![]() |
|
صوت فلسطين ... طوفان الأقصى خاص بدعم فلسطين المجاهدة، و كذا أخبار و صور لعملية طوفان الأقصى، طوفان التحرير، لنصرة الأقصى الشريف أولى القبلتين و ثالث الحرمين الشريفين ... |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
(ملف) فلسطين: النداء ما قبل الأخير ... أرجوا التثبيت
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]() هو ملف خاص بفلسطين لن أطيل إقرؤوه صاحب المقالة: سليمان أبو ستة منقول من مجلة العربي الإثنين 1 مايو 2000 27/1/1421هـ / العدد 498فلسطين: النداء ما قبل الأخير (ملف خاص في ذكرى النكبة الفلسطينية) هذا النداء ليس دعوة أو توسّلاً أو لفتا للانتباه، إنه صيحة تحذير قبل أن تفوتنا آخر رحلات المستقبل، ولا نترك لأبنائنا غير عار ضياع الأرض والهوية. فلسطين لم تضع بسبب أسطورة توراتية قديمة، ولم تذهب لتصفية حساب لم نشارك فيه، ولكنها ضاعت لأننا لم نفهم العصر الذي نعيش فيه، ولم نكن على قدر مسئوليته. هذا الملف يتحدث عن الماضي ليستشرف المستقبل ويأخذ من ذكرى النكبة الأليمة شرطها القاسي وهو أن التخاذل دائماً ما يكون باهظ الثمن، وأن الذل -كما عرفه الفقهاء- هو ترك الجهاد. فلسطين: النداء ما قبل الأخير: نكبة فلسطين .. متى يمكن أن تزول؟ ذهب القرن الماضي بالعديد من الشرور، إلا تلك اللعنة المصلتة على أعناقنا ... إسرائيل. ما النكبة? إنها فصل الشعب عن أرضه, وهي طرد أهالي 531 مدينة وقرية من ديارهم عام 1948, وهم 85% من أهالي الأرض التي أصبحت تسمى إسرائيل. وأرضهم هذه تساوي 92% من مساحة إسرائيل. خلاصة القول أن 70% من شعب فلسطين أصبح من اللاجئين الذين يصل عددهم اليوم إلى 5.200.000, ومن هؤلاء أقل من 4 ملايين مسجلون لدى وكالة الغوث الدولية التي تقدم لهم ضروريات الحياة بشكل يتناقص كل عام, أرضهم في إسرائيل مساحتها 18.700 كيلومتر مربع, صادرتها إسرائيل, وتؤجرها لليهود فقط, وبدأت الآن تبيعها لكل مشتر يهودي حتى لو لم يكن يحمل الجنسية الإسرائيلية, ويعيش في أستراليا, وتمنع حتى مجرد تأجيرها لفلسطيني يحمل الجنسية الإسرائيلية. كيف حدثت النكبة? في عام 1917, خانت بريطانيا وعودها للعرب بمنح الاستقلال لهم عند إزالة الحكم التركي عن بلادهم, وأصدرت على لسان وزير خارجيتها وعـد بلـفور في 2 نوفمبر 1917 الذي (ينظر بعين العطف) إلى إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين, كان هذا وعد مَن لا يملك لمن لا يستحق دون علم صاحب الحق, وخلال 28 عاماً من حكم الانتداب البريطاني, سنت بريطانيا القوانين واتخذت الإجراءات التي سهلت إنشاء هذا الوطن حتى أصبح دولة عام 1948. كان عدد اليهود عند الاحتلال البريطاني 56.000 أي 9% من مجموع السكان, غالبيتهم من رعايا الدول الأجنبية. وما إن انتهى الانتداب عام 1948 حتى أصبح عددهم 605.000 يهودي, نتيجة الهجرة الظاهرة والخفية التي سمحت بها بريطانيا رغم معارضة الأهالي ومقاومتهم وثوراتهم, وأهمها ثورة 1936, وهكذا أصبح اليهود يمثلون 30% من سكان فلسطين الذين بلغ عددهم حوالي مليوني نسمة عام النكبة. وماذا عن الأرض? لقد كثّفت الصهيونية جهودها, وجنّدت موظفي حكومة الانتداب الصهاينة لإعطاء اليهود حق امتياز استغلال الأراضي التي اعتبرت أملاك دولة, وأنشأت بريطانيا إدارة للمساحة هدفها تحديد ملكية كل أرض لمعرفة كيفية الاستيلاء عليها. ثم تدفقت أموال اليهود لشراء الأراضي بأسعار خيالية. وكانت ضالتهم المنشودة كبار الملاك الغائبين من رعايا الدول العربية المجاورة, وبعدها اتجهوا إلى كبار الملاك الفلسطينيين الذين يعيشون في المدن. أما الفلاحون المتمسكون بأرضهم يفلحونها منذ مئات السنين, فقد ضيقت بريطانيا عليهم الخناق بفرض الضرائب الباهظة عليهم, حـتى لا يجد الفلاح المسكين غير المرابي اليهودي لإقراضه مقابل رهن أرضه التي لا تلبث أن تقع في حوزة اليهودي بسبب عدم السداد. ورغم هذه الجهود المكثفة, لم تنجح الصهيونية في الاستحواذ على أكثر من 6% من مساحة فلسطين, أو 1.681 كيلومتراً مربعاً, منها 175 كيلومتراً مربعاً امتيازات تأجير طويل الأمد منحتها بريطانيا لليهود, و 57 كيلو مترامربعا حصة في أرض غير مفروزة, و 1.449 كيلو مترا مربعا تملكها اليهود مباشرة, وإن لم يتم تسجيلها كلها بشكل قانوني, مَن الذي باع هذه الأراضي? تقول إحصائية الوكالة اليهودية إنهم اشتروا 52.6% من الأراضي من كبار الملاك الغائبين غير الفلسطينيين, و 24.6% من كبار الملاك الحاضرين الفلسطينيين, و 13.4% من الكنائس والشركات الأجنبية, أما نصيب الفلاحين المرهقين ضريبياً فكان 9.4% من الأراضي المبيعة, أي نصف واحد في المائة من مساحة فلسطين. تقسيم جائر وهكذا بعد تعاون بريطاني صهيوني استمر 28 عاماً, لم تنجح الصهيونية إلا في الاستحواذ على 6% من مساحة فلسطين, لكنها نجحت في زيادة عدد اليهود إلى 30% من مجموع السكان, عندئذ نقلت الصهيونية جهودها إلى أمريكا, واتخذت من رئيسها هاري ترومان مناصراً لها وقف ضد وزير خارجيته, لكي تضغط أمريكا بكل قواها على الدول الصغيرة, وتهددها بقطع المعونات إذا لم تصوّت لصالح تقسيم فلسطين بين أهلها أصحاب الحق فيها, وبين مهاجرين غرباء لا يعرفون اسم المدينة التي وصلوا إليها, وكانت الطامة الكبرى على العرب عندما نجح قرار التقسيم بأغلبية ضئيلة لكي يوصي بإنشاء دولة يهودية على 54% من أرض فلسطين ودولة عربية على باقيها مع تدويل القدس تحت إدارة منفصلة. (انظر خريطة 1). هذه المهزلة التاريخية قضت بأن تفرض أقلية أجنبية مهاجرة سيادتها على أكثر من نصف فلسطين, أي تسعة أضعاف ما كانت تملك, وتقيم فيها دولة عبرية نصف سكانها عرب وجدوا أنفسهم بين يوم وليلة رعايا دولة أجنبية غازية. أما الدولة العربية المقامة على باقي فلسطين, فكل سكانها عرب وليس فيها إلا حفنة من اليهود, والناظر إلى الخريطة رقم 1 يهوله عدد القرى الفلسطينية التي وقعت فريسة لهذه السيطرة الأجنبية, بينما لا توجد بالكاد مستعمرات يهودية إلا في الدولة العبرية فقط, وحتى هذه المستعمرات على كثرتها الظاهرة لم تكن إلا قواعد محصّنة يسكن الواحدة منها من 100 إلى200 شخص من حاملي السلاح. بدأ تنفيذ الخطة في أوائل أبريل 1948 أثناء وجود الانتداب البريطاني وبدأت بوصل الأراضي اليهودية ببعضها ثم الاستيلاء على الأرض العربية حولها وطرد سكانها, اتبعت القوات اليهودية سياسة التنظيف العرقي, كانت تحيط القرية من ثلاث جهات, وتترك الرابعة مفتوحة, ثم تجمع سكان القرية في مكان, وتختار عدداً من الشباب لإعدامهم, أو تقتلهم بالرصاص أو تحرقهم إذا وجدتهم مختبئين في مسجد أو كنيسة أو غار, وتترك الباقين ليهربوا وينقلوا أخبار الفظائع أو تأخذ بعضاً منهم لأعمال السخرة لنقل أحجار البيوت العربيةالتي هدمتها أو حفر القبور لمن قتلتهم. لا ينسى أحد مذبحة دير ياسين وهي واحدة من 17 مذبحة اقترفت أثناء الانتداب و17 أخرى بعده, ولم تحرك القوات البريطانية ساكناً لحماية الأهالي حسب ميثاق الانتداب. وما إن جاءت نهاية الانتداب حتى سيطرت إسرائيل على 13% من مساحة فلسطين, وطردت 400.000 لاجئ من 199 قرية, وأعلنت قيام دولتهم على هذه الرقعة , ولكن دون تحديد أي حدود, فلايزال النهم الصهيوني لابتلاع الأرض في أوله, سيطرت الدولة الجديدة آنذاك على معظم السهل الساحلي وشريط غربي نهر الأردن حول بحيرة طبرية, وشريط يصل بينهما في مرج ابن عامر على شكل حرف n, وسقطت في يدها مدن فلسطينية مهمة مثل يافا وحيفا وطبرية وصفد وبيسان, وأشرفت عكا على السقوط. بدأت بشاعة الكارثة تظهر للعيان ووصلت أخبار المذابح وأشهرها دير ياسين إلى الشعب العربي في كل العواصم, فهاج واستنكر سكوت حكوماته وتقاعسها . الحرب الصورية دخلت قوات نظامية صغيرة من الدول العربية, متفرقة غير متعاونة, لحماية الشعب الفلسطيني من هذه الكارثة, استجابة لغضبة الشعب العربي وتظاهراته, ولم تكن بريطانيا تسمح لها بدخول فلسطين قبل ذلك, لو أرادت, لكن قدراتها العسكرية وعددها كان أقل بكثير من القوات الصهيونية التي أصبحت الآن تسمى بإسرائيلية. جاءت القوات النظامية إلى فلسطين دون خطة موحدة, أو معرفة بالبلاد أو بالعدو, وكان عددها مجتمعة حتى لو كانت تحت قيادة موحدة لا يتجاوز ثلث القوات الإسرائيلية ونصفها في آخر مراحل الحرب, ولذلك لم تتمكن من وقف المد الإسرائيلي, الذي سرعان ما انتشر ليحتل اللد والرملة ويمد جسراً إلى القدس ويحتل مساحات واسعة في الجليل (خريطة 2). كانت هذه إشارة أولية إلى هزيمة العرب, كان احتلال اللد والرملة من الفصول المأساوية في تاريخ فلسطين, إذ استيقظ سكان المدينتين والمهاجرون إليهما من قرى يافا المحتلة على أخبار انسحاب القوات الأردنية بقيادة الإنجليزي جلوب باشا وهجوم القوات الإسرائيلية من الشمال والشرق. قتل من لجأ إلى المساجد والكنائس, وطرد الأهالي بقوة السلاح وبترويع المذابح, واتجهت قافلة بشرية من ستين ألفاً في رمضان وتحت شمس الصيف اللاهبة إلى رام الله. ولما طال الطريق, تساقط المتاع القليل الذي حملوه على جانبي الطريق ثم تبعه الشيوخ والمرضى ثم الأطفال. والقوات الإسرائيلية تحثهم على السير, ومن عثر على ماء ليشرب أطلقوا عليه الرصاص, وعندما أعلنت الهدنة الثانية قفز عدد اللاجئين إلى 630.000, وتم طردهم من 378 قرية حتى ذلك التاريخ, واحتلت إسرائيل أرضاً تساوي 3 أضعاف الأرض اليهودية وهي من أخصب الأراضي وأكثرها كثافة سكانية, وبذلك انتهت فعلياً حرب فلسطين. لكن النهم الإسرائيلي لم يشبع, فاتجهت قواته نحو الجنوب لتحتله وتهزم الجيش المصري أكبر قوة عربية, بينما كانت الجيوش العربية تنتظر دورها ولا تقوم بمهاجمة العدو وإشغاله, ففي منتصف أكتوبر, احتلت إسرائيل مساحات واسعة من الجنوب حتى بئر السبع وجنوب القدس, وامتدت على الساحل الجنوبي, وأصبح عدد اللاجئين 664.000 طردوا من 418 قرية حتى ذلك الوقت (خريطة 3). ونقلت اسرائيل قواتها من الجنوب إلى الشمال, واحتلت الجليل بأكمله و 12 قرية من لبنان في أوائل نوفمبر 1948, وسيطرت بذلك على كامل شمال فلسطين وتعدت الحدود اللبنانية عند أصبع الجليل. (خريطة 4). ولم يحدث قط خلال حرب فلسطين أن تدخل جيش عربي لمساعدة جيش عربي آخر في محنته, وكانت إسرائيل تنتقل من جبهة إلى جبهة بينما ينتظر الآخرون مصيرهم مستكينين. استأثر الجليل بأكبر عدد من المذابح, وذلك لأن المنطقة جبلية, ولترويع الأهالي الذين رفضوا النزوح من الجليل الواقع في دولة عربية حسب قرار التقسيم. من أجل ذلك, اقترفت إسرائيل في الجليل 24 من أصل 34 مذبحة أمكن تسجيلها, ولكن لم تخل قرية واحدة من قتل أو تدمير أو ترويع. لاشك أن المذابح كانت سياسة إسرائيلية مدروسة لترويع الأهالي وطردهم والاستيلاء على أرضهم, كانت هذه شهادة الآلاف من الناجين من هذه المذابح, ولكن الغرب لم يستمع أو يقتنع. وفي السنوات الأخيرة, ظهرت أبحاث لمؤرخين إسرائيليين اطلعوا على الملفات الإسرائيلية التي أصبحت مفتوحة لهم تؤكد وجود هذه المذابح وتعزوها إلى ظروف الحرب, لكن هذا الرأي بدأ يفقد قيمته لوضوح البرهان على تكرار المذابح بشكل ثابت في جميع الظروف, والعثور على أوامر صريحة من القادة بالتخلص من الأهالي, والآن فتحت ملفات مراقبي الهدنة التي أكدت هذا الأمر, وذكرت تقارير المراقبين أنه لكثرة المذابح (ليس لدينا الوقت والإمكانات للتحقيق في كل هذه الفظائع). لكن الدول العربية فقدت قدرتها على القتال لإنقاذ الأهالي, ولم تستطع ردم الخلافات بينها وتكوين قيادة موحدة, ولذلك سارعت إلى توقيع اتفاقيات هدنة مع إسرائيل بداية بمصر ثم الأردن ولبنان وأخيراً سوريا. وبعد توقيع الاتفاقيات, احتلت إسرائيل دون طلقة رصاص واحدة النقب الجنوبي حتى وصلت إلى أم رشرش (إيلات الآن), وزرعت علمها على خليج العقبة, وبينما كانت مفاوضات الهدنة تدور, تنازل الملك عبدالله عن 436 كيلومتراً مربعاً في المثلث الصغير الخصب والمليء بالسكان, وحسب شروط الهدنة خرجت القوات المصرية المحاصرة من الفالوجا بكامل سلاحها, وكان من بين ضباطها جمال عبدالناصر, وتخطت بذلك إسرائيل خط التقسيم في جميع الجهات باحتلالها 78% من أرض فلسطين أي بزيادة 24% من مشروع التقسيم, فاحتلت الجليل الأوسط المخصص للدولة العربية, واحتلت مثلثاً يصلها بالقدس عبر اللد والرملة, رغم أن القدس منطقة دولية وما حوله عربي, حسب قرار التقسيم. وفي الجنوب تمددت إسرائيل نحو البحر الميت, واحتلت مدينة بئر السبع العربية, واحتلت ثلثي المنطقة الساحلية المخصصة للعرب التي بقي منها قطاع غزة الصغير. وبذلك احتلت إسرائيل 6.300 كيلومتر مربع خارج مشروع التقسيم, وأصبح كسبها من الأرض العربية اثني عشر ضعفاً للأرض اليهودية عام 1948. كان هذا كسباً, أي كسب. (انظر خريطة 5). أما على الصعيد الإنساني فقدخلفت هذه النكبة وراءها حوالي 900.000 لاجئ طردوا من 531 مدينة وقرية, نزحوا إلى الجنوب المتبقي في قطاع غزة وإلى الشرق, فيما أصبح يعرف بالضفة الغربية وإلى الشمال نحو سوريا ولبنان. وأصبحت النكبة بقعة سوداء في التاريخ العربي دفع ثمنها قادة وحكام بحياتهم وأزيلت عروش وسقطت أنظمة, ولايزال يدفع ثمنها اليوم خمسة ملايين لاجئ داخل فلسطين وحولها وفي الشتات. توزيع الغنائم لم يسبق في التاريخ الحديث أن غزت أقلية أجنبية وطن الأكثرية بدعم سياسي ومالي وعسكري من الخارج, وطردتها من وطنها وأزالت ملامحها مثلما حدث في فلسطين. لقد وزعت إسرائيل البيوت الجميلة في القدس الغربية وحيفا وغيرهما على البارزين من رجال الحكم, واستوعبت مئات الآلاف من اليهود القادمين من بلاد عربية في باقي المساكن, أما القرى, فقد نسفت وهدمت بيوت ثلاثة أرباعها هدماً كاملاً والربع الباقي بدرجة أقل. ومن المشاهد الإنسانية المؤثرة رؤية بعض اللاجئين وقد شاخوا, يأخذون أولادهم وأحفادهم لزيارة مواقع قراهم الأصلية, بعد أن أصبح ذلك ممكناً لبعضهم, ليعرّفوهم على مواطنهم وذكراها محفوظة في قلوبهم ليجدوا حائطاً هنا وشجرة هناك, ويعيدوا تركيب صورة الواقع على صورة الخيال, فيجدوها لاتزال حيّة في قلوبهم وقلوب أولادهم. يبحثون عن قبور أجدادهم فيجدونها مبعثرة أو مكتوباً عليها عبارات عنصرية بالعبرية, يجدون وهم في ذهول واستنكار أن الجامع أصبح متحفاً أو مطعماً أو مخزناً للنفايات. الإبادة الجغرافية لقد نجحت الصهيونية في الاستيلاء على الأرض حتى الآن, وفصلت أهلها عنها وشتتتهم في أنحاء الأرض فيما يمكن وصفه بالإبادة الجغرافية. لكنها لم تنجح في القضاء على الشعب الفلسطيني الذي بقي حياً ومتماسكاً إلى حد كبير, ولم يندثر كما اندثرت أمم قبله في كوارث أقل جسامة. ماذا حدث للأرض نفسها? نسجت إسرائيل لنفسها شبكة عنكبوتية من القوانين والتشريعات لحمايتها من الشجب الدولي. بدأت أولاً بتحويل كل الأراضي العربية إلى الوصايةتحت مسئولية (القيم على أملاك الغائبين) وتمت مصادرتها كأملاك الدولة, اعتبر اللاجئ في بلد عربي المطرود من بيته بالحرب والمذابح غائباً, كأنما كان في نزهة. واعتبر الفلسطيني الذي بقي في أرضه غائباً أيضاً, إذا ذهب للاطمئنان على أقاربه في بلد مجاور ولو على بعد كيلومتر واحد, وإذا رغبت إسرائيل في الاستحواذ على أرض لايزال أهلها يقيمون فيها, فإنها تعلن أن هذه المنطقة مقفلة لأسباب أمنية, وتخرج أهلها منها, وتعتبرهم غائبين. هذا ما حدث مع قريتي إقرت وبرعم اللتين أمر أهلهما بالخروج منهما لمدة أسبوعين فقط ولم يعودوا إليهما حتى الآن بعد 52 سنة. ربما لا يعرف الكثير أنه يوجد لاجئون فلسطينيون في إسرائيل نفسها, فهم مهجّرون من ديارهم واعتبروا غائبين حاضرين رغم أنهم يحملون الجنسية الإسرائيلية وعددهم الآن 250.000 نسمة أي حوالي ربع الفلسطينيين المقيمين بالداخل. كانت خطوة إسرائيل الثانية هي إنشاء (هيئة تطوير) لها الحق في استغلال الأراضي الفلسطينية وتأجيرها واستثمارها لمصلحة اليهود فقط, وحوّل إليها القيم على أملاك الغائبين كل هذه الأراضي. وسلّمت هيئة التطوير هذه بدورها جميع الأراضي في خطوة ثالثة إلى (إدارة إسرائيل للأراضي) التي تتولى إدارة أراضي اللاجئين بعد أن ضمت إليها الأراضي اليهودية التابعة للصندوق القومي اليهودي. (في عام 1999 حدث خلاف بين الحكومة والصندوق فانفصلت أراضي الصندوق واستقلت بذاتها). أجّرت إسرائيل الأراضي الفلسطينية إلى الكيبوتس والموشاف (القرى التعاونية) بعقود تجدد كل 49 سنة بشرط ألا تؤجر هذه القرى أي أرض لعربي أو يسمح له باستثمارها أو العمل فيها. لقد نشأ معظم رجال الجيش الإسرائيلي الأوائل في الكيبوتس في حياة جماعية لا يملك فيها أحد شيئاً ويتكافل الجميع على العناية بالأطفال والقيام بأعمال الزراعة وغيرها, كانت مصنعاً لتفريخ أولاد الدولة الذين تربّوا على الولاء لها ولمبادئ الصهيونية وعلى العنصرية ضد العرب. ومع الزمن تضاءلت أهمية هذه المبادئ, وهجر كثيرون الكيبوتس إلى المدينة, ووقعت ثلاثة أرباع هذه المستعمرات تحت طائلة ديونها المتراكمة, فلجأ بعضها إلى مصادر دخل أخرى مثل الصناعة الخفيفة والسياحة, ولم يعد يعيش فيها اليوم أكثر من 2% من سكان إسرائيل. هذه النخبة المختارة ذات الوزن الكبير في الجيش والكنيست تستحوذ على حوالي 18.000 كيلومتر مربع هي أرض هؤلاء اللاجئين في المخيمات, وتستهلك الكيبوتس للزراعة 80% من المياه في إسرائيل والمسروق أغلبها من العرب لكي تنتج 3% من الناتج القومي لإسرائيل. هذا التناقض الصارخ في أن 200.000 إسرائيلي وهم سكان الكيبوتس ينعمون بخيرات أرض فلسطينية هي الإرث الشرعي لأكثر من خمسة ملايين لاجئ, لا يمكن أن يؤدي إلى سلام ولو فرض بالقوة. بل إن هناك تناقضاً أكثر إيلاماً, إذ يتكدس اليوم في قطاع غزة حوالي 1.250.000 لاجئ بكثافة سكانية تزيد على 4000 شخص في الكيلومتر المربع الواحد, بينما يستطيع أي واحد من هؤلاء اللاجئين أن يرى عبر السلك الشائك الإسرائيليين يرتعون في أرضه المسلوبة بكثـافة لا تزيد على 6 أشخاص في الكيلومتر المربع. أين يهود إسرائيل إذن? هم مازالوا يعيشون في الأرض اليهودية نفسها التي عاشوا فيها قبل 1948. لم تستطع الصهيونية أن تخلق منهم مزارعين مرتبطين بالأرض, فعاش معظمهم في مجتمعات مدنية متلاصقة تعمل في المال والتجارة والصناعة. وتدلنا الإحصاءات الإسرائيلية على أن 78% من اليهود يعيشون في 15% من مساحة إسرائيل فقط. أما الباقون (22%) فيعيش 19% منهم على الأرض الفلسطينية في مدن أغلبها فلسطينية مثل القدس ويافا وحيفا وعكا والناصرة واللد والرملة وبئر السبع والمجدل عسقلان, والحفنة الضئيلة الباقية هي سكان الكيبوتس والقرى التعاونية. هذا الفشل الصهيوني أدى إلى لجوء عتاة الصهيونية مثل أريل شارون ورفائيل عيتان إلى اقتراح قوانين بإمكان (بيع) بعض أراضي الكيبوتس إلى مقاولين لبناء بيوت عليها وبيعها لليهود من أنحاء العالم مع (تعويض) سكان الكيبوتس بمقدار 25% من قيمة البيع لأرض لا يملكونها, وقد دخل على ميزانية الدولة ابتداء من عام 1997 ما يقارب البليون دولار سنوياً من بيع الأرض الفلسطينية, وصاحب الأرض لايزال مشرّداً . العودة ممكنة هل يحق للاجئين العودة إلى ديارهم وهل يمكنهم ذلك? الجواب هو أن حق العودة مقدس وقانوني وممكن, هو مقدس لأنه في وجدان كل فلسطيني شيخاً أم