![]() |
|
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
ضوابط مسألة العذر بالجهل في المسائل العقدية
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]()
فالمسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض الناس كاستعمال الصرف والعطف - وهو : نوع من السحر يزعمون أنه يحبب المرأة لزوجها فلا ينصرف عنها - أو المسائل الدقيقة والخفية المختلف فيها ، أو المسائل التي لا يسعه معرفتها الا بعد اعلامه بحكم الله فيها ، أو المسائل التي تحتاج الى علم بها لا يدرك بالعقل كالأسماء والصفات ، كما قال الشافعي - رحمه الله - : " لله أسماء وصفات لا يسع أحدا ردها ، ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر ، وأما قبل قيام الحجة فانه يعذر بالجهل ، لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا الرؤية والفكر " ، أو المسائل التي وقع فيها خطأ لشبهة وسوء فهم ، أو اعتمد على أحاديث ظنها ثابتة وهي ضعيفة أو باطلة ، فيعذر بجهله ، كما يعذر المجتهد بنظره واجتهاده في مسائل اجتهادية انتفى فيها وجود نص قطعي الثبوت والدلالة ، ونحو ذلك . أما المسائل الظاهرة البينة الجلية ، أو المعلومة من الدين بالضرورة كأصول الدين والايمان التي أوضحها الله في كتابه ، وبلغها النبي - صلى الله عليه وسلم - أتم البلاغ ، فالعذر بالجهل فيها غير مقبول لكل من ادعاه بعد بلوغ الحجة وظهور المحجة ، قال الشافعي " رحمه الله " - مبينا علم العامة - : " ما لايسع بالغا غير مغلوب على عقله جهله ، مثل الصلوات الخمس ، وأن لله على الناس صوم شهر رمضان ، وحج البيت اذا استطاعوه ، وزكاة في أموالهم وأنه حرم عليهم الزنا والقتل ، والسرقة والخمر ، وما كان في معنى هذا مما كلف العباد أن يعقلوه ويعلموه ويعطوه من أنفسهم وأموالهم ، وأن يكفوا عنه ما حرم عليهم منه " . وقال محمد بن عبد الوهاب " رحمه الله " : " ان الشخص المعين اذا قال ما يوجب الكفر فانه لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها ، وهذا في المسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض الناس ، وأما ما يقع منهم في المسائل الظاهرة الجلية ، أو ما يعلم من الدين بالضرورة فهذا لا يتوقف في كفر قائله ، ولا تجعل هذه الكلمة عكازة تدفع بها في نحر من كفر البلدة الممتنعة عن توحيد العبادة والصفات بعد بلوغ الحجة ووضوح المحجة " .
فان مدارك الناس تتفاوت قوة وضعفا ، فالذي لم تقم عليه الحجة كحال الجاهل لكونه حديث عهد بالاسلام ، أو من نشأ في بادية نائية ، فجهل من كان هذا حاله معذور به الا بعد البلاغ ، قال ابن تيمية - رحمه الله - : " لا يكفر العلماء من استحل شيئا من المحرمات لقرب عهده بالاسلام أو لنشأته ببادية بعيدة ، فان حكم الكفر لا يكون الا بعد بلوغ الرسالة ، وكثير من هؤلاء قد لا يكون قد بلغته النصوص المخالفة لما يراه ، ولا يعلم بأن الرسول بعث بذلك " .غير أنه ينبغي التفريق بين الجاهل المتمكن من التعلم والفهم ، القادر على معرفة الحق ، لكنه مفرط في طلب العلم ، ثم أعرض عن ذلك تاركا ما أوجب الله عليه ، وخاصة اذا وجد في دار الاسلام حيث مظنة العلم ، وبين الجاهل العاجز عن طلب العلم والفهم ، فأما الأول : فلا عذر له لتقصيره ، وينتفي عنه وصف العجز لتمكنه من العلم الذي هو شرط الايمان ، لأن الشرع أمر بالعلم و التعلم وسؤال أهل الذكر ، ويسره وبينه لمن صلحت نيته وحسن منهجه ، قال تعالى : " ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر " ( سورة القمر 17 ) ، وقال سبحانه : " فسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون " ( النحل : 43 ، الأنبياء : 7 ) ، وفي الحديث : " ألا سألوا اذا لم يعلموا انما شفاء العي السؤال " ، وأما الجاهل العاجز عن طلب العلم والفهم ، فهذا على قسمين : الأول : الجاهل العاجز عن طلب العلم والفهم ، وهو محب للهدي ، مؤثر له ، مريد للاسترشاد والهداية ، لكنه غير قادر عليه ، أو على طلبه ، عجزا وجهلا ، أو استفرغ جهده في طلبه ولم تصله حجة صحيحة ، فهذا حكمه كأهل الفترة ومن لم تبلغه الدعوة ، ومن طلب الدين ولم يظفر به، فعجزه عجز الطالب ، وهذا معذور بجهله . الثاني : الجاهل العجز عن العلم والفهم ، لكن لا ارادة له في الطلب ، بل معرض عنه - وهو راض بما هو عليه - ولا تطلب نفسه سواه ، ويتقاعس عن نيل مزيد الهدى لنفسه ، فحال عجزه وقدرته سواء بل فرق ، وعجزه عجز المعرض ، فهو لا يلحق بعجز الطالب للتباين الحاصل بينهما .
فانه يفرق بين أماكن الناس وزمانهم من جهة انتشار العلم أو عدم انتشاره ، أي بين مجتمع ينتشر فيه العلم والتعليم ، وتعرف أماكنه بنشاط أهل البصيرة بالدعوة الى الله تعالى والنهوض بالعلم والتوحيد ، بحيث لا تخفى مظانه ومدارسه وأهله ، وبين زمن فتور العلم وضعف القائمين به ، حتى لا يبقى من يبلغ ، فيتتشر الجهل ويضمحل العلم ، وتأكيدا لهذا المعنى يقول ابن تيمية - رحمه الله - " ان الأمكنة التي تفتر فيها النبوة لا يكون حكم من خفيت عليه آثار النبوة حتى أنكر ما جاءت به خطأ ، كما يكون حكمه في الأمكنة والأزمنة التي ظهرت فيها آثار النبوة " . ويقول - أيضا - : " وكثير من الناس قد ينشأ في الأمكنة والأزمنة الذي يندرس فيها كثير من علوم النبوات حتى لا يبقى من يبلغ ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة ، فلا يعلم كثيرا مما يبعث الله به رسوله ولا يكون هناك من يبلغه ذلك ، ومثل هذا لا يكفر ، ولهذا اتفق الأئمة على أن من نشأببادية بعيدة عن أهل العلم والايمان ، وكان حديث العهد بالاسلام فأنكر شيئا من هذه الأحكام الظاهرة المتواترة فانه لا يحكم بكفره حتى يعرف ما جاء به الرسول ، ولهذا جاء في الحديث : " يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة ولا زكاة ولا صوما ولا حجا الا الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة ، يقولون : أدركنا آباءنا وهم يقولون : لا اله الا الله ، وهم لا يدرون صلاة ولا زكاة ولا حجا ، فقال : ولا صوم ينجيهم من النار "
فالذي وقع في مظهر شركي ولم يعلم مناقضته للاسلام كأن يكون حديث عهد بالاسلام ، أو يعيش في بلد جهل ، أو نشأ في بادية نائية ، أو كانت المسألة خفية غير ظاهرة فانه يفرق بين قبح المعصية وتسمية فاعلها بها ، سواء قبل ورود الشرع وقيام الحجة ، أو بعد البيان وظهور الحجة ، وبين كون مرتكبها لا يستحق العقوبة في الدارين ، لأن العقوبة والعذاب متوقف على بلاغ الرسالة ، لقوله تعالى : " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" ( الاسراء : 15 ) فالمتلبس بالشرك كالساجد لغير الله من ولي أوصاحب قبر فهو مشرك مع الله غيره في العبادة ، ولو نطق بالشهادتين وقت سجوده ، لأنه أتى ما ينقض قوله من سجود لغير الله ، فمن حيث التسمية فهو مشرك بما حدث منه من معصية السجود لغير الله ، لكنه قد يعذر بجهله من جهة انزلاق العقوبة التي لا تتم في الدارين الا بعد البيان واقامة الحجة للاعذار عليه . قال ابن تيمية - رحمه الله - " واسم المشرك ثبت قبل الرسالة / فانه يشرك بربه ويعدل به ، ويجعل معه آلهة أخرى ، ويجعل له أندادا قبل الرسول ، ويثبت أن هذه الأسماء مقدم عليها ، وكذلك اسم الجهل والجاهلية ، يقال : جاهلية وجاهلا قبل مجيء الرسول ، وأما التعذيب فلا " ، وقال النووي : " وأما الجاهلية فما كان قبل النبوة سموا بذلك لكثرة جهالاتهم " . قلت : ومن بين الأدلة القرآنية على ثبوت وصف الشرك والكفر مع الجهل - فضلا عن سائر المعاصي - وذلك قبل قيام الحجة البيان ، قوله تعالى : " وان أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون " ( التوبة : 6 ) ، فوصفهم الله بالشرك مع شدة الجهل لاندراس آثار الشرائع ، وقوله تعالى : " لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة " ( البينة : 1 ) ، والمراد بالبينة هو الرسول - صلى الله عليه وسلم - فانه بين لهم ضلالهم وجهلهم زدعاهم الى الايمان ، فأنقذهم الله به من الجهل والضلالة ، والله سبحانه سماهم كفارا ومشركين فدل على ثبوت وصف الكفر والشرك قبل البعثة المحمدية وقيام الحجة القرآنية . فالحاصل : أنه ينبغي - في مسألة العذر بالجهل - مراعاة نوعية المسائل المجهولة من جهة الوضوح والخفاء ، والنظر الى أحوال الناس وتفاوت مداركهم من جهة القوة والضعف ، واعتبار حال بيئتهم - مكانا وزمانا - من جهة وجود مظنة العلم من عدمه ، مع مراعة التفريق في الحكم بين أحكام الدنيا والآخرة . والعلم عند الله تعالى ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه واخوانه الى يوم الدين ، وسلم تسليما العذر بالجهل في المسائل العقدية لفضيلة الشيخ الدكتور : أبي عبد المعز محمد علي فركوس
|
||||
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc