبياء ، فكلهم كانوا في العدم ثم خلقهم الله تعالى .

أما بالنسبة لذكر الله تعالى وعلمه ، فالبشر كلهم مذكورون في العلم الأزلي

مكتوبون في اللوح المحفوظ ، وللرسل والأنبياء جميعا ذكر خاص في المرتبة العليا ، فهم أفضل البشر ، وذكرهم في علم الله تعالى يناسب رفيع مقام النبوة والرسالة التي وهبهم الله إياها .

*عبدالرحمن*
2019-03-16, 18:37
الجمع بين آية ( والله يعصمك من الناس ) وموته صلى الله عليه وسلم بالسم

السؤال

كيف نوفق بين الآية ( والله يعصمك من الناس ) أي : من القتل

وبين الحديث الذي ترويه عائشة في صحيح البخاري ( يا عائشة ، ما أزال أجد الم الطعام الذي أكلت بخيبر ، فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم ) ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً:

نص الآية : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) المائدة/ 67 .

نص الحديث :

قالت عَائِشَةُ رضى الله عنها : كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِى مَرَضِهِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ : يَا عَائِشَةُ ، مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِى أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ ، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِى مِنْ ذَلِكَ السَّمِّ . رواه البخاري ( 4165 ) .

" الطعام " : هو الشاة المسمومة .

" أوان " : وقت ، وحين .

" أبهَري " : عرق مرتبط بالقلب ، إذا انقطع مات الإنسان .

وأصل القصة :

عَنْ أَنَسٍ أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ

فَأَكَلَ مِنْهَا ، فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ : أَرَدْتُ لأَقْتُلَكَ ، قَالَ : مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ . رواه البخاري ( 2474 ) ومسلم ( 2190 ) .

ثانياً:

يجب أن يَعلم المسلم أنه ليس ثمة تعارض بين نصوص الوحي ، وما يظنه بعض الناس من وجود تعارض بين نصوص الوحي بعضها مع بعض : فهو تعارض في ظاهر الأمر بالنسبة له

وليس تعارضاً في واقع الأمر ، ولذا فإن علماء الإسلام الراسخين لا يعجزهم – بفضل الله وتوفيقه – من بيان أوجه التوفيق بين ما ظاهره التعارض بالنسبة لمن يرى ذلك ممن يخفى عليه وجه الجمع بين تلك النصوص .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :

لا يجوز أن يوجد في الشرع خبران متعارضان من جميع الوجوه ، وليس مع أحدهما ترجيح يقدم به .

" المسودة " ( 306 ) .

وقال ابن القيم - رحمه الله - :

وأما حديثان صحيحان صريحان متناقضان من كل وجه ليس أحدهما ناسخاً للآخر : فهذا لا يوجد أصلاً ، ومعاذ الله أن يوجد في كلام الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم الذي لا يخرج من بين شفتيه إلا الحق .

" زاد المعاد " ( 4 / 149 ) .

وقال ابن القيم - رحمه الله – أيضاً - :

فصلوات الله وسلامه على مَن يصدّق كلامُه بعضه بعضاً ، ويشهد بعضه لبعض ، فالاختلاف ، والإشكال ، والاشتباه إنما هو في الأفهام ، لا فيما خرج من بين شفتيه من الكلام

والواجب على كل مؤمن أن يَكِلَ ما أشكل عليه إلى أصدق قائل ، ويعلم أن فوق كل ذي علم عليم .

" مفتاح دار السعادة " ( 3 / 383 ) .

وقال الشاطبي – رحمه الله - :

كل مَن تحقق بأصول الشريعة : فأدلتها عنده لا تكاد تتعارض ، كما أن كل مَن حقق مناط المسائل : فلا يكاد يقف في متشابه ؛ لأن الشريعة لا تعارض فيها البتة

فالمتحقق بها متحقق بما في الأمر ، فيلزم أن لا يكون عنده تعارض ، ولذلك لا تجد ألبتة دليلين أجمع المسلمون على تعارضهما بحيث وجب عليهم الوقوف

لكن لما كان أفراد المجتهدين غير معصومين من الخطأ : أمكن التعارض بين الأدلة عندهم .

" الموافقات " ( 4 / 294 ) .

وقد برز طوائف من العلماء يتحدون من يزعم وجود تعارض بين نصوص الوحي ؛ ومنهم الإمام ابن خزيمة رحمه الله حيث كان يقول

– كما في " تدريب الراوي " ( 2 / 176 ) -

: " لا أعرف حديثين متضادين ، فمن كان عنده فليأتني به لأؤلف بينهما " .

*عبدالرحمن*
2019-03-16, 18:37
ثالثاً:

ما ذكره الأخ السائل مما ظاهره التعارض بين قوله تعالى ( والله يعصمك من الناس ) مع قوله صلى الله عليه وسلم ( وهذا أوان انقطاع أبهري ) وأنه مات بالسم الذي وضعه له اليهود : فليس بينهما تعارض – بتوفيق الله -

؛ لأن " العصمة " في الآية هي : العصمة من الفتنة ، ومن الضلال ، ومن القتل قبل تبليغ الرسالة ، وكل ذلك قد تحقق له صلى الله عليه وسلم ، وقد عصمه ربه تعالى من كل ذلك

ولم يمت صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن أبلغ رسالة ربه تعالى ، وقد قال تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ) المائدة/ من الآية 3

وقد ذكر بعض العلماء معنى لطيفاً ها هنا ، وهو أن الله تعالى أبى إلا أن يجمع لنبينا صلى الله عليه وسلم بين النبوة والشهادة .

وقد عصم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم من كفار قريش عندما أرادوا قتله في مكة ، وعصمه ربه من القتل في المدينة فيما حضره من غزوات

بل وحتى محاولة اليهود قتله بالسم : فإن الله تعالى قد عصمه منها ، فأخبرته الشاة أنها مسمومة ، ومات الصحابي الذي كان معه ، وأكل منها – وهو بِشْر بْن الْبَرَاء بْن مَعْرُور - ولم يمت صلى الله عليه وسلم

ولا يخالف هذا وجوده أثر ذلك السم ، واعتقاده أنه سيموت بسببه ، وما قاله صلى الله عليه وسلم ليس فيه أن السم هو سبب موته ، بل فيه أنه يشعر به ، وأنه قد يكون هذا هو الموافق لانتهاء أجله .

وبكل حال : فإن العصمة من القتل هي فيما كان قبل تبليغ رسالة ربه ، ولم يمت صلى الله عليه وسلم إلا وقد أبلغها على أكمل وجه

وسياق الآية يدل على ذلك ، حيث أمره ربه تعالى بتبليغ الرسالة ، وأخبره أنه يعصمه من الناس .

ومما يدل على ذلك أيضاً : قوله صلى الله عليه وسلم لليهودية ( مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ ) بعد أن أخبرته أنها أرادت قتله ، وهو نص إما في عصمته من القتل بالسم حتى فارق الدنيا

أو هو نص في ذلك قبل تبليغ الرسالة .

وخلاصة الكلام : أنه إما أن يُقال بأن النبي صلى الله عليه سلم عُصم من القتل بالسم – كما سيأتي في كلام ابن كثير والنووي وغيرهما -

وقد أوحى الله بوجود السم فيها ، وهذا من عصمته له ، أو يقال : إن العصمة هي في أثناء التبليغ لرسالة الإسلام

ولا ينافي ذلك وقوع القتل بعد التبليغ لها – كما سيأتي في كلام القرطبي وابن حجر والعثيمين -

وأن الله تعالى جمع بذلك القتل لنبينا صلى الله عليه وسلم بين النبوة والشهادة ، وجعل ذلك تذكيراً لنا على الدوام بعداوة اليهود لنا ولديننا .

وهذه بعض أقوال علماء الأمة فيما ذكرناه ، وهو يوضح المقصود إن شاء الله .

1. قال ابن كثير – رحمه الله - :

ومِن عصمة الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم : حفْظُه له من أهل مكة ، وصناديدها ، وحسَّادها ، ومُعَانديها ، ومترفيها ، مع شدة العداوة ، والبِغْضة

ونصب المحاربة له ليلاً ، ونهاراً ، بما يخلقه الله تعالى من الأسباب العظيمة بقَدَره ، وحكمته العظيمة ، فصانه في ابتداء الرسالة بعمه أبي طالب

إذ كان رئيساً مطاعاً كبيراً في قريش ، وخلق الله في قلبه محبة طبيعية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا شرعيَّة ، ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارها وكبارها ، ولكن لما كان بينه وبينهم قدر مشترك في الكفر

هابوه ، واحترموه ، فلما مات أبو طالب نال منه المشركون أذى يسيراً ، ثم قيض الله عز وجل له الأنصار ، فبايعوه على الإسلام ، وعلى أن يتحول إلى دارهم - وهي المدينة -

فلما صار إليها حَمَوه من الأحمر والأسود ، فكلما همَّ أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء : كاده الله

ورد كيده عليه ، لما كاده اليهود بالسحر : حماه الله منهم ، وأنزل عليه سورتي المعوذتين دواء لذلك الداء ، ولما سم اليهود في ذراع تلك الشاة بخيبر : أعلمه الله به ، وحماه الله منه ؛ ولهذا أشباه كثيرة جدّاً ، يطول ذِكْرها .

" تفسير ابن كثير " ( 3 / 154 ) .

2. وقال النووي – في شرحه لحديث الشاة المسمومة - :

فيه بيان عصمته صلى الله عليه و سلم من الناس كلهم ، كما قال الله : ( والله يعصمك من الناس ) وهي معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سلامته مِن السم المهلك لغيره

وفي إعلام الله تعالى له بأنها مسمومة ، وكلام عضو منه له ، فقد جاء في غير مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الذراع تخبرني أنها مسمومة ) .

" شرح مسلم " ( 14 / ص 179 ) .

3. وقال ابن الجوزي – رحمه الله – :

قوله تعالى : ( والله يعصمك من الناس ) قال ابن قتيبة : أي : يمنعك منهم ، وعصمة الله : منعه للعبد من المعاصي ، ويقال : طعام لا يعصم ، أي : لا يمنع من الجوع .

فان قيل : فأين ضمان العصمة وقد شُجَّ جبينه ، وكسِرت رَباعيته ، وبولغ في أذاه ؟ : فعنه جوابان :

أحدهما : أنه عصمه من القتل ، والأسرِ ، وتلفِ الجملة ، فأمّا عوارض الأذى : فلا تمنع عصمة الجملة .

والثاني : أن هذه الآية نزلت بعدما جرى عليه ذلك ؛ لأن " المائدة " من أواخر ما نزل .

" زاد المسير " ( 2 / 397 ) .

4. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :

أما ما يصيب الرسل من أنواع البلاء : فإنه لم يُعصم منه عليه الصلاة والسلام , بل أصابه شيء من ذلك ,

فقد جُرح يوم أحد , وكُسرت البيضة على رأسه , ودخلت في وجنتيه بعض حلقات المغفر ,

وسقط في بعض الحفر التي كانت هناك , وقد ضيقوا عليه في مكة تضييقاً شديداً , فقد أصابه شيء مما أصاب من قبله من الرسل , ومما كتبه الله عليه

, ورفع الله به درجاته , وأعلى به مقامه , وضاعف به حسناته , ولكن الله عصمه منهم فلم يستطيعوا قتله

ولا منعه من تبليغ الرسالة , ولم يحولوا بينه وبين ما يجب عليه من البلاغ ، فقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة صلى الله عليه وسلم .

" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 8 / ص 150 ) .

5. وقال القرطبي - رحمه الله - :

ليس في الآية ما ينافي الحراسة ، كما أن إعلام الله نصر دينه وإظهاره ، ما يمنع الأمر بالقتال ، وإعداد العدد .
" المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم " ( 6 / 280 ) .

6. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله - بعد أن ساق كلام القرطبي هذا - :

وعلى هذا فالمراد : العصمة من الفتنة ، والإِضلال ، أو إزهاق الروح ، والله أعلم .

" فتح الباري " ( 6 / 82 ) .

رابعاً:

من الشواهد العملية على عصمته صلى الله عليه وسلم من القتل قبل تبليغ الرسالة :

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةً قِبَلَ نَجْدٍ فَأَدْرَكَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ

فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَعَلَّقَ سَيْفَهُ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا

قَالَ : وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْوَادِي يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ ، قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ رَجُلاً أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ فَأَخَذَ السَّيْفَ فَاسْتَيْقَظْتُ

وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي فَلَمْ أَشْعُرْ إِلا وَالسَّيْفُ صَلْتًا فِي يَدِهِ ، فَقَالَ لِي : مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي ؟

قَالَ : قُلْتُ : اللَّهُ ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّانِيَةِ : مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي ؟ قَالَ : قُلْتُ : اللَّهُ ، قَالَ : فَشَامَ السَّيْفَ فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ ثُمَّ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

رواه البخاري ( 2753 ) ومسلم ( 843 ) .

وفي رواية : فقال : يا محمد من يمنعك مني ؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله يمنعني منك ، ضع السيف ، فوضعه .

قال النووي:

ففيه بيان توكل النبي صلى الله عليه وسلم على الله ، وعصمة الله تعالى له من الناس ، كما قال الله تعالى ( والله يعصمك من الناس ) .

" شرح مسلم " ( 15 / 44 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-03-16, 18:47
الجمع بين آيتي تبشير مريم بعيسى عليه السلام

السؤال

كنت أتكلم إلى واحد من غير المسلمين حين قال أنه يوجد تعارض في القرآن ؛ نعوذ بالله. وأنا أعلم تماما أن هذا إما فساد تصور أو سوء ترجمة لمعاني القرآن.

لكني لم أستطع الرد عليه بالشكل الكافي لقلة علمي. وملخص هذا التعارض الذي ادعاه ما يلي: ذُكر في آية أن العديد من الملائكة بشرت السيدة مريم بميلاد عيسى (الآية 42 من سورة آل عمران)

بينما ذكر في آية أخرى أن الذي بشرها بذلك هو ملك واحد (الآية 17 من سورة مريم)؟

فهل هم ملك واحد أم عدة ملائكة؟

رجاء إزالة هذا اللبس وتفسيره لي.

الجواب

الحمد لله

فقد صدقت في وصفك هذا القول الذي زعم صاحبه أن القرآن متعارض أنه فساد تصور

وهو إما أن يكون لسوء فهم صاحبه أو لعناده

فيبحث عن شبه يهز بها إيمان بعض المسلمين الذين يجهلون دينهم

ولذا فإن النصح مبذول لجميع إخواننا المسلمين : أن لا يتصدى أحد منهم لمناقشة المبطلين قبل أن يتسلح بسلاح العلم الذي يدفع به شبههم

وليترك هذا الأمر لأهله من العلماء الراسخين ، وطلبة العلم المتقنين فربما وردت شبهة على القلب الفارغ فأثرت فيه أعظم الأثر والسلامة لا يعد لها شيء .

وأما عن خصوص هذه المسألة فإنه لا تعارض بين الآيتين والحمد لله

وقد أجاب عنها علماء التفسير قديما إذ قال الرازي في تفسيره عند تفسير آية آل عمران :

(المراد بالملائكة ههنا جبريل وحده وهذا كقوله سبحانه : (ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده ) يعني جبريل ) اهـ.

وهذا ليس غريبا على لغة العرب أن يطلق الجمع ويراد به واحد

وأمثلة هذا كثيرة في القرآن كقوله سبحانه : (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) آل عمران (173)

والمقصود بـ ( الناس ) الأولى : نعيم بن مسعود ، والناس الثانية المقصود به: أبو سفيان وأصحابه وليس المقصود جميع الناس .

قال الإمام ابن عطية في تفسيره المحرر الوجيز : ( وعبر عن جبريل بالملائكة إذ هو منهم فذكر اسم الجنس كما قال تعالى : (الذين قال لهم الناس ) اهـ .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-16, 18:57
هل ثبت في النصوص أن مكة المكرمة هي مركز الأرض ؟

السؤال

سَمعتُ بأنّ مكة المكرمة مركزُ الأرضِ . هَلْ ذلك حق ؟

الجواب

الحمد لله

دراسة هذه المسألة تتفرع إلى جانبين اثنين : الجانب الشرعي ، وذلك للبحث عن الأدلة من القرآن والأحاديث والآثار الواردة في هذا الموضوع .

والجانب العلمي : للنظر في الأبحاث العلمية والبراهين الحسية التي تبين القضية .

أولا :

أما الجانب الشرعي فقد قال بعض أهل العلم : إن في القرآن الكريم إشارات إلى هذه النظرية ، وفي السنة النبوية وآثار السلف تصريحٌ بها .

أما إشارات القرآن ففي قوله تعالى : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمّةً وَسَطاً ) البقرة/143 ، لأن الآية في معرض الأمر باتخاذ الكعبة قبلة ،

فكأن معنى الآية : كما كانت الكعبة وسط الأرض ، كذلك جعلناكم أنتم أمةً وسطا بين الأمم
.
يقول القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (2/153) :

" المعنى : وكما أن الكعبة وسط الأرض ، كذلك جعلناكم أمة وسطا " انتهى .

ولكن هذا واحدٌ من وجوه ستة يذكرها المفسرون في طرفي التشبيه

في قوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم )

لعل أظهرها ما ذكره ابن جرير الطبري في "تفسيره" (3/141) :

" كما هديناكم - أيّها المؤمنون - بمحمد عليه الصلاة والسلام ، وبما جاءكم به من عند الله ، فخصصناكم بالتوفيق لقِبلة إبراهيم وملته ، وفضلناكم بذلك على مَن سِواكم مِن أهل الملل

كذلك خصصناكم ففضَّلناكم على غيركم مِن أهل الأديان ، بأن جعلناكم أمة وسطًا " انتهى .

وانظر : "تفسير القرآن العظيم" (1/454)

"مفاتيح الغيب" (2/387)

"الدر المصون" (2/134) .

وأيضا هناك إشارة في قوله عز وجل : ( وَهَـَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مّصَدّقُ الّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمّ الْقُرَىَ وَمَنْ حَوْلَهَا ) الأنعام/92 فقال بعض العلماء : إنما سميت مكة " أم القرى " لأنها أصل قرى الأرض كلها ، ومنها دحيت الأرض

فهي لذلك وسط الأرض .

بل قال بعض أهل العلم : إن في تسميتها " مكة " إشارة إلى أنها مركز الأرض ووسطها :

يقول الراغب الأصفهاني في "مفردات القرآن" (1/470 – 471) :

" مكك : اشتقاق مكة من تمكَّكْتُ العظم : أخرجت مخه ، وامتكَّ الفصيلُ ما في ضِرع أمه ، وعبَّر عن الاستقصاء بالتمكُّكِ .
وتسميتها بذلك لأنها كانت تَمُكُّ مَن ظلم بها : أي تدقُّه وتهلكه .

قال الخليل : سميت بذلك لأنها وسط الأرض ، كالمخ الذى هو أصل ما في العظم " انتهى .

وانظر "مفاتيح الغيب" (4/310) حيث ذكر في اشتقاق مكة وجوها أخرى كثيرة .

فالحاصل

أن القرآن الكريم لا يتضمن نصًّا ولا دلالةً أو إشارةً ظاهرة بأن مكة المكرمة أو الكعبة المشرفة تقع في مركز الأرض ووسطها ، وما ورد في ذلك لا يعدو كونه إشارات محتملة وإيماءات بوجه مشتبه .

ثانيا :

أما الأحاديث النبوية المرفوعة ، فقد حاولنا جمعها بالاستقصاء من كتب السنة ، كي نقف على جميع طرقها ورواياتها ، فلم نجد إلا حديثا واحدا مرفوعا في هذا الباب ، وهو ما جاء :

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( أول بقعة وضعت في الأرض موضع البيت ، ثم مدت منها الأرض ، وإن أول جبل وضعه الله على وجه الأرض " أبو قبيس " ، ثم مدت منه الجبال ) .

قال المناوي في "فيض القدير" (3/108) :

" ( ثم مُدَّت ) بالبناء للمجهول أي : بسطت . ( منها الأرض ) : من سائر جوانبها ، فهي وسط الأرض وقطبها " انتهى .

لكن الحديث : رواه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (2/341)

والبيهقي في "شعب الإيمان" (3/431)

والديلمي في "مسند الفردوس" (1/1/11)

وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (10/31)

وعزاه السيوطي في "الجامع" (9603) إلى الحاكم في تاريخه .

كلهم من طريق : سليمان بن عبد الرحمن : نا عبد الرحمن بن علي بن عجلان القرشي نا عبد الملك بن جريج عن عطاء عن ابن عباس مرفوعاً .

وهذا الحديث معل بجهالة عبد الرحمن بن علي ، وبوقف الرواية على عطاء أو مجاهد من قولهم .

وعبد الرحمن بن علي بن عجلان الدمشقي هذا :

روى عن ابن جريج وعن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، وروى عنه سليمان بن عبد الرحمن وعمرو بن عثمان الحمصي وابن بنته شيبة بن الوليد .

لم يرد توثيقه إلا عن سليمان بن عبد الرحمن الراوي عنه ، نقله عنه ابن عساكر في ترجمته في "تاريخ دمشق"
(35/133) ، غير أن سليمان هذا – وهو أبو أيوب الدمشقي

متكلم فيه ، أخذوا عليه كثرة روايته عن المجهولين . قال فيه ابن معين : ثقة إذا روى عن المعروفين

. وقال ابن حبان : يعتبر حديثه إذا روى عن الثقات المشاهير ، فأما إذا روى عن المجاهيل ففيها مناكير .

انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" (12/26)

لذلك لم يعتبر أهل العلم توثيق سليمان بن عبد الرحمن لبعض من يروي هو عنهم ، فذكر العقيلي عبد الرحمن بن علي بالجهالة ، وأعل حديثه بالوقف على عطاء أو مجاهد ، وروى ذلك بالأسانيد إليهم

فقال في ترجمته في "الضعفاء" (2/341) :

" مجهول بنقل الحديث ، حديثه غير محفوظ إلا عن عطاء من قوله ، مجهول بالنقل ...

حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا الحارث بن زياد الجعفي قال سمعت عطاء بن أبى رباح قال : أول جبل وضع على الأرض أبو قبيس .

وحدثنا أبو يحيى بن أبى مسرة قال حدثني أبى قال حدثنا سعيد بن سالم المقداح عن ابن جريج عن مجاهد قال : أول لمعة من الأرض موضع البيت مدت الأرض منها .

قال أبو جعفر : هذه الرواية أولى " انتهى باختصار .

كما أنه ورد نحو هذا الحديث من قول ابن عباس رضي الله عنه كما سيأتي ، وهو ما يبين وهم من رفع الحديث .
وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/5881)

ثالثا :

قد ورد في آثار الصحابة والتابعين روايات كثيرة تدل على أنهم كانوا يرون وسط الأرض في مكة المكرمة :

1- جاء من قول عبد الله بن عمرو بن العاص :

" خلق الله البيت قبل الأرض بألفي سنة ، وكان إذ كان عرشه على الماء زبدةً بيضاء ، وكانت الأرض تحته كأنها حشفة ، فدحيت الأرض من تحته "

رواه الطبري في "تفسيره" (6/20) بسند رواته ثقات . وعزاه في الدر المنثور" (2/265) لابن المنذر والطبراني والبيهقي في "الشعب" .

2- وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال :

" وضع البيت على الماء على أربعة أركان قبل أن تخلق الدنيا بألفي عام ، ثم دحيت الأرض من تحت البيت ".

رواه الطبري في تفسيره (3/61) بسند لا بأس به .

3- وورد من كلام أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال :

" خُلقت الكعبة قبل الأرض بألفي سنة . قالوا : كيف خلقت قبل وهي من الأرض ؟ قال : كانت حشفة – يعني : جزيرة - على الماء ، عليها ملكان يسبحان الليل والنهار ألفي سنة

فلما أراد الله أن يخلق الأرض دحاها منها ، فجعلها في وسط الأرض "

عزاه في "الدر المنثور" (1/115) إلى سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم . وقد وقفت على سنده في "مجلس إملاء في رؤية الله تبارك وتعالى" لأبي عبد الله الدقاق (ص/287)

وفي "أمالي ابن بشران" (2/204)

وفيه أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن المدني ترجمته في "تهذيب التهذيب" (10/422)

وأكثر كلمة المحدثين على تضعيفه .

أما عن التابعين : فقد جاء عن مجاهد وعطاء وعمرو بن دينار وغيرهم نحو هذا الكلام ، كما عند ابن أبي حاتم والطبري في تفسيريهما

وكذا في مصنف عبد الرزاق (5/90) ، ومن الكتب التي توسعت في نقل هذه الأخبار : "أخبار مكة" للأزرقي ، و "أخبار مكة" للفاكهي .

وهذه الآثار مما تحتمل أن يكون لها حكم الرفع ، وتحتمل أيضا أن تكون منقولة عن أهل الكتاب ،

فإن كتبهم مليئة بأخبار خلق السماوات والأرض وبدء الخليقة . يؤيد ذلك ورود الأثر السابق عن كعب الأحبار

كما يرويه عنه عبد الرزاق في "المصنف" (5/95)

أنه قال : " كان البيت غثاء على الماء قبل أن يخلق الله تعالى الأرض بأربعين عاما ، ومنه دحيت الأرض " انتهى
.
كما ورد عن قتادة رحمه الله

في "فضائل الصحابة" للإمام أحمد (2/901) –

أن صخرة بيت المقدس هي وسط الأرض .

وذلك ما قد يشعر بأن الأمر مأخوذ عن أخبار متضاربة عن أهل الكتاب .

رابعا :

فالحاصل مما سبق أنك لا تجد دليلا ظاهرا يقوى للدلالة على أن مكة المكرمة هي مركز الأرض ، ولكن الإشارات التي ذكرناها في بعض النصوص ، على ما فهمه منها بعض أهل العلم

وما جاء في الآثار السابقة ، تشعر بأن لهذه الكلام أصلا ، وهي قرائن ترجح قول من قال ذلك ، ما لم يظهر خلافها بالأدلة العلمية الصحيحة .

خامسا :

أما من الناحية العلمية ، فنحن لسنا من أهل التخصص في علوم الأرض و " الجغرافيا "

فلزم أن نقف في البحث عند هذا الحد ، ولكن نحيلك على بعض المتخصصين من أهل العلم الذين بحثوا في هذا الأمر

وتوصلوا إلى أن مكة المكرمة هي مركز الأرض ووسطها ، فلعل في أبحاثهم العلمية ما يقوي هذا الجانب ، مع إبقاء الأمر تحت دائرة البحث والنظر ، وهو في غايته أمر اجتهادي قابل للصواب والخطأ .

انظر : بحث : " إسقاط الكرة الأرضية بالنسبة لمكة المكرمة " د . حسين كمال الدين أحمد : " مجلة البحوث الإسلامية " – الرياض – (2/292)

وبحث " الإسقاط المكي للعالم " د . حسين كمال الدين أحمد : "مجلة البحوث الإسلامية" – الرياض – (6/225)

وانظر الروابط الآتية :

http://www.elnaggarzr.com/index.php?l=ar&id=11&cat=39

http://www.elnaggarzr.com/index.php?l=ar&id=476&p=2&cat=575

http://www.elnaggarzr.com/index.php?l=ar&id=488&p=2&cat=595

http://www.islamtoday.net/questions/show_question_content.cfm?id=114583

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-16, 19:03
معنى حرف الجر ( مِن ) في قوله تعالى : ( رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي )

السؤال

هل دعاء نبي الله إبراهيم عليه السلام ( رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ) يصلح لأن يقال كما هو ؟

لورود كلمة " ومن ذريتي " وليست : رب اجعلني مقيم الصلاة وذريتي ؟

الجواب

الحمد لِلَّه

أولا :

سياق الآيات في هذا المقطع من سورة إبراهيم عليه السلام ، يصور فيه مشهد إبراهيم الخليل عليه السلام الضارع الخاشع الذاكر الشاكر ، وهو يدعو ربه الكريم ، ويتذلل بين يديه سبحانه

ليرد الجاحدين إلى الاعتراف ، ويرد الكافرين إلى الشكر ، ويرد الغافلين إلى الذكر ، ويرد الشاردين من أبنائه إلى سيرة أبيهم لعلهم يقتدون بها ويهتدون .

يقول سبحانه وتعالى : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ *

رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ *

رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء *

الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء * رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ) إبراهيم/35-41

وقد كان إبراهيم عليه السلام رحيما شفيقا بأمته وذريته

فلم يكن يفوت فرصة إلا ويسأل الله سبحانه الخير لهم .

ويبقى السؤال عن سبب مجيء حرف الجر ( مِن ) في قوله : ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ) ، ولم يقل ( وذريتي ) .
اختلف في ذلك المفسرون إلى قولين :

القول الأول : وهو قول جماهير المفسرين ممن تكلم في هذه المسألة

أن ( مِن ) هنا للتبعيض ، قالوا وهو تأدب من إبراهيم الخليل عليه السلام في دعائه الله سبحانه وتعالى ، حيث كان يعلم أن حكمة الله اقتضت وجود المؤمن والكافر ، والظالم والمحسن

فكان دعاؤه مراعيا لما يعلمه من حكمة الله وسنته في خلقه

كما قال سبحانه : ( وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ ) الصافات/113

يقول الزمخشري في "الكشاف" (1/634) :

" ( ومن ذريتي ) وبعض ذريتي ، عطفا على المنصوب في ( اجعلني ) ، وإنما بعَّضَ لأنه عَلِمَ بإعلام اللَّهِ أنه يكون في ذريته كفار ، وذلك قوله : ( لا ينال عهدي الظالمين ) " انتهى .

وانظر : "تفسير البيضاوي" (3/202)

"تفسير أبي السعود" (5/54)

"الجلالين" (335)

"روح المعاني" (13/243)

وفي القرآن الكريم مواقف عديدة من دعاء إبراهيم عليه السلام وتخصيصه ذريته بشيء من الدعاء ، وفي كل منها يأتي حرف الجر ( مِن )

فانظر قوله سبحانه في سورة البقرة :

( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) البقرة/124

وكذلك قوله سبحانه وتعالى :

( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) البقرة/128

القول الثاني : عدم التسليم بكونها للتبعيض

فقد كان الأنبياء يدعون لأقوامهم بصيغة التعميم وهم يعلمون سنة الله في خلقه حين كتب في الناس المؤمن والكافر وكتب من المؤمنين أيضا من يعذب بسبب ذنوبه في النار ثم يخرج منها ، ولم يكن ذلك اعتداء في الدعاء .

فهذا نوح عليه السلام يقول : ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً ) نوح/28

وإبراهيم عليه السلام أيضا يقول : ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ ) ( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ )

وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول : ( الّّلهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي ) رواه مسلم (202)

قالوا والأنبياء يسألون الله أكمل ما يحبون لأنفسهم وذرياتهم وأقوامهم ، وإبراهيم عليه السلام يطمع أن تكون ذريته كلها مُوَحِّدَةً ، تعبد الله وتجتنب الأصنام ، وإن كان الشرك لا بد وأن يكون على الأرض ، ففي غير ذريته .

يقول العلامة الطاهر ابن عاشور في تفسيره المتميز "التحرير والتنوير" (7/445) :

" و ( مِن ) ابتدائية ، وليست للتبعيض ؛ لأن إبراهيم عليه السلام لا يسأل الله إلا أكمل ما يحبه لنفسه ولذريته .

ويجوز أن تكون ( مِن ) للتبعيض ، بناء على أن الله أعلمه بأن يكون من ذريته فريق يقيمون الصلاة وفريق لا يقيمونها ، أي : لا يؤمنون .

وهذا وجه ضعيف ؛ لأنه يقتضي أن يكون الدعاء تحصيلا لحاصل ، وهو بعيد ، وكيف وقد قال ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ ) ولم يقل : ومن بني " انتهى .

أو يقال إنها لبيان الجنس ، فإن تقدير الآية : ( واجعل من ذريتي مقيمي الصلاة ) ، والمعنى واجعل جنس ذريتي مقيمي الصلاة

كقوله تعالى : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) الفتح/29

. انظر "مغني اللبيب" (420-421)

وهذا الوجه أقرب .

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "تفسير البقرة 2" (33) في قوله تعالى : ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) البقرة/124 :

قوله تعالى: ( وَمِن ذُرِّيَّتِي ) أي واجعل من ذريتي إماماً ؛ وهنا ( مِن ) يحتمل أنها لبيان الجنس ؛ وبناءً على ذلك تصلح ( ذريتي ) لجميع الذرية ؛ يعني: واجعل ذريتي كلهم أئمة ؛ ويحتمل أنها للتبعيض " انتهى .

ثانيا :

إذا فهم ما سبق تبين أنه لا بأس للمسلم أن يدعو بالصيغة نفسها التي جاءت في القرآن الكريم ، فقد تبين أنها ليست للتبعيض ، وأن الدعاء بها ينال جميع الذرية .

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاء الباب المفتوح" (30/14) :

" الدعاء بقوله : ( رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ) من دعاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام لا بأس به " انتهى بتصرف .

ثالثا :

تنبيه على بدعة منتشرة تتعلق بقراءة هذه الآية بعد إقامة الصلاة .

جاء في أسئلة اللقاء الشهري (23/10) مع الشيخ ابن عثيمين رحمه الله السؤال التالي :

" بعض الإخوة من المصلين يقول بعد انتهاء المؤذن من الإقامة إما : ( أقامها الله وأدامها ما دامت السماوات والأرض )

وإما أن يقرأ قول الله تعالى عن إبراهيم : ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ) فما رأي فضيلتكم في هذا الدعاء في هذا المقام خاصة

أقصد قراءة الآية ، هل ينكر على الإنسان مع أنه يدعو بها ، وهل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء بعد الإقامة ، أرجو التوضيح أثابكم الله ؟

فأجاب رحمه الله تعالى :

" الإقامة ليس بعدها دعاء ، وإنما يشرع الإمام بالصلاة بعد انتهاء الإقامة وبعد أن يسوي الصفوف بنفسه أو بنائبه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يمكن أن يكبر للصلاة حتى تستوي الصفوف

حتى إنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يجوب الصف من أوله إلى آخره يمسح بالمناكب والصدور ، يقول : استووا ، ولما كثر الناس في زمن عمر وعثمان

صار الخليفة يوكل رجالاً يجوبون الصفوف يتفقدونها بعد الإقامة ، فإذا جاءوا وقالوا : إن الصفوف على ما ينبغي كبروا للصلاة ، وليس بعد الإقامة دعاء .

وأما قوله : أقامها الله وأدامها مادامت السماوات والأرض .

فإن قوله : ( ما دامت السماوات والأرض ) لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام

وأما قول : ( أقامها الله وأدامها ) فهذه تقال عند قول: ( قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة )

لأن فيها حديثاً ضعيفاً ، وهذا الحديث الضعيف لا يعمل به عند جماعة من العلماء ، ولهذا فلا يقال : أقامها الله وأدامها لا بعد قوله : قد قامت الصلاة ، ولا بعد انتهائه من الإقامة .

وأما الدعوة بدعوة إبراهيم : ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) فهذه أيضاً لا أصل لها إطلاقاً ، ولم يرد الدعاء بها عن السلف ، فتركها أولى وأحسن " انتهى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-16, 19:11
كيف شرح الله صدر رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم

السؤال

كيف شرح الله تعالى صدر رسوله صلى الله عليه وسلم عندما قال : ( ألم نشرح لك صدرك ) ؟.....

وهل صحيح ما قيل : إنه كان على يد سيدنا جبريل عليه السلام مرتين في عمره ؟

الجواب

الحمد للَّه

لقد أنعم الله سبحانه وتعالى على أنبيائه ورسله بنعم عظيمة جليلة ، أولاها فضلا ، وأوفاها مِنَّةً ، وأعلاها قدرا نعمةُ النبوة ، حيث اصطفاهم لقربه ، واجتباهم لرحمته .

يقول الله تعالى : ( وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ) آل عمران/179

ويقول سبحانه : ( وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) الأنعام/87

وقد خص الله سبحانه وتعالى نبيه وخليله محمدا صلى الله عليه وسلم بمزيد فضل ، وحباه بعظيم قدر

حتى قال سبحانه وتعالى : ( وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ) النساء/113

ومن هذا الفضل أنه سبحانه شرح صدر الرسول الكريم محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وامتن عليه بهذه النعمة العظيمة في سورة من القرآن الكريم تتلى إلى يوم القيامة ، تسمى سورة "الشرح" .

يقول سبحانه وتعالى : ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) الشرح/1

وشَرْحُ صدر النبي صلى الله عليه وسلم يتضمن معاني كثيرة عظيمة :

1- شرح الله صدره للإسلام دينا وشريعة ، وهذا أعظم ما يمكن أن ينشرح له الصدر ، وهو تفسير ابن عباس ، علقه البخاري في صحيحه (

كتاب التفسير / باب سورة الشرح ، ص 982)

2- وشرح الله صدر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأن ملأه حكمة وعلما وإيمانا

كما فسره الحسن البصري ، ويذكر العلماء في تفسير ذلك حادثة شق صدره صلى الله عليه وسلم ، والتي تكررت مرتين في حياته صلى الله عليه وسلم :

الأولى : كانت وهو صغير في بني سعد .

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ

فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ ، فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً ، فَقَالَ :

هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ . ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ ، ثُمَّ لَأَمَهُ ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ

وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ يَعْنِي ظِئْرَهُ فَقَالُوا إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ قَالَ أَنَسٌ وَقَدْ كُنْتُ أَرْئِي أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ ) رواه مسلم (162)

الثانية : كانت ليلة الإسراء .

كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

( فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَرَجَ صَدْرِي ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ ) رواه البخاري (349) ومسلم (163)

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى "فتح الباري" (7/204) :

" وقد استنكر بعضهم وقوع شق الصدر ليلة الإسراء ، وقال إنما كان ذلك وهو صغير في بني سعد

ولا إنكار في ذلك ، فقد تواردت الروايات به ...

وجميع ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته ، لصلاحية القدرة

فلا يستحيل شيء من ذلك

قال القرطبي في "المفهم"

: لا يلتفت لإنكار الشق ليلة الإسراء ؛ لأن رواته ثقات مشاهير " انتهى .

وقد جاءت حادثة شق الصدر أيضا في بعض الروايات في أوقات أخرى ، في عمر العشر سنوات ، وعند البعثة ، لكنها روايات ضعيفة .

انظر "السيرة النبوية الصحيحة" (1/103)

يقول ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (4/677) :

" يقول تعالى : ( ألم نشرح لك صدرك ) يعني : أما شرحنا لك صدرك

أي : نورناه وجعلناه فسيحا رحيبا واسعا

كقوله : ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام )

وقيل : المراد بقوله : ( ألم نشرح لك صدرك ) شرح صدره ليلة الإسراء

ولكن لا منافاة ، فإنه من جملة شرح صدره الذي فعل بصدره ليلة الإسراء وما نشأ عنه من الشرح المعنوي أيضا فالله أعلم " انتهى .

3- وجاء في "روح المعاني" (30/166) :

" وقيل :

المعنى : ألم نزل همك وغمك بإطلاعك على حقائق الأمور وحقارة الدنيا ، فهان عليك احتمال المكاره في الدعاء إلى الله تعالى .

ونقل عن الجمهور

أن المعنى : ألم نفسحه بالحكمة ونوسعه بتيسيرنا لك تلقي ما يوحى إليك بعد ما كان يشق عليك " انتهى .

4- وقال ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (1/4850) :

" وشرح صدره كناية عن الإنعام عليه بكل ما تطمح إليه نفسه الزكية من الكمالات ، وإعلامه برضى الله عنه ، وبشارته بما سيحصل للدين الذي جاء به من النصر " انتهى .

وانظر "سبل الهدى والرشاد" (2/59) .

5- ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "تفسير سورة الشرح" (ص/1) :

" وهذا الشرح شرح معنوي ليس شرحاً حسيًّا ، وشرح الصدر أن يكون متسعاً لحكم الله عز وجل بنوعيه ، حكم الله الشرعي وهو الدين ، وحكم الله القدري وهو المصائب التي تحدث على الإنسان " انتهى باختصار .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-03-17, 18:41
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


تفسير قوله تعالى : ( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ )

السؤال

ما معنى قوله تعالى : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) البقرة /197 ؟.

الجواب

الحمد لله

هذه الآية الكريمة يذكر الله تعالى فيها بعض الأحكام والآداب المتعلقة بالحج .

يقول الله تعالى : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ )

أي : وقت الحج أشهر معلومات وهي شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة . وذهب بعض العلماء إلى أن شهر ذي الحجة كله من أشهر الحج .

وقوله تعالى : ( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ )

أي : أحرم به ، لأنه إذا أحرم بالحج وجب عليه إتمامه ، لقوله تعالى : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) البقرة /196 .

وقوله تعالى : ( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ )

أي : إذا أحرم بالحج وجب عليه تعظيمه فيصونه عن كل ما يفسده أو ينقصه من الرفث والفسوق والجدال .

والرفث هو الجماع ، ومقدماته القولية والفعلية كالتقبيل والكلام المتعلق بالجماع والشهوة ونحو ذلك .

ويطلق الرفث أيضاً على الكلام الفاحش البذيء .

والفسوق هو المعاصي كلها كعقوق الوالدين وقطيعة الرحم وأكل الربا وأكل مال اليتيم والغيبة والنميمة .. الخ . ومن الفسوق : محظورات الإحرام .

والجدال معناه المخاصمة والمنازعة والمماراة بغير حق ، فلا يجوز للمحرم بالحج أو العمرة أن يجادل بغير حق .

أما المجادلة بالتي هي أحسن لبيان الحق فهذا مما أمر الله به في قوله : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن ) النحل /125 .

فهذه الأشياء ( الفحش في القول والمعاصي والجدال بالباطل ) وإن كانت ممنوعة في كل مكان وزمان فإنه يتأكد المنع منها في الحج ، لأن المقصود من الحج الذل والانكسار لله والتقرب إليه بما أمكن من الطاعات

والتنزه عن مقارفة السيئات ، فإنه بذلك يكون مبروراً ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة .

نسأل الله تعالى أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته .

والله أعلم .

انظر : فتح الباري (3/382)

تفسير السعدي (ص 125)

فتاوى ابن باز (17/144) .

*عبدالرحمن*
2019-03-17, 18:45
العروة الوثقى

السؤال

ما هي العروة الوثقى ؟

الجواب

الحمد لله

العروة الوثقى جاء ذكرها في القرآن الكريم في موضعين اثنين :

في سورة البقرة ، الآية (256) في قوله تعالى :

( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) .

وفي سورة لقمان ، الآية (22) في قوله تعالى :

( وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ )

كما جاء في السنة النبوية ذكر العروة الوثقى في حديث أخرجه البخاري (3813) ومسلم (2484) عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قال :

( كُنْتُ بِالْمَدِينَةِ فِي نَاسٍ فِيهِمْ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَاءَ رَجُلٌ فِي وَجْهِهِ أَثَرٌ مِنْ خُشُوعٍ ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ : هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ

فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ يَتَجَوَّزُ فِيهِمَا ثُمَّ خَرَجَ ، فَاتَّبَعْتُهُ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ وَدَخَلْتُ ، فَتَحَدَّثْنَا ، فَلَمَّا اسْتَأْنَسَ قُلْتُ لَهُ : إِنَّكَ لَمَّا دَخَلْتَ قَبْلُ قَالَ رَجُلٌ كَذَا وَكَذَا . قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ! مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لَا يَعْلَمُ ، وَسَأُحَدِّثُكَ لِمَ ذَاكَ

رَأَيْتُ رُؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ ، رَأَيْتُنِي فِي رَوْضَةٍ - ذَكَرَ سَعَتَهَا وَعُشْبَهَا وَخُضْرَتَهَا - وَوَسْطَ الرَّوْضَةِ عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ أَسْفَلُهُ فِي الْأَرْضِ وَأَعْلَاهُ فِي السَّمَاءِ

فِي أَعْلَاهُ عُرْوَةٌ ، فَقِيلَ لِي : ارْقَهْ . فَقُلْتُ لَهُ : لَا أَسْتَطِيعُ . فَجَاءَنِي مِنْصَفٌ - قَالَ ابْنُ عَوْنٍ وَالْمِنْصَفُ الْخَادِمُ - فَقَالَ بِثِيَابِي مِنْ خَلْفِي

وَصَفَ أَنَّهُ رَفَعَهُ مِنْ خَلْفِهِ بِيَدِهِ ، فَرَقِيتُ حَتَّى كُنْتُ فِي أَعْلَى الْعَمُودِ ، فَأَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ ، فَقِيلَ لِيَ : اسْتَمْسِكْ . فَلَقَدْ اسْتَيْقَظْتُ وَإِنَّهَا لَفِي يَدِي . فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَقَالَ : تِلْكَ الرَّوْضَةُ الْإِسْلَامُ ، وَذَلِكَ الْعَمُودُ عَمُودُ الْإِسْلَامِ ، وَتِلْكَ الْعُرْوَةُ عُرْوَةُ الْوُثْقَى ، وَأَنْتَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى تَمُوتَ . قَالَ : وَالرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ) .

وقد بين السلف الصالح معنى العروة الوثقى بعبارات منوعة كلها تدل على مقصود واحد :

فقال ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك : يعني لا إله إلا الله .

وقال أنس بن مالك : القرآن .

وقال مجاهد : الإيمان .

وقال السدي : هو الإسلام .

وعن سالم بن أبي الجعد : هو الحب في الله والبغض في الله .

وانظر هذه الأقوال في "تفسير ابن أبي حاتم" (2/496)

قال ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (1/684) :

" وكل هذه الأقوال صحيحة ولا تنافي بينها " انتهى .

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "فتاوى نور على الدرب" ( الصلاة/1218) :

ما هي العروة الوثقى ؟

فأجاب :

" العروة الوثقى هي الإسلام ، وسميت عروة وثقى لأنها توصل إلى الجنة " انتهى .

فأنت ترى – أخي السائل – أن المعنى الذي فسر به العلماء العروة الوثقى هو ما يوصل المتمسك به إلى الجنة ، وذلك يشمل الإسلام والإيمان والقرآن وكلمة التوحيد ، وكل واحد عبر بأحد هذه المعاني المتقاربة في مؤداها .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-17, 18:49
هذه الآية لا تمنع من عملية تقويم الأسنان

السؤال

قال تعالى : (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم )

ومع ذلك نجد في زمننا هذا من يقومون بمراجعة طبيب الأسنان لعمل ما يسمى بالتقويم فما حكم ذلك ؟ .

الجواب

الحمد لله

المراد من قوله تعالى : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) التين/4 : "

أنه تعالى خلق الإنسان في أحسن صورةٍ وشكلٍ ، منتصبَ القامة ، سويَّ الأعضاء ، حسَنَها"

كما قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (4/680) .

وقال القرطبي رحمه الله :

" في أحسن تقويم : وهو اعتداله واستواء شبابه ، كذا قال عامة المفسرين . وهو أحسن ما يكون ؛ لأنه خلق كل شيء مُنكبّاً على وجهه

وخلقه هو مستوياً ، وله لسان ، ويد وأصابع يقبض بها . وقال أبو بكر بن طاهر : مزيّناً بالعقل ، مؤديا للأمر ، مهديا بالتمييز ، مديد القامة ، يتناول مأكوله بيده "

انتهى من تفسير القرطبي (20/105) .

وهذا لا يمنع الإنسان من أن يعالج أسنانه ، أو يقوِّم ما اعوج منها

كما لا يمنعه من معالجة سائر أمراضه ، والمهم ألا يفعل لذلك لمجرد الزينة والتجمل ؛ إذ الضابط العام في عمليات التجميل

أن ما كان منها لإزالة تشويه أو عيب فلا حرج فيه ، وما كان لمجرد الجمال والزينة ، فهو ممنوع . ينظر "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله" ج 17 سؤال رقم 4

وقد سئل رحمه الله : ما حكم عمليات تقويم الأسنان ؟

فأجاب بقوله : " تقويم الأسنان على نوعين :

النوع الأول : أن يكون المقصود به زيادة التجمل فهذا حرام ولا يحل

وقد لعن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله هذا مع أن المرأة مطلوب منها أن تتجمل وهي من يُنشَّأ في الحلية ، والرجل من باب أولى أن ينهى عن ذلك .

النوع الثاني : إذا كان تقويمها لعيب فلا بأس بذلك فيها ، فإن بعض الناس قد يبرز شيء من أسنانه إما الثنايا أو غيرها تبرز بروزا مشينا بحيث يستقبحه من يراه ففي هذا الحال لا بأس من أن يعدلها الإنسان

لأن هذا إزالة عيب وليس زيادة تجميل ، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :

( أمر الرجل الذي قطع أنفه أن يتخذ أنفا من ورق أي فضة ثم أنتن فأمره أن يتخذ أنفا من ذهب ) لأن في هذا إزالة عيب ، وليس المقصود زيادة تجمل "

انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله" ج 17 سؤال رقم 6

وانظر جواب السؤال القادم

والحاصل أن الآية الكريمة لا تدل على المنع من معالجة الأسنان وتقويمها لإزالة التشوه ، أو العيب الحادث بها .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-17, 18:51
حكم تقويم الأسنان

السؤال

ما حكم تركيب تقويم للأسنان إذا كان الفك السفلي صغير و الأسنان فيه متراكبة ومعوجة ، وكذلك الفك العلوي الأسنان فيه بارزه للأمام

مع العلم أنَّ تركيب التقويم يحتاج إلى خلع بعض الأسنان لتوفير مساحة إضافية ، وبعد فك التقويم يحتاج إلى تنعيم السن لإزالة أثر المادة المثبتة للحديد ؟.

الجواب

الحمد لله

سئل الشيخ صالح الفوزان عن تقويم الأسنان فقال : إذا احتيج إلى هذا كأن يكون في الأسنان تشويه واحتيج إلى إصلاحها فهذا لا بأس به

أما إذا لم يُحتج إلى هذا فهو لا يجوز ، بل جاء النهي عن وشر الأسنان وتفليجها للحسن وجاء الوعيد على ذلك لأن هذا من العبث ومن تغيير خلق الله .

أما إذا كان هذا لعلاج مثلاً أو لإزالة تشويه أو لحاجة لذلك كأن لا يتمكن الإنسان من الأكل إلا بإصلاح الأسنان وتعديلها فلا بأس بذلك .

أما إزالة الأسنان الزائدة فقال الشيخ ابن جبرين : لا بأس بخلع السن الزائد لأنه يشوه المنظر ويضيق منه الإنسان ... ، ولا يجوز التفليج ولا الوشر للنهي عنه .

انظر كتاب فتاوى المرأة المسلمة ج/1 ص/477

*عبدالرحمن*
2019-03-17, 18:53
توضيح قوله تعالى ( إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان )

السؤال

ورد في قصة سليمان وملكة سبأ في سورة النمل الآية التالية : ( قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )

أنا أفهم أن المعنى : أنها ظلمت نفسها بالكفر ، وأنها أسلمت بعد أن تبين لها الحق ، ولكن لفظ الآية ، وعدم وجود علامة وقف بعد كلمة ( نفسي ) ، توحي بعكس هذا المعنى ، وهو أنها ظلمت نفسها بالإسلام - ومعاذ اللّه -

فهل من توضيح ؟.

الجواب

الحمد لله

يقول تعالى في سورة النمل : ( قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ، فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ، قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ، قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) . النمل/44

يحكي سبحانه وتعالى في هذه الآية المفاجأة الكبيرة التي كان أعدها سليمان عليه السلام لملكة سبأ ، وكانت قصرا من البلور ، أقيمت أرضيته فوق الماء

فوقفت الملكة مدهوشة أمام هذه العجائب التي يعجز عن مثلها البشر ، فرجعت إلى الله ، وناجته معترفة بظلمها لنفسها فيما سلف من عبادة غيره ، معلنة إسلامها مع سليمان لله رب العالمين .

هذا هو فهم سياق القصة ، وهو أيضا ما تقتضيه قواعد اللغة العربية .

فإن قولها ( ظَلَمْتُ نَفْسِي ) جملة فعلية في محل رفع خبر ( إِنِّي )

ثم جاء حرف العطف ( الواو ) ليعطف جملة على جملة ، فقالت ( وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ )

انظر "إعراب القرآن وبيانه" محيي الدين درويش (7/216)

"الجدول في إعراب القرآن" لمحمود صافي (9/415)

والتقدير : وإني أسلمت مع سليمان لله رب العالمين .

وهذا هو التقدير الصحيح ؛ لأن النحاة يقولون : إن حرف العطف إنما جيء به لاختصار التكرار في الجملة .

يقول ابن عقيل في "شرح ألفية ابن مالك" (2/208) :

" العطف على نية تكرار العامل " انتهى .

فبدل أن تقول : جاء زيد وجاء عمرو ، تختصر فتقول : جاء زيد وعمرو .

وكذلك الحال في عطف الجمل التي لها محل من الإعراب :

فبدل أن تقول : إن الله يعلم ما أنتم عليه ، وإن الله سيحاسبكم عليه .

تختصر فتقول : إن الله يعلم ما أنتم عليه وسيحاسبكم عليه .

فالواجب فهم الآية الكريمة على هذه القاعدة ، فيكون تقدير الآية :

( إني ظلمت نفسي ، وإني أسلمت مع سليمان لله رب العالمين )

ولا يلزم لغة - إذا كان العطف بين الجمل - أن تشترك في المعنى ، بل قد يكون المعنى متضادا .

يقول الأستاذ عباس حسن في "النحو الوافي" (3/557) :

" والعطف بالواو إذا كان المعطوف غير مفرد ، قد يفيد مطلق التشريك ، نحو : نبت الورد ونبت القصب ، أو لا يفيد ، نحو : حضرت الطيارة ولم تحضر السيارة " انتهى .

فحين يعطف الله تعالى قول ملكة سبأ ( وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ ) لا يجوز أن تفهم على أنها توضيح للمعطوف عليه أو بيان له ، من حيث أصل اللغة ، فكيف حين يكون بين المعنيين تضاد ظاهر .

والسياق يبين أن الملكة اعترفت بظلمها نفسها حين كانت تعبد الشمس من دون الله ، فتابت من ذلك الشرك ، وأسلمت وجهها ، ووحدت عبادتها لله رب العالمين .

وبهذا يكون المعنى سليما ، وينتفي التوهم الذي يظنه السائل في الآية .

قد يكون لإشكال السائل وجه – من حيث قواعد النحو - إذا كان سياق الكلام :

( إني ظلمت نفسي : أسلمت مع سليمان ) بحذف حرف العطف ، على أن الجملة الثانية بدل من الجملة الأولى ، كقوله تعالى :

( وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً : يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً ) الفرقان/68-69

فإن مضاعفة العذاب هي بيان وتوضيح للإثم الذي يلقاه مرتكب الكبائر .

كما قد يكون لهذا الإشكال وجه – من حيث قواعد اللغة – لو كان حرف العطف هو الفاء ، فكان الكلام : إني ظلمت نفسي فأسلمت مع سليمان .

فإن الفاء تفيد – كثيرا – مع الترتيب ( التسبب ) ، أي الدلالة على السببية في عطف الجمل ، نحو : رمى الصياد الطائر فقتله .

انظر "النحو الوافي" (3/574)

أَمَا وقد جاء السياق القرآني على الوجه البَيِّنِ الجَلِيِّ :

( قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )

فليس لإشكال السائل أي محل من الفهم الصحيح للسياق ، وقواعد النحو العربي .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-17, 18:57
تفسير قوله تعالى ( فَاْليَوْمَ نُنَجِّيْكَ بِبَدَنِكَ )

السؤال

ما المقصود بقوله تعالى : ( فَاْليَوْمَ نُنَجِّيْكَ بِبَدَنِكَ ) الآية 92 من سورة يونس ؟ .

الجواب

الحمد لله

هذه الآية من سورة يونس جاءت في معرض الحديث عن موقف من مواقف الطاغية فرعون تجاه نبي الله موسى عليه السلام ومن آمن معه من بني إسرائيل

وذلك حين سار موسى عليه السلام بالمؤمنين في هجرتهم إلى الأرض المباركة ، فلحقه فرعون وجنوده ليردوهم ويفتنوهم ، وفي طريق الهجرة الطويل اعترضهم البحر جميعا

فأكرم الله نبيه موسى ومن معه من المؤمنين بأن جعل البحر لهم يابسا يمشون فوقه ، فعبروه أمام أعين أعدائهم ، وهم ينظرون!!

فما كان من عدو الله فرعون إلا أن استخفه الطغيان ، وأهوى به الطيش والحمق ، فركب البحر خلف موسى ومن معه ، ليكون هلاكه ومن معه بالغرق في نفس البحر الذي جاوزه موسى ومن معه من المؤمنين !!

فلما أحاط الموت بالطاغية من كل مكان ، وتقاذفته لجج البحر وأمواجه ، وأيقن أن الغرق مصيره لا محالة

قال : ( قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) ، وهيهات هيهات ، قد فات وقت التوبة ، ومضى زمان الإنابة والإيمان حين حل الموت ، وذهب عن الخبيث كل قوة وحيلة !!

ولا شك أن موت هذا الطاغية المسرف في الطغيان في مثل هذا الموقف العظيم من أعظم الآيات التي تبين عاقبة العناد والظلم والاستكبار

لذلك أراد الله سبحانه وتعالى أن يثبت هذه الآية ويؤكدَها ، ويرفعَ عنها أي شك أو لبس أو إشاعات ، فقضى أن تظهر جثة فرعون هامدة باردة على الشاطئ

يراها قومه ومن كان يعبده ، فيكون ذلك أبلغ في إقامة العظة والعبرة عليهم .

قال الله تعالى : ( فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ، وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ )

يقول ابن كثير رحمه الله :

( قال ابن عباس وغيره من السلف : إن بعض بني إسرائيل شكوا في موت فرعون ، فأمر الله تعالى البحر أن يلقيه بجسده سويا بلا روح ، وعليه درعه المعروفة

على نجوة من الأرض ، وهو المكان المرتفع ، ليتحققوا موته وهلاكه ، ولهذا قال تعالى : ( فاليوم ننجيك ) أي : نرفعك على مكان بارز من الأرض ، ( ببدنك ) قال مجاهد : بجسدك

وقال الحسن : بجسم لا روح فيه ، وقال عبد الله بن شداد : سويا صحيحا : أي لم يتمزق ، ليتحققوه ويعرفوه ، وقال أبو صخر : بدرعك . وكل هذه الأقوال لا منافاة بينها كما تقدم

والله أعلم .

وقوله : " لتكون لمن خلفك آية " أي : لتكون لبني إسرائيل دليلا على موتك وهلاكك ، وأن الله هو القادر الذي ناصيةُ كلِّ دابةٍ بيده ، وأنه لا يقوم لغضبه شيء ) تفسير ابن كثير (2/565) . بتصرف .

وكذلك كان ، فقد رأى بنو إسرائيل فرعون ميتا رأي العين ، فكان آية لمن رآه حينها ، وكان آية لكل من سمع بقصة هلاكه ممن بعدهم !!

وليس في الآية ما يدل على أن بدنه سيبقى محفوظا إلى يوم القيامة ، كما يتوهم بعض الناس ، فإن ذلك من تحميل القرآن ما لا يحتمل ، إذ لو كان المقصود بقاء جسد فرعون آية لجميع الناس بعده

يرونه ميتا ويعاينون جثته ، لبقيت جثته معروفة ظاهرة لكل " من خلفه " ، ممن سمع بقصته ، حتى تتم العبرة ، وتظهر الآية ، ويصدق الوعد ؛ فأين ذهبت قصته عن الناس

حتى عفا أثرها ، وزال ذكرها قرونا متطاولة ، قبل أن يدعي أهل الآثار أنهم اكتشفوا جثة فرعون الذي مات غرقا ؟!!

يقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله

: ( ومعنى قوله تعالى ‏:‏ ‏( ‏لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً‏ ) ‏أي‏ :‏ لتكون لبني إسرائيل دليلاً على موتك وهلاكك

وأن الله هو القادر الذي ناصيةُ كل دابَّة بيده ، لا يقدر أحد على التخلُّص من عقوبته ، ولو كان ذا سُلطة ومكانة بين الناس ‏.‏

ولا يلزم من هذا أن تبقى جثَّةُ فرعون إلى هذا الزَّمان ، كما يظنُّهُ الجُهَّالُ ؛ لأن الغرض من إظهار بدنه من البحر معرفةُ هلاكه وتحقُّقُ ذلك لمن شكَّ فيه من بني إسرائيل

وهذا الغرض قد انتهى ، وجسم فرعون كغيره من الأجسام ، يأتي عليه الفناء ، ولا يبقى منه إلا ما يبقى من غيره ، وهو عَجْب الذَّنَبِ ، الذي منه يُرَكَّبُ خلقُ الإنسان يوم القيامة

كما في الحديث ؛ فليس لجسم فرعون ميزةٌ على غيره من الأجسام ‏.‏ والله أعلم )

"المنتقى من فتاوى الفوزان" (1/سؤال رقم 132) .

ولكن يقال هنا : إن حصل وظهرت جثة فرعون من جديد ، وثبت بكلام أهل الخبرة بالتاريخ والآثار أنها الجثة التي ذكر الله في كتابه ، فإنما يكون ذلك إشارة إلى صدق ما أخبر به القرآن من نجاة بدن فرعون .

يقول العلامة الطاهر ابن عاشور رحمه الله : ( ومن دقائق القرآن قوله تعالى : " فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً "

وهي عبارة لم يأت مثلها فيما كتب من أخبار فرعون ؛ وإنها لمن الإعجاز العلمي في القرآن ، إذ كانت الآية منطبقةً على الواقع التاريخي )

التحرير والتنوير (1/2065) .

والخلاصة :

أن بدن فرعون نَجَا يومها من الضياع أو التحلل ، ولا يعني ذلك لزوم بقائه محفوظا إلى يوم القيامة ، فمن ثبت عنده من أهل العلم بالآثار والتاريخ أن بدن فرعون ما زال محفوظا اليوم ،

وهو الذي يُعرَض في بعض المتاحف ، فلا يجوز أن يَدَّعِيَ أن هذا الحفظ إنما هو معجزة من الله للناس جميعا ، وإنما هو فقط تصديقٌ تاريخي جاء موافَقَةً لما في القرآن الكريم ، وذلك هو الإعجاز .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-17, 19:01
معنى قول الله ( فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره )

السؤال

ما معنى كلمة ( يأتي ) في الآية : ( فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره )؟.

الجواب

الحمد لله

قال الله تعالى : ( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) البقرة/109.

بين الله تعالى في هذه الآية الكريمة أن كثيرا من أهل الكتاب يودون الكفر والردة لأهل الإسلام

كراهية وبغضا وحسدا ، مع أنهم يعلمون الحق ويوقنون به

ومع ذلك فقد أمر الله تعالى المؤمنين بالعفو والصفح عنهم ، وذلك لحكم كثيرة منها : الرغبة في هدايتهم وإيضاح الحق لهم

ومنها انشغال المسلمين بالحرب مع كفار قريش ، فاقتضت الحكمة أن يقتصروا على مواجهة عدو واحد . وبين الله تعالى أن هذا العفو والصفح ممتد إلى غاية وأمد ، وهي أن يأتي أمر من الله للمسلمين يبيح لهم القتال .

فيأتي هنا بمعنى : يجيء ويصدر وينزل ، أي ينزل عليهم أمر الله تعالى .

وقد جاء الأمر من الله تعالى بعد ذلك بقتالهم ، كما قال ابن عباس وقتادة والربيع وغيرهم .

قال الطبري رحمه الله في تفسيره : (1/534)

: " ( فاعفوا ) فتجاوزوا عما كان منهم من إساءة وخطأ في رأي أشاروا به عليكم في دينكم ، إرادة صدكم عنه ، ومحاولة ارتدادكم بعد إيمانكم

وعما سلف منهم من قولهم لنبيكم صلى الله عليه وسلم : اسمع غير مسمع وراعنا لَيَّاً بألسنتهم وطعنا في الدين ، واصفحوا عما كان منهم من جهل في ذلك حتى يأتي الله بأمره

فيحدث لكم من أمره فيكم ما يشاء ، ويقضي فيهم ما يريد . فقضى فيهم تعالى ذكره ، وأتى بأمره

فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين به : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) التوبة/29.

ثم روى عن الربيع في قوله :

( فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره ) ، قال : اعفوا عن أهل الكتاب حتى يحدث الله أمرًا . فأحدث الله بعد فقال : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر إلى وهم صاغرون ) " انتهى .

وقال ابن الجوزي رحمه الله في "زاد المسير" (1/132) :

" قوله تعالى : ( حتى يأتي الله بأمره ) قال ابن عباس : فجاء الله بأمره في النضير بالجلاء والنفي ، وفي قريظة بالقتل والسبي " انتهى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-17, 19:04
الفرق بين قوله تعالى : (من إملاق ) وقوله : ( خشية إملاق )

السؤال

ما الفرق بين الآيتين : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ) الأنعام/151

( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً ) الإسراء/31 ؟.

الجواب

الحمد لله

الإملاق هو الفقر

وقد كان من عادة أهل الجاهلية أنهم يئدون بناتهم إما لوجود الفقر

أو خشية وقوعه في المستقبل ، فنهاهم الله تعالى عن الأمرين ، فالآية الأولى ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ) الأنعام /151 ، واردة على السبب الأول ،

أي : لا تقتلوا أولادكم لفقركم الحاصل فإن الله متكفل برزقكم ورزقهم

والآية الثانية : ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ) الإسراء/31

واردة على السبب الثاني

أي : لا تقتلوا أولادكم خشية أن تفتقروا أو يفتقروا بعدكم ، فإن الله يرزقهم ويرزقكم .

قال ابن كثير رحمه الله :

" وقوله تعالى : ( من إملاق ) قال ابن عباس : هو الفقر ، أي : لا تقتلوهم من فقركم الحاصل .

وقال في سورة الإسراء : ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق )

أي : لا تقتلوهم خوفاً من الفقر في الأجل ( يعني في المستقبل )

ولهذا قال هناك : ( نحن نرزقهم وإياكم ) فبدأ برزقهم للاهتمام بهم

أي لا تخافوا من فقركم بسبب رزقهم فهو على الله

وأما في هذه الآية فلما كان الفقر حاصلاً قال : ( نحن نرزقكم وإياهم ) لأنه الأهم ههنا ، والله أعلم " انتهى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-17, 19:09
معنى الخيط الأبيض والخيط الأسود المذكورين في آية الصيام

السؤال

ما معنى قول الله تعالى : (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) ؟.

الجواب

الحمد لله

قال الله تعالى : ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ

وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) البقرة/187.

ومعنى ذلك أن الله تعالى أباح للصائم الأكل والشرب ليلاً حتى يتبين له (أي يتيقن) طلوع الفجر .

والمراد من الخيط الأبيض النهار ، والخيط الأسود الليل .

قال الحافظ : وَمَعْنَى الآيَةِ حَتَّى يَظْهَرَ بَيَاضُ النَّهَارِ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ , وَهَذَا الْبَيَانُ يَحْصُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ .

وَقَوْلُهُ : ( مِنْ الْفَجْرِ ) بَيَانٌ لِلْخَيْطِ الأَبْيَضِ , وَاكْتَفَى بِهِ عَنْ بَيَانِ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ لأَنَّ بَيَانَ أَحَدِهِمَا بَيَانٌ لِلآخَرِ اهـ .

وقد فهم بعض الصحابة رضي الله عنهم الآية على خلاف معناها ، ففهموا أن المراد منها الخيط الحقيقي

فكان أحدهم يجعل تحت وسادته أو يربط في رجله خيطين أحدهما أبيض والآخر أسود ويظل يأكل حتى يتبين له أحدهما من الآخر

وسبب هذا الخطأ في فهم معنى الآية أن الله تعالى أنزل الآية أولاً بدون قوله : )مِنَ الْفَجْرِ )

ففهمها بعض الصحابة على المعنى المتبادر إلى الذهن من كلمة "الخيط" ثم أنزل الله تعالى بعد مدة

(قال بعض العلماء إنها سنة) أنزل قوله : ( مِنَ الْفَجْرِ ) فعلموا أن المراد بالخيط الأبيض ضوء الفجر (النهار) وبالخيط الأسود الليل .

روى البخاري (1917) ومسلم (1091) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : أُنْزِلَتْ ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ) وَلَمْ يَنْزِلْ (مِنْ الْفَجْرِ)

فَكَانَ رِجَالٌ إِذَا أَرَادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلِهِ الْخَيْطَ الأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الأَسْوَدَ ، وَلَمْ يَزَلْ يَأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُمَا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدُ : (مِنْ الْفَجْرِ) فَعَلِمُوا أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ .

فهؤلاء الصحابة حَمَلُوا الْخَيْطَ عَلَى ظَاهِرِهِ , فَلَمَّا نَزَلَ (مِنْ الْفَجْرِ) عَلِمُوا الْمُرَادَ .

وقد فهم عدي بن حاتم رضي الله عنه الآية كما فهمها هؤلاء حتى صحح له النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفهم وبين له المعنى المراد من الآية .

روى البخاري (1916) عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ عَمَدْتُ إِلَى عِقَالٍ أَسْوَدَ وَإِلَى عِقَالٍ أَبْيَضَ فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِي

فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي اللَّيْلِ فَلا يَسْتَبِينُ لِي فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ. وفي رواية للبخاري (4510) : (إِنَّكَ لَعَرِيضُ) . وفي رواية أخرى له أيضاً (4509)

: ( إِنَّ وِسَادَكَ إِذًا لَعَرِيضٌ أَنْ كَانَ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ وَالأَسْوَدُ تَحْتَ وِسَادَتِكَ) . وفي أخرى (4510) : (إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا) .

وقصة عدي رضي الله عنه وقعت بعد نزول قوله تعالى : (مِنَ الْفَجْرِ) أي بعد حديث سهل السابق .

وقد اعتذر بعض العلماء عن خطأ عدي في هذا الفهم مع نزول قوله تعالى (مِنَ الْفَجْرِ ) بأن عديا لم يبلغه حديث سهل ، أو لم يكن من لغة قومه استعمال الخيط الأبيض والخيط الأسود للدلالة على الليل والنهار .

ولذلك ترجم ابن حبان لحديث عدي بقوله : "ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْعَرَبَ تَتَفَاوَتُ لُغَاتُهَا" وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ عَدِيًّا لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ فِي لُغَتِهِ أَنَّ سَوَادَ اللَّيْلِ وَبَيَاضَ النَّهَارِ يُعَبَّرُ عَنْهُمَا بِالْخَيْطِ الأَسْوَدِ وَالْخَيْطِ الأَبْيَضِ .

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : حَدِيث عَدِيٍّ مُتَأَخِّرٌ عَنْ حَدِيثِ سَهْلٍ , فَكَأَنَّ عَدِيًّا لَمْ يَبْلُغْهُ مَا جَرَى فِي حَدِيثِ سَهْلٍ ، وَإِنَّمَا سَمِعَ الآيَةَ مُجَرَّدَةً فَفَهِمَهَا عَلَى مَا وَقَعَ لَهُ اهـ .

وقال الحافظ : وَأَمَّا عَدِيٌّ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي لُغَةِ قَوْمِهِ اِسْتِعَارَةُ الْخَيْطِ لِلصُّبْحِ , أَوْ نَسِيَ قَوْلَهُ : (مِنْ الْفَجْرِ) حَتَّى ذَكَّرَهُ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اهـ .

وقَالَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا للقاضي عِيَاضٍ : وَإِنَّمَا حَمَلَ الْخَيْطَ الأَبْيَضَ وَالأَسْوَدَ عَلَى ظَاهِرِهِمَا بَعْضُ مَنْ لا فِقْهَ عِنْدَهُ مِنْ الأَعْرَابِ كَالرِّجَالِ الَّذِينَ حُكِيَ عَنْهُمْ سَهْلٌ وَبَعْضُ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي لُغَتِهِ اِسْتِعْمَالُ الْخَيْطِ فِي الصُّبْحِ كَعَدِيٍّ اهـ .

وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا)

فقد زعم بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بذلك أنه فِيهِ غَبَاوَةٌ وَغَفْلَةٌ .

وادعى هؤلاء أن عُرْضَ الْقَفَا مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الغباوة, وَأَنْشَدَوا فِي ذَلِكَ شِعْرًا .

وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ كَثِيرٌ من العلماء مِنْهُمْ الْقُرْطُبِيُّ والقاضي عياض والنووي .

قال القرطبي :

"حَمَلَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى الذَّمِّ لَهُ عَلَى ذَلِكَ الْفَهْمِ وَكَأَنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّهُ نَسَبَهُ إِلَى الْجَهْلِ وَالْجَفَاءِ وَعَدَمِ الْفِقْهِ , وَلَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالُوهُ .

. وَإِنَّمَا عَنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ وِسَادَك إِنْ كَانَ يُغَطِّي الْخَيْطَيْنِ اللَّذَيْنِ أَرَادَ اللَّهُ فَهُوَ إِذًا عَرِيضٌ وَاسِعٌ , وَلِهَذَا قَالَ فِي أَثَرِ ذَلِكَ : إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ ,

فَكَأَنَّهُ قَالَ : فَكَيْفَ يَدْخُلَانِ تَحْتَ وِسَادَتِك ؟ وَقَوْلُهُ " إِنَّك لَعَرِيضُ الْقَفَا " أَيْ إِنَّ الْوِسَادَ الَّذِي يُغَطِّي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَرْقُدُ عَلَيْهِ إِلا قَفًا عَرِيضٌ لِلْمُنَاسَبَةِ اهـ باختصار .

وقَالَ الْقَاضِي : مَعْنَاهُ إِنْ جَعَلْت تَحْت وِسَادك الْخَيْطَيْنِ الَّذِينَ أَرَادَهُمَا اللَّه تَعَالَى وَهُمَا اللَّيْل وَالنَّهَار فَوِسَادُك يَعْلُوهُمَا وَيُغَطِّيهِمَا , وَحِينَئِذٍ يَكُون عَرِيضًا

, وَهُوَ مَعْنَى الرِّوَايَة الأُخْرَى فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ (إِنَّك لَعَرِيض الْقَفَا) وَهُوَ مَعْنَى الرِّوَايَة الأُخْرَى : (إِنَّك لَضَخْمٌ) اهـ .

انظر : فتح الباري شرح حديث رقم (1917) ، (1916). ،

شرح مسلم للنووي حديث رقم (1090) ، (1091) .

ومن الأحكام المستنبطة من الآية الكريمة أن من شك في طلوع الفجر فله أن بأكل ويشرب حتى يتيقن طلوعه لأن الله تعالى قال : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ) .

رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : أَحَلَّ اللَّهُ لَك الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ مَا شَكَكْت. قال الحافظ : إِسْنَاده صَحِيحٍ.

وَرَوَى اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ عن أَبِي الضُّحَى قَالَ : سَأَلَ رَجُلٌ اِبْنَ عَبَّاسٍ عَنْ السُّحُورِ , فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ : كُلْ مَا شَكَكْت حَتَّى لا تَشُكَّ . قَالَ اِبْنُ الْمُنْذِرِ : وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ صَارَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ .

قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (6/247) .

"من أتى مفطرا ، وهو شاك في طلوع الفجر فصومه صحيح

لأن الله سبحانه وتعالى قال : ( فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) البقرة/187.

وضد التبين الشك والظن ، فما دمنا لم يتبين لنا فلنا أن نأكل ونشرب ، وهذه المسألة لها خمسة أقسام :

1- أن يتيقن أن الفجر لم يطلع ، مثل : أن يكون طلوع الفجر في الساعة الخامسة ، ويكون أكله وشربه في الساعة الرابعة والنصف فصومه صحيح .

2- أن يتيقن أن الفجر طلع ، كأن يأكل الساعة الخامسة والنصف فهذا صومه فاسد .

3- أن يأكل وهو شاك هل طلع الفجر أو لا ، ويغلب على ظنه أنه لم يطلع ؟ فصومه صحيح .

4- أن يأكل ويشرب ، ويغلب على ظنه أن الفجر طالع فصومه صحيح .

5- أن يأكل ويشرب مع التردد الذي ليس فيه رجحان فصومه صحيح" اهـ .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-17, 19:13
تفسير : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا)

السؤال

قال الله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) ما معنى : أمة وسطا ؟

وما المقصود بالشهادة على الناس ؟.

الجواب

الحمد لله

قال تعالى : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) البقرة/143 .

جاءت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية تبين أن المراد من قوله تعالى : ( أمة وسطاً )

أي : عدلاً خياراً . وأن المراد من الشهادة على الناس : الشهادة على الأمم يوم القيامة أن رسلهم قد بلغوهم رسالات الله . ولم تخرج كلمات المفسرين عن ذلك المعنى .

روى البخاري (4487) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يُدْعَى نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلام يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ : هَلْ بَلَّغْتَ ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ ؛ فَيُدْعَى قَوْمُهُ فَيُقَالُ لَهُمْ : هَلْ بَلَّغَكُمْ ؟

فَيَقُولُونَ : مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ أَوْ مَا أَتَانَا مِنْ أَحَدٍ , قَالَ : فَيُقَالُ لِنُوحٍ : مَنْ يَشْهَدُ لَكَ ؟ فَيَقُولُ : مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ ,

قَالَ : فَذَلِكَ قَوْلُهُ : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا )

قَالَ : الْوَسَطُ الْعَدْلُ ) وزاد أحمد (10891) : ( قَالَ : فَيُدْعَوْنَ فَيَشْهَدُونَ لَهُ بِالْبَلاغِ , قَالَ : ثُمَّ أَشْهَدُ عَلَيْكُمْ ) .

وروى الإمام أحمد (1164) وابن ماجه (4284)عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَجِيءُ النَّبِيُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَعَهُ الرَّجُلُ , وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ الرَّجُلانِ وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَيُدْعَى قَوْمُهُ فَيُقَالُ لَهُمْ :

هَلْ بَلَّغَكُمْ هَذَا ؟ فَيَقُولُونَ : لا فَيُقَالُ لَهُ : هَلْ بَلَّغْتَ قَوْمَكَ ؟

فَيَقُولُ : نَعَمْ , فَيُقَالُ لَهُ : مَنْ يَشْهَدُ لَكَ ؟

فَيَقُولُ : مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ ؛ فَيُدْعَى مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ ؛ فَيُقَالُ لَهُمْ : هَلْ بَلَّغَ هَذَا قَوْمَهُ ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ؛ فَيُقَالُ : وَمَا عِلْمُكُمْ ؟

فَيَقُولُونَ : جَاءَنَا نَبِيُّنَا فَأَخْبَرَنَا أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغُوا , فَذَلِكَ قَوْلُهُ

: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) قَالَ : يَقُولُ : عَدْلا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2448) .

قال ابن جرير الطبري في تفسير الآية :

" فمعنى ذلك : وكذلك جعلناكم أمة وسطاً عدولاً شهداء لأنبيائي ورسلي على أممها بالبلاغ أنها قد بلغت ما أمرت ببلاغه من رسالاتي إلى أممها ,

ويكون رسولي محمد صلى الله عليه وسلم شهيداً عليكم بإيمانكم به , وبما جاءكم به من عندي " انتهى .

"جامع البيان " (2/8) .

وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية :

" والوسط ههنا الخيار والأجود , كما يقال : قريش أوسط العرب نسباً وداراً أي : خيارها ,

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطاً في قومه , أي أشرفهم نسباً , ومنه : الصلاة الوسطى التي هي أفضل الصلوات وهي صلاة العصر كما ثبت في الصحاح وغيرها . . .

( لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ )

قال : لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم ، لأن الجميع معترفون لكم بالفضل " انتهى باختصار .

"تفسير ابن كثير" (1/181) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" ومن فوائد الآية : فضل هذه الأمة على جميع الأمم ؛ لقوله تعالى : ( وسطاً ) .

ومنها : عدالة هذه الأمة ؛ لقوله تعالى : ( لتكونوا شهداء على الناس ) ؛ والشهيد قوله مقبول .

ومنها : أن هذه الأمة تشهد على الأمم يوم القيامة ؛ لقوله تعالى : ( لتكونوا شهداء على الناس ) ؛ والشهادة تكون في الدنيا ، والآخرة

فإذا حشر الناس ، وسئل الرسل : هل بلغتم ؟

فيقولون : نعم ؛ ثم تسأل الأمم : هل بُلِّغتم ؟

فيقولون : ما جاءنا من بشير ولا نذير ؛ ما جاءنا من أحد ؛ فيقال للرسول : من يشهد لك ؟

فيقول : ( محمد وأمته ) ؛ يُستشهدون يوم القيامة ، ويَشهدون ؛ فيكونون شهداء على الناس .

فإذا قال قائل : كيف تشهد وهي لم تر ؟

نقول : لكنها سمعت عمن خبره أصدق من المعاينة ، صلوات الله وسلامه عليه " انتهى .

"تفسير سورة البقرة" (2/115، 116) باختصار .

ونقل البغوي في تفسيره (1/122)

عن الكلبي أنه قال : ( وَسَطاً ) : "

يعني : أهل دين وسط ، بين الغلو والتقصير ، لأنهما مذمومان في الدين " .

وقال الشيخ السعدي في تفسيره (ص 66) :

" أي : عدلا خيارا . وما عدا الوسط , فالأطراف داخلة تحت الخطر . فجعل الله هذه الأمة وسطا في كل أمور الدين . وسطا في الأنبياء

, بين من غلا فيهم كالنصارى , وبين من جفاهم كاليهود , بأن آمنوا بهم كلهم على الوجه اللائق بذلك .

ووسطا في الشريعة , لا تشديدات اليهود وآصارهم , ولا تهاون النصارى .

وفي باب الطهارة والمطاعم , لا كاليهود الذين لا تصح لهم صلاة إلا في بِيَعهم وكنائسهم ,

ولا يطهرهم الماء من النجاسات ,

وقد حرمت عليهم الطيبات , عقوبة لهم . ولا كالنصارى الذين لا ينجسون شيئا , ولا يحرمون شيئا

بل أباحوا ما دب ودرج . بل طهارتهم أكمل طهارة وأتمها . وأباح الله لهم الطيبات من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح , وحرم عليهم الخبائث من ذلك . فلهذه الأمة من الدين : أكمله , ومن الأخلاق : أجلها ,

ومن الأعمال : أفضلها . ووهبهم الله من العلم والحلم والعدل والإحسان , ما لم يهبه لأمة سواهم . فلذلك كانوا ( أُمَّةً وَسَطًا ) كاملين معتدلين , ليكونوا ( شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) بسبب عدالتهم وحكمهم بالقسط

, يحكمون على الناس من سائر أهل الأديان , ولا يحكم عليهم غيرهم . فما شهدت له هذه الأمة بالقبول , فهو مقبول , وما شهدت له بالرد , فهو مردود .

فإن قيل : كيف يقبل حكمهم على غيرهم , والحال أن كل مختصمين , غير مقبول قول بعضهم على بعض ؟

قيل : إنما لم يقبل قول أحد المتخاصمين , لوجود التهمة .

فأما إذا انتفت التهمة , وحصلت العدالة التامة

, كما في هذه الأمة , فإنما المقصود الحكم بالعدل والحق . وشرط ذلك : العلم والعدل , وهما موجودان في هذه الأمة , فقبل قولها " انتهى .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-03-18, 17:47
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


حديث توسل آدم بالنبي وتفسير : ( وابتغوا إليه الوسيلة )

السؤال

أرجو تفسير قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة ) المائدة/35

وذلك ردّاً على الصوفية في التوسل ، حيث إن بعضهم فسرها بجواز التوسل بالأنبياء والأولياء

أما بالنسبة لحديث آدم لما اقترف الخطيئة فيقولون : إن البيهقي صحح الحديث ، وإن الذهبي أثنى على هذا الكتاب .

الجواب

الحمد لله

أولاً :

حديث اقتراف آدم للخطيئة وتوسله بالنبي صلى الله عليه وسلم حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آدم عليه السلام .

وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال القادم

ونقلنا عن أهل العلم تبيينهم لكذبه ، ومن هؤلاء العلماء الإمام الذهبي رحمه الله .

والبيهقي رحمه الله لم يرو الحديث في سننه ، بل رواه في "دلائل النبوة" (5/489) وضعَّفه ، فقد قال بعد سياقه للحديث : " تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وهو ضعيف " .

ومما يرجح نكارة المتن وبطلانه : أن الدعاء الذي قبِل الله به توبة آدم هو ما قاله الله في سورة الأعراف : ( قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) الأعراف/23

فهذا هو الدعاء الذي دعا به آدم وحواء ، وفيه دعاء الله تعالى وحده ، والتوسل بأسمائه وصفاته ، والتوسل بذكر حالهم ، وهي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه ثم قالها فتاب الله تعالى عليه ،

كما قال تعالى : ( فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) البقرة/37 .

ثانياً :

أما تفسير لفظ " الوسيلة " في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) المائدة/35 :

فهي الطريق الموصلة إلى الله تعالى ، ولا طريق موصلة إليه عز وجل إلا الطريق التي يحبها الله ويرضى عنها ، وتكون بطاعته وترك معصيته .

قال ابن كثير رحمه الله :

" يقول تعال آمراً عباده المؤمنين بتقواه ، وهي إذا قرنت بطاعته كان المراد بها الانكفاف من المحارم وترك المنهيات ،

وقد قال بعدها : ( وابتغوا إليه الوسيلة ) قال سفيان الثوري عن طلحة عن عطاء عن ابن عباس : أي : القربة

وكذا قال مجاهد وأبو وائل والحسن وقتادة وعبد الله بن كثير والسدي وابن زيد وغير واحد

وقال قتادة : أي : تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه

وقرأ ابن زيد : ( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ) ، وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه .

والوسائل والوسيلة : هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود " انتهى .

"تفسير ابن كثير" (2/53، 54) .

وقال الشنقيطي رحمه الله :

" اعلم أن جمهور العلماء على أن المراد بالوسيلة هنا هو القربة إلى الله تعالى بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه على وفق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بإخلاص في ذلك لله تعالى

لأن هذا وحده هو الطريق الموصلة إلى رضى الله تعالى ، ونيل ما عنده من خير الدنيا والآخرة .

وأصل الوسيلة : الطريق التي تقرب إلى الشيء ، وتوصل إليه وهي العمل الصالح بإجماع العلماء

لأنه لا وسيلة إلى الله تعالى إلا باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا فالآيات المبينة للمراد من الوسيلة كثيرة جدّاً

كقوله تعالى : ( وَمَآ ءَاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ )

وكقوله : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى ) ، وقوله : ( قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ ) ، إلى غير ذلك من الآيات .

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المراد بالوسيلة الحاجة . . .

وعلى هذا القول الذي روي عن ابن عباس فالمعنى : ( وَٱبْتَغُواْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ ) : واطلبوا حاجتكم من الله ؛ لأنه وحده هو الذي يقدر على إعطائها

ومما يبين معنى هذا الوجه قوله تعالى : ( إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزْقَ وَٱعْبُدُوهُ )

وقوله : ( وَٱسْأَلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضْلِهِ ) ، وفي الحديث : ( إذا سألتَ فاسأل الله ) .

ثم قال الشنقيطي رحمه الله :

التحقيق في معنى الوسيلة هو ما ذهب إليه عامة العلماء من أنها التقرب إلى الله تعالى بالإخلاص له في العبادة ، على وفق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتفسير ابن عباس داخل في هذا

لأن دعاء الله والابتهال إليه في طلب الحوائج من أعظم أنواع عبادته التي هي الوسيلة إلى نيل رضاه ورحمته .

وبهذا التحقيق تعلم أن ما يزعمه كثير من ملاحدة أتباع الجهَّال المدعين للتصوُّف من أن المراد بالوسيلة في الآية الشيخ الذي يكون له واسطة بينه وبين ربه : أنه تخبط في الجهل والعمى وضلال مبين

وتلاعب بكتاب الله تعالى ، واتخاذ الوسائط من دون الله من أصول كفر الكفار

كما صرح به تعالى في قوله عنهم : ( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ )

وقوله : ( وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَـٰؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِى ٱلسَّمَـوَتِ وَلاَ في ٱلأرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ )

فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الطريق الموصلة إلى رِضى الله وجنته ورحمته هي اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن حاد عن ذلك فقد ضل سواء السبيل ، ( لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ ) .

وهذا الذي فسرنا به الوسيلة هنا هو معناها أيضاً في قوله تعالى : ( أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ )

وليس المراد بالوسيلة أيضاً المنزلة التي في الجنة التي أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نسأل له الله أن يعطيه إياها ، نرجو الله أن يعطيه إياها ؛ لأنها لا تنبغي إلا لعبد ، وهو يرجو أن يكون هو " انتهى باختصار .

"أضواء البيان" (2/86– 88) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-18, 17:49
بطلان حديث توسل آدم بمحمد عليهما الصلاة والسلام

السؤال

قرأت هذا الحديث وأريد أن أعرف هل هو صحيح أو غير صحيح ؟

( لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي . فقال الله : يا آدم ، وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه ؟ قال : يا رب ، لأنك لما خلقتني بيدك ، ونفخت في من روحك، رفعت رأسي

فرأيت على قوائم العرش مكتوبا : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك . فقال الله : صدقت يا آدم ، إنه لأحب الخلق إلي ، ادعني بحقه ، فقد غفرت لك ، ولولا محمد ما خلقتك ).

الجواب

الحمد لله

هذا الحديث موضوع ، رواه الحاكم من طريق عبد الله بن مسلم الفهري

حدثنا إسماعيل بن مسلمة ، أنبأ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما اقترف آدم الخطيئة . .

. ثم ذكر الحديث باللفظ الذي ذكره السائل .

وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد اهـ .

هكذا قال الحاكم ! وقد تعقبه جمع من العلماء ، وأنكروا عليه تصحيحه لهذا الحديث ، وحكموا على هذا الحديث بأنه باطل موضوع ، وبينوا أن الحاكم نفسه قد تناقض في هذا الحديث .

وهذه بعض أقوالهم في ذلك :

قال الذهبي متعقبا على كلام الحاكم السابق : بل موضوع ، وعبد الرحمن واهٍ ، وعبد الله بن مسلم الفهري لا أدري من هو اهـ .

وقال الذهبي أيضاً في "ميزان الاعتدال" : خبر باطل اهـ .

وأقره الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" .

وقال البيهقي : تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، من هذا الوجه، وهو ضعيف اهـ . وأقره ابن كثير في البداية والنهاية (2/323) .

وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (25) : موضوع اهـ .

والحاكم نفسه –عفا الله عنه- قد اتهم عبد الرحمن بن زيد بوضع الحديث ، فكيف يكون حديثه صحيحاً ؟!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة" (ص 69) :

ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أنكر عليه ، فإنه نفسه قد قال في كتاب "المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم" :

عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه ، قلت : وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف باتفاقهم يغلط كثيراً اهـ .

انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني (1/38-47) .

*عبدالرحمن*
2019-03-18, 17:51
المقصود بالجنة والناس في سورة الناس

السؤال

ما المقصود بالجِنّة والنَّاس في سورة الناس ، هل هم شياطين الإنس والجن أم ماذا ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

قال الله تعالى : ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس *ِ مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاس * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاس *ِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاس ) . سورة الناس

في هذه الآيات الكريمة أمر بالاستعاذة من الوسواس الخناس ، الذي يوسوس في صدور الناس .

وفيها بيان حال هذا الوسواس ، وأنه قد يكون من الجن ، وقد يكون من الإنس .

قال الحسن : هما شيطانان ، أما شيطان الجن فيوسوس في صدور الناس ، وأما شيطان الإنس فيأتي علانية .

وقال قتادة : إن من الجن شياطين ، وإن من الإنس شياطين ، فتعوذ بالله من شياطين الإنس والجن .

هذا هو الصحيح في معنى هذه الآية الكريمة .

قال ابن القيم رحمه الله :

" فالصواب في معنى الآية أن قوله : ( مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ) بيان للذي يوسوس ،

وأنهم نوعان : إنس وجن ، فالجني يوسوس في صدور الإنس ، والإنسي أيضا يوسوس في صدور الإنس . . . .

ونظير اشتراكهما في هذه الوسوسة : اشتراكهما في الوحي الشيطاني

قال الله تعالى : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ) الأنعام/112 .

فالشيطان يوحي إلى الإنسي باطله ، ويوحيه الإنسي إلى إنسي مثله ، فشياطين الإنس والجن يشتركان في الوحي الشيطاني ، ويشتركان في الوسوسة . . . .

وتدل الآية على الاستعاذة من شر نوعي الشياطين : شياطين الإنس وشياطين الجن " انتهى باختصار .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "تفسير جزء عم" :

" وقوله : ( مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاس )

أي : أن الوساوس تكون من الجن ، وتكون من بني آدم .

أما وسوسة الجن ؛ فظاهر ؛ لأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم .

وأما وسوسة بني آدم ؛ فما أكثرَ الذين يأتون إلى الإنسان يوحون إليه بالشر ، ويزينونه في قلبه حتى يأخذ هذا الكلام بلُبِّه وينصرف إليه " انتهى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-18, 17:55
هل تدخل النساء في قوله تعالى (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) ؟

السؤال

قال تعالى : ( ولا تؤتوا السفهاء أمولكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا ) النساء/5 .

وحسب تفسير ابن كثير فإن " السفهاء " في هذه الآية يقصد بها النساء والأطفال ، وأشعر أن الآية تقول إنه يجب على الأزواج ألا يعطوا المال لزوجاتهم لينفقن أو ألا يعطوا دخلهم لزوجاتهم لينفقن منها لأنهن سفيهات وغير حكيمات

فهل هذا الفهم صحيح أم أني أخرجت المعنى عن السياق ؟

أرجو أن توضح معنى الآية حيث إني مشغولة بذلك كثيراً .

الجواب

الحمد لله

ذكر بعض المفسرين في الآية أن " السفهاء" هم النساء

وهذا القول غير صحيح

بل المراد بـ "السفيه" كل من لا يحسن التصرف في المال

ذكراً كان أم أنثى ، فيشمل : المجنون ، والصبي الصغير ، الرجل البالغ - وكذلك المرأة - الذي لا يحسن التصرف في المال ، بل يضيعه وينفقه على ما لا ينفعه .

وقد رد بعض المفسرين القول بأن المراد بذلك النساء ، واستبعدوه لغة وشرعاً .

أما لغة فقالوا : إنه لا يقال في النساء " سفهاء " بل " سفائه " ، و " سفيهات " .

وأما شرعاً فلتواتر النصوص القرآنية والنبوية المبينة لتملك النساء للمال ولتعاملهن بيعاً وشراءً وإجارة ، ولا يزال الأزواج يعطون نساءهم نفقة البيت للقيام على شئونه

ولما منع أبو سفيان النفقة عن زوجته واشتكت للنبي صلى الله عليه وسلم قال لها النبي صلى الله عليه وسلم : ( خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف )

رواه البخاري (2097) ومسلم (1714) .

قال القرطبي :

واختلف العلماء في هؤلاء " السفهاء " من هم فعن سعيد بن جبير قال : هم اليتامى لا تؤتوهم أموالكم ، قال النحاس : وهذا من أحسن ما قيل في الآية

وروى إسماعيل بن أبي خالد عن أبي مالك قال : هم الأولاد الصغار لا تعطوهم أموالكم فيفسدوها وتبقوا بلا شيء ، وروى سفيان عن حميد الأعرج عن مجاهد قال : هم النساء

قال النحاس وغيره : وهذا القول لا يصح ، إنما تقول العرب في النساء " سفائه " أو " سفيهات " . .

. وقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه : السفهاء هنا كل من يستحق الحجر .

"تفسير القرطبي" (5/28) .

وذكر ابن جرير الطبري رحمه الله أقوال المفسرين في الآية – ومنها القول بأن المراد بذلك النساء – ثم قال :

" والصواب من القول في تأويل ذلك عندنا أن الله جل ثناؤه عم بقوله : ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ) فلم يخصص سفيها دون سفيه

فغير جائز لأحد أن يؤتي سفيها ماله صبيا صغيرا كان أو رجلا كبيرا ، ذكرا كان أو أنثى ، والسفيه الذي لا يجوز لوليه أن يؤتيه ماله ، هو المستحق الحجر بتضييعه ماله وفساده وإفساده وسوء تدبيره ذلك . . .

وأما قول من قال : عنى بالسفهاء النساء خاصة ، فإنه جعل اللغة على غير وجهها " انتهى .

"تفسير الطبري" (3/249) .

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :

" السفهاء ، جمع " سفيه " وهو : من لا يحسن التصرف في المال ، إما لعدم عقله ، كالمجنون والمعتوه

ونحوهما ، وإما لعدم رشده ، كالصغير وغير الرشيد ، فنهى الله الأولياء أن يُؤتوا هؤلاء أموالهم خشية إفسادها وإتلافها

لأن الله جعل الأموال قياماً لعباده في مصالح دينهم ودنياهم ، وهؤلاء لا يُحسنون القيام عليها وحفظها " انتهى .

"تفسير السعدي" (ص130، 131) .

فتبين بذلك أنه لا حرج على الرجل أن يعطي المال لزوجته لتنفق منه على البيت ، إذا كانت عاقلة رشيدة بحيث تحسن التصرف في المال .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-18, 17:59
من هم الولدان المخلدون ؟

السؤال

هل الولدان المخلدون هم أطفال المسلمين الذين ماتوا صغارا ؟؟ .

الجواب

الحمد لله

قال الله تعالى في شأن أهل الجنة : ( يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ ) الواقعة /

17 وقال تعالى : ( وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً ) الإنسان/19

قال ابن كثير رحمه الله :

أي : يطوف على أهل الجنة للخدمة ولدان من ولدان الجنة

مخلدون : أي : على حالة واحدة ، مخلدون عليها لا يتغيرون عنها ؛ لا تزيد أعمارهم عن تلك السن .

قال ابن عباس رضي الله عنهما : غلمان لا يموتون .

قال ابن القيم رحمه الله

: قال أبو عبيدة والفراء : مخلدون : لا يهرمون ولا يتغيرون ؛ قال : والعرب تقول للرجل إذا كبر ولم يشمط : إنه لمخلد ، وإذا لم تذهب أسنانه من الكبر قيل : هو مخلد .

وقوله تعالى في وصفهم ، في سورة الإنسان : ( إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا )

أي : إذا رأيتهم في انتشارهم في قضاء حوائج السادة ، وكثرتهم وصباحة وجوههم وحسن ألوانهم وثيابهم وحليهم ، حسبتهم لؤلؤا منثورا ، ولا يكون التشبيه أحسن من هذا

ولا في المنظر أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن .

قال ابن القيم رحمه الله

: وشبههم سبحانه باللؤلؤ المنثور لما فيه من البياض وحسن الخلقة. وفي كونه منثورا فائدتان :

إحداهما : الدلالة على أنهم غير معطلين ، بل مبثوثون في خدمتهم وحوائجهم .

الثانية : أن اللؤلؤ إذا كان منثورا ، ولاسيما على بساط من ذهب أو حرير ، كان أحسن لمنظره وأبهى ، من كونه مجموعا في مكان واحد .

وقد اختلف العلماء فيمن يكون هؤلاء الولدان :

فروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، والحسن البصري أن المراد بالولدان هنا ولدان المسلمين الذين يموتون صغارا ولا حسنة لهم ولا سيئة .

وروي عن سلمان رضي الله عنه أنه قال : أطفال المشركين هم خدم أهل الجنة .

قال الحسن : لم يكن لهم حسنات يجزون بها ، ولا سيئات يعاقبون عليها ، فوضعوا في هذا الموضع .

قال شيخ الإسلام رحمه الله :

ولا أصل لهذا القول .

" مجموع الفتاوى " (4/279) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

وقد روى في ذلك حديث لا يثبت .

وقيل : إن هؤلاء الولدان أنشأهم الله لأهل الجنة ، يطوفون عليهم كما شاء ، من غير ولادة .

وهذا القول الأخير هو الذي ارتضاه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى . فقد سئل رحمه الله : عن الولدان : هل هم ولدان أهل الجنة ؟

فأجاب : الولدان الذين يطوفون على أهل الجنة خلق من خلق الجنة ; ليسوا بأبناء أهل الدنيا بل أبناء أهل الدنيا إذا دخلوا الجنة يكمل خلقهم كأهل الجنة ؛

على صورة آدم أبناء ثلاث وثلاثين سنة ، في طول ستين ذراعا . وقد روي أيضا أن العرض سبعة أذرع .

انظر : مجموع الفتاوى : 4/312

واستظهر ابن القيم رحمه الله هذا القول أيضا . قال : والأشبه أن هؤلاء الولدان مخلوقون من الجنة ، كالحور العين ، خدما لهم وغلمانا ...

وهؤلاء غير أولادهم ؛ فإن من تمام كرامة الله تعالى لهم أن يجعل أولادهم مخدومين معهم ، ولا يجعلهم غلمانا لهم .

راجع أيضا : السؤال القادم

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-18, 18:04
مصير الأطفال الذين ماتوا صغارا في الجنة أم في النار

السؤال

هل جميع الأطفال الذين ماتوا قبل البلوغ سيدخلون الجنة أم الأطفال الذين آباؤهم مسلمون فقط ؟.

الجواب

الحمد لله

الكلام يكون إن شاء الله في مقامين :

الأول : مصير أطفال المسلمين .

والثاني : مصير أطفال الكفار .

= أما الأول : وهو مصير أطفال المسلمين :

فقد قال ابن كثير رحمه الله : فأما ولدان المؤمنين فلا خلاف بين العلماء كما حكاه القاضي أبو يعلى بن الفراء الحنبلي عن الإمام أحمد أنه قال : لا يختلف فيهم أنهم من أهل الجنة . وهذا هو المشهور بين الناس

( أي عامة العلماء ) وهو الذي نقطع به إن شاء الله عز وجل

أ.هـ " تفسير القرآن العظيم " ( 3 / 33 ) .

وقال الإمام أحمد رحمه الله :

من يشك أن أولاد المسلمين في الجنة ؟!

وقال أيضا : إنه لا اختلاف فيهم . أ.هـ " حاشية ابن القيم على سنن أبي داود " ( 7/ 83) .

وقال الإمام النووي : أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة ؛ لأنه ليس مكلفا .

أ.هـ " شرح مسلم " (16 / 207) .

وقال القرطبي :

إن قول أنهم في الجنة هو قول الأكثر ، وقال : وقد أنكر بعض العلماء الخلاف فيهم. "

التذكرة " (2/328) .

= وأما الثاني : وهو مصير أطفال الكفار :

فقد اختلف العلماء فيه إلى أقوال :

1. أنَّهم في الجنَّة - وبعضهم يقول : إنَّهم على الأعراف ، ومردُّ هذا القول أنَّهم في الجنَّة لأن هذا هو حال أهل الأعراف - . وهو قول الأكثر من أهل العلم كما نقله عنهم ابن عبد البر في "

التمهيد " (18/96) .

ودليلهم :

أ . حديث سمرة رضي الله عنه : أنه عليه السلام رأى مع إبراهيم عليه السلام أولاد المسلمين وأولاد المشركين . رواه البخاري (6640 ) .

ب . عن حسناء بنت معاوية من بني صريم قالت حدثني عمي قال قلت يا رسول الله من في الجنة قال النبي في الجنة والشهيد في الجنة والمولود في الجنة والوئيد في الجنة .

رواه الإمام أحمد ( 5/409 ) . ضعفه الألباني في " ضعيف الجامع " (5997) .

2. أنَّهم مع آبائهم في النار . وقد نسب القاضي أبو يعلى هذا القول لأحمد ! وغلَّطه شيخ الإسلام جدّاً .

انظر " حاشية ابن القيم على سنن أبي داود " (7/ 87) .

ودليلهم :

أ . عن سلمة بن قيس الأشجعي قال أتيت أنا وأخي النبي صلى الله عليه وسلم

فقلنا إن أُمّنا ماتت في الجاهلية وكانت تقري الضيف وتصل الرحم وأنها وأدت أختا لنا في الجاهلية لم تبلغ الحنث فقال الوائدة والمؤودة في النار إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فتسلم .

والحديث حسنه الحافظ ابن كثير في " التفسير " ( 3/ 33) ، ومن قبله ابن عبد البر في "

التمهيد " ( 18/120 ) .

ب . ولهم أحاديث أخرى ، لكنها ضعيفة .

3. التوقف فيهم . وهو قول حماد بن زيد وحماد بن سلمة وابن المبارك وإسحاق بن راهويه .

دليلهم :

أ . عن ابن عباس سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين قال الله أعلم بما كانوا عاملين .

رواه البخاري (1383) ومسلم (2660) .

ب . ومثله من حديث أبي هريرة .

رواه البخاري (1384) ومسلم (2659).

4. ومنهم من قال : إنَّهم خدم أهل الجنَّة .

قال شيخ الإسلام رحمه الله : ولا أصل لهذا القول .

" مجموع الفتاوى " (4/279) .

قلت : وقد ورد ذلك في حديث عند الطبراني والبزار ، لكن ضعفه الأئمة ومنهم الحافظ ابن حجر في "

الفتح " ( 3/246) .

5. أنَّهم يُمتحنون في الآخرة ، فمن أطاع الله دخل الجنة ، ومن عصى دخل النار . وهو قول معظم أهل السنة والجماعة كما نقله عنهم أبو الحسن الأشعري

وهو قول البيهقي ، وطائفة من المحققين ، وهو الذي مال إليه شيخ الإسلام ابن تيمية

وذكر أنه مقتضى نصوص الإمام أحمد ، وهو الذي رجحه الحافظ ابن كثير

وقال : وهذا القول يجمع بين الأدلة كلها وقد صرحت به الأحاديث المتقدمة المتعاضدة الشاهد بعضها لبعض . "

التفسير " (3/31) .

دليلهم :

أ . عن أنس قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يؤتى بأربعة يوم القيامة : بالمولود ، والمعتوه ، ومن مات في الفترة ، والشيخ الفاني ، كلهم يتكلم بحجته

فيقول الرب تبارك وتعالى لعُنُق من النار : أُبْرزْ ، ويقول لهم : إني كنت أبعث إلى عبادي رسلا من أنفسهم ، وإني رسول نفسي إليكم ، اُدخلوا هذه ( أي النار )

قال : فيقول من كتب عليه الشقاء : يا رب أنى ندخلها ومنها كنا نفرّ ، قال : ومن كتب عليه السعادة يمضي فيقتحم فيها مسرعاً

قال : فيقول الله تعالى أنتم لرسلي أشد تكذيبا ومعصية ، فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار" .

رواه أبو يعلى ( 4224)

وله شواهد كثيرة ذكرها الحافظ ابن كثير في " التفسير ( 3 /29-31).

وقال ابن القيم رحمه الله :

وهذا أعدل الأقوال وبه يجتمع شمل الأدلة وتتفق الأحاديث في هذا الباب .

وعلى هذا فيكون بعضهم في الجنة كما في حديث سمرة ، وبعضهم في النار كما دل عليه حديث عائشة ، وجواب النبي صلى الله عليه وسلم يدل على هذا ؛ فإنه قال : "الله أعلم بما كانوا عاملين إذْ خلقهم"

ومعلوم أن الله لا يعذبهم بعلمه فيهم ما لم يقع معلومه ، فهو إنما يعذب من يستحق العذاب على معلومه وهو متعلق علمه السابق فيه لا على علمه المجدد وهذا العلم يظهر معلومه في الدار الآخرة.

وفي قوله : "الله أعلم بما كانوا عاملين" : إشارة إلى أنه سبحانه كان يعلم ما كانوا عاملين لو عاشوا ، وأن من يطيعه وقت الامتحان كان ممن يطيعه لو عاش في الدنيا

ومن يعصيه حينئذ كان ممن يعصيه لو عاش في الدنيا فهو دليل على تعلق علمه بما لم يكن لو كان كيف كان يكون .

.. والله أعلم . أ.هـ " حاشية ابن القيم على سنن أبي داود " ( 7/87 ) .

= وما جاء في بعض الأحاديث السابقة أنهم في الجنة أو النار لا يشكل على ما رجحناه

قال ابن كثير رحمه الله

: أحاديث الامتحان أخص منه فمن علم الله منه أنه يطيع جعل روحه في البرزخ مع إبراهيم وأولاد المسلمين الذين ماتوا على الفطرة ومن علم منه أنه لا يجيب فأمره إلى الله تعالى ويوم القيامة يكون في النار

كما دلت عليه أحاديث الامتحان ونقله الأشعري عن أهل السنة .

أ.هـ " التفسير " ( 3 / 33 ) .

= وما جاء من قوله صلى الله عليه وسلم " الله أعلم بما كانوا عاملين " : لا يدل على التوقف فيهم .

قال ابن القيم رحمه الله :

وفيما استدلت به هذه الطائفة نظر والنبي صلى الله عليه وسلم لم يُجِب فيهم بالوقف وإنما وكل علم ما كانوا يعملونه لو عاشوا إلى الله وهذا جواب عن سؤالهم كيف يكونون مع آبائهم بغير عمل وهو طرف من الحديث ….

والنبي صلى الله عليه وسلم وَكَل العلم بعملهم إلى الله ، ولم يقل الله أعلم حيث يستقرون أو أين يكونون ، فالدليل غير مطابق لمذهب هذه الطائفة.

أ.هـ " حاشية ابن القيم على سنن أبي داود " ( 7/ 85 ) .

والله أعلم .

: الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-03-18, 18:11
عنده إشكال في تفسير هذه الآية

السؤال

أود معرفة تفسير قول الله تعالى : ( إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ) آل عمران /45

وهل معنى قوله تعالى : ( بِكَلِمَةٍ مِنْهُ ) : بروح منه ، كما يدعي النصارى ؟.

الجواب

الحمد لله

اعلم أيها الأخ الكريم ، وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه

أن الفرق بين ما أنزل الله في كتابه من الهدى ودين الحق

وبين ما يقوله النصارى في نبي الله عيسى عليه السلام ، هو الفرق بين الإيمان والكفر ، بين التوحيد والشرك ، بين الهدى والضلال

هو الفرق بين الظلمات والنور ، نسأل الله أن ينور لنا قلوبنا بتوحيده والإيمان به .

ثم اعلم أخانا أن الواجب على من أشكل معنى شيء من المتشابه في كتاب الله تعالى أن يفهمه في ضوء الآيات المحكمات ، التي هي معظم هذا الكتاب المبين ، وأكثر نصوصه

وهي الأصل الذي يرجع إليه في فهمه واستنباط أحكامه وعبره ، لا أن يعارض آية بأخرى

ولا أن يضرب بعض الوحي ببعض ، أو يتبع المتشابه الذي يشكل فهمه عليه أو على غيره من الناس ، ويترك الواضح المبين ، فتلك هي طريقة أهل البدع والضلال ، عافانا الله وإياكم

قال الله تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ

وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ) آل عمران/7 .

وليست الآية التي ذكرتها مما يدل على قول النصارى في شيء ، بل الآية في سياقها ترد على النصارى ، وتبين ضلالهم وكفرهم برب العالمين .

قال الله تعالى : ( ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ *

إِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنْ الصَّالِحِينَ

* قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ *

وَرَسُولا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ

فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ * وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ) آل عمران/44-51

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

ففي هذا الكلام وجوه تبين أنه مخلوق وليس كما يقوله النصارى :

منها : أنه بين مراده ، وأنه مخلوق حيث قال : ( كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) ، كما قال في الآية الأخرى

: ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) آل عمران/59 .

وقال تعالى في سورة مريم : ( ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) مريم /35

وقال : ( اسمه المسيح عيسى بن مريم ) أخبر أنه ابن مريم ، وأخبر أنه وجيه في الدنيا والآخرة ومن المقربين ؛ وهذه كلها صفة مخلوق .

وقالت مريم : ( أنى يكون لي ولد ) فبين أن المسيح ، الذي هو الكلمة ، هو ولد مريم ، لا ولد الله سبحانه وتعالى .

وقال تعالى في سورة النساء : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ

وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا *

لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا *

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا ) النساء/171-173

فقد نهى النصارى عن الغلو في دينهم ، وأن يقولوا على الله غير الحق ، وبين أن المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، وأمرهم أن يؤمنوا بالله ورسله

فبين أنه رسوله ، ونهاهم أن يقولوا ثلاثة ، وقال ( انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد ) ؛ وهذا تكذيب لقولهم في المسيح : إنه إله حق ، من إله حق ، من جوهر أبيه .

ثم قال : ( سبحانه أن يكون له ولد ) فنزه نفسه وعظمها أن يكون له ولد كما تقوله النصارى .

ثم قال : ( له ما في السموات وما في الأرض ) فأخبر أن ذلك ملك له ، ليس فيه شيء من ذاته .

ثم قال : ( لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا الله ولا الملائكة المقربون )

أي : لن يستنكفوا أن يكونوا عبيدا لله تبارك وتعالى. فمع ذلك البيان الواضح الجلي ، هل يظن ظان أن مراده بقوله : ( وكلمته ) أنه إله خالق ، أو نحو ذلك من أقوالهم الكفرية .

وإنما خُصَّ عيسى عليه السلام باسم الكلمة

لأنه لم يخلق على الوجه المعتاد الذي خلق عليه غيره ، بل خرج عن العادة ، فخلق بأمر الله التكويني له : ( كن )

وهذا هو الكلمة المذكورة ، ولم يخلق من لقاح الذكر للأنثى ، كما هي سنة الله المعروفة في خلق البشر .

وكون عيسى عليه السلام كلمة من الله ، وروحا منه ، كما تدل عليه نصوص الوحي المبين ، لا يوجب أن يكون جزءا من الله تعالى ، قد خرج منه

وانفصل عن ذاته ، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، بل المراد بذلك أنه من عنده سبحانه وتعالى ، كما قال تعالى ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ) الجاثـية/13

وقوله تعالى ( وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ) النحل/53 ، وقوله تعالى : ( مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ) النساء/79 ،

وقال تعالى في شأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرَةً ) البينة/1-2 فهذه الأشياء كلها من الله ، وهي مخلوقة .

وقوله عن المسيح وروح منه خص المسيح بذلك لأنه نفخ في أمه من الروح

فحبلت به من ذلك النفخ ، وذلك غير روحه التي يشاركه فيها سائر البشر ، فامتاز بأنها حبلت به من نفخ الروح فلهذا سمي روحا منه . [

انظر : دقائق التفسير : 1/324 وما بعدها ] .

ثم إن ما في هذه الآيات من التصريح بأن الله تعالى خلقه ، وكذلك يخلق سبحانه ما يشاء ، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء

وإخباره عليه السلام بأن ما جاء به من الآيات والمعجزات إنما هو من عند الله وبإذنه ، آية لهم على وحدانيته سبحانه وتعالى ، ثم ختم الآيات بالتصريح بالمقصود منها ، وهو أمرهم بعبادة الله رب عيسى

ورب من أرسل إليهم عيسى عليه السلام كذلك واضح الدلالة على بطلان ما يدعيه النصارى في عيسى عليه السلام وأمه ، وتصريح برد كفرهم وضلالهم .

وكما ذكرت هذه الآية أن عيسى كلمة من الله تعالى ، وفيها ما يدل على المراد ، قد ورد ذلك في سنة النبي صلى الله عليه وسلم

وذلك ما رواه البخاري ( 3435 ) ومسلم ( 28 )

من حديث عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

( مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ، وَرُوحٌ مِنْهُ ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ ، وَالنَّارُ حَقٌّ ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْعَمَلِ )

وفي لفظ مسلم : ( وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ أَمَتِهِ )

قَالَ الْقُرْطُبِيّ رحمه الله : مَقْصُود هَذَا الْحَدِيث التَّنْبِيه عَلَى مَا وَقَعَ لِلنَّصَارَى مِنْ الضَّلال فِي عِيسَى وَأُمّه .

وَقَالَ غَيْره : فِي ذِكْر عِيسَى تَعْرِيض بِالنَّصَارَى وَإِيذَان بِأَنَّ إِيمَانهمْ مَعَ قَوْلهمْ بِالتَّثْلِيثِ شِرْك مَحْض , وَكَذَا قَوْله : " عَبْده " وَفِي ذِكْر " رَسُوله " تَعْرِيض بِالْيَهُودِ فِي إِنْكَارهمْ رِسَالَته وَقَذْفه بِمَا هُوَ مُنَزَّه عَنْهُ وَكَذَا أُمّه .

وَفِي قَوْله : " وَابْن أَمَته " تَشْرِيف لَهُ .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-18, 18:17
يسأل عن إعراب كلمة ( الصابئون ) وكيف نردّ على من يقول إنها خطأ نحوي في القرآن

السؤال

أريد إعراب كلمة "الصابئون" في سورة المائدة ، ولماذا جاءت بالواو ، مع أنها في آية أخرى جاءت بالياء ، وتشابه الكلام في الآيتين كبير

. وقد كان ذلك سببا في خلاف كبير بيني وبين شخص نصراني يقول : إن القرآن فيه أخطاء نحوية ، فقلت له : سأترك الإسلام إن كان هناك خطأ نحوي واحد في القرآن .

وقولي هذا عن قوه إيمان ، وعن ثقة بأن القرآن ، كلام الله سبحانه وتعالى ، منزه عن قول المفترين .

الجواب

الحمد لله

وردت كلمة " الصابئين " بياء النصب في سورتي البقرة والحج

في قول الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) البقرة/62

وقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) الحج/17

ووردت نفس الكلمة بواو الرفع في سورة المائدة

في قول الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) المائدة/69

أما الآيتان الأوليان فلا إشكال في إعرابهما ؛ لأن الكلمة فيهما وقعت معطوفة بالواو على كلمة محلها النصب ، وهي " الذين " ؛ اسم إن ، فنصبت ، وعلامة نصبها الياء ، لأنها جمع مذكر سالم .

وإنما محل الإشكال هو الآية الثالثة ، آية سورة المائدة ؛ فقد وقعت في نفس موقعها في الآيتين الأوليين ، ومع ذلك جاءت مرفوعة .

وقد ذكر النحاة والمفسرون في توضيح ذلك الإشكال عدة وجوه ، وذكروا نظائرها المعروفة في لغة العرب ، ونكتفي هنا بثلاثة منها ، هي من أشهر ما قيل في ذلك :

الأول : أن الآية فيها تقديم وتأخير ، وعلى ذلك يكون سياق المعنى : إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى ، من آمن بالله ...فلا خوف عليهم ، ولاهم يحزنون ، والصابئون كذلك

فتعرب مبتدأً مرفوعا ،وعلامة رفعه الواو ، لأنه جمع مذكر سالم . ونظير ذلك من لغة العرب قول الشاعر :

فمن يك أمسى بالمدينة رحله فإني وَقَيَّار ٌبها لغريب

وموطن الشاهد قوله "قيار" ، وهو اسم لفرسه ، أو جمله ؛ فقد جاءت هذه الكلمة مرفوعة على أنها مبتدأ ، ولم تجئ منصوبة على أنها معطوفة على اسم إن المنصوب وهو ياء المتكلم في قوله ( فإني )

الثاني : أن " الصابئون " مبتدأ ، والنصارى معطوف عليه ، وجملة من آمن بالله ... خبر "الصابئون" ، وأما خبر "إن" فهو محذوف دل عليه خبر المبتدأ "الصابئون" ، ونظير ذلك من لغة العرب قول الشاعر :

نحن بما عندنا ، وأنت بما عندك راضٍ ، والأمر مختلف

والشاهد فيه أن المبتدأ "نحن" لم يذكر خبره ، اكتفاء بخبر المعطوف "أنت" ؛ فخبره "راض" يدل على خبر المبتدأ الأول ، وتقدير الكلام : نحن بما عندنا راضون ، وأنت بما عندك راض .

الثالث : أن " الصابئون " معطوف على محل اسم " إن " ؛ فالحروف الناسخة ، إن وأخواتها ، تدخل على الجملة الاسمية المكونة من مبتدأ وخبر ، واسم إن محله الأصلي

قبل دخول إن عليه الرفع لأنه مبتدأ ، ومن هنا رفعت "الصابئون" باعتبار أنها معطوفة على محل اسم إن .

[انظر : أوضح المسالك ، لابن هشام

مع شرح محيي الدين ، 1/352-366 ,

تفسير الشوكاني والألوسي ، عند هذه الآية] .

وما ذكرته ، من قوة يقينك , وثقتك بكلام الله سبحانه ، هو الواجب على كل مسلم

قال الله تعالى : ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ) النساء/82

قال الشيخ ابن عاشور ، رحمه الله في تفسيره :

( وبعد فمما يجب أن يوقَن به أن هذا اللفظ كذلك نزل ، وكذلك نطق به النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك تلقاه المسلمون منه وقرؤوه ، وكتب في المصاحف

وهم عرب خُلَّص ، فكان لنا أصلا نتعرف منه أسلوبا من أساليب استعمال العرب في العطف ، وإن كان استعمالا غير شائع ، لكنه من الفصاحة والإيجاز بمكان ... ) اهـ

وتلمس ابن عاشور الفائدة البلاغية من الإتيان بلفظ " الصابئون " موفوعاً ، فقال ما معناه :

إن الرفع في هذا السياق غريب ، فيستوقف القارئ عنده : لماذا رفع هذا الاسم بالذات ، مع أن المألوف في مثل هذا أن ينصب ؟

فيقال : إن هذه الغرابة في رفع الصابئون تناسب غرابة دخول الصابئين في الوعد بالمغفرة ، لأنهم يعبدون الكواكب ، فهم أبعد عن الهدى من اليهود والنصارى

حتى إنهم يكادون ييأسون من الوعد بالمغفرة والنجاة فنبه بذلك على أن عفو الله عظيم . يشمل كل من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً وإن كان من الصابئين . [انظر تفسير آية المائدة من تفسير ابن عاشور ]

ولمعرفة من هم الصابئة ؟

انظر الإجابة على السؤال القادم

لكن يبقى لنا عِبَرٌ لا ينبغي تفويتها في هذا السياق :

أولا : ينبغي علينا الاهتمام بالعلم الشرعي ؛ فلا يكفي فقط أن يعتصم الإنسان بما عنده من يقين سابق

وإن كان ذلك أعظم ملجأ ومعاذ ، بل إذا ضم إلى ذلك العلم الشرعي كان ، إن شاء الله ، في مأمن من أن تهز إيمانه هذه الشبهات وأمثالها ، مما يثيره أعداء دينه .

ثانيا : ينبهنا مثل هذا الموقف إلى قدر من التفريط في واجب من أعظم واجباتنا نحو كتاب الله تعالى ، ألا وهو واجب التدبر والمدارسة

وليس مجرد التلاوة ، قال تعالى : ( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ ) ص/29

قال الشيخ ابن سعدي ، رحمه الله :

" أي هذه الحكمة من إنزاله ، ليتدبر الناس آياته ، فيستخرجوا علمها ، ويتأملوا أسرارها وحكمها ، فإنه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه

وإعادة الفكر فيها مرة بعد مرة ، تدرك بركته وخيره ، وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن

وأنه من أفضل الأعمال ، وأن القراءة المشتملة على التدبر أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود "

والدليل من هذا الموقف على ما ذكر هو أننا لو كنا نقوم بهذا الواجب حينا بعد حين لأوشكت مثل هذه الآيات أن تستوقفنا ، لنسأل عنها ، أو نبحثها ، قبل أن نواجه بالإشكال من أعدائنا .

ثالثا : إذا قمنا بالواجبين السابقين كنا مؤهلين لأخذ زمام المبادرة ، لندعو نحن غيرنا ، ونخبرهم بالحق الذي عندنا ، ونكشف لهم

بالتي هي أحسن ، الباطل الذي عندهم ، بدلا من أن نقف موقف الدفاع ، شأن الضعفة والمنهزمين .

والله الموفق .

*عبدالرحمن*
2019-03-18, 18:23
يسأل عن الصابئة : من هم ؟

وما حقيقة مذهبهم ؟

السؤال

ورد ذكر الصابئة في عدة آيات من القرآن ، فمن هم ؟

وما الدين الذي يدينون به ؟.

الجواب

الحمد لله

ذكرت هذه الطائفة من الناس في ثلاثة مواضع من القرآن

فأولها في قول الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة/62

والثاني في قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) الحج/17

والثالث قول الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) المائدة/69 .

والصابئة جمع صابئ ، اسم فاعل من صَبَأ يصبَأ ، إذا خرج من دين إلى آخر .

قال الطبري

: ( والصابئون ، جمع صابئ ، وهو المستحدث سوى دينه دينا ، كالمرتد من أهل الإسلام عن دينه ، وكل خارج من دين كان عليه إلى آخر غيره ، تسميه العرب : صابئا ... يقال صبأت النجوم : إذا طلعت ..)

انظر تفسير الطبري 2/145 ، لسان العرب صبأ

وأما مذهبهم

فقال ابن القيم ، رحمه الله

: ( وقد اختلف الناس فيهم اختلافا كثيرا ، وأشكل أمرهم على الأئمة لعدم الإحاطة بمذهبهم ودينهم ؛ فقال الشافعي رحمه الله تعالى : هم صنف من النصارى

وقال في موضع : ينظر في أمرهم ؛ فإن كانوا يوافقون النصارى في أصل الدين ، ولكنهم يخالفونهم في الفروع ، فتؤخذ منهم الجزية ، وإن كانوا يخالفونهم في أصل الدين لم يقروا على دينهم ببذل الجزية ....

وأما أقوال السلف فيهم فذكر سفيان عن ليث عن مجاهد قال : هم قوم بين اليهود والمجوس ليس لهم دين ، وفي تفسير شيبان عن قتادة قال : الصابئة قوم يعبدون الملائكة ... )

قال ابن القيم :

( قلت : الصابئة أمة كبيرة ، فيهم السعيد والشقي ، وهي إحدى الأمم المنقسمة إلى مؤمن وكافر ، فإن الأمم قبل مبعث النبي ، صلى الله عليه وسلم ، نوعان : نوع كفار أشقياء كلهم

ليس فيهم سعيد ، كعبدة الأوثان والمجوس ، ونوع منقسمون إلى سعيد وشقي ، وهم اليهود والنصارى والصابئة ، وقد ذكر الله سبحانه النوعين في كتابه

فقال : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون ) البقرة/62

وكذلك قال في المائدة

وقال في سورة الحج ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) فلم يقل هاهنا : من آمن منهم بالله واليوم الآخر

لأنه ذكر معهم المجوس والذين أشركوا ؛ فذكر ست أمم ، منهم اثنتان شقيتان ، وأربع منهم منقسمة إلى شقي وسعيد ، وحيث وعد أهل الإيمان والعمل الصالح منهم بالأجر ذكرهم أربع أمم ليس إلا ،

ففي آية الفصل بين الأمم أدخل معهم الأمتين ، وفي آية الوعد بالجزاء لم يدخلها معهم ، فعلم أن الصابئين فيهم المؤمن والكافر ، والشقي والسعيد .

وهذه أمة قديمة قبل اليهود والنصارى ، وهم أنواع : صابئة حنفاء ، وصابئة مشركون . وكانت حران دار مملكة هؤلاء قبل المسيح ، ولهم كتب وتآليف وعلوم

وكان في بغداد منهم طائفة كبيرة ، منهم إبراهيم بن هلال الصابئ صاحب الرسائل ، وكان على دينهم ويصوم رمضان مع المسلمين ، وأكثرهم فلاسفة ولهم مقالات مشهورة ذكرها أصحاب المقالات .

وجملة أمرهم أنهم لا يكذبون الأنبياء ولا يوجبون اتباعهم ، وعندهم أن من اتبعهم [ يعني اتبع الأنبياء] فهو سعيد ناج وأن من أدرك بعقله ما دعوا إليه ، فوافقهم فيه وعمل بوصاياهم

فهو سعيد ، وإن لم يتقيد بهم ، فعندهم دعوة الأنبياء حق ، ولا تتعين طريقا للنجاة ، وهم يقرون أن للعالم صانعا مدبرا حكيما منزها عن مماثلة المصنوعات

ولكن كثيرا منهم ، أو أكثرهم ، قالوا : نحن عاجزون عن الوصول إلى جلاله بدون الوسائط ؛ والواجب التقرب إليه بتوسط الروحانيين المقدسين المطهرين عن المواد الجسمانية

المبرئين عن القوى الجسدية ، المنزهين عن الحركات المكانية والتغييرات الزمانية ، بل قد جبلوا على الطهارة ، وفطروا على التقديس .

ثم ذكر أنهم يعبدون هذه الوسائط ويتقربون إليها ، ويقولون : ( هم آلهتنا وشفعاؤنا عند رب الأرباب ، وإله الآلهة )

ثم قال ، رحمه الله : (

فهذا بعض ما نقله أرباب المقالات عن دين الصابئة وهو بحسب ما وصل إليهم ، وإلا فهذه الأمة فيهم المؤمن بالله وأسمائه وصفاته وملائكته ورسله واليوم الآخر وفيهم الكافر

وفيهم الآخذ من دين الرسل بما وافق عقولهم واستحسنوه ، فدانوا به ورضوه لأنفسهم .

وعقد أمرهم أنهم يأخذون بمحاسن ما عند أهل الشرائع بزعمهم ، ولا يوالون أهل ملة ويعادون أخرى ، ولا يتعصبون لملة على ملة . والملل عندهم نواميس لمصالح العالم

فلا معنى لمحاربة بعضها بعضا بل يؤخذ بمحاسنها وما تكمل به النفوس ، وتتهذب به الأخلاق ، ولذلك سموا صابئين كأنهم ، صبؤوا عن التعبد بكل ملة من الملل ، والانتساب إليها

ولهذا قال غير واحد من السلف : ليسوا يهودا ولا نصارى ولا مجوسا.

وهم نوعان صابئة حنفاء وصابئة مشركون ؛ فالحنفاء هم الناجون منهم وبينهم مناظرات ورد من بعضهم على بعض ، وهم قوم إبراهيم كما أن اليهود قوم موسى ،والحنفاء منهم أتباعه )

أحكام أهل الذمة 1/92-98

وما ذكره من انقسام الصابئة إلى موحدين ومشركين قرره شيخ الإسلام أيضا في غير موضع .

انظر الرد على المنطقيين [ 287-290،454-458]

منهاج السنة ، تعليق المحقق [1/5] .

وانظر أيضا بحث الشيخ ابن عاشور للمسألة عند تفسيره لآية البقرة .

*عبدالرحمن*
2019-03-18, 18:27
حكم من يلازم الاستغفار لأجل أن يرزق بالولد

السؤال

في سورة نوح ورد فضل الاستغفار ، ما هي كيفية الاستغفار الصحيحة - حفظكم الله - ؟

وهناك تجربة إن صح التعبير لزميل لي في العمل حيث إنه لم يرزق بالذرية بعد مضي عام ونصف تقريبا ، وبعد ذلك داوم على الاستغفار ولازمه في جميع أوقاته وأحواله بعد ترك فضول الكلام وتحري الحلال

في جميع حوائجه ولم يكمل الشهر وإذا به - بحمد الله - يبشَّر بأن زوجته أصبحت حبلى ، حفظ الله هذا الزميل وحفظ ذريته وأهله . فسبحان الله هل ينطبق هذا المثال على من أراد الأموال والجنات ؟.

الجواب

الحمد لله

أولاً : لا بأس أن يكثر الإنسان من الاستغفار ليرزقه الله تعالى المال والولد .

قال الله تعالى : ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ) نوح/10 - 12 .

قال القرطبي :

قوله تعالى ‏فقلت استغفروا ربكم‏ ‏ أي : سلوه المغفرة من ذنوبكم السالفة بإخلاص الإيمان ‏.‏ ‏‏ إنه كان غفاراً ‏‏ أي : لم يزل كذلك لمن أناب إليه ‏.‏ وهذا منه ترغيب في التوبة‏ .‏

‏ ‏يرسل السماء عليكم مدراراً ‏‏ أي : يرسل ماء السماء ، و‏ ‏مدراراً ‏‏ ذا غيث كثير‏ .‏

‏( ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً ‏)

قال الشعبي ‏:‏ خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع ، فأُمطروا فقالوا ‏:‏ ما رأيناك استسقيت‏ ؟‏

فقال ‏:‏ لقد طلبتُ المطر بمجاديح السماء التي يُستنزل بها المطر ؛ ثم قرأ‏ ‏استغفروا ربكم إنه كان غفاراً ‏.‏ يرسل السماء عليكم مدراراً ‏ ‏‏.‏

( بمجاديح ) جمع مِجْدَح وهو نجم كانت العرب تزعم أنها تمطر به . وأراد عمر رضي الله عنه تكذيب العرب في هذا الزعم الباطل ، وبَيَّن أنه استسقى بالسبب الصحيح لنزول المطر وهو الاستغفار وليس النجوم .

وشكا رجل إلى الحسن الجدوبة فقال له ‏:‏ استغفر الله ‏،‏ وشكا آخر إليه الفقر فقال له ‏:‏ استغفر الله ‏،‏ وقال له آخر ‏:‏ ادع الله أن يرزقني ولداً

فقال له ‏:‏ استغفر الله‏ ،‏ وشكا إليه آخر جفاف بستانه فقال له ‏:‏ استغفر الله‏ ،‏ فقلنا له في ذلك ‏؟‏

فقال ‏:‏ ما قلت من عندي شيئاً ؛ إن الله تعالى يقول في سورة نوح ( ‏استغفروا ربكم إنه كان غفاراً ‏.‏ يرسل السماء عليكم مدراراً ‏.‏ ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً ‏) .

" تفسير القرطبي " ( 18 / 301 – 303 ) باختصار .

ثانياً :

أما صيغ الاستغفار : فأفضل ذلك ما ثبت في السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوله ، أو ما أوصى به الأمة أن تقوله .

1. عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

" سيد الاستغفار أن تقول : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت .

قال : ومن قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة .

رواه البخاري ( 5947 ) .

2. عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء " رب اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري كله وما أنت أعلم به مني

اللهم اغفر لي خطاياي وعمدي وجهلي وهزلي وكل ذلك عندي ، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير " .

رواه البخاري ( 6035 ) ومسلم ( 2719 ) .

3. عن ابن عمر قال : إنْ كنَّا لنعدُّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس يقول " رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم " مائة مرة .

رواه الترمذي ( 3434 ) وعنده " التواب الغفور " وأبو داود ( 1516 ) وابن ماجه ( 3814 ) .

4. عن أبي يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مَن قال أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيومَ وأتوب إليه غفر له وإن كان فر من الزحف " .

رواه الترمذي ( 3577 ) وأبو داود ( 1517 ) .وصححه الألباني في صحيح الترمذي .

5. عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : علِّمني دعاءً أدعو به في صلاتي ،

قال : قل " اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرةً من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم " .

رواه البخاري ( 799 ) ومسلم ( 2705 ) .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-03-19, 18:12
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


كيف همّ يوسف بامرأة العزيز مع أنه عفيف

السؤال

ما تفسير الآية : ( ولقد همّت به وهمّ بها ) في سورة يوسف ، مع أن يوسف عليه السلام " عفيف "

وقد رفض الانصياع لنزوة امرأة العزيز ، فكيف يهمّ بها ؟.

الجواب

الحمد لله

قال تعالى : ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ ) يوسف/24

كان همها للمعصية ، أما يوسف عليه السلام فإنه لو لم ير برهان ربه لَهَمَّ بها - لطبع البشر - ولكنه لم يهم ؛ لوجود البرهان .

إذًا في الكلام تقديم وتأخير ، أي : لولا أن رأى برهان ربه لَهَمَّ بها .

قال أبو حاتم : كنت أقرأ غريب القرآن على أبي عبيدة ، فلما أتيت على قوله : ( ولقد همت به وهم بها ) قال أبو عبيد : هذا على التقديم والتأخير ؛ كأنه أراد : ولقد همت به ، ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها.

القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن 9/165 .

وقال الشنقيطي في أضواء البيان [ 3/58 ] .

" الجواب عنه من وجهين :

الأول : أن المراد بِهَمِّ يوسف خاطر قلبي صرفه عنه وازع التقوى

وقال بعضهم : هو الميل الطبيعي والشهوة الغريزية المزمومة بالتقوى ، وهذا لا معصية فيه

لأنه أمر جبلي لا يتعلق به التكليف

كما في الحديث : أنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل

ثم يقول : ( اللهم هذا قسمي فيما أملك ، فلا تلمني فيما لا أملك ) يعني ميل القلب . أبو داود ، السنن ، رقم الحديث 2134 .

ومثل هذا ميل الصائم إلى الماء البارد والطعام مع أن تقواه تمنعه من الشرب والأكل وهو صائم .

وقال صلى الله عليه وسلم : ( من هم بسيئة فلم يفعلها كتبت له حسنة كاملة ) أخرجه البخاري في صحيحه برقم 6491 ، ومسلم برقم 207 .

الجواب الثاني : أن يوسف عليه السلام لم يقع منه الهم أصلاً ، بل هو منفي عنه لوجود البرهان .

إلى أن قال : هذا الوجه الذي اختاره أبو حسان وغيره هو أجرى على قواعد اللغة العربية " اهـ .

ثم بدأ يستطرد الأدلة على ما رجحه ، وبناء على ما تقدم فإن معنى الآية والله أعلم أن يوسف عليه السلام لولا أن رأى برهان ربه لهم بها ، ولكنه لما رأى برهان ربه لم يهم بها ، ولم يحصل منه أصلاً .

وكذلك فإن مجرد الهم بالشيء دون فعله لا يعد خطيئة .

والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبيه الكريم .

*عبدالرحمن*
2019-03-19, 18:16
تفسير ( فأينما تولوا فثم وجه الله )

السؤال

أرجو أن تشرح لي معنى الآية الواردة أدناه . إذا كان الله فوق الجنة ,

فكيف يكون وجه الله أينما تولي وجهك ؟

أطرح هذا السؤال لأني كنت أشرح لأحد الأشخاص أن الله فوق الجنة ,

لكنه استشهد بالآية أدناه ؛ ولم أتمكن من الرد عليه .

قال تعالى : ( ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم ) البقرة / 115 .

الجواب

الحمد لله

أولاً :

يجب علينا الإيمان بأن الله تعالى فوق العرش مستوٍ على عرشه استواءً يليق بجلاله لا كاستواء البشر .

وأن نؤمن بأن لله وجها لا كوجه المخلوق .

وبهذا يجب ألا نضل عند تفسير الآيات وتأويلها وأن نتَّبع بذلك قول السلف الصالح .

أما تفسير الآية ، فقد قال الشيخ ابن عثيمين :

فإن قلت : هل كل ما جاء من كلمة الوجه مضافاً إلى الله يراد به وجه الله الذي هو صفته .

الجواب : هذا هو الأصل

كما في قوله تعالى : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه الأنعام / 52

وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى الليل / 19 – 21

وما أشبهها من الآيات .

فالأصل : أن المراد بالوجه وجه الله عز وجل الذي هو صفة من صفاته

لكن هناك آية اختلف المفسرون فيها وهي قوله تعالى : ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله البقرة / 115

..... فمنهم من قال : إن الوجه بمعنى الجهة لقوله تعالى : ولكل وجهة هو موليها البقرة / 148 .

فالمراد بالوجه : الجهة ، أي : فثمَّ جهة الله أي فثم الجهة التي يقبل الله صلاتكم إليها .

قالوا : لأنها في حال السفر إذا صلى الإنسان النافلة فإنه يصلي حيث كان وجهه .

ولكن الصحيح أن المراد بالوجه هنا : وجه الله الحقيقي ، إلى أي جهة تتجهون فثم وجه الله سبحانه وتعالى ؛ لأن الله محيط بكل شيء

ولأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المصلي إذا قام يصلي فإن الله قبل وجهه

ولهذا نهى أن يبصق أمام وجهه ؛ لأن الله قِبَل وجهه فإذا صليت في مكان لا تدري أين القبلة واجتهدت وتحريت وصليت وصارت القبلة في الواقع خلفك فالله يكون قبل وجهه حتى في هذه الحالة .

وهذا معنى صحيح موافق لظاهر الآية والمعنى الأول لا يخالفه في الواقع .

وحينئذ يكون المعنيان لا يتنافيان .

واعلم أن هذا الوجه العظيم الموصوف بالجلال والإكرام وجه لا يمكن الإحاطة به وصفاً ، ولا يمكن الإحاطة به تصوراً ، بل كل شيء تُقَدره فإن الله تعالى فوق ذلك وأعظم . ولا يحيطون به علماً طه /110 .

وأما قوله تعالى : كل شيءٍ هالكٌ إلا وجهه القصص / 88

فالمعنى : " كل شيء هالك إلا ذاته المتصفة بالوجه "

شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين ( 1 / 243 – 245 )

ونحن يجب علينا ألا نقيس الخالق بالمخلوق فنصفه بصفة المخلوق

فإن الله تعالى كما قال عن نفسه : ( ليس كمثله شيء ) الشورى / 11 .

فالله تعالى مستوٍ على عرشه ، وهو قِبل وجه المصلي ولا منافاة بينهما في حق الله تعالى .

وقد أشكل مثل هذا على بعض الناس في مسألة نزول الله تعالى في النصف الآخر من الليل إلى السماء الدنيا ، فقالوا : إن الليل غير متحد على الأرض فكيف ينزل الله في ليل ونهار معا.

قال الشيخ ابن عثيمين :

جاء المتأخرون الذين عرفوا أن الأرض كروية وأن الشمس تدور على الأرض .

قالوا : كيف ينزل في ثلث الليل ، وثلث الليل إذا انتقل عن المملكة العربية السعودية ذهب إلى أوروبا وما قاربها ؟ فنقول : أنتم الآن قستم صفات الله بصفات المخلوقين

أنت أو من أول بأن الله ينزل في وقت معين وإذا آمنت ليس عليك شيء وراء ذلك ، لا تقل كيف وكيف ؟ .

فقل : إذا كان ثلث الليل في السعودية فإن الله نازل وإذا كان في أمريكا ثلث الليل يكون نزول الله أيضاً .

إذاً موقفنا أن نقول أنا نؤمن بما وصل إلينا عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم . بأن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى الثلث الآخر من الليل ويقول من يدعوني ، فأستجيب له ومن يسألني ؟

فأعطيه من يستغفرني فأغفر له .

" شرح الواسطية " ( 2 / 437 ) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-19, 18:21
التكرار ، والتقديم و التأخير في القرآن وتفسير قوله تعالى : ( واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا .. الآية )

السؤال

وردت في سورة البقرة الآيات 47-48 ثم وردت مره أخرى في الآيات 122-123 ونجد الاختلاف في كلمتي الشفاعة والعدل رغم أن الآيتين تتحدثان عن بني إسرائيل.

الجواب

الحمد لله

الجواب على هذا السؤال يتضمن عدة أمور :

الأول : تفسير قوله تعالى : وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ البقرة / 48

والآية الأخرى الشبيهة بها هي قوله تعالى : وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ البقرة / 123 .

قال ابن كثير رحمه الله ( 1 / 256 ) : 

لما ذكَّرهم تعالى بنعمه أولاً - يعني : قوله تعالى : يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ البقرة / 40

- عطَف على ذلك التحذير من حلول نقمه يوم القيامة فقال : واتقوا يوماً "

يعني : واحذروا يوم القيامة ، لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئاً أي : لا يغني أحد عن أحد كما قال ولا تزر وازرة وزر أخرى وقال :

لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه وقال : يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والدٌ عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا فهذا أبلغ المقامات أن كلاًّ من الوالد وولده لا يغني أحدهما عن الآخر شيئاً .

وقوله تعالى : ولا يقبل منها شفاعة يعني : من الكافرين كما قال فما تنفعهم شفاعة الشافعين .

وقوله تعالى : ولا يؤخذ منها عدل أي : لا يقبل منها فداء

كما قال تعالى : إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به

وقال : إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تُقبل منهم ولهم عذاب أليم

وقال : فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم الآية

فأخبر تعالى أنهم إن لم يؤمنوا برسوله ويتابعوه على ما بعثه به ووافوا الله يوم القيامة على ما هم عليه فإنه لا ينفعهم قرابة قريب ولا شفاعة ذي جاه ولا يقبل منهم فداء ولو بملء الأرض ذهباً .

وقوله تعالى ولا هم ينصرون أي : ولا أحد يغضب لهم فينصرهم وينقذهم من عذاب الله كما تقدم أنه تعالى لا يقبل فيمن كفر به فدية ولا شفاعة ولا ينقذ أحدا من

عذابه منقذ ولا يخلص منه أحد ولا يجير منه أحد كما قال تعالى وهو يجير ولا يجار عليه وقال فيومئذٍ لا يُعذِّب عذابه أحدٌ ولا يوثِق وثاقه أحد .

قال ابن جرير الطبري :

وتأويل قوله ولا هم ينصرون يعني : أنهم يومئذٍ لا ينصرهم ناصرٌ كما لا يشفع لهم شافعٌ ولا يقبل منهم عدل ولا فدية ، بطلت هنالك المحاباة واضمحلت الرشى والشفاعات وارتفع من القوم التناصر والتعاون

وصار الحكم إلى الجبار العدل الذي لا ينفع لديه الشفعاء والنصراء فيجزي بالسيئة مثلها وبالحسنة أضعافها وذلك نظير قوله تعالى وقفوهم إنهم مسئولون . ما لكم لا تناصرون . بل هم اليوم مستسلمون أ.هـ .

وبهذا يعلم أن الشفاعة المنفية هنا هي شفاعة الكافرين أو الشفاعة في الكافرين .

الثاني : أن التكرار في القرآن الكريم يحصل كثيراً وذلك لحكمٍ كثيرةٍ عظيمةٍ قد نعرف بعضها ، ويخفى علينا كثيرٌ منها : -

1- أن كل جملةٍ مكررةٍ يختلف مدلولها ومعناها عن الجملة الأخرى لأنها تتعلق بما ذكر قبلها من كلام الله تعالى ، وبهذا لا يعد ذلك من التكرار في شيءٍ .

فمثلا : قوله تعالى في سورة المرسلات : ويل يومئذ للمكذبين تكررت عشر مرات ، وذلك أن الله تعالى أورد قصصاً مختلفة ،

وأتبع كل قصة بهذا القول فكأنه عقب على كل قصة : " ويل يومئذ للمكذب بهذه القصة " ، وكل قصة مغايرة للقصة الأخرى فأثبت الوعيد لمن كذب بها .

2- كما أن الله تعالى لا يخالف بين الألفاظ إلا لاختلاف المعاني ، وأن هذا لا يكون إلا لحكمة يعلمها سبحانه ، وقد يطلع عليها بعض خلقه بما يفتح عليهم من الفهم في كتابه ، وقد يحجبها عنهم ، وهو الحكيم العليم .

3- أن تكرار الكلام يضفي على المعنى الذي تضمنه أهمية ومكانة توجب له عناية خاصة ، ومنها تأكيد المعنى وبقدر ما يحصل التأكيد بقدر ما يدل على الاهتمام بالأمر والعناية به .

( للاستزادة يراجع قواعد التفسير 2 / 702 ) .

الثالث : هل تقديم شيء وتأخيره في القرآن له حِكَم معروفة أو قاعدة مطردة ؟

فيقال ـ والعلم عند الله تعالى ـ : إن التقديم والتأخير في القرآن ، بل وفي لغة العرب لا يجري على قاعدة مطردة ، فتارة يكون المقدم هو المتقدم في الوقوع ، وتارة يكون المقدم هو الأشرف

وتارة يصعب التعليل ، وعليه : فينبغي الحذر عند الكلام في هذا الباب ، فيبين ما ظهر له وجه تعليله من غير تكلف ، وما لم يظهر وجهه يوكل علمه إلى عالمه

والتقول على الله بلا علم من أعظم المحرمات كما لا يخفى ، فلا يجوز أن يُحَمّل كلام الله ما لا يحتمل .

على أنه يقال : إن العرب إذا ذكرت أشياء مشتركة في الحكم وعطفت بعضها على بعض بالواو المقتضية عدم الترتيب فإنهم لا يقدمون في الغالب إلا ما يعتنون به سواء كان بسب التشريف أو التعظيم

أو لأهميته أو قصد الحث عليه ، أو نحو ذلك .

" قواعد التفسير " د . خالد السبت ( 1 / 380 ) .

الرابع : في الحكمة من تكرار هذه الآية ، والحكمة من التقديم والتأخير فيها على وجه الخصوص :

إن التكرار هنا لتذكير بني إسرائيل ، وإعادةً لتحذيرهم للمبالغة في النصح .

وأيضاً : في الموضع الأول ذكَّرهم بالقيام بحقوق نعمه السابقة عليهم وهي التي ذكره قبل الآيات وبعدها ، وفي الموضع الثاني ذكَّرهم بنعمة تفضيلهم على العالَمين لإيمانهم بنبي زمانهم

ليحصلوا هذه الفضيلة بإيمانهم بنبي الإسلام الخاتم محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلم فيكونوا من الفاضلين ، ويتقوا بإيمانهم به من أهوال القيامة وخوفها ؛ كما اتقى من تابع موسى عليه السلام وآمن به من تلك الأهوال " .

" روح المعاني " للآلوسي ( 1 / 373 ) .

وأما سبب تقديم العدل على الشفاعة في الموضع الثاني وتأخيره عنها في الموضع الأول : فقد التمس بعض العلماء الحكمة فذكروا حكمتين :

1- أنه من باب التفنن في الكلام لتنتفي به سآمة الإعادة مع حصول المقصود من التكرير .

2- ومع هذا التفنن فهناك فائدة لطيفة وهي :

" أنه في الآية الأولى نفى قبول الشفاعة ، وفي الآية الثانية نفى قبول الفداء حتى يتم نفي القبول في كل منهما

ثم لما كان نفي قبول الشفعة لا يقتضي نفي أخذ الفداء ذكره في الآية الأولى بعد الشفاعة حتى لا يتوهم متوهم أنه إذا لم تقبل الشفاعة فقد يؤخذ الفداء ، ولما نفى في الآية الثانية قبول الفداء

وكان هذا النفي لا يتضمن نفي انتفاع الكافرين بالشفاعة أعقبه بنفي نفع الشفاعة حتى لا يتوهم متوهم أنه إذا لم يقبل الفداء قد تنفع الشفاعة

فتحصَّل من الآيتين نفي القبول عن الشفاعة وعن الفداء

لأن أحوال الناس في طلب الفكاك والنجاة مما يخافونه تختلف ، فمرة يقدمون الفداء فإذا لم يقبل قدموا الشفاعة ، ومرة يبدؤون بالشفاعة فإذا لم تقبل عرضوا الفداء ." أ.هـ .

بتصرف يسير من " التحرير والتنوير " لابن عاشور ( 1 / 698 ) .

وبعد :

فهذه اللطائف التي ذكرت هي مجرد استنتاج واستنباط ناتج عن اجتهاد بعض العلماء في هذه الآيات فقد يكون ما ذكروه من الحِكم

وقد لا يكون ، وما جاء في السياق القرآني فهو الأفصح والأليق ، سواءً صحَّ هذا الاستنباط أو لم يصح ، والمقصود الأعظم هو أخذ العبرة والعظة من هذه الآية :

وهي أن الإنسان في يوم القيامة لن ينفعه أحدٌ قريباً كان أو بعيداً ، وسينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قّدَّم

وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قّدَّم ، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار

فعليه أن يتقي النار بالعمل الصالح ولو كان ذلك العمل صدقة بشقِّ تمرة ؛ كما ورد معنى هذا في الصحيحين من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه

كما رواه البخاري برقم ( 6058 ) ومسلم ( 1688 ) .

وأن الشفاعة لا تنفع أحداً من الخلق إلا بإذن الله ، ولن يأذن الله لأحد من الكافرين أن يَشفع أو يُشفع له في الخروج من النار .

فليتعلق العبد بربه دون سواه وليطلب منه أن يرزقه شفاعة نبيه صلى الله عليه وسلم .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-19, 18:25
آخر سورة نزلت في القرآن

السؤال

كل مسلم رضي بالله ربا وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً يعلم أن أول سورة نزلت على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم سورة : ( اقرأ .... ) فما آخر سورة نزلت على رسولنا الأمين ؟ .

الجواب

الحمد لله

آخر سورة نزلت من القرآن هي سورة النصر ( إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ )

وهذا قول ابن عباس رضي الله عنه

. روى مسلم (3024) عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ تَعْلَمُ آخِرَ سُورَةٍ نَزَلَتْ مِنْ الْقُرْآنِ نَزَلَتْ جَمِيعًا قُلْتُ نَعَمْ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ قَالَ صَدَقْتَ ".

ويؤيد هذا ما صح عن عمر وابن عباس رضي الله عنهما أن هذه السورة أشارت إلى أجل النبي صلى الله عليه وسلم ونعت إليه نفسه.

فقد روى البخاري (4970) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ فَقَالَ لِمَ تُدْخِلُ هَذَا مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ فَقَالَ عُمَرُ إِنَّهُ مَنْ قَدْ

عَلِمْتُمْ فَدَعَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَدْخَلَهُ مَعَهُمْ فَمَا رُئِيتُ أَنَّهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلا لِيُرِيَهُمْ قَالَ مَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ

فَقَالَ بَعْضُهُمْ أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَقَالَ لِي أَكَذَاكَ تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ لا قَالَ فَمَا تَقُولُ

قُلْتُ هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ لَهُ قَالَ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَذَلِكَ عَلامَةُ أَجَلِكَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا فَقَالَ عُمَرُ مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلا مَا تَقُولُ".

وقال البراء بن عازب رضي الله عنه : آخر سورة نزلت هي براءة (التوبة).

روى البخاري (4329) ومسلم (1618) عن البراء بن عازب قال : آخر سورة نزلت براءة ، وآخر آية نزلت ( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ).

وقالت عائشة رضي الله عنها : آخر سورة أنزلت هي المائدة .

روى أحمد (25588) عن جبير بن نفير قال : دخلت على عائشة فقالت : هل تقرأ سورة المائدة ؟

قال : قلت : نعم ، قالت : فإنها آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه وما وجدتم فيها من حرام فحرموه وسألتها عن خُلُقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت القرآن".

والحديث صححه شعيب الأرناؤوط في تحقيق المسند.

ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في بيان آخر سورة نزلت من القرآن ، ولهذا اختلف الصحابة ، فقال كل بما أداه إليه اجتهاده .

قال البيهقي رحمه الله : يجمع بين هذه الاختلافات بأن كل واحد أجاب بما عنده . نقله عنه المباركفوري في تحفة الأحوذي .

والله اعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-19, 18:28
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وآية ( عليكم أنفسكم )

السؤال

كيف نرد بحجة قوية ومقنعة على من احتج بقوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ) إذا أُمر بالمعروف أو نُهي عن منكر؟.

الجواب

الحمد لله

هذه الآية الكريمة من سورة المائدة ، مما يخطئ بعض الناس في فهمها ، ويتوهمون أنها تدل على عدم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وربما احتجوا بها على من أمرهم أو نهاهم .

قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي في تفسير قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) المائدة / 105

قد يتوهم الجاهل من ظاهر هذه الآية الكريمة عدم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ولكن نفس الآية فيها الإشارة إلى أن ذلك فيما إذا بلغ جهده فلم يقبل منه المأمور

وذلك في قوله ( إذا اهتديتم )

لأن من ترك الأمر بالمعروف لم يهتد. وممن قال بهذا حذيفة وسعيد بن المسيب كما نقله عنهما الألوسي في تفسيره ، وابن جرير ، ونقله القرطبي عن سعيد بن المسيب

وأبي عبيد القاسم بن سلام ، ونقل نحوه ابن جرير عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر وابن مسعود .

فمن العلماء من قال : ( إذا اهتديتم ) أي أمرتم فلم يسمع منكم

ومنهم من قال : يدخل الأمر بالمعروف في المراد بالاهتداء في الآية ، وهو ظاهر جدا ولا ينبغي العدول عنه لمنصف .

ومما يدل على أن تارك الأمر بالمعروف غير مهتد أن الله تعالى أقسم أنه في خسر

في قوله تعالى : ( وَالْعَصْرِ إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ )

فالحق وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وبعد أداء الواجب لا يضر الآمر ضلال من ضل . وقد دلت الآيات كقوله تعالى: ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً )

والأحاديث على أن الناس إن لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر ، عمهم الله بعذاب من عنده

فمن ذلك ... وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : " يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول

: " إن رأى الناس الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه" رواه أبو داود ( 4338 ) والترمذي ( 2168 ) والنسائي بأسانيد صحيحة ( وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم 2448 ) )

انتهى من أضواء البيان 2/169

وكلامه رحمه الله كاف واف .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-19, 18:31
معنى قوله تعالى " أثرن به نقعاً "

السؤال

ما هو معنى الآية " فأثرن به نقعاً " ؟

وهل الكلمات ( ارتفع، غبار، في، سُحُب ) موجودة في هذه الآية ؟

الجواب

الحمد لله

1. الكلمات " ارتفع " و " غبار " موجودتان بالمعنى في الآية

و " في " غير موجودة إلا أن المعنى دلَّ عليها لأنه الغبار لا يرتفع إلا " في " الهواء

و " سحب " غير موجودة لا لفظاً ولا معنى .

2. " ارتفع " جاء لها مرادفات كثيرة في القرآن ، ومنها :

أ‌.النشء ، ومنه قوله تعالى وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ الرعد/12 ، وقوله إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً المزمل/6 .

أ‌.الحدب ، ومنه قوله تعالى مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُون الأنبياء/96 ، قال الفرَّاء : من كل أكَمة ، ومن كل موضعٍ مرتفعٍ .

ب‌.العروج ، ومنه قوله تعالى تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ المعارج/4 ، ومعناه : الصعود والارتفاع .

ت‌.الموج ، ومنه وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ هود/42 ، والموج : هو ارتفاع الماء فوق الماء .

ث‌.الربوة ، ومنه قوله تعالى وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ المؤمنون/50 ، والربوة : المكان المرتفع .

ج‌.النشز ، ومنه قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا المجادلة/11 ، النشوز : الارتفاع .

ح‌.وأما لفظ " غبار " : فقد جاء لفظ آخر هو في القرآن بمعناه وهو " هباء " ، ومنه قوله تعالى وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً الفرقان/23 .

وأما لفظ " سحاب " فجاءت له ألفاظ مرادفة في القرآن ومنها :

أ‌.المعصرات ، ومنه قوله تعالى وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً النبأ/14 .

ب‌.المزن ، ومنه قوله تعالى أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ الواقعة/69 .

3. إن من أفضل التفاسير بشكل عام من ناحية الشمولية في أنواع التفسير من ناحية وسلامة المعتقد من ناحية أخرى هما : تفسير الطبري من المتقدمين وتفسير ابن كثير من المتأخرين.

و قال الطبري في تفسير آية فأثرن به نقعاً :

وَقَوْله فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَرَفَعْنَ بِالْوَادِي غُبَارًا ؛ وَالنَّقْع : الْغُبَار ، وَيُقَال : إِنَّهُ التُّرَاب .

وَالْهَاء فِي قَوْله بِهِ كِنَايَة اِسْم الْمَوْضِع ، وَكَنَّى عَنْهُ ، وَلَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْر ، لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَنَّ الْغُبَار لا يُثَار إِلا مِنْ مَوْضِع ، فَاسْتَغْنَى بِفَهْمِ السَّامِعِينَ بِمَعْنَاهُ مِنْ ذِكْره .

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل .

" تفسير الطبري " ( 30 / 275 ، 276 ) .

وأما ابن كثير فقال في تفسير آية فأثرن به نقعاً :

يَعْنِي غُبَارًا فِي مَكَان مُعْتَرَك الْخُيُول .

" تفسير ابن كثير " ( 4 / 542 ) .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-03-19, 18:37
لماذا خلق الله السموات والأرض في ستة أيام مع قدرته على خلقها في أقل من هذه المدة ؟

السؤال

إذا أراد الله أمراً فإنه يقول له كن فيكون ، فلماذا استغرق 6 أيام حتى يخلق السماوات والأرض ؟ .

الجواب

الحمد لله

من المقرر عند أهل الإيمان الراسخ والتوحيد الكامل أن المولى جل وعلا قادر على كل شيء

وقدرته سبحانه ليس لها حدود ، فله سبحانه مطلق القدرة وكمال الإرادة ، ومنتهى الأمر والقضاء ، وإذا أراد شيئاً كان كما أراد وفي الوقت الذي يريد ، وبالكيفية التي أرادها سبحانه وتعالى .

وقد تواترت النصوص القطعية من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم على تقرير هذا الأمر وبيانه بياناً واضحاً لا لبس فيه ولا غموض ، ونكتفي هنا بذكر بعض الآيات الدالة على ذلك

فمن ذلك قوله تعالى : ( بديع السموات والأرض وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون ) البقرة / 117 .

قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة ( 1/175 )

: ( يبين بذلك تعالى كمال قدرته ، وعظيم سلطانه ، وأنه إذا قدر أمراً وأراد كونه فإنما يقول له كن _

أي : مرة واحدة _ فيكون ، أي فيوجد على وفق ما أراد

كما قال تعالى : ( إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ) يس / 82 ) أ.هـ.

وقال تعالى : ( ...قال كذلك الله يخلق ما يشاء ، إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون ) آل عمران / 47 .

وقال تعالى : ( هو الذي يحي ويميت فإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون ) غافر / 68 .

وقال تعالى : ( وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ) القمر/50 .

قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى - في تفسيره هذه الآية ( 4/261 )

: ( وهذا إخبار عن نفوذ مشيئته في خلقه ، كما أخبر بنفوذ قدره فيهم فقال : ( وما أمرنا إلا واحدة ) أي إنما نأمر بالشيء مرة واحدة لا نحتاج إلى توكيد بثانية

فيكون ذلك الذي نأمر به حاصلاً موجوداً كلمح البصر ، لا يتأخر طرفة عين ، وما أحسن ما قال بعض الشعراء :

إذا ما أراد الله أمراً فإنما يقول له كن قولة فيكون ) أ.هـ.

وهناك آيات أخرى تقرر هذا الأمر وتوضحه .

فإذا تقرر ذلك فلماذا خلق الله جل جلاله السموات والأرض في ستة أيام ؟ .

أولاً :

قد ورد في أكثر من آية في كتاب ربنا أن الله جل وعلا خلق السموات والأرض في ستة أيام

فمن ذلك قوله تعالى : ( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ... ) الأعراف / 54 .

ثانياً :

ما من أمر يفعله الله إلا وله فيه حكمة بالغة وهذا من معاني اسم الله تعالى " الحكيم " ، وهذه الحكمة قد يطلعنا الله تعالى عليها وقد لا يطلعنا ، وقد يعلمها ويستنبطها الراسخون في العلم دون غيرهم .

غير أن جهلنا بهذه الحكمة لا يحملنا على نفيها أو الاعتراض على أحكام الله ومحاولة التكلف والتساؤل عن هذه الحكمة التي أخفاها الله عنا ، قال الله تعالى : ( لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون ) الأنبياء / 23 .

وقد حاول بعض العلماء استباط الحكمة من خلق السموات والأرض في ستة أيام :

1- قال الإمام القرطبي - رحمه الله - في تفسيره " الجامع لأحكام القرآن " لآية الأعراف ( 54 ) ( 4/7/140 ) :

( ... وذكر هذه المدة - أي ستة أيام - ولو أراد خلقها في لحظة لفعل ؛ إذ هو القادر على أن يقول لها كوني فتكون ، ولكنه أراد :

- أن يعلم العباد الرفق والتثبت في الأمور .

- ولتظهر قدرته للملائكة شيئاً بعد شيء ....

- وحكمة أخرى : خلقها في ستة أيام ؛ لأن لكل شيء عنده أجلا ، وبيّن بهذا ترك معالجة العصاة بالعقاب ؛ لأن لكل شيء عنده أجلاً ... ) ا.هـ.

2- وقال ابن الجوزي في تفسيره المسمى بـ " زاد المسير " ( 3/162 ) في تفسير آية الأعراف :

(... فإن قيل : فهلا خلقها في لحظة ، فإنه قادر ؟ فعنه خمسة أجوبة :

أحدها : أنه أراد أن يوقع في كل يوم أمراً تستعظمه الملائكة ومن يشاهده ، ذكره ابن الأنباري .

والثاني : أنه التثبت في تمهيد ما خُلق لآدم وذريته قبل وجوده ، أبلغ في تعظيمه عند الملائكة .

والثالث : أن التعجيل أبلغ في القدرة ، والتثبيت أبلغ في الحكمة ، فأراد إظهار حكمته في ذلك ، كما يظهر قدرته في قوله ( كن فيكون ) .

والرابع : أنه علّم عباده التثبت ، فإذا تثبت مَنْ لا يَزِلُّ ، كان ذو الزلل أولى بالتثبت .

والخامس : أن ذلك الإمهال في خلق شيء بعد شيء ، أبعد من أن يظن أن ذلك وقع بالطبع أو بالاتفاق . ) ا.هـ.

3- وقال القاضي أبو السعود في تفسيره عند آية الأعراف : ( 3/232 )

: ( ... وفي خلق الأشياء مدرجاً مع القدرة على إبداعها دفعة دليل على الاختيار ، واعتبار للنظار ، وحث على التأني في الأمور ) ا.هـ.

وقال عن تفسير الآية ( 59 ) من سورة الفرقان ( 6/226 ) :

( ...فإن من أنشأ هذه الأجرام العظام على هذا النمط الفائق والنسق الرائق بتدبير متين و ترتيب رصين

في أوقات معينة ، مع كمال قدرته على إبداعها دفعة لحكم جليلة ، وغايات جميلة ، لا تقف على تفصيلها العقول ... ) أ.هـ.

وبناء على ما سبق اتضح أن الله جلت قدرته وعَظُم سلطانه له مطلق القدرة ، ومنتهى الإرادة ، وكمال التصرف والتدبير ، وله في كل خلق من خلقه حِكم بليغة لا يعلمها إلا هو سبحانه

وكذلك اتضح لك بعض الحِكم والأسرار في خلق المولى سبحانه وتعالى السموات والأرض في ستة أيام ، مع أنه قادر سبحانه أن يخلقها بكلمة " كن " .

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-19, 18:40
لا تعارض بين الآيتين

السؤال

كيف نجمع بين هاتين الآيتين :( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )

وقوله تعالى :( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) وهل بينهما تعارض ؟

الجواب

الحمد لله

ليس بينهما تعارض

فالآية الأولى في حق من مات على الشرك ولم يتب منه فإنه لا يغفر له ومأواه النار

كما قال الله سبحانه : (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ )( المائدة :72)

وقال عز وجل :( وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )( الأنعام : 88) والآيات في هذا المعنى كثيرة .

أما الآية الثانية وهي قوله سبحانه : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى)( طه :82) فهي في حق التائبين

وهكذا قوله سبحانه : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )( الزمر :53 )

أجمع العلماء على أن هذه الآية في التائبين . والله ولي التوفيق .

المصدر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله ( 4/ 419)

*عبدالرحمن*
2019-03-19, 18:42
معنى قوله تعالى (وله المثل الأعلى )

السؤال

قوله سبحانه : ( وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض ِ)

هل المثل يعني الشبيه ؟

الجواب

الحمد لله

والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

: فمعنى (المثل الأعلى ): أي الوصف الأعلى من كل الوجوه

فهو سبحانه الموصوف بالكمال المطلق من كل الوجوه

كما قال سبحانه : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ( الشورى : 11)

وقال سبحانه : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1 ) اللَّه الصَّمَدُ(2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) ( الإخلاص )

والله ولي التوفيق .

