سور المدينة

[امحمد بن صالح]

أشتاق إليهم كثيرا..وأحن إلى مجالستهم والتحدث إليهم..أود أن أحاكيهم وأروي لهم قصصا .. ويروون لي قصصا أخرى..
كلما أشتاق إليهم أذهب نحوهم وعندما أصل إلى مدينتهم لا أجد إلا ما يوحي بأنهم هنا..لكنني لا أجدهم..هم أحبابي وأصحابي ..أبنائي وبناتي..إخواني وأخواتي..آبائي وأمهاتي..
فيهم العالم والجاهل..والكبير والصغير..والتقي والعاصي..هم يكنون لنا كل الحب والخير..
أعرف أنهم كانوا يحبون كما نحب ويكرهون كما نكره يجوعون ويشبعون..يفرحون ويحزنون ..كم بكوا الظلم يوما..وكم تمنوا من أماني..كم عانوا حرا وقرا وكم ساروا برا وبحرا ..
فكم من صبي جاع وتألم عند أمه وتضور جوعا وألما ..فلم تقدر أمه على إسكات ذلك الصوت الذي يصدر من بطنه..اليوم غادر إلى مدينة أخرى أرحم من مدينتنا..لكنني أشتاق إليه.
وكم من فتاة زينت لعريسها ..لكنها قبل أن تزف غادرت هي أيضا إلى المدينة نفسها..
كلما أحنو إلى أحدهم لا أستطيع أن أقابله ولكنني أجد مكانه الذي يدل عليه..
حينما أمر على سور مدينتهم..أجد نفسي مشتاقا أكثر فأكثر..فالصمت مطبق على المكان..
يقابلني قرب باب من أبواب هذه المدينة أحدهم يسمعني وقد يراني ..لكن لا نقدر على التواصل فيما بيننا لأن عالمه غير عالمي ومدينته ليس كمدينتي..
أستطيع أن أتعدى سورهم لكنهم لايستطيعون ذلك..ببساطة إنتهت الفترة التي حددت لهم كما ستنتهي عندنا يوما ما..
أجد عند أحدهم عمامة قد ربطت بجانبه كان يرتديها ويعرف بها..كما أجد قرب صبيهم رضاعة كانت أمه تسكته بها عندما يبكي أو يجوع..وأجد أيضا زجاجة عطر كانت تلك العجوز تحب رائحتها الزكية لكنها اليوم فارغة وإن كان بها عطر فهي لا تقوى غلى استعماله..
أجد زوارا من مدينتي يناجونهم ويروون لهم ماحدث معهم عند غيابهم عنهم.فيبكون تارة ويضحكون تارة أخرى.
كلما أشتاق إليهم أهرول نحوهم..لا أشبع من مجالستهم..أحبهم كثيرا..لا أجد منهم إلا الخير
والأمان..
فاللهم إنهم هم السابقون ونحن بهم لاحقون..فارحمهم وارحمنا..وشفع فينا وفيهم نبيك محمد عليه أفضل الصلاة والسلام...آميــــــــــــــــــــــــــــــــن.