إن فشل الدول المعادية لسورية التي شاركت في مؤتمر "أصدقاء سورية" الذي عقد مؤخراً بالعاصمة التركية اسطنبول في إرسال قوى عسكرية إلى سورية أو دعم معارضة "بشار الأسد" والذي تم بمساندة من السعودية وقطر، يدلل على أن مجمل الأوضاع لا تسير في مصلحتهم أو كما يتصورون؛ وذلك في ظل تركيز وإصرار كل من روسيا والصين على تنفيذ مبادرة كوفي عنان،خطوة خطوة، ومعارضتهما للخطط الغربية ولتوجهات بعض الدول العربية، هذا فضلاً عن انشغال أمريكا وحلفائها الغربيين في انتهاج سياسة تنسجم في التعاطي مع التطورات الحاصلة في سورية، وهذا ما يُظهر مرةً أخرى ضرورة التركيز على طريق الحل السياسي أكثر من قبل.
في هذا السياق، ينبغي القول إن كلاً من أمريكا وفرنسا تواجهان انتخابات مصيرية في عصر الأزمات الاقتصادية المالية والعسكرية، هذا في حين أنه ورغم أن السياسات العدوانية الأخيرة للحزب الجمهوري الأمريكي ومرشحيه الداعمين له في انتخابات رئاسة الجمهورية المستقبلية، فإن أجنحة داخلية من النظام الأمريكي تعلم أن هذا البلد (أي أمريكا) يتعاطى مع أزمة جدية، وأنه في حال تم القبول بخطر حرب أخرى في الشرق الأوسط من خلال الهجوم على سورية أو إيران، فإن مصير دول مرهقة بالديون كبريطانية وفرنسا سيصبح أكثر سوءاً، ولذلك فإن فريق أوباما كذلك مع تأكيده على السياسة السابقة والتزامه بإدارة أزمة الشرق الأوسط، فإنه ما يزال يتحدث مرةً أخرى عن عودة أمريكا إلى عظمتها السابقة، فضلاً عن محاولته لإفهام المتطرفين والموالين من اللوبي الإسرائيلي في مجلسي الشيوخ والنواب أن أي عدم تعقل في الوضع الراهن، سيؤدي إلى عدم استقرار أكثر في المنطقة وخروج الأوضاع عن سيطرتهم.
من ناحية أخرى، فإن الاتحاد الأوربي ورغم اجتماعاته واستشاراته الواسعة بقيادة ثلاث دول أوروبية كبرى، وذلك للخروج من أكبر الأزمات المالية والاقتصادية، فإنه ما زال يواجه ظروفاً صعبة مترافقة بفشل خطط الاتحاد التقشفية وازدياد طوابير البطالة والإفلاس التجاري والمصرفي في بلدان أوربية كاليونان واسبانيا وايطاليا، فضلا عن تضرر قطاع الصناعة في هذه البلدان، هذا في حين أن نزوع أو ميل قادة دول الاتحاد الأوربي نحو الحرب، كـالرئيس الفرنسي "ساركوزي" مثلاً للدفاع عن مصالح "إسرائيل" والتهديد بالهجوم على سورية وإيران، سيؤدي إلى زيادة الديون والبطالة في بلدان الاتحاد الأوربي، وفي خضم هذه التطورات وتأثيرها على الأزمة في الشرق الأوسط يمكن القول:
1- رغم دعم كل الدول الغربية لـ"إسرائيل" وتزويدها بكل ما تتطلبه صناعة القنبلة النووية، فإن الاستقرار والأمن المطلوبين في الشرق الأوسط لم يتحققا حتى الآن، لأن الحروب السابقة التي خاضت "إسرائيل" غمارها في منطقة الشرق الأوسط، سواء مع حماس أو حزب الله اللبناني، تشير إلى أن "تل أبيب" ورغم تزويدها بمعدات عسكرية متطورة قد أصيبت بالوهن ولحق بها الضرر، لذلك فإن أي هجوم محتمل على سورية أو إيران سيضاعف من الضرر الذي سيلحق بها، خاصةً إذا ما علمنا أن كلاً من إيران وسورية تتمتعان بقدرات صاروخية وتسليحية قادرة على إلحاق الضرر بالمنظومة الدفاعية فضلاً عن تخريب البنى التحتية للكيان الصهيوني، لهذا السبب فإنه ورغم أن قادة تل أبيب ـ في الحرب الإعلامية ـ يؤيدون فكرة تحديد مدة زمنية معينة لشن هجوم على إيران والتدخل الغربي في الأزمة السورية الداخلية إلا أنهم في عملهم الإجرائي والفعلي لا يزالون يسيرون في نهج التركيز على الدبلوماسية والتكتل مع الغرب.
2- إن احتلال العراق وأفغانستان وليبيا يعتبر تجربة مريرة للغرب وذراعها العسكرية (الناتو)، لأنه ورغم مضي عدة سنوات على أزمة العراق وأفغانستان، فإن القوى العسكرية للناتو ما زالت تواجه خسائر إنسانية ومالية كبيرة، وبات تأمين الأمن الروحي والمادي للقوى المتواجدة في هذه البلدان، خصوصاً أفغانستان، مشكلة أساسية بالنسبة لصناع القرار الغربيين، هذا في حين أن محاولة التدخل العسكري في سورية وأيضا عملية خطة الهجوم على إيران ستضاعف من المشاكل التي ستواجه أمريكا والغرب.
3- بعد الربيع العربي واتساع رقعة الاحتجاجات الشعبية ،فإن أمراء وملوك السعودية وقطر والإمارات والكويت، يواجهون ظروفاً غاية في الصعوبة والإرباك، بحيث أنه لا يستبعد أن نشهد ،بعد الاحتدام الجديد للعصيان المدني في الرياض وباقي المحافظات، موجة عارمة من التغييرات وانهيار الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة، لهذا تحاول هذه الدول أن تأمن جانب المطالب الشعبية من خلال قمع الثورات الداخلية والتركيز على إيجاد الفوضى والاضطراب في بلدان أخرى كما هو الحال في سورية وإيران، وذلك للحؤول دون انهيار أنظمتها، هذا في حين أن كل مطالب العرب المبنية على إيجاد تغيير في سورية وإضعاف إيران في المنطقة ،تقابل بمصاعب جدية متمثلة بفيتو روسي وصيني في مجلس الأمن.
4- إن الوضع الداخلي لسورية يشير إلى أن أنقرة كونها أحد الأعضاء العسكريين لحلف الناتو والمتماشي مع التوجه الغربي في المنطقة، هي في حالة قلق من أن تخسر موقعها ودورها في الشرق الأوسط وذلك بعد مقاومة إيران وممانعتها لكل السياسات العدوانية لبعض الدول الغربية، ومما لا شك فيه أن السياسة الخارجية للأتراك تواجه عدة أمور منها:
تقتضي المصالح الاقتصادية والتجارية التركية مع إيران بأن تبقي أنقرة عينها على التعاملات الثنائية والاستثمارات المشتركة مع إيران، وذلك في ظل عدم استعداد إيران بأن تتجاهل علاقاتها الودية مع دمشق فضلا عن إصرارها على ضرورة استمرار "الأسد" بإصلاحاته وحواره مع معارضيه، هذا في حين أن المشاركة التركية في الخطط العسكرية لحلف الناتو في الهجوم على سورية تأتي ضمن إطار تزايد هوة الخلافات مع إيران،كما إنها ستهيئ فرصة تاريخية لأكراد تركيا أكثر من السابق بأن يسعوا إلى تشكيل دولتهم المستقلة.
5 ـ يبدو أن الخيار الوحيد الراهن للتخفيف من التوترات المتأصلة في منطقة الشرق الأوسط والوصول إلى الاستقرار، يتمثل في الاعتماد على المنطق والتروي الدبلوماسي بين الدول المتخاصمة في الأزمة؛ للحؤول دون أي نوع من التطرف وانتشار الخيارات والسبل العسكرية، وفي الشأن السوري هذه الرؤية يمكن الأخذ بها وهي مقبولة في حال تم تأييد ووقوف جميع الأطراف إلى جانب خطة المبعوث الدولي "كوفي عنان"، إضافة إلى امتناع الحكومة وكذلك المعارضة عن الانخراط في صراع، وبناءً عليه يمكن أن يكون ثمة أمل في طريق مقبول والخروج من التدخل الخارجي فيما لو تم التقيد بوقف إطلاق النار وحل الأزمة.