
أزمة البطاطا مؤامرة خارجية
لحسن بوربيع
جريدة الخبر
ليس مستبعدا أن يخرج للناس متحدثون هذه الأيام، ويقولون للجزائريين والجزائريات إن المعاناة التي يكابدونها منذ شهرين تقريبا مع أسعار البطاطا ''مؤامرة خارجية'' يراد بها إفشال الإصلاحات التي بادر بها رئيس الجمهورية، وتثبيط عزيمة الجزائريين وحملهم على مقاطعة تشريعيات 10 ماي القادم وغيرها من الكلام المشابه، الذي نسمعه كلما عجز القائمون على شؤون الناس في بلادنا على تسيير أبسط الأمور مثل تموين السوق بما يكفي من البطاطا، وبأسعار يقدر عليها المستهلكون.
الجزائر التي استعادت أمنها ''بفضل سياسة المصالحة الوطنية''، ولم تعد تضغط عليها المؤسسات المصرفية العالمية بالديون وخدماتها، وتتدفق عليها ملايير الدولارات من عائدات البترول، التي وزعت منها الحكومات آلاف الملايير من الدينارات على ''فلاحين'' في التل والصحراء وغيرها، ليست قادرة على توفير أبسط منتوج غذائي لمواطنيها بسعر يقدرون عليه. لا شك أنها ''مؤامرة خارجية''، مثلما تآمرت نفس ''الأيادي الأجنبية'' في جانفي 2011 على الجزائر عندما ارتفعت أسعار الزيت والسكر، وخرج الناس إلى الشوارع يحطمون ويحرقون ويتنفسون الغازات المسيلة للدموع. وقبلها في كل مرة خرج الناس فيها للشوارع ليقولوا إنهم تعبوا من سوء تسيير حياتهم في بلادهم.
لن يخطئ هؤلاء المتحدثون، إذا خرجوا للناس، وقالوا إن أزمة البطاطا مؤامرة خارجية، لأن ''الخارج'' بالنسبة إليهم، في واقع الحال، هو الجزائر التي يسيرونها، لكنهم لا يعيشون مع شعبها، ولا يصرفون من جيوبهم في أسواقها. إنهم هم ''هذا الخارج'' الذي يتهمونه ليبرروا رداءتهم وعجزهم حتى عن إيجاد الحلول البسيطة لمسألة غير معقدة.
فأزمة البطاطا، كما يقول الفلاحون الذين يخدمون الأرض ويستخرجون منها هذا المنتوج وغيرها من المنتوجات التي التهبت أسعارها كلها، يعرفون أن المتسبب فيها هو ''الشكارات'' الضخمة التي فرضت سيطرتها على كل المجالات وكل الناس، ودخلت التنافس على مقاعد البرلمان التي حددت تسعيراتها، وتاجرت فيها أيضا مثلما تتاجر في البطاطا. فمن غير المعقول أن تفشل دولة تملك وزارة للتجارة بتفرعاتها في الولايات، الدوائر والبلديات وشرطة ودرك وجمارك وحرس بلدي، ف1999 لا تتجاوز 20 دينارا، لتقفز في سنة 2012 إلى 100 دينار.
أزمة البطاطا مؤامرة خارجية، لأن الذين لا تُعتبر منتوجا يوميا أساسيا على موائدهم، لا يعيشون مع الجزائريين الذين لا خيار لهم غيرها.