المصدر: مجموع فتاوى ومقالات سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله ( 6 / 221 )

*عبدالرحمن*
2019-03-19, 18:50
تفسير البسملة ، وحكم افتتاح القراءة بها

السؤال

ما معنى البسملة ؟

وهل تقرأ البسملة من منتصف السورة ؟

ولماذا ؟

وما معنى اقرأ بسم ربك ؟.

الجواب

الحمد لله

قول القائل : " بسم الله " قبل الشروع في العمل معناه :

أَبتدأُ هذا الفعل مصاحبا أو مستعينا بـ (اسم الله ) ملتمسا البركة منه

والله هو المألوه المحبوب المعبود الذي تتوجه إليه القلوب بالمحبة والتعظيم والطاعة ( العبادة )

وهو( الرحمن ) المتصف بالرحمة الواسعة

( الرحيم ) الذي يوصل رحمته إلى خلقه .

وقيل المعنى : أبدأ هذا الفعل بتسمية الله وذكره .

قال الإمام ابن جرير رحمه الله :

" إن الله تعالى ذكره وتقدست أسماؤه, أدب نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بتعليمه تقديم ذكر أسمائه الحسنى أمام جميع أفعاله, وأمره أن يصفه بها قبل جميع مهماته,

وجعل ما أدبه به من ذلك وعلمه إياه منه لجميع خلقه سنة يستنون بها, وسبيلا يتبعونه عليها, في افتتاح أوائل منطقهم

وصدور رسائلهم وكتبهم وحاجاتهم; حتى أغنت دلالة ما ظهر من قول القائل بسم الله على ما بطن من مراده الذي هو محذوف .إ .هـ بتصرف يسير .

ويوجد محذوف في عبارة باسم الله قبل البدء بالعمل

وهذا المحذوف تقديره : أبتدئ عملي باسم الله ، مثل باسم الله أقرأ ، باسم الله أكتب ، باسم الله أركب ، ونحو ذلك . أو ابتدائي باسم الله ، ركوبي باسم الله

قراءتي باسم الله وهكذا ، ويمكن أن يكون التقدير أيضا : باسم الله أكتب ، باسم الله أقرأ , فيقدر الفعل مؤخرا ، وهذا حسن ليحصل التبرك بتقديم اسم الله ، وليفيد الحصر أي أبدأ باسم الله لا باسم غيره .

ولفظ الجلالة ( الله ) : هو الاسم الأعظم وهو أعرف المعارف الغني عن التعريف ، وهو علم على الباري جل جلاله مختص به دون سواه والصحيح أنه مشتق من أله يأله ، ألوهة وإلهة

فهو إله بمعنى مألوه أي معبود فهو : ذو الألوهية .

و( الرحمن ) : اسم من أسماء الله الخاصة به

ومعناه ذو الرحمة الواسعة لأن وزن فعلان : يدل على الامتلاء والكثرة وهو أخص أسماء الله بعد لفظ الجلالة

كما أن صفة الرحمة هي أخص صفاته ولذا غالبا يأتي ترتيبها بعد لفظ الجلالة كما في قوله تعالى ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن .. الآية )

و( الرحيم ) : اسم من أسماء الله : معناه الموصل رحمته إلى من يشاء من عباده .

قال ابن القيم رحمه الله :

"الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه ، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم

فكان الأول للوصف والثاني للفعل فالأول دال على أن الرحمة صفته ، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته ، وإذ ا أردت فهم هذا فتأمل قوله "وكان بالمؤمنين رحيما "

وقوله " إنه بهم رءوف رحيم "ولم يجئ قط ( رحمن بهم ) فعلم أن رحمن هو الموصوف بالرحمة ، ورحيم هو الراحم برحمته "

إ.هـ بدائع الفوائد ( 1/ 24 ) .

ثانياً :

وأما عن حكم قراءة البسملة قبل قراءة القرآن فلها أربعة أحوال :

الحالة الأولى : أن تكون في أول السورة ـ غير سورة براءة ـ فقد نص أكثر الأئمة على أنه :

" َتُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ الْبَسْمَلَةِ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وينبغي أن يحافظ عليها حتى أن بعض العلماء اعتبر ختمة القرآن ناقصة إذا لم يأت بالبسملة في أول كل سورة غير براءة

"ِ ولما سئل الإمام أحمد رحمه اللهَ عن قراءتها في أول كل سورة قال : " لا يَدَعَهَا " .

الحالة الثانية : أن تكون في أثناء السورة ـ وهو محل السؤال ـ فالجمهور من العلماء والقراء على أنه لا مانع من الابتداء بها ، قِيلَ للإمام أحمد في البسملة

بعد قوله : لا يدعها في أول السورة ـ : فَإِنْ قَرَأَ مِنْ بَعْضِ سُورَةٍ يَقْرَؤُهَا ؟ قَالَ : " لَا بَأْسَ ."

ونقل العبادي عن الشافعي رحمه الله استحبابها في أثناء السورة.

قَالَ الْقُرَّاءُ : وَيَتَأَكَّدُ الابتداء بالبسملة إذا كان في الآية التي سيقرأها بعد البسملة ضميرٌ يعود على الله سبحانه نَحْوِ قوله : إلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ ,

وقوله : وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ لمَا فِي ذِكْرِ هذه الآيات بعد الاستعاذة مِنْ الْبَشَاعَةِ وَإِيهَامِ رُجُوعِ الضَّمِيرِ إلَى الشَّيْطَانِ .

الحال الثالثة : قراءتها في ابتداء سورة براءة ، فلا يكاد يختلف العلماء والقراء في كراهة ذلك .

َقَالَ صَالِحُ فِي مَسَائِلِهِ عَنْ أَبِيهِ أحمد رحمه الله :

وَسَأَلْتُهُ عَنْ سُورَةِ الْأَنْفَالِ وَسُورَةِ التَّوْبَةِ هَلْ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ أَبِي : يَنْتَهِي فِي الْقُرْآنِ إلَى مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا يُزَادُ فِيهِ وَلا يَنْقُصُ .

الحال الرابعة : قراءتها في أثناء سورة براءة : فقد اختلف القراء في ذلك كما نقل ذلك ابن حجر الهيثمي في الفتاوى الفقهية ( 1 / 52 )

فَقَال : " قال السَّخَاوِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ الْقِرَاءَةِ : لا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يُسَنُّ الْبُدَاءَةَ أَثْنَاءَهَا بِالتَّسْمِيَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَ أَثْنَائِهَا وَأَوَّلِهَا لَكِنْ بِمَا لا يُجْدِي وَرَدَّ عَلَيْهِ الْجَعْبَرِيُّ مِنْهُمْ ( أي من القراء ) وَهُوَ الْأَوْجَهُ ( أي أن القول بالكراهة هو الأقرب للصواب )

إذْ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِتَرْكِ الْبَسْمَلَةِ أَوَّلَهَا , مِنْ كَوْنِهَا نَزَلَتْ بِالسَّيْفِ , وَفِيهَا مِنْ التَّسْجِيلِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ بِفَضَائِحِهِمْ الْقَبِيحَةِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا مَوْجُودٌ فِي أَثْنَائِهَا ,

فَمِنْ ثَمَّ لَمْ تُشْرَعْ التَّسْمِيَةُ فِي أَثْنَائِهَا كَمَا فِي أَوَّلِهَا لِمَا تَقَرَّرَ . "

انظر ( الآداب الشرعية لابن مفلح 2 /325 )

و ( الموسوعة الفقهية 13 / 253 )

و ( الفتاوى الفقهية الكبرى 1 /52 ) .

ثالثاً :

وأما معنى قوله تعالى : ( اقرأ باسم ربك )

فقد قال الإمام ابن جرير رحمه الله : " القول في تأويل قوله تعالى: ( اقرأ باسم ربك الذي خلق )

يعني جل ثناؤه بقوله: اقرأ باسم ربك محمدا صلى الله عليه وسلم يقول: اقرأ يا محمد بذكر ربك الذي خلق " .

والله أعلم .

: الشيخ محمد صالح المنجد

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-03-20, 17:38
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


معنى كلمة الفتنة في القرآن الكريم

السؤال

رأيت كلمة الفتنة تتكرر في القرآن الكريم في عدد من السور والآيات

فهل هناك اختلاف في تفسير هذه الكلمة

وما هي معانيها المحتملة ؟.

الجواب

الحمد لله

تعريف الفتنة :

أولاً : الفتنة في اللغة :-

قال الأزهري : جماع معنى الفتنة في كلام العرب : الابتلاء

والامتحان وأصلها مأخوذ من قولك : فتنتُ الفضة والذهب ، أذبتهما بالنار ليتميز الردي من الجيد ، ومن هذا قول الله عز وجل : " يوم هم على النار يفتنون " أي يحرقون بالنار

. ( تهذيب اللغة 14 / 296 ) .

قال ابن فارس

:" الفاء والتاء والنون أصل صحيح يدل على الابتلاء والاختبار "

( مقاييس اللغة 4 / 472 ) .

فهذا هو الأصل في معنى الفتنة في اللغة .

قال ابن الأثير :

الفتنة : الامتحان والاختبار ... وقد كثر استعمالها فيما أخرجه الاختبار من المكروه ، ثم كثر حتى استعمل بمعنى الإثم والكفر والقتال والإحراق والإزالة والصرف عن الشيء

.( النهاية 3 / 410 ) .

وبنحو من هذا قال ابن حجر في الفتح ( 13 /3 ) .

وقد لخص ابن الأعرابي معاني الفتنة بقوله

: " الفتنة الاختبار ، والفتنة : المحنة ، والفتنة : المال ، والفتنة : الأولاد ، والفتنة الكفر، والفتنة اختلاف الناس بالآراء والفتنة الإحراق بالنار" . ( لسان العرب لابن منظور ) .

ثانيا : معاني الفتنة في الكتاب والسنة :

1- الابتلاء والاختبار : كما في قوله تعالى : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) العنكبوت/2 أي وهم لا يبتلون كما في ابن جرير

2- الصد عن السبيل والرد : كما في قوله تعالى ( وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْك) المائدة/ من الآية49 قال القرطبي : معناه : يصدوك ويردوك .

3- العذاب : كما في قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (النحل:110) فتنوا : أي عذبوا .

4- الشرك ،والكفر : كما في قوله تعالى : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) البقرة/193 قال ابن كثير: أي شرك .

5- الوقوع في المعاصي والنفاق : كما في قوله تعالى في حق المنافقين

( وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِي)الحديد/ من الآية14 قال البغوي :أي أوقعتموها في النفاق وأهلكتموها باستعمال المعاصي والشهوات .

6- اشتباه الحق بالباطل :

كما في قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) لأنفال/73

فالمعنى : " إلا يوالى المؤمن من دون الكافر ، وإن كان ذا رحم به ( تكن فتنة في الأرض ) أي شبهة في الحق والباطل ." كذا في جامع البيان لابن جرير .

7- الإضلال : كما في قوله تعالى : ( ومن يرد الله فتنته ) المائدة / 41

فإن معنى الفتنة هنا الإضلال .البحر المحيط لأبي حيان ( 4 / 262 )

8- القتل والأسر : ومنه قوله تعالى : (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) النساء / 101 .

والمراد : حمل الكفار على المؤمنين وهم في صلاتهم ساجدون حتى يقتلوهم أو يأسروهم . كما عند ابن جرير .

9- اختلاف الناس وعدم اجتماع قلوبهم : كما في قوله تعالى : ( ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة )

أي يوقعوا الخلاف بينكم

كما في الكشاف ( 2 / 277 ) .

10 - الجنون : كما في قوله تعالى ( بأيِّكم المفتون ) .فالمفتون بمعنى المجنون .

11- الإحراق بالنار : لقوله تعالى : ( إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ) .

( البروج :10 )

قال ابن حجر : ويعرف المراد حيثما ورد بالسياق والقرائن .

الفتح ( 11 / 176 )

تنبيه :

قال ابن القيم رحمه الله :

" وأما الفتنة التي يضيفها الله سبحانه إلى نفسه أو يضيفها رسوله إليه كقوله: ( وكذلك فتنا بعضهم ببعض ) وقول موسى : ( إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء )

فتلك بمعنى آخر وهي بمعنى الامتحان والاختبار والابتلاء من الله لعباده بالخير والشر بالنعم والمصائب فهذه لون وفتنة المشركين لون ، وفتنة المؤمن في ماله وولده وجاره لون آخر

والفتنة التي يوقعها بين أهل الإسلام كالفتنة التي أوقعها بين أصحاب علي ومعاوية وبين أهل الجمل ، وبين المسلمين حتى يتقاتلوا و يتهاجروا لون آخر .

زاد المعاد ج: 3 ص: 170 .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-03-20, 17:43
تأخير قول إن شاء الله

السؤال

هل يجوز للرجل إذا نسي أن يقول : " إن شاء الله " أن يقولها بعد وقت طويل ؟.

الجواب

الحمد لله

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله تعالى- :

" قَوْلُهُ تَعَالَى: ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ)

فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ لِعُلَمَاءِ التَّفْسِيرِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا قَبْلَهَا، وَالْمَعْنَى: أَنَّكَ إِنْ قُلْتَ سَأَفْعَلُ غَدًا كَذَا وَنَسِيتَ أَنْ تَقُولَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ تَذَكَّرْتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ;

أَيِ: اذْكُرْ رَبَّكَ مُعَلِّقًا عَلَى مَشِيئَتِهِ مَا تَقُولُ أَنَّكَ سَتَفْعَلُهُ غَدًا إِذَا تَذَكَّرْتَ بَعْدَ النِّسْيَانِ.

وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الظَّاهِرُ ; لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى قَبْلَهُ: ( وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.

وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَغَيْرُهُمْ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْآيَةَ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَا قَبْلَهَا، وأَنَّ الْمَعْنَى: إِذَا وَقَعَ مِنْكَ النِّسْيَانُ لِشَيْءٍ فَاذْكُرِ اللَّهَ ; لِأَنَّ النِّسْيَانَ مِنَ الشَّيْطَانِ

كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْ فَتَى مُوسَى: ( وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ )

وَكَقَوْلِهِ: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ)

وَقَالَ تَعَالَى: ( وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) .

وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى يَطْرُدُ الشَّيْطَانَ، كَمَا يَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ...) الْآيَةَ;

أَيِ: الْوَسْوَاسِ عِنْدَ الْغَفْلَةِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، الْخَنَّاسِ: الَّذِي يَخْنِسُ وَيَتَأَخَّرُ صَاغِرًا عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ، فَإِذَا ذَهَبَ الشَّيْطَانُ النِّسْيَانَ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ)، أَيْ: صَلِّ الصَّلَاةَ الَّتِي كُنْتَ نَاسِيًا لَهَا عِنْدَ ذِكْرِكَ لَهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) .

وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إِذَا نَسِيتَ، أَيْ: إِذَا غَضِبْتَ - ظَاهِرُ السُّقُوطِ.

واشْتُهِرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعُلَمَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ اسْتَنْبَطَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَصِحُّ تَأْخِيرُهُ عَنِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ زَمَنًا طَوِيلًا

قَالَ بَعْضُهُمْ: إِلَى شَهْرٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِلَى سَنَةٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْهُ: لَهُ الِاسْتِثْنَاءُ أَبَدًا.

وَوَجَّهَ أَخْذَهُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَةِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَى نَبِيَّهُ أَنْ يَقُولَ: إِنَّهُ سَيَفْعَلُ شَيْئًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ إِلَّا مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ

أَيْ: إِنْ نَسِيتَ تَسْتَثْنِي بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ فَاسْتَثْنِ إِذَا تَذَكَّرْتَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِاتِّصَالٍ وَلَا قُرْبٍ.

وَالتَّحْقِيقُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَصِحُّ إِلَّا مُقْتَرِنًا بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُتَأَخِّرَ لَا أَثَرَ لَهُ وَلَا تُحَلُّ بِهِ الْيَمِينُ

وَلَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُتَأَخِّرُ يَصِحُّ لَمَا عُلِمَ فِي الدُّنْيَا أَنَّهُ تَقَرَّرَ عَقْدٌ وَلَا يَمِينٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ، لِاحْتِمَالِ طُرُوِّ الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبُطْلَانِ كَمَا تَرَى. وَيُحْكَى عَنِ الْمَنْصُورِ

أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُخَالِفُ مَذْهَبَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَ ; فَاسْتَحْضَرَهُ لِيُنْكِرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ

فَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ لِلْمَنْصُورِ: هَذَا يَرْجِعُ عَلَيْكَ! إِنَّك تَأْخُذُ الْبَيْعَةَ بِالْأَيْمَانِ، أَفَتَرْضَى أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ عِنْدِكَ فَيَسْتَثْنَوْا فَيَخْرُجُوا عَلَيْكَ! ؟

فَاسْتَحْسَنَ كَلَامَهُ وَرَضِيَ عَنْهُ.

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيِّ: سَمِعْتُ فَتَاةً بِبَغْدَادَ تَقُولُ لِجَارَتِهَا: لَوْ كَانَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحًا فِي الِاسْتِثْنَاءِ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَيُّوبَ: ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ) ، بَلْ يَقُولُ : اسْتَثْنِ بِـ " إِنْ شَاءَ اللَّهُ" .

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْجَوَابُ الصَّحِيحُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِيمَا نُسِبَ إِلَيْهِ مِنَ الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَأَخِّرِ.
فَالْجَوَابُ: أَنَّ مُرَادَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا

أَنَّ اللَّهَ عَاتَبَ نَبِيَّهُ عَلَى قَوْلِهِ إِنَّهُ سَيَفْعَلُ كَذَا غَدًا، وَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ ;

لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَقَعُ شَيْءٌ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ، فَإِذَا نَسِيَ التَّعْلِيقَ بِالْمَشِيئَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ وَلَوْ بَعْدَ طُولٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لِيَخْرُجَ بِذَلِكَ مِنْ عُهْدَةِ عَدَمِ التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ، وَيَكُونَ قَدْ فَوَّضَ الْأَمْرَ إِلَى مَنْ لَا يَقَعُ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ.

فَنَتِيجَةُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ: هِيَ الْخُرُوجُ مِنْ عُهْدَةِ تَرِكَةِ الْمُوجِبِ لِلْعِتَابِ السَّابِقِ، لَا أَنَّهُ يُحِلُّ الْيَمِينَ لِأَنَّ تَدَارُكَهَا قَدْ فَاتَ بِالِانْفِصَالِ، هَذَا هُوَ مُرَادُ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهَذَا لَا مَحْذُورَ فِيهِ وَلَا إِشْكَالَ.

وَأَجَابَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِجَوَابٍ آخَرَ وَهُوَ: أَنَّهُ نَوَى الِاسْتِثْنَاءَ بِقَلْبِهِ وَنَسِيَ النُّطْقَ بِهِ بِلِسَانِهِ، فَأَظْهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي نَوَاهُ وَقْتَ الْيَمِينِ

هَكَذَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ.

وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى".

انتهى من "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" (3/ 254) بتصرف يسير .

" أضواء البيان " ( 4 / 85 )

*عبدالرحمن*
2019-03-20, 17:45
ما هي الباقيات الصالحات

السؤال

ما هي الباقيات الصالحات المقصودة في قوله تعالى

الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً الكهف/46؟.

الجواب

الحمد لله

قال الشنقيطي – رحمة الله تعالى عليه - :

وأقوال العلماء في الباقيات الصالحات كلها راجعة إلى شيءٍ واحدٍ وهو الأعمال التي ترضي الله سواء قلنا إنها "

الصلوات الخمس " كما هو مروي عن جماعة من السلف منهم : ابن عباس وسعيد بن جبير وأبو ميسرة وعمر بن شرحبيل ، أو أنها : " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم "

وعلى هذا القول جمهور العلماء ، وجاءت دالة عليه أحاديث مرفوعة عن أبي سعيد الخدري وأبي الدرداء وأبي هريرة والنعمان بن بشير وعائشة – رضي الله عنهم - .

قال مقيده – عفا الله عنه – والتحقيق : أن الباقيات الصالحات :

لفظ عام يشمل الصلوات الخمس والكلمات الخمس المذكورة وغير ذلك من الأعمال التي ترضي الله تعالى ؛ لأنها باقية لصاحبها غير زائلة ولا فانية كزينة الحياة الدنيا

ولأنها – أيضاً – صالحة لوقوعها على الوجه الذي يرضي الله تعالى …. .

" أضواء البيان " ( 4 / 119 ، 120 )

*عبدالرحمن*
2019-03-20, 17:47
تفسير قول الله عز وجل : ( وترى الشمس إذا طلعت تزاور.... الآية )

السؤال

من فضلك فسر الآية التالية

: ( وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ) الكهف/17.

الجواب

الحمد لله

قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله :

حفظهم الله من الشمس فيسّر لهم غاراً إذا طلعت الشمس تميل عنه يميناً وعند غروبها تميل عنه شمالاً فلا ينالهم حرّها فتفسد أبدانهم بها .

( وهم في فجوة منه )

أي من الكهف أي مكان متسع ، وذلك ليطرقهم الهواء والنسيم ، ويزول عنهم الوخم والتأذي بالمكان الضيّق

خصوصاً مع طول المكث ، وذلك من آيات الله الدالة على قدرته ورحمته بهم

وإجابة دعائهم وهدايتهم حتى في هذه الأمور

ولهذا قال : ( من يهد الله فهو المهتد ) أي لا سبيل إلى نيل الهداية إلا من الله فهو الهادي المرشد لمصالح الدارين .

( ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً )

أي لا تجد من يتولاه ويدبّره على ما فيه صلاحه ولا يرشده إلى الخير ولفلاح لأن الله قد حكم عليه الضلال ولا راد لحكمه

انظر تفسير الكريم الرحمن ص/472.

: الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-03-20, 17:50
فائدة الأمثال في القرآن

السؤال

نرى أن القرآن الكريم كثيرا ما يضرب الأمثال ، فما هي فائدة الأمثال ؟.

الجواب

الحمد لله

قال الشيخ الشنقيطي - رحمة الله تعالى عليه -

في تفسير قوله تعالى : ( ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شئ جدلا ) الكهف/54 :

… وفي هذه الأمثال وأشابهها في القرآن عبر ومواعظ وزواجر عظيمةٌ جدّاً

لا لبس في الحق معها ، إلا أنها لا يَعقل معانيها إلا أهلُ العلم

كما قال تعالى : ( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ) العنكبوت/43 ، ومِن حِكَم ضرب المثل : أن يتذكر الناس ، كما قال تعالى : ( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) الحشر/21 .

وقد بين في مواضع أخر أن الأمثال مع إيضاحها للحق يهدي بها الله قوماً ، ويضل بها قوماً آخرين

كما في قوله تعالى : ( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون

ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين ) البقرة/26

… ولا شك أن الذين استجابوا لربهم هم العقلاء الذين عقلوا معنى الأمثال ، وانتفعوا بما تضمنت من بيان الحق ، وأن الذين لم يستجيبوا له هم الذين لم يعقلوها ، ولم يعرفوا ما أوضحه من الحقائق .

فالفريق الأول : هم الذين قال الله فيهم : ( ويهدي به كثيراً ) البقرة/26 .

والفريق الثاني : هم الذين قال فيهم : يضل به كثيراً ، وقال فيهم : ( وما يضل به إلا الفاسقين ) .

" أضواء البيان " ( 4 / 143 ، 144 )

*عبدالرحمن*
2019-03-20, 17:52
ما الفائدة من ذكر الكلب في قصة أهل الكهف ؟

السؤال

ما الفائدة من ذكر الكلب في قصة أهل الكهف ؟.

الجواب

الحمد لله

قال الشيخ الشنقيطي - رحمة الله تعالى عليه - :

واعلم أن ذكره جل وعلا في كتابه هذا الكلب ، وكونه باسطا ذراعيه بوصيد كهفهم في معرض التنويه بشأنهم

، يدل على أن صحبة الأخيار عظيمة الفائدة ، قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية الكريمة

: " وشملت كلبهم بركتهم فأصابه ما أصابهم من النوم على تلك الحال ، وهذا فائدة صحبة الأخيار فإنه صار لهذا الكلب ذكر وخبر وشأن . ا.هـ .

ويدل على هذا المعنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم لمن قال إني أحب الله ورسوله : " أنت مع من أحببت " متفق عليه من حديث أنس .

ويفهم من ذلك أن صحبة الأشرار فيها ضرر عظيم

كما بيَّنه الله تعالى في سورة الصافات في قوله : ( قال قائل منهم إني كان لي قرين ) الصافات/51

- إلى قوله - : ( تالله إن كدت لتردين . ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين ) الصافات/56- 57 .

" أضواء البيان " ( 4 / 47 ، 48 )

*عبدالرحمن*
2019-03-20, 17:55
المراد بالحروف المقطعة في القرآن الكريم

السؤال

ما المراد بالآية : (ألم) ، وما شابهها من الآيات الأخرى الواردة في القرآن ؟

وماذا قال العلماء عن تلك الآيات ؟.

الجواب

الحمد لله

" قد توقف في تفسير هذه الآية وغيرها من الحروف المقطعة جمع من العلماء كالخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم وغيرهم من الصحابة والتابعين وأتباعهم

ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسرها فيستحسن أن نقول : الله أعلم بالمراد منها .

ولكن ثبت عن بعض المفسرين من الصحابة والتابعين وأتباعهم أنهم بينوا تفسيرها واختلفوا فيه ... أهـ

الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور للدكتور/ حكمت بشير ، ج/1 ص/94

والتمس بعض العلماء الحكمة من هذه الحروف فقالوا :

" أنها ذكرت هذه الحروف والله أعلم في أول السور التي ذكرت فيها بياناً لإعجاز القرآن ، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله

هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها

وهذا هو الذي نصره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وارتضاه أبو الحجاج المزّي رحمه الله .

وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ."

فتاوى اللجنة الدائمة ج/ 4 ص/144.

: الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-03-20, 17:57
معاني كلمة " أمَّة " في القرآن

السؤال

مرَّ علي في قراءتي للقرآن كلمة " أمة " عدة مرات وأحسست أن لها معاني متعددة ، وليس معنى واحداً

فهل هذا صحيح ؟

وكيف نفهم هذه الكلمة ؟.

الجواب

الحمد لله

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :

استعمل لفظ " الأمَّة " في القرآن أربعة استعمالات :

الأول : استعمال " الأمَّة " في : البرهة من الزمن - كما : في قوله تعالى ولئن أخَّرنا عنهم العذابَ إلى أمَّةٍ معدودةٍ الآية ، ونظيره قوله تعالى وقال الذي نجا منهما وادَّكر بعد أمَّة - .

الثاني : استعمالها في : الجماعة من النَّاس ، وهو الاستعمال الغالب ، كقوله ووجد عليه أمَّة من الناس يسقون الآية ، وقوله ولكلِّ أمَّة رسول الآية ، وقوله كان النَّاس أمَّةً واحدةً الآية ، إلى غير ذلك من الآيات .

الثالث : استعمال " الأمَّة " في : الرجل المُقْتدى به ، كقوله إن إبراهيم كان أمَّة الآية .

الرابع : استعمال " الأمَّة " في : الشريعة والطريقة ، كقوله إنا وجدنا آباءنا على أمَّة الآية ، وقوله إن هذه أمَّتكم أمَّة واحدة الآية ، إلى غير ذلك من الآيات .

المصدر: " أضواء البيان " ( 3 / 13 )

*عبدالرحمن*
2019-03-20, 17:59
ما معنى قوله تعالى : كتب عليكم إذا حضر أحدَكم الموتُ

السؤال

ما معنى قوله تعالى : ( كُتب عليكم إذا حضر أحدَكم الموتُ ) ؟.

الجواب

الحمد لله

قال أبو بكر بن العربي :

قوله تعالى : إذا حضر أحدكم الموت :

قال علماؤنا : ليس يريد حضور الموت حقيقة ؛ لأن ذلك الوقت لا تُقبل له توبة

ولا له في الدنيا حصة ، ولا يمكن أن ننظم من كلامها لفظة ، ولو كان الأمر محمولاً عليه لكان تكليف محال لا يتصور

ولكن يرجع ذلك إلى معنيين :

أحدهما : إذا قرب حضور الموت ، وأمارة ذلك : كبره في السن ؛ أو سفر ؛ فإنه غرر

أو توقع أمر طارئ غير ذلك ؛ أو تحقق النفس له بأنها سبيل هو آتيها لا محالة [ إذ الموت ربما طرأ عليه اتفاقاً ] .

الثاني : أن معناه إذا مرض ؛ فإن المرض سبب الموت ، ومتى حضر السبب كنَّت به العرب عن المسبب قال شاعرهم :

وقل لهم بادروا بالعذر والتمسوا قولا يبرئكم إني أنا الموت

" أحكام القرآن " ( 1 / 102 )

*عبدالرحمن*
2019-03-20, 18:02
ما هو العهد في قوله تعالى : الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه

السؤال

ما هو العهد في قوله تعالى

الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ؟.

الجواب

الحمد لله

قال أبو بكر بن العربي :

العهد على قسمين :

أحدهما :

فيه الكفارة ، والآخر لا كفارة فيه ، فأما الذي فيه الكفارة فهو الذي يقصد به اليمين على الامتناع عن الشيء أو الإقدام عليه .

وأما العهد الثاني :

فهو العقد الذي يرتبط به المتعاقدان على وجه يجوز في الشريعة ، ويلزم في الحكم ، إما على الخصوص بينهما ، وإما على العموم على الخلق

فهذا لا يجوز حله ، ولا يحل نقضه ، ولا تدخله كفارة ، وهو الذي يحشر ناكثه غادرا ، ينصب له لواء بقدر غدرته

يقال : هذه غدرة فلان. وأما مالك فيقول : العهد باليمين ، لم يجز حله ؛لأجل العقد

وهو المراد بقوله تعالى : ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا وهذا ما لا اختلاف فيه .

: " أحكام القرآن " ( 1 / 27 ، 28 )

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-03-21, 19:06
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


أقسام الناس يوم القيامة

السؤال

من فضلك اشرح الآيات التالية :

قال تعالى : ( وكنتم أزواجاً ثلاثة ، فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة ) الواقعة/7-9 .

الجواب

الحمد لله

قال ابن كثير :

أي ينقسم الناس يوم القيامة إلى ثلاثة أصناف .

قال الطبري :

" وهكذا قسمهم إلى هذه الأنواع الثلاثة في آخر السورة وقت احتضارهم .

ثم فصل الله عز وجل أحوال الأزواج ، فقال : وأصحاب الميمنة تعظيم لشأنهم وتفخيم لأحوالهم .

وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة : أي الشمال ، وذلك تهويل لحالهم .

السابقون السابقون : أي السابقون في الدنيا إلى الخيرات هم السابقون في الآخرة لدخول الجنات أولئك الذين هذا وصفهم ، المقرّبون عند الله في جنات النعيم ، في أعلى علّيين في المنازل العاليات التي لا منزلة فوقها .

نسأل الله أن يجعلنا من السابقين

. والله أعلم

انظر تفسير ابن سعدي ص/832.

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-03-21, 19:09
مشاركة الشيطان للناس في أموالهم

السؤال

ما هي مشاركة الشيطان للناس في أموالهم المذكورة في قوله تعالى : ( وشاركهم في الأموال والأولاد ).

الجواب

الحمد لله

شِركته في الأموال : إنفاقها في معصية الله ، قاله الحسن ، وقيل : هي التي أصابوها من غير حلها ، قاله مجاهد .

قال ابن عباس : ما كانوا يحرِّمونه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، وقاله قتادة .

وقال الضحاك : ما كانوا يذبحونه لآلهتهم .

وعن ابن عباس ومجاهد : هو ما أمرهم به من إنفاق الأموال في معاصي الله تعالى

وقال عطاء : هو الربا ، وقال الحسن : هو جمعها من خبيث وإنفاقها في حرام

وكذا قال قتادة ، وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما : أما مشاركته إياهم في أموالهم : فهو ما حرَّموه من أنعامهم ، يعني : من البحائر والسوائب ونحوها ، وكذا قال الضحاك وقتادة .

قال الطبري :

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : قول من قال : عنى بذلك كلَّ مالٍ عصى الله فيه بإنفاقٍ في حرام أو اكتسابٍ من حرام أو ذبحٍ للآلهة أو تسييبٍ أو بحرٍ للشيطان وغير ذلك مما كان معصيا به أو فيه

وذلك أن الله قال وشاركهم في الأموال فكلُّ ما أطيع الشيطان فيه من مالٍ وعصى الله فيه فقد شارك فاعل ذلك فيه إبليس فلا وجه لخصوص بعض ذلك دون بعض .انتهى

أما مشاركة الشيطان في الطعام والشراب - ويضاف إليه المشاركة في المبيت في البيوت وهي من الأموال - لمن ترك التسمية فقد جاء ذلك في حديث جابر بن عبد الله أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول :

" إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان : لا مبيت لكم ولا عشاء

وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان : أدركتم المبيت ، وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال : أدركتم المبيت والعشاء " .

رواه مسلم ( 2018 ) .

وعن حذيفة قال : كنَّا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً لم نضع أيديَنا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع يده

وإنَّا حضرنا معه مرة طعاماً فجاءت جارية كأنها تدفع فذهبت لتضع يدها في الطعام ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها ، ثم جاء أعرابي كأنما يدفع ، فأخذ بيده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه ، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها فأخذتُ بيدها ، فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذتُ بيده ، والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يدها . رواه مسلم ( 2017 ) .

قال النووي :

ثم الصواب الذي عليه جماهير العلماء من السلف والخلف من المحدثين والفقهاء والمتكلمين أن هذا الحديث وشبهه من الأحاديث الواردة في أكل الشيطان محمولة على ظواهرها

وأن الشيطان يأكل حقيقة ؛ إذ العقل لا يحيله والشرع لم ينكره بل أثبته ، فوجب قبوله واعتقاده

والله أعلم .

" شرح مسلم " ( 13 / 190 ) .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-03-21, 19:13
مشاركة الشيطان للإنسان في أولاده

السؤال

هل صحيح أنه إذا لم تقل بسم الله قبل الجماع فإن الشيطان يشارك فيه ؟.

الجواب

الحمد لله

أما مشاركة الشيطان عند عدم التسمية فقد قال تعالى : وشاركهم في الأموال والأولاد

قال القرطبي : أي اجعل لنفسك شركة في ذلك ...

والأولاد قيل : هم أولاد الزنى قاله مجاهد والضحاك وعبد الله بن عباس ، وعنه أيضاً : هو ما قتلوا من أولادهم وأتوا فيهم من الجرائم

وعنه أيضاً : هو تسميتهم عبد الحارث وعبد العزَّى وعبد اللاَّت وعبد الشمس ونحوه ، وقيل : هو صبغة أولادهم في الكفر حتى هوَّدوهم ونصَّروهم كصنع النصارى بأولادهم بالغمس في الماء الذي لهم ، قاله قتادة .

وقول خامس روي عن مجاهد قال : إذا جامع الرجل ولم يسمِّ انطوى الجان على إحليله فجامع معه فذلك قوله تعالى : لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ...

" تفسير القرطبي " ( 10 / 289 ) .

قال ابن كثير :

وقوله تعالى وشاركهم في الأموال والأولاد

وقوله والأولاد قال العوفي عن ابن عباس ومجاهد والضحاك : يعني أولاد الزنا ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : هو ما كانوا قتلوه من أولادهم سفهاً بغير علمٍ

وقال قتادة عن الحسن البصري : قد والله شاركهم في الأموال والأولاد مجَّسوا وهوَّدوا ونصَّروا وصبغوا غير صبغة الإسلام وجزءوا من أموالهم جزءاً للشيطان ، وكذا قال قتادة سواء

وقال أبو صالح عن ابن عباس : هو تسميتهم أولادهم عبد الحارث وعبد شمس وعبد فلان.

قال ابن جرير : وأولى الأقوال بالصواب أن يقال : كل مولود ولدته أنثى عصى الله فيه بتسميته بما يكرهه الله أو بإدخاله في غير الدين الذي ارتضاه الله أو بالزنا بأمه أو بقتله أو وأده

أو غير ذلك من الأمور التي يُعصي الله بفعله أو فيه :

فقد دخل في مشاركة إبليس فيه من ولد ذلك الولد له أو منه ؛ لأن الله لم يخصص بقوله وشاركهم في الأموال والأولاد معنى الشركة فيه بمعنى دون معنى

فكل ما عصى الله فيه أو به أو أطيع الشيطان فيه أو به فهو مشاركة .

وهذا الذي قاله متجه ، وكلٌّ من السلف رحمهم الله فسَّر بعض المشاركة ، فقد ثبت في صحيح مسلم - ( 2865 ) -

عن عياض بن حمار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله عز وجل " إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم "

وفي الصحيحين - البخاري ( 3271 ) ومسلم ( 1434 ) - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

" لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله جنِّبنا الشيطان وجنِّب الشيطان ما رزقتنا

فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضرَّه الشيطان أبداً " .

" تفسير ابن كثير " ( 3 / 50 ، 51 ) .

قال الطبري :

... وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : كلُّ ولدٍ ولدته أنثى عصى الله بتسميته ما يكرهه الله أو بإدخاله في غير الدين الذي ارتضاه الله أو بالزنا بأمه أو قتله

ووأده أو غير ذلك من الأمور التي يعصى الله بها بفعله به أو فيه فقد دخل في مشاركة إبليس فيه من ولد ذلك المولود له أو منه

لأن الله لم يخصص بقوله وشاركهم في الأموال والأولاد معنى الشركة فيه بمعنى دون معنى ، فكلُّ ما عصى الله فيه أو به وأطيع به الشيطان أو فيه فهو مشاركة من عصى الله فيه أو به إبليس فيه .

" تفسير الطبري " ( 15 / 120 ، 121 ) .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي :

وشاركهم في الأموال والأولاد وذلك شامل لكل معصية تعلَّقت بأموالهم وأولادهم

من منع الزكاة والكفارات والحقوق الواجبة ، وعدم تأديب الأولاد وتربيتهم على الخير وترك الشر ، وأخذ الأموال بغير حقِّها ، أو وضعها بغير حقِّها ، أو استعمال المكاسب الرديَّة .

بل ذكر كثير من المفسرين أنه يدخل في مشاركة الشيطان في الأموال والأولاد : ترك التسمية عند الطعام والشراب والجماع ، وأنه إذا لم يسمِّ الله في ذلك شارك فيه الشيطان كما ورد في الحديث .

" تيسير الكريم الرحمن " ( ص 414 ) .

قلت : أما مشاركة الشيطان في الجماع لمن ترك التسمية فقد سبق ذكر الحديث عند ابن كثير رحمه الله ، وسبق كلام مجاهد رحمه الله .

والخلاصة :

أن القول الصحيح في معنى الآية أن تحمل على الوجوه السابقة في تفسيرها ، إذ لا منافاة بين معانيها

وقد ذكر كل واحد من السلف فرداً من أفراد معانيها ، ولا مضادة بينها ، والقاعدة في مثل هذه الحال : حمل الآية على معانيها جميعها .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية :

الخلاف بين السلف في التفسير قليل ، وخلافهم في الأحكام أكثر من خلافهم في التفسير، وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد ، وذلك صنفان :

أحدهما : أن يعبر كلُّ واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه تدل على معنى في المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمى ، بمنزلة الأسماء المتكافئة التي بين المترادفة والمتباينة كما قيل في اسم السيف : الصارم

والمهند ، وذلك مثل أسماء الله الحسنى ، وأسماء رسوله، وأسماء القرآن ؛ فإن أسماء الله كلها تدل على مسمى واحد ، فليس دعاؤه باسم من أسمائه الحسنى مضادّاً لدعائه باسم آخر

بل الأمر كما قال تعالى قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيّاً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ، وكل اسمٍ من أسمائه يدل على الذات المسماة وعلى الصفة التي تضمنها الاسم

كالعليم يدل على الذات والعلم ، والقدير يدل على الذات والقدرة ، والرحيم يدل على الذات والرحمة ...

الصنف الثاني : أن يذكر كلٌّ منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل وتنبيه المستمع على النوع لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه

مثل سائل أعجمي سأل عن مسمَّى لفظ الخبز فأُرِي رغيفاً وقيل له : هذا

فالإشارة إلى نوع هذا لا إلى هذا الرغيف وحده .

" مجموع الفتاوى " ( 13 / 333 - 337 ) .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-03-21, 19:21
ما هي معاني كلمة " محصنات " في القرآن ؟

السؤال

ما هي معاني كلمة " محصنات " في القرآن ؟.

الجواب

الحمد لله

قال الشنقيطي :

لفظ " المحصنات " أُطلق في القرآن ثلاثة إطلاقات :

الأول :

المحصنات : العفائف ، ومنه قوله تعالى محصنات غير مسافحات ، أي : عفائف غير زانيات .

الثاني

: المحصنات : الحرائر ، ومنه قوله تعالى فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ، أي: على الإماء نصف ما على المحصنات من الجلد .

الثالث :

أن يراد بالإحصان : التزوج ، ومنه - على التحقيق - قوله تعالى فإذا أحصنَّ فإن أتين بفاحشة الآية

أي : فإذا تزوجن ، وقول من قال من العلماء إن المراد بالإحصان في قوله فإذا أحصنَّ الإسلام : خلاف الظاهر من سياق الآية ؛ لأن سياق الآية في الفتيات المؤمنات حيث قال : ومن لم يستطع منكم طولاً الآية .

قال ابن كثير في تفسير الآية ما نصه :

والأظهر والله أعلم أن المراد بالإحصان ههنا : التزويج

لأن سياق الآية يدل عليه حيث يقول سبحانه وتعالى ومن لن يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم .

والآية الكريمة سياقها في الفتيات المؤمنات فتعين أن المراد بقوله فإذا أحصنَّ أي تزوجن كما فسره ابن عباس وغيره .
" أضواء البيان " ( 1 / 279 ، 280 )

*عبدالرحمن*
2019-03-21, 19:24
حكم تفسير القرآن الكريم بالنظريات الحديثة

السؤال

هل يجوز تفسير القرآن الكريم بالنظريات العلمية الحديثة ؟.

الجواب

الحمد لله

سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى

السؤال السابق فأجاب بقوله :

تفسير القرآن بالنظريات العلمية له خطورته , وذلك إننا إذا فسرنا القرآن بتك النظريات ثم جاءت نظريات أخرى بخلافها فمقتضى ذلك أن القرآن صار غير صحيح في نظر أعداء الإسلام

أما في نظر المسلمين فإنهم يقولون إن الخطأ من تصور هذا الذي فسر القرآن بذلك

لكن أعداء الإسلام يتربصون به الدوائر ، ولهذا احذر غاية التحذير من التسرع في تفسير القرآن بهذه الأمور العلمية ولندع هذا الأمر للواقع , إذا ثبت في الواقع فلا حاجة إلى أن نقول القرآن قد أثبته

, فالقرآن نزل للعبادة والأخلاق والتدبر , يقول الله - عز وجل - : ( كتاب أنزلناه إليك مباركٌ ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ) سورة ص آية 29 ,

وليس لمثل هذه الأمور التي تدرك بالتجارب ويدركها الناس بعلومهم , ثم إنه قد يكون خطراً عظيماً فادحاً في تنزيل القرآن عليها

أضرب لهذا مثلاً قوله تعالى : ( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ) الرحمن/33,

لما حصل صعود الناس إلى القمر ذهب بعض الناس ليفسر هذه الآية ونزلها على ما حدث

وقال : إن المراد بالسلطان العلم , وأنهم بعلمهم , نفذوا من أقطار الأرض و تعدوا الجاذبية وهذا خطأ و لا يجوز أن يفسر القرآن بمعنى ذلك فمقتضى ذلك أنك شهدت بأن الله أراده وهذه شهادة عظيمة ستُسأل عنها .

ومن تدبر الآية وجد أن هذا التفسير باطل لأن الآية ذُكرت

بعد قوله تعالى : ( كل من عليها فان - ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام - فبأي آلاء ربكما تكذبان ) الرحمن/26, 28

فلنسأل هل هؤلاء القوم نفذوا من أقطار السماوات ؟

الجواب : لا , والله يقول : ( إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض ) .

ثانياً : هل أرسل عليهم شواظ من نار ونحاس ؟

والجواب : لا . إذن فالآية لا يصح أن تفسر بما فسر به هؤلاء , ونقول : إن وصول إليه هو من المعلوم التجريبية التي أدركوها بتجاربهم , أما أن نُحرَّف القرآن لنخضعه للدلالة على هذا فهذا ليس بصحيح ولا يجوز .

من فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين

, كتاب العلم , الصفحة ( 150 . 152

*عبدالرحمن*
2019-03-21, 19:28
من هو روح القدس

السؤال

ورد في سورة البقرة آية 87 النص التالي : ( ولقد آتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس )

ما هو الروح القدس ؟.

الجواب

الحمد لله

روح القدس هو جبريل عليه السلام ، قال الشيخ الشنقيطي :

قوله تعالى : ( وأيدناه بروح القُدس ) هو جبريل على الأصح

ويدل لذلك قوله تعالى : ( نزل به الروح الأمين ) الشعراء/193

وقوله ( فأرسلنا إليها روحنا ) مريم/17

أخرج ابن أبي حاتم عن أحمد بن سنان .... حدثنا أبو الزعراء قال : قال عبدالله : روح القدس جبريل

ثم قال : وروي عن محمد بن كعب القرظي وقتادة وعطية العوفي والسدي والربيع بن أنس نحو ذلك .

ويؤيد هذا القول ما تقدم وما رواه الشيخان بسنديهما عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع حسان بن ثابت الأنصاري يستشهد أبا هريرة : أنشدك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

" يا حسَّان أجب عن رسول الله ، اللهم أيِّده بروح القدس " قال أبو هريرة : نعم .

التفسير المسبور للدكتور حكمت بشير 1/192- 193

قال شيخ الإسلام ابن تيمية :

قال جماهير العلماء إنه جبريل عليه السلام فإن الله سماه الروح الأمين وسماه روح القدس وسماه جبريل .

دقائق التفسير ج: 1 ص: 310

وعقد فصلاً في ذلك فقال :

فصل في معنى روح القدس قال تعالى : ( يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس )

... فإن الله أيد المسيح عليه السلام بروح القدس كما ذكر ذلك في هذه الآية وقال تعالى في البقرة : ( وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس )

وقال تعالى : ( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس )

وهذا ليس مختصا بالمسيح بل قد أيَّد غيره بذلك وقد ذكروا هم أنه قال لداود روحك القدس لا تنزع مني

وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت

: " اللهم أيده بروح القدس وفي لفظ روح القدس معك ما دمت تنافح عن نبيه " وكلا اللفظين في الصحيح

وعند النصارى أن الحواريين حلت فيهم روح القدس وكذلك عندهم روح القدس حدث في جميع الأنبياء

وقد قال تعالى سورة النحل : ( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ )

وقد قال تعالى في موضع آخر : ( نزل به الروح الأمين على قلبك )

وقال : ( قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله ) فقد تبين أن روح القدس هنا جبريل . ..

قال : ولم يقل أحد أن المراد بذلك حياة الله ولا اللفظ يدل على ذلك ولا استعمل فيه .

دقائق التفسير ج: 2 ص: 92

: الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-03-21, 19:31
ما معنى يخادعون الله في آية سورة البقرة

السؤال

ما هو تفسير الآية التي في بداية سورة البقرة والتي فيها "يخادعون الله والذين آمنوا"؟

كيف يمكن لشخص أن يحاول مخادعة الله، المجيد، العلي؟

وأيضا، هل عندكم من نصيحة تقدمونها لأمريكي يرغب في تعلم الإسلام في بلدان ما وراء البحار؟.

الجواب

الحمد لله

قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية :

( يخادعون الله والذين آمنوا )

أي : بإظهارهم ما أظهروه من الإيمان مع إسرارهم الكفر ، ويعتقدون بجهلهم أنهم يخدعون الله بذلك

وأن ذلك نافعهم عنده ، وأنه يروج عليه كما يروج على بعض المؤمنين

كما قال تعالى : ( يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون )

ولهذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله : ( وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون )

أي : وما يُغرّون بصنيعهم هذا ولا يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون بذلك من أنفسهم

كما قال تعالى : ( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم ) ، ومن القرّاء من قرأ : ( وما يخدعون إلا أنفسهم ) ، وكلا القراءتين ترجع إلى معنى واحد .

وننصح الأمريكي الذي يرغب في تعلم الإسلام أن يكون منصفا متجردا من الأهواء

وأن يحذر من تشويه أعداء الإسلام للإسلام ، وأن يحرص على تعلّم الإسلام من منابعه الصافية ، فلا يأخذه عن الفرق التي تشين الإسلام ببدعها ومحدثاتها

كالقاديانية ، والشيعة ، والصوفية وغيرهم

فهؤلاء شوّهوا دعوة الإسلام ببدعهم فلا يُنظر لأفعالهم وأقوالهم على أنها الإسلام ، ونسأل الله له الهداية .

الشيخ سعد الحميد

*عبدالرحمن*
2019-03-21, 19:35
تفسير قول الله تعالى ( وما كان الله ليضل قوماً )

السؤال

أرجو أن تبين لنا معنى قول الله تعالى :

( وما كان الله ليضل قوماَ بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم ) سورة التوبة / 115 ؟.

الجواب

الحمد لله

يقول الله تعالى عن نفسه الكريمة وحكمه العادل :

إنه لا يضل قوماً إلا بعد إبلاغ الرسالة إليهم حتى يكونوا قد قامت عليهم الحجة كما قال تعالى : ( فأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ) .

وفي قول آخر في تفسير الآية :

قال مجاهد في قوله تعالى : ( وما كان الله ليضل قوماً بعد إذا هداهم ) بيان الله عز وجل للمؤمنين في الاستغفار للمشركين خاصة ، وفي بيانه لهم معصيته وطاعته عامة ، فافعلوا أو ذروا .

وقال ابن جرير :

يقول الله تعالى : وما كان الله ليقضي عليكم في استغفاركم لموتاكم المشركين بالضلال ،

بعد إذ رزقكم الهداية ووفقكم للإيمان به وبرسوله ، حتى يتقدم إليكم بالنهي عنه فتتركوا ، فأمّا قبل أن يبين لكم كراهة ذلك بالنهي عنه ، ثم تتعدوا نهيه إلى ما نهاكم عنه

فإنه لا يحل عليكم بالضلال ، لأن الطاعة والمعصية إنما يكونان من المأمور والمنهي ، وأما من لم يؤمر ولم ينه ، فغير كائن مطيعاً أو عاصياً فيما لم يؤمر به ولم ينه عنه .

المصدر: تفسير ابن كثير

*عبدالرحمن*
2019-03-21, 19:38
هل اختلف التفسير الحديث عن التفسير القديم للقرآن

السؤال

هل هناك فروق في تفسير القرآن وما يتعلق بذلك في عهد الأمويين والآن ؟

الجواب

الحمد لله

إن كان المراد بالسؤال تفسير القرآن في عهد الأمويين في عصر السلف الصالح من التابعين وتابعيهم وأصاغر الصحابة ، فالتدوين في ذلك العصر قليل بالنسبة لما جاء بعده من العصور

ويقتصر فيه غالباً على الرواية :

ويُعرف بالتفسير الأثري

ثم توسع العلماء في تفسير القرآن الكريم وسلكوا عدة اتجاهات منها المحمود المقبول ومنها المردود

ثم في العصر الأخير زاد التوسع والتوغل في الرأي والاستنباط

وأُقحم في التفسير ما ليس منه من نظريات ومتغيرات حتى قيل في بعض التفاسير إن فيها كلّ شيءٍ غير التفسير

يمثِّل ذلك في تفاسير العصور الوسطى : تفسير الرازي

وفي العصر الحديث تفسير الجواهر .

كتبه : الشيخ عبد الكريم الخضير

*عبدالرحمن*
2019-03-21, 19:42
معنى استخدام الضمير "نحن" في القرآن

السؤال

لماذا يستخدم القرآن لفظ نحن في الآيات؟

كثير من غير المؤمنين يقولون إن هذا إشارة إلى عيسى.

الجواب

الحمد لله

من أساليب اللغة العربية أن الشخص يعبر عن نفسه بضمير " نحن " للتعظيم

ويذكر نفسه بضمير المتكلم الدال على المفرد كقوله " أنا "

وبضمير الغيبة نحو " هو " وهذه الأساليب الثلاثة جاءت في القرآن والله يخاطب العرب بلسانهم .

فتاوى اللجنة الدائمة م4/143 .

" فالله سبحانه وتعالى يذكر نفسه تارة بصيغة المفرد مظهراً أو مضمراً

وتارة بصيغة الجمع كقوله : " إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً " وأمثال ذلك . ولا يذكر نفسه بصيغة التثنية قط

لأن صيغة الجمع تقتضي التعظيم الذي يستحقه ، وربما تدل على معاني أسمائه ، وأما صيغة التثنية فتدل على العدد المحصور ، وهو مقدس عن ذلك "

أ.هـ العقيدة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 75 .

ولفظ ( إنا ) و ( نحن ) وغيرهما من صيغ الجمع قد يتكلم بها الشخص عن جماعته وقد يتكلّم بها الواحد العظيم

كما يفعل بعض الملوك إذا أصدر مرسوما أو قرارا يقول نحن وقررنا ونحو ذلك وليس هو إلا شخص واحد وإنّما عبّر بها للتعظيم ، والأحقّ بالتعظيم من كلّ أحد هو الله عزّ وجلّ

فإذا قال الله في كتابه إنا ونحن فإنّها للتعظيم وليست للتعدّد

ولو أنّ آية من هذا القبيل أشكلت على شخص واشتبهت عليه فيجب أن يردّ تفسيرها إلى الآيات المحكمة

فإذا تمسك النصراني مثلا بقوله : ( إنا نحن نزلنا الذكر ) ونحوه على تعدد الآلهة

رددنا عليه بالمحكم كقوله تعالى : ( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم )

وقوله : ( قل هو الله أحد )

ونحو ذلك مما لا يحتمل إلا معنى واحداً ، وعند ذلك يزول اللبس عمن أراد الحقّ

وكلّ صيغ الجمع التي ذكر الله بها نفسه مبنية على ما يستحقه من العظمة ولكثرة أسمائه وصفاته وكثرة جنوده وملائكته .

يُراجع كتاب العقيدة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 109 .

والله تعالى أعلم .

: الشيخ محمد صالح المنجد

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-03-23, 18:05
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


ما هو اللوح المحفوظ وما معناه

السؤال

نرجو شرحاً مفصلاً مصحوباً بتفسير العلماء العظام مثل ابن كثير أو الطبري أو غيرهما لقول الله عز وجل : (في لوح محفوظ) سورة البروج آية 22 .

الجواب

الحمد لله

1. قال ابن منظور :

اللوح : كل صفيحة عريضة من صفائح الخشب .

وقال الأزهري : اللوح صفيحة من صفائح الخشب والكتف إذا كتب عليها سميت لوحا .

واللوح الذي يكتب فيه .

و اللوح : اللوح المحفوظ ، وفي التنزيل في لوحٍ محفوظٍ يعني : مستودعٌ مشيئات الله تعالى .

وكل عظم عريض : لوح .

والجمع منها : ألواح .

وألاويح : جمع الجمع . " لسان العرب " ( 2 / 584 ) .

2. قال ابن كثير رحمه الله :

في لوح محفوظ أي : هو في الملإ الأعلى محفوظ من الزيادة والنقص والتحريف والتبديل . " تفسير ابن كثير " ( 4 / 497 ، 498 ) .

3. وقال ابن القيم رحمه الله :

وقوله محفوظ : أكثر القراء على الجر صفة للوح ، وفيه إشارة إلى أن الشياطين لا يمكنهم التنزّل به لأن محله محفوظ أن يصلوا إليه ، وهو في نفسه محفوظ أن يقْدِر الشيطان على الزيادة فيه والنقصان .

فوصفه سبحانه بأنه محفوظ في قوله إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ، ووصف محله بالحفظ في هذه السورة .

فالله سبحانه حفظ محله ، وحفظه من الزيادة والنقصان والتبديل ، وحفظ معانيه من التحريف كما حفظ ألفاظه من التبديل ، وأقام له مَن يحفظ حروفه مِن الزيادة والنقصان ، ومعانيه مِن التحريف والتغيير . "

التبيان في أقسام القرآن " ( ص 62 ) .

4. أما ما جاء في بعض كتب التفسير ، أن اللوح المحفوظ في جبهة " إسرافيل " ، أو أنه مخلوق من زبرجدة خضراء ، وغير ذلك فهو مما لم يثبت ، وهو من الغيب الذي لا يقبل إلا ممن أوحي إليه منه بشيء .

والله تعالى أعلم .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-03-23, 18:07
معنى قوله تعالى : ( وما أُهلّ به لغير الله )

السؤال

بالرجوع للآية 173 من سورة البقرة ما هو معنى قوله تعالى وما أهل به لغير الله في هذه المسألة ؟

هل هذه الآية تمنعني من قبول أو أكل أي طعام (ليس من الضروري الطعام المذبوح على غير اسم الله) من الطعام الذي يقدم هنا في الهند بعد قراءة الفاتحة باسم بعض الصالحين مثل عبدالقادر الجيلاني ؟

الجواب

الحمد لله

قال ابن كثير رحمه الله تعالى في الآية المذكورة في السؤال من سورة البقرة :

ما أهل به لغير الله وهو ما ذبح على غير اسمه تعالى من الأنصاب والأنداد والأزلام ونحو ذلك مما كانت الجاهلية ينحرون له .

وفي تفسير الآية 3 من سورة المائدة قال رحمه الله تعالى :

وقوله " وما أهل به لغير الله "

أي ما ذبح فذكر عليه اسم غير الله فهو حرام لأن الله تعالى أوجب أن تذبح مخلوقاته على اسمه العظيم فمتى عدل بها عن ذلك وذكر عليها اسم غيره من صنم

أو طاغوت أو وثن أو غير ذلك من سائر المخلوقات فإنها حرام بالإجماع ..

وقوله " وما ذبح على النصب " قال مجاهد وابن جريج: كانت النصب حجارة حول الكعبة قال ابن جريج : وهي ثلثمائة وستون نصبا كانت العرب في جاهليتها يذبحون عندها .. ويشرّحون اللحم ويضعونه على النُّصُب .

. فنهى الله المؤمنين عن هذا الصنيع وحرم عليهم أكل هذه الذبائح التي فعلت عند النصب حتى ولو كان يذكر عليها اسم الله في الذبح عند النصب من الشرك الذي حرمه الله ورسوله

وينبغي أن يحمل هذا على هذا لأنه قد تقدم تحريم ما أهل به لغير الله . انتهى

فأيّ ذبيحة ذُكر عليها اسم غير الله من نبي أو وليّ أو صنم أو شيطان أو أيّ معبود كالصّليب وغيره فلا يجوز أكلها

والله أعلم .

: الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-03-23, 18:11
معنى آية ( والقمر قدّرناه منازل ..)

السؤال

إنني أميل إلى الإسلام ، ومنذ عام 1994م بدأت أقرأ القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم من وقت مبكر من هذه السنة ، ولقد وجدت إشباعاً روحياً عظيماً في الإسلام .

سوف أتلقى دروساً لأنني أخطط لاعتناق الإسلام . أنا لست متأكدة من معنى آية في سورة ياسين وآمل أن تستطيع مساعدتي ( الآية رقم 39)

وهي قوله تعالى : ( والقمر قدرناه منازل … الآية ) إنني ممتنة لمساعدتك

وأدعو الله أن يهديك ويحفظك ويبارك لمساعدتك التي تمنحها لناس كثير في أنحاء العالم عن طريق أجوبتك .

الجواب

الحمد لله

أولا : أريد أن أهنئك أيتها السائلة على القناعة التي وصلت إليها بصحة دين الإسلام وأنّه الدّين الوحيد الذي يلبي حاجات النفس ويجلب لها الطمأنينة والسعادة

ويبدو من ألفاظ سؤالك التأثّر الواضح بما قرأتيه عن الإسلام حتى لو أنّك لم تخبرينا بأنّك هندوسية لما ظنّنا إلا أنك مسلمة من خلال الأسلوب المستخدم في السؤال .

وأهمّ ما أريد أن أقدّمه لك من النّصيحة هنا هو المسارعة بالدخول في الإسلام وأن يكون ذلك عاجلا غير آجل وإذا كان الشّخص قد تبينت له كلّ هذه الحقائق فلماذا يتأخّر عن الدخول في الإسلام ؟

وهناك أمر آخر يحسن التنبيه عليه وهو أنّ بعض الذين يريدون الدّخول في الإسلام يؤخّرون دخولهم فيه حتى يتعلموا قدرا من هذا الدّين ككيفية الصلاة ونحو ذلك لظنّهم ربّما أنّه لا يصلح الدّخول

في الدّين إلا بعد قطع شوط في تعلّمه وهذا أمر غير صحيح فإنّه متى تبيّن للإنسان الحقّ وجب عليه أن يتّبعه ويدخل في الإسلام فورا ثمّ يتعلّم الكتاب والسنّة

ويتفقّه في الدّين ويتدرّج في سلّم العلم والعمل بحسب قدرته واستطاعته ، لأنّ الإنسان لا يدري متى توافيه المنيّة ، فإذا لقي الله بغير الإسلام كان من الهالكين

ثمّ إنّ الإنسان لا يُؤجر ولا تُكتب له الحسنات إلا بعد الدّخول في الدّين فيفوته خير كثير نافع إذا أخّر إسلامه ، والوقت المنصرم من العُمُر لا يُمكن أن يعود .

هذا ونعود إلى سؤالك - أيتها السائلة العاقلة الموفّقة إلى الحقّ بإذن الله - بشأن معنى الآية التاسعة والثلاثين من سورة يـس .

في هذه الآية يقول جلّ وعلا : " والقمر قدرناه منازل" أي جعلناه يسير سيرا آخر يستدل به على مضي الشهور كما أن الشمس يعرف بها الليل والنهار

كما قال عز وجل "يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج".

وقال تعالى : "هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب" الآية .

. فجعل الشمس لها ضوء يخصها والقمر له نور يخصه وفاوت بين سير هذه وهذا فالشمس تطلع كل يوم وتغرب في آخره على ضوء واحد ولكن تنتقل في مطالعها ومغاربها صيفا

وشتاء يطول بسبب ذلك النهار ويقصر الليل ثم يطول الليل ويقصر النهار وجعل سلطانها بالنهار

فهي كوكب نهاري وأما القمر فقدّره منازل يطلع في أول ليلة من الشهر القمري ضئيلا قليل النور ثم يزداد نورا في الليلة الثانية ويرتفع منزلة ثم كلما ارتفع ازداد ضياء

وإن كان مقتبسا من الشمس حتى يتكامل نوره في الليلة الرابعة عشرة ثم يَشرع في النقص إلى آخر الشهر حتى يصير كالعرجون القديم .

قال ابن عباس رضي الله عنهما وهو أصل العذق .

وقال مجاهد العرجون القديم أي العذق اليابس يعني ابن عباس رضي الله عنهما أصل العنقود من الرطب إذا عتق ويبس وانحنى " .

( المرجع تفسير ابن كثير ) .

وهذا التشبيه في الآية للقمر في آخر الشهر بالعرجون هو قمّة البلاغة والجمال في التعبير ، والحسن البالغ في انتقاء المشبّه به من البيئة المحيطة للمقارنة بالمشبّه .

والله أعلم

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-03-23, 18:14
تفسير الآية 33 من سورة الرحمن

السؤال

أرجو أن تساعدني في تفسير آية رقم 33 من سورة الرحمن لأني لا أتكلم العربية.

وجزاك الله خيرا

الجواب

الحمد لله

قال تعالى :يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلاّ بِسُلْطَانٍ(33) سورة الرحمن

وهذا التحدّي من الله للعباد يكون في أرض المحشر حينما يجمع الخلائق كلهم جنّهم وإنسهم وتنشق السماوات وتهبط الملائكة من كلّ سماء فتحيط بأهل المحشر فيتحدّاهم الله بالهروب فلا يستطيعون

وكيف سيستطيعون وهم لا حول لهم ولا قوّة والملائكة تحاصرهم وتحيط بهم من كلّ جانب .

قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية :

أي لا تستطيعون هربا من أمر الله وقدره بل هو محيط بكم لا تقدرون على التخلص من حكمه ولا النفوذ عن حكمه فيكم أينما ذهبتم أحيط بكم

وهذا في مقام الحشر الملائكة محدقة بالخلائق سبع صفوف من كل جانب فلا يقدر أحد على الذهاب "إلا بسلطان" أي إلا بأمر الله "يقول الإنسان يومئذ أين المفر. كلا لا وزر . إلى ربك يومئذ المستقر"

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-03-23, 18:17
ما هي الأشياء التي علمها الله لآدم

السؤال

هل يمكن أن توضح الآية التالية " وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة" (البقرة 31) ما هو المقصود بكلها وماذا كان الله يقصد بالضمير ؟

الجواب

الحمد لله

قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/256 ت. أبو إسحاق الحويني) عند قوله تعالى : ( وعلم آدم الأسماء كلها ) :
والصحيح أنه علمه أسماء الأشياء كلها وذواتها وصفاتها وأفعالها حتى الفسوة والفُسية يعني أسماء الذوات والأفعال المكبر والمصغر

ولهذا قال البخاري في تفسير هذه الآية في كتاب التفسير من صحيحه فذكر ابن كثير إسناد البخاري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم

قال : " يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون : لو استشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم فيقولون : أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء ... الحديث " ...

فدل هذا على أنه علمه أسماء جميع المخلوقات ولهذا قال : " ثم عرضهم على الملائكة " يعني المسميات .ا.هـ.

وقد سرد الأقوال في هذه المسألة الحافظ ابن حجر في الفتح (8/10)

فقال : واختلف في المراد بالأسماء : فقيل أسماء ذريته وقيل أسماء الملائكة وقيل أسماء الأجناس دون أنواعها وقيل أسماء كل ما في الأرض وقيل أسماء كل شيء حتى القصعة .

وقال الإمام الشوكاني في فتح القدير(1/64) : والأسماء هي العبارات والمراد أسماء المسميات

قال بذلك أكثر العلماء وهو المعنى الحقيقي للاسم والتأكيد بقوله كلها يفيد أنه علمه جميع الأسماء ولم يخرج عن هذا شيء منها كائنا ما كان . أهـ

والله تعالى أعلم .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-03-23, 18:27
ما هي الحكمة الإلهية من تكريم بني آدم على سائر الخلق ؟

السؤال

ما الحكمة الإلهية من تكريم بني آدم على سائر الخلق ؟

وهل التكريم على جميع الخلق أم أكثرهم ؟

وإن كان على أكثرهم ، فمن الذين هم أكرم من بني آدم - جزاكم الله خيرًا - ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

يقول الله جل وعلا : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) الإسراء/ 70

قال ابن كثير رحمه الله :

" يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ تَشْرِيفِهِ لِبَنِي آدَمَ ، وَتَكْرِيمِهِ إِيَّاهُمْ ، فِي خَلْقِهِ لَهُمْ عَلَى أَحْسَنِ الْهَيْئَاتِ وَأَكْمَلِهَا

كَمَا قَالَ : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) التِّينِ/ 4، أَيْ : يَمْشِي قَائِمًا مُنْتَصِبًا عَلَى رِجْلَيْهِ ، وَيَأْكُلُ بِيَدَيْهِ - وَغَيْرُهُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ وَيَأْكُلُ بِفَمِهِ -

وَجَعَلَ لَهُ سَمْعًا وَبَصَرًا وَفُؤَادًا ، يَفْقَهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ ، وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ ، وَيَعْرِفُ مَنَافِعَهَا وَخَوَاصَّهَا وَمَضَارَّهَا فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ .

( وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ ) أَيْ : عَلَى الدَّوَابِّ مِنَ الْأَنْعَامِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ

وَفِي الْبَحْرِ أَيْضًا عَلَى السُّفُنِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ .

( وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ) أَيْ : مِنْ زُرُوعٍ وَثِمَارٍ ، وَلُحُومٍ وَأَلْبَانٍ ، مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الطُّعُومِ وَالْأَلْوَانِ

الْمُشْتَهَاةِ اللَّذِيذَةِ ، وَالْمَنَاظِرِ الْحَسَنَةِ ، وَالْمَلَابِسِ الرَّفِيعَةِ مِنْ سَائِرِ الْأَنْوَاعِ ، عَلَى اخْتِلَافِ أَصْنَافِهَا وَأَلْوَانِهَا وَأَشْكَالِهَا ، مِمَّا يَصْنَعُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ ، وَيَجْلِبُهُ إِلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ مِنْ أَقْطَارِ الْأَقَالِيمِ وَالنَّوَاحِي .

( وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا ) أَيْ : مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَأَصْنَافِ الْمَخْلُوقَاتِ "

انتهى من "تفسير ابن كثير" (5/ 97).

وينظر : "تفسير السعدي" (ص 463) .

ثانيا :

ينبغي أن يُعْلم : أن الله جل جلاله : هو المتفرد باختيار ما يختاره ، واصطفاء ما يصطفيه

كما أنه المتفرد بخلق ذلك كله ، سواء بدا لنا حكمته في خلقه واصطفائه ، أو لم يبد ؛ فلله سبحانه الحكمة البالغة في خلقه وتدبيره .

قال ابن القيم رحمه الله :

" فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْخَلْقِ وَالِاخْتِيَارِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص: 68] [الْقَصَصِ: 68] ...

فَكَمَا أَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِالْخَلْقِ ، فَهُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالِاخْتِيَارِ مِنْهُ ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْلُقَ ، وَلَا أَنْ يَخْتَارَ سِوَاهُ .

فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِمَوَاقِعِ اخْتِيَارِهِ ، وَمَحَالِّ رِضَاهُ ، وَمَا يَصْلُحُ لِلِاخْتِيَارِ مِمَّا لَا يَصْلُحُ لَهُ ، وَغَيْرُهُ لَا يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ بِوَجْهٍ..."

قال :

" وَإِذَا تَأَمَّلْتَ أَحْوَالَ هَذَا الْخَلْقِ ، رَأَيْتَ هَذَا الِاخْتِيَارَ وَالتَّخْصِيصَ فِيهِ : دَالًّا عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ تَعَالَى ، وَوَحْدَانِيَّتِهِ ، وَكَمَالِ حِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ

وَأَنَّهُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، فَلَا شَرِيكَ لَهُ يَخْلُقُ كَخَلْقِهِ ، وَيَخْتَارُ كَاخْتِيَارِهِ ، وَيُدَبِّرُ كَتَدْبِيرِهِ

فَهَذَا الِاخْتِيَارُ وَالتَّدْبِيرُ وَالتَّخْصِيصُ ، الْمَشْهُودُ أَثَرُهُ فِي هَذَا الْعَالَمِ مِنْ أَعْظَمِ آيَاتِ رُبُوبِيَّتِه ِ، وَأَكْبَرِ شَوَاهِدِ وَحْدَانِيَّتِهِ ، وَصِفَاتِ كَمَالِهِ ، وَصِدْقِ رُسُلِهِ .."

انتهى من "زاد المعاد" (1/40) وما بعدها .

ثالثا :

من حكمة الله جل جلاله في تكريم بني آدم ، والله أعلم : أنهم المحل الذي قبل أمانة الرحمن

والتي هي تكليفه وامتثاله للأمر والنهي باختياره ؛ فبعد أن عرضها على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها

وحملها الإنسان ؛ أهله الله جل جلاله لهذا المقام السني ، فاجتباه ، واختاره واصطفاه ، وفضله على كثير ممن خلقه سواه .

ثم كان من مقتضى ذلك : أن فيهم صفوة خلقه

من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، فيهم العلماء العاملون ، وفيهم المجاهدون ، وفيهم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ، وفيهم القائمون بأمر الله ، والدعوة إليه .

قال ابن القيم رحمه الله :

" خلق الله سبحانه عباده المؤمنين وخلق كل شيء لأجلهم

كما قال تعالى: ( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سخَّرَ لَكُمْ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ وَأَسْبَغ َ عَلَيْكُمْ نِعمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً )

وكرمهم وفضلهم على كثير ممن خلق

فقال : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَم وحملناهم فِى الْبِرِّ وَالْبَحْرِ وَرزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً )

وقال لصالحيهم وصفوتهم: ( إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآل إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِين )

وقال لموسى : ( وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ) ، واتخذ منهم الخليلين ، والخلة أعلى درجات المحبة ...

والله سبحانه لا يصطفى لنفسه إلا أعز الأشياء وأَشْرَفَهَا وأعظمها قيمة .

وإذا كان قد اختار العبد لنفسه ، وارتضاه لمعرفته ومحبته ، وبنى له داراً في جواره وقربه

وجعل ملائكته خدَمه يسعون في مصالحه في يقظته ومنامه وحياته وموته ، ثم إنَّ العبد أبق عن سيده ومالكه ، معرضاً عن رضاه ، ثم لم يكفه ذلك حتى خامر عليه

وصالح عدوه ووالاه من دونه ، وصار من جنده مؤثراً لمرضاته على مرضاة وليه ومالكه

فقد باع نفسه- التي اشتراها منه إلهه ومالكه وجعل ثمنها جنته والنظر إلى وجهه- من عدوه وأبغض خلقه إليه ، واستبدل غضبه برضاه ولعنته برحمته ومحبته .

فأي مقت خلى هذا المخدوع عن نفسه لم يتعرض له من ربه ؟

قال تعالى : ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْملائِكَةِ اسْجُدُوا لآدم فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِى وَهُمْ لَكُمْ عَدُو، بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدلاً ) "

انتهى من "طريق الهجرتين" (ص 240-241) .

ثانيا :

تكريم جنس بني آدم إنما هو على كثير ممن خلق الله ، وأفادت لفظة ( كثير ) أن هناك أجناسا لا يمكن القطع بتفضيل جنس الآدميين عليهم ، كالملائكة مثلا ، إذ لا يمكن القول بأن الآدمي الكافر أفضل عند الله من الملائكة .

فالملائكة أفضل من الكفار من بني آدم بلا شك ، وكذا مؤمنو الجن أفضل من كفار بني آدم وفساقهم .

قال ابن عاشور رحمه الله :

" وَلَا شَكَّ أَنَّ إِقْحَامَ لَفْظِ ( كَثِيرٍ ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا ) مُرَاد مِنْهُ التَّقْيِيد وَالِاحْتِرَازُ وَالتَّعْلِيمُ الَّذِي لَا غُرُورَ فِيهِ

فَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ ثَمَّ مَخْلُوقَاتٍ غَيْرَ مُفَضَّلٍ عَلَيْهَا بَنُو آدَمَ ، تَكُونُ مُسَاوِيَةً ، أَوْ أَفْضَلَ ؛ إِجْمَالًا أَوْ تَفْصِيلًا .
وَتَبْيِينُهُ يُتَلَقَّى مِنَ الشَّرِيعَةِ فِيمَا بَيَّنَتْهُ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا سَكَتَتْ فَلَا نَبْحَثُ عَنْهُ "

انتهى من "التحرير والتنوير" (15/ 166).

وينظر جواب السؤال القادم

فتحصل من ذلك :

أن المرد في معرفة التفضيل إنما هو للشرع ، لا للعقل ، وما يقضي به .

ثم لا يظهر من التكلف في تشقيق السؤال في ذلك ثمرة ؛ بل على العبد أن يعلم أن لربه حكمة بالغة في خلقه

كما له الحكمة البالغة في أمره ونهيه ، وأن يجعل همته مصروفة لمواقع رضى ربه منه ، فينشغل بها عما سواها .

وانظر للفائدة جواب السؤال بعد القادم

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-23, 18:33
هل الملائكة أفضل أم الأنبياء والصالحون ؟

السؤال

الملائكة تعبد الله عز وجل ، فهل هم أفضل من الأنبياء عليهم السلام ؟

الجواب

الحمد لله

الملائكة عباد مكرمون ، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون

وقد خلقهم الله وجبلهم على طاعته وعبادته ، فمنهم الموكل بالوحي ، ومنهم الموكل بالأرزاق ، ومنهم الموكل بالجبال ، ومنهم المخلوق للعبادة والصلاة والتسبيح وذكر الله .

روى الترمذي (2312) وحسنه عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ ، أَطَّتْ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ ) حسنه الألباني في "صحيح الترمذي" .

وفي حديث الإسراء : ( فَرُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ : هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ ) .

رواه البخاري (3207) ومسلم (164)

وروى الطبري في "تفسيره" (21/127) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال :

" إن من السموات لسماء ما فيها موضع شبر إلا وعليه جبهة ملك أو قدمه قائما ، ثم قرأ : ( وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ )

وصححه الألباني في "الصحيحة" (1059) .

ومثل هذه العبادة لا يطيقها بشر ، ولا يقدرون عليها ، والملائكة لا يفترون ولا يسأمون

كما قال تعالى : ( فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ ) فصلت/ 38

والبشر ركبت فيهم الطبيعة البشرية ، بما فيهم أنبياء الله ورسله صلى الله عليهم وسلم ، فهم يختلفون عن الملائكة في صفاتهم وطبائعهم .

فالملائكة يقدرون في العبادة على ما لا يقدر عليه بشر .

لكن ذلك لا يعني أنهم خير من الأنبياء ، لأن عبادتهم أعظم أو أكثر ؛ فالأنبياء بحكم كونهم بشرا ، وفيهم طبيعة البشر ، لما ارتفعوا إلى ذلك المقام العالي في طاعة ربهم ، كانت لهم فضيلة خاصة

ومقام عظيم ، حتى ذهب غير واحد من أهل العلم إلى أن صالحي البشر أفضل مقاما من الملائكة

لأن الملائكة ليس عندهم نوازع للشر أو العصيان ، وأما صالحو البشر فعندهم هذه النوازع ، غير أنهم يغالبونها ، ويقهرونها في طاعة الله .

سُئِلَ شَيخ الإسلاَم

عَنْ الْمُطِيعِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ هُمْ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ؟

فَأَجَابَ :

" قَدْ ثَبَتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ : " إنَّ الْمَلَائِكَةَ قَالَتْ : يَا رَبِّ جَعَلْت بَنِي آدَمَ يَأْكُلُونَ فِي الدُّنْيَا وَيَشْرَبُونَ وَيَتَمَتَّعُونَ

فَاجْعَلْ لَنَا الْآخِرَةَ كَمَا جَعَلْت لَهُمْ الدُّنْيَا ؟ قَالَ : لَا أَفْعَلُ ثُمَّ أَعَادُوا عَلَيْهِ قَالَ : لَا أَفْعَلُ ثُمَّ أَعَادُوا عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَقَالَ :

وَعِزَّتِي لَا أَجْعَلُ صَالِحَ ذَرِّيَّةِ مَنْ خَلَقْت بِيَدَيَّ ، كَمَنْ قُلْت لَهُ : كُنْ فَكَانَ " ذَكَرَهُ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدارمي .

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ أَنَّهُ قَالَ : مَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْ مُحَمَّدٍ .

فَقِيلَ لَهُ : وَلَا جِبْرِيلُ وَلَا ميكائيل فَقَالَ لِلسَّائِلِ : " أَتَدْرِي مَا جِبْرِيلُ وَمَا ميكائيل ؟

إنَّمَا جِبْرِيلُ وميكائيل خَلْقٌ مُسَخَّرٌ كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ، وَمَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .

وَمَا عَلِمْت عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ . وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ مِنْ أَصْحَابِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَهُوَ : أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَوْلِيَاءَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (4 /344) .

وقال أيضا :

" وَآدَمُ خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ طِينٍ ، فَلَمَّا سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَأَسْجَدَ لَهُ الْمَلَائِكَةَ وَفَضَّلَهُ عَلَيْهِمْ بِتَعْلِيمِهِ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ وَبِأَنْ خَلَقَهُ بِيَدَيْهِ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ

فَهُوَ وَصَالِحُو ذُرِّيَّتِهِ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ ؛ وَإِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ مَخْلُوقِينَ مِنْ طِينٍ ؛ وَهَؤُلَاءِ مِنْ نُورٍ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (11 /95) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" إن الله سبحانه يخلق من المادة المفضولة ما هو أفضل من المخلوق من غيرها ، وهذا من كمال قدرته سبحانه ، ولهذا كان محمد وإبراهيم وموسى وعيسى ونوح والرسل أفضل من الملائكة

ومذهب أهل السنة أن صالحي البشر أفضل من الملائكة ، وإن كانت مادتهم نورا ، ومادة البشر ترابا "

انتهى من "الصواعق المرسلة" (3 /1002) .

وقال أيضا :

" صالح البشر أفضل من الملائكة ، لأن الملائكة عبادتهم بريئة عن شوائب دواعي النفس والشهوات البشرية ، فهي صادرة عن غير معارضة ولا مانع ولا عائق

وهي كالنفَس للحي . وأما عبادات البشر فمع منازعات النفوس ، وقمع الشهوات ومخالفة دواعي الطبع فكانت أكمل ، ولهذا كان أكثر الناس على تفضيلهم على الملائكة لهذا المعنى ولغيره "

انتهى من "طريق الهجرتين" (ص 349-350) .

وهناك من فصل تفصيلا آخر في المسألة

فقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" المفاضلة بين الملائكة وبين الصالحين من البشر محل خلاف بين أهل العلم ، وكل منهم أدلى بدلوه فيما يحتج به من النصوص ، ولكن القول الراجح أن يقال : إن الصالحين من البشر أفضل من الملائكة باعتبار النهاية

فإن الله سبحانه وتعالى يؤدي لهم من الثواب ما لا يحصل مثله للملائكة فيما نعلم ، بل إن الملائكة في مقرهم- أي : في مقر الصالحين ، وهو الجنة - يدخلون عليهم من كل باب يهنئونهم : ( سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) .

أما باعتبار البداية فإن الملائكة أفضل ؛ لأنهم خلقوا من نور ، وجبلوا على طاعة الله عز وجل والقوة عليها

كما قال الله تعالى في الملائكة ملائكة النار : (عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) ،

وقال عز وجل : (وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) هذا هو القول الفصل في هذه المسألة

وبعدُ : فإن الخوض فيها ، وطلب المفاضلة بين صالح البشر والملائكة ، من فضول العلم الذي لا يضطر الإنسان إلى فهمه والعلم به "

انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (8 /6) .

وصدق رحمه الله ؛ فإن هذه المسألة وأشباهها لا حاجة للعبد في الخوض فيها ونصب النزاع في كون هؤلاء أفضل أم هؤلاء ؟ وهؤلاء أعبد أم هؤلاء ؟

من فضول العلم ، ولا ضرورة على المسلم في معرفة الأفضل والأكمل منهم عليهم السلام ، والذي ينبغي عليه أن يلتفت إلى صلاح نفسه بطاعة ربه .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-03-23, 18:37
الحكمة من خلق الإنسان

السؤال

أنا غير مسلمة ولكني أود أن أعرف ماذا يقول الإسلام عن : لماذا خلق الله الإنسان ؟

هل هناك سبب معين ؟

ما معنى الوجود ؟

هل فقط لطاعة الله ؟

الجواب

الحمد لله

نحن نعتقد أن الله هو خالق البشر ، وأنه الذي تفرّد بخلق جميع المخلوقات كلها من الدواب والطيور ، والحشرات والأسماك وغيرها من إنس أو جن

ونعتقد أنه ما خلقهم عبثا

فقد قال تعالى في القرآن : (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق) الأنبياء / 16

وأنه فَضَّل الإنسان على سائر المخلوقات فأعطاه العقل والسمع والبصر والفؤاد ، وأنطق منه اللسان ، وفَضَّله على غيره من المخلوقات

فقال تعالى في كتابه : (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) الإسراء / 70 .

فالإنسان ميّزه الله عن الخلق ، فلما أعطاه العقل والقلب كلّفه أن يعبده ، والإنسان يعلم مَنْ خلقه ، فأمره الله أن يعبده وهو ربه ومالكه ، والمالك له حق على المملوكين ، فالله خلق الخلق من البشر لعبادته

ولذلك قال تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) الذاريات / 56

وأنكر عليهم أن يكونوا خُلِقوا كما خُلِقت البهائم

فقال تعالى : ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ) المؤمنون / 115

فهذا ظن سوء

. وقال تعالى : ( أيحسب الإنسان أن يترك سُدى ) القيامة /36 أي مهملا ، لا يؤمر ولا ينهى ، ولا يكلف .

فلما ميّز الله البشر عن غيره من المخلوقات كان من حكمة ذلك أن أمره بالعبادة ، ونهاه عن المحرمات ، ووعده على الطاعة بالجنة ، وأخبره أنه سوف يعيده بعد موته ، وسيلقى جزاءه كاملا

فمن صدّق بذلك كان من الأتقياء المؤمنين ، ومن كذّب بذلك فقد عصى الله تعالى وتعرّض للعقاب في عاجل أمره وآجله ، ولا يضرّ إلا نفسه .

والله أعلم

المصدر: سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله

*عبدالرحمن*
2019-03-23, 18:39
اخوة الاسلام

السِّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحِمَهُ اللهُ وَ بركاتة

هَذَا سَيَكُونُ اخر مَا تَفَضُّلِ اللهِ عُلْيَا بِنَقْلَةٍ لَكُمْ

اسال اللهَ انَّ يَكُونُ فِي مِيزَانِ اعمالكم وَ اعمالي

وَ مَنِ الَانِ لَا اُشْعُرْ بِالْقَلَقِ عَلَيْكُمْ فابين اِيدِيكُمِ السَّيْفَ وَ الدَّرْعُ

ضِدٌّ جَمِيعَ فِتَنِ اِلْحِيَاهُ وَ اعداء الاسلام

فَانٍ لَمْ نَلْتَقِي قِي هَذَا المنتدي مَرَّهُ اخري فَاُرْجُوَا انَّ نَلْتَقِي فِي جِنِّهِ النَّعِيمَ

وَ لَا اِخْفِي عَلَيْكُمْ مَا انا قَادِمٌ عَلَيْهِ فِي الْفَتْرَةِ الْقَادِمَةِ

فَانَا بِحَضَرِ رِسَالَةِ الدكتوارة فِي الفقة وَ الفقة وَ اصوله

وَ تَقَرُّرُ مُنَاقَشَةِ الرِّسَالَةِ بَعْدَ شَهْرِ تَقْريبَا هَذَا مَا سَوْفَ يجعلني

اِنْشَغَلَ فِي الْفَتْرَةِ الْقَادِمَةِ

وَ اسالكم الدُّعَاءَ وَ التَّوْفِيقُ

اترككم فِي حِفْظِ اللهِ عَلِيِّ امل الْبَقَاءَ وَ اللِّقَاءُ

وَ السِّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحِمَهُ اللهُ وَ بركاتة

Khao Lita
2019-05-18, 10:41
الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً ، الحمد لله علم القران ، خلق الإنسان ، علمه البيان ، الحمد لله الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، جعل القرآن هداية للناس ، ونبراساً يضيء لهم الطريق ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأكرم ، علم القرآن فكان خير معلم ، فصلوات الله وسلامه عليه ، وعلى آله وأصحابه أجمعين . . أما بعد :
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


https://d.top4top.net/p_798uex5w1.jpeg (https://up.top4top.net/)


القرآن هو كلام الله منزل غير مخلوق ، الذي أنزله على نبيه محمد
صلى الله عليه وسلم باللفظ والمعنى ، القرآن الكريم كتاب الإسلام الخالد ، ومعجزته الكبرى ، وهداية للناس أجمعين ، قال تعالى : " كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ "، ولقد تعبدنا الله بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار ، قال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ "

فيه تقويم للسلوك، وتنظيم للحياة، من استمسك به فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، ومن أعرض عنه وطلب الهدى في غيره فقد ضل ضلالاً بعيداً ، ولقد أعجز الله الخلق عن الإتيان بمثل أقصر سورة منه ، قال تعالى : " وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة ممن مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين "

القرآن مكتوب في المصاحف ، محفوظ في الصدور ، مقروء بالألسنة ، مسموع بالآذان ، فالاشتغال بالقرآن من أفضل العبادات ، ومن أعظم القربات ، كيف لا يكون ذلك ، وفي كل حرف منه عشر حسنات ، وسواء أكان بتلاوته أم بتدبر معانيه ، وقد أودع الله فيه علم كل شىء ، ففيه الأحكام والشرائع ، والأمثال والحكم ، والمواعظ والتأريخ ، والقصص ونظام الأفلاك ، فما ترك شيئا من الأمور إلا وبينها

وما أغفل من نظام في الحياة إلا أوضحه ، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ ، هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ ، هُوَ الَّذِي مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ ، فَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ ،

وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَة ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ ، وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ أَنْ قَالُوا ( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ) ، هُوَ الَّذِي مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " [ أخرجه الدارمي ]

اخوة الاسلام

هذا هو كتابنا ، هذا هو دستورنا ، هذا هو نبراسنا ، إن لم نقرأه نحن معاشر المسلمين ، فهل ننتظر من اليهود والنصارى أن يقرؤوه ، قال تعالى : " وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا " ، فما أعظمه من أجر لمن قرأ كتاب الله ، وعكف على حفظه ، فله بكل حرف عشر حسنات ، والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم .

اخوة الاسلام

هذه الموسوعه الشامله ليست ك مثيلتها
الغرض النشر فقط

بل وارحب بكل من لاديه استفسار او سؤال وسوف ابذل قصاري

جهدي لتوضيحه او احضاره من كبار العلماء والائمة

.....
خيركم من تعلم القرآن وعلمه

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2133075

واخيرا

أسألكم الدعاء بظهر الغيب
السلام عليكم أريد تفسير لمصطلح الصائبين المذكورة في سورة الما ئدة

malekbba
2019-05-27, 10:20
أعلم أنه ما أخرج الله عبداً من ذل المعاصي إلى عز التقوى إلا : أغناه الله بلا مال .. وأعزه بلا عشيره .. وآنسه بلا بشر ..

*عبدالرحمن*
2019-06-30, 19:26
السلام عليكم أريد تفسير لمصطلح الصائبين المذكورة في سورة الما ئدة

عليكم السلام ورحمه الله و بركاته

اخي الفاضل

ذكرت هذه الطائفة من الناس في ثلاثة مواضع من القرآن

فأولها في قول الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة/62

والثاني في قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) الحج/17

والثالث قول الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) المائدة/69 .

والصابئة جمع صابئ ، اسم فاعل من صَبَأ يصبَأ ، إذا خرج من دين إلى آخر .

قال الطبري : ( والصابئون ، جمع صابئ ، وهو المستحدث سوى دينه دينا

كالمرتد من أهل الإسلام عن دينه ، وكل خارج من دين كان عليه إلى آخر غيره ، تسميه العرب : صابئا ... يقال صبأت النجوم : إذا طلعت ..)

انظر تفسير الطبري 2/145 ، لسان العرب صبأ

وأما مذهبهم

فقال ابن القيم ، رحمه الله :

( وقد اختلف الناس فيهم اختلافا كثيرا ، وأشكل أمرهم على الأئمة لعدم الإحاطة بمذهبهم ودينهم ؛ فقال الشافعي رحمه الله تعالى : هم صنف من النصارى

وقال في موضع : ينظر في أمرهم ؛ فإن كانوا يوافقون النصارى في أصل الدين ، ولكنهم يخالفونهم في الفروع ، فتؤخذ منهم الجزية ، وإن كانوا يخالفونهم في أصل الدين لم يقروا على دينهم ببذل الجزية ....

وأما أقوال السلف فيهم فذكر سفيان عن ليث عن مجاهد قال : هم قوم بين اليهود والمجوس ليس لهم دين ، وفي تفسير شيبان عن قتادة قال : الصابئة قوم يعبدون الملائكة ... )

قال ابن القيم :

( قلت : الصابئة أمة كبيرة ، فيهم السعيد والشقي ، وهي إحدى الأمم المنقسمة إلى مؤمن وكافر ، فإن الأمم قبل مبعث النبي ، صلى الله عليه وسلم ، نوعان : نوع كفار أشقياء كلهم

ليس فيهم سعيد ، كعبدة الأوثان والمجوس ، ونوع منقسمون إلى سعيد وشقي ، وهم اليهود والنصارى والصابئة ، وقد ذكر الله سبحانه النوعين في كتابه

فقال : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون ) البقرة/62

وكذلك قال في المائدة

وقال في سورة الحج ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) فلم يقل هاهنا : من آمن منهم بالله واليوم الآخر

لأنه ذكر معهم المجوس والذين أشركوا ؛ فذكر ست أمم ، منهم اثنتان شقيتان ، وأربع منهم منقسمة إلى شقي وسعيد ، وحيث وعد أهل الإيمان والعمل الصالح منهم بالأجر ذكرهم أربع أمم ليس إلا ،

ففي آية الفصل بين الأمم أدخل معهم الأمتين ، وفي آية الوعد بالجزاء لم يدخلها معهم ، فعلم أن الصابئين فيهم المؤمن والكافر ، والشقي والسعيد .

وهذه أمة قديمة قبل اليهود والنصارى ، وهم أنواع : صابئة حنفاء ، وصابئة مشركون . وكانت حران دار مملكة هؤلاء قبل المسيح ، ولهم كتب وتآليف وعلوم ، وكان في بغداد منهم طائفة كبيرة

منهم إبراهيم بن هلال الصابئ صاحب الرسائل ، وكان على دينهم ويصوم رمضان مع المسلمين ، وأكثرهم فلاسفة ولهم مقالات مشهورة ذكرها أصحاب المقالات .

وجملة أمرهم أنهم لا يكذبون الأنبياء ولا يوجبون اتباعهم ، وعندهم أن من اتبعهم [ يعني اتبع الأنبياء] فهو سعيد ناج وأن من أدرك بعقله ما دعوا إليه ، فوافقهم فيه وعمل بوصاياهم

فهو سعيد ، وإن لم يتقيد بهم ، فعندهم دعوة الأنبياء حق ، ولا تتعين طريقا للنجاة ، وهم يقرون أن للعالم صانعا مدبرا حكيما منزها عن مماثلة المصنوعات ، ولكن كثيرا منهم ، أو أكثرهم

قالوا : نحن عاجزون عن الوصول إلى جلاله بدون الوسائط

والواجب التقرب إليه بتوسط الروحانيين المقدسين المطهرين عن المواد الجسمانية ، المبرئين عن القوى الجسدية ، المنزهين عن الحركات المكانية والتغييرات الزمانية ، بل قد جبلوا على الطهارة ، وفطروا على التقديس .

ثم ذكر أنهم يعبدون هذه الوسائط ويتقربون إليها ، ويقولون : ( هم آلهتنا وشفعاؤنا عند رب الأرباب ، وإله الآلهة )

ثم قال ، رحمه الله : ( فهذا بعض ما نقله أرباب المقالات عن دين الصابئة وهو بحسب ما وصل إليهم

وإلا فهذه الأمة فيهم المؤمن بالله وأسمائه وصفاته وملائكته ورسله واليوم الآخر وفيهم الكافر ، وفيهم الآخذ من دين الرسل بما وافق عقولهم واستحسنوه ، فدانوا به ورضوه لأنفسهم .

وعقد أمرهم أنهم يأخذون بمحاسن ما عند أهل الشرائع بزعمهم ، ولا يوالون أهل ملة ويعادون أخرى ، ولا يتعصبون لملة على ملة . والملل عندهم نواميس لمصالح العالم

فلا معنى لمحاربة بعضها بعضا بل يؤخذ بمحاسنها وما تكمل به النفوس ، وتتهذب به الأخلاق ، ولذلك سموا صابئين كأنهم

صبؤوا عن التعبد بكل ملة من الملل ، والانتساب إليها ، ولهذا قال غير واحد من السلف : ليسوا يهودا ولا نصارى ولا مجوسا.

وهم نوعان صابئة حنفاء وصابئة مشركون ؛ فالحنفاء هم الناجون منهم وبينهم مناظرات ورد من بعضهم على بعض ، وهم قوم إبراهيم كما أن اليهود قوم موسى ،والحنفاء منهم أتباعه ) أحكام أهل الذمة 1/92-98

وما ذكره من انقسام الصابئة إلى موحدين ومشركين قرره شيخ الإسلام أيضا في غير موضع

انظر الرد على المنطقيين [ 287-290،454-458]

منهاج السنة ، تعليق المحقق [1/5]

. وانظر أيضا بحث الشيخ ابن عاشور للمسألة عند تفسيره لآية البقرة .

Djawed22
2019-08-01, 15:21
صلوا على النبي عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم

الحسون07
2019-10-09, 23:06
بارك الله فيك

*عبدالرحمن*
2019-11-06, 15:37
أعلم أنه ما أخرج الله عبداً من ذل المعاصي إلى عز التقوى إلا : أغناه الله بلا مال .. وأعزه بلا عشيره .. وآنسه بلا بشر ..

السلام عليكم ورحمه الله و بركاتة

المعاصي لها شؤم وأثر سيء على صاحبها

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله جملة من آثارها

1- " حرمان العلم ، فإن العلم نور يقذفه الله في القلب ، والمعصية تُطفئ ذلك النور .

ولما جلس الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته ، وتوقُّد ذكائه ، وكمال فهمه ، فقال : إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً ، فلا تُطفئه بظلمة المعصية .

2- حرمان الرزق ففي مسند الإمام أحمد عن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه )

رواه ابن ماجه (4022) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه .

3- وحشة تحصل للعاصي بينه وبين ربه ، وبينه وبين الناس . قال بعض السلف : إني لأعصي الله ، فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي .

4- تعسير أموره عليه ، فلا يتوجه لأمرٍ إلا ويجده مغلقاً دونه أو متعسراً عليه ، وهذا كما أن من اتقى الله جعل له من أمره يسرا .

5- أن العاصي يجد ظلمةً في قلبه ، يُحس بها كما يحس بظلمة الليل ، فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره ، فإن الطاعة نور ، والمعصية ظلمة

وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته حتى يقع في البدع والضلالات والأمور المهلكة وهو لا يشعر ، كأعمى خرج في ظلمة الليل يمشي وحده ، وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين

ثم تقوى حتى تعلو الوجه ، وتصير سواداً يراه كل أحد . قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه : ( إن للحسنة ضياءً في الوجه ، ونوراً في القلب

وسعةً في الرزق ، وقوةً في البدن ، ومحبةً في قلوب الخلق ، وإن للسيئة سواداً في الوجه ، وظلمةً في القلب ، ووهناً في البدن , ونقصاً في الرزق ، وبغضةً في قلوب الخلق ) .

6- حرمان الطاعة ، فلو لم يكن للذنب عقوبةٌ إلا أن يُصدَّ عن طاعةٍ تكون بدله ، وتقطع طريق طاعة أخرى ، فينقطع عليه بالذنب طريقٌ ثالثة ثم رابعة وهلم جرا ، فينقطع عنه بالذنب طاعات كثيرة

كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها ، وهذا كرجل أكل أكلةً أوجبت له مرضاً طويلا منعه من عدة أكلات أطيب منها والله المستعان .

7- أن المعاصي تزرع أمثالها ، ويُولِّد بعضها بعضاً ، حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها .

8- أن المعاصي تُضعف القلب عن إرادته الخير ، فتقوى إرادة المعصية ، وتضعف إرادة التوبة شيئاً فشيئاً إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية ، وهذا من أعظم الأمراض وأقربها إلى الهلاك .

9- أنه ينسلخ من القلب استقباح المعصية فتصير له عادة ، لا يستقبح من نفسه رؤية الناس له ، ولا كلامهم فيه .

اخي الفاضل

بارك الله فيك

رابح بليدا
2019-11-15, 19:46
بارك الله فيك

yacine1635
2019-11-21, 21:50
شكرا لك اللهم اجعلها في ميزان حسناتك

ahmedselim
2020-01-10, 15:33
بارك الله فيك على الافادة أخي الفاضل

YOUCEF SI LARBI
2020-05-21, 01:20
شكرا لإفادتكم الكريمة اخي

nezhadigital
2020-05-26, 00:28
شكرا تلى مجهوداتكم

*عبدالرحمن*
2020-06-01, 16:08
بارك الله فيك

االسلام عليكم ورحمة الله و بركاته

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اسعدني حضورك الطيب مثلك

بارك الله فيك

كمال بدر
2020-06-01, 16:15
ما شاء الله تبارك الله

جزاكَ الله خيراً أخي الكريم عن هذا الطرح الطيب المبارك ...
جعله الله في ميزان حسناتك ...
تقبل تحياتي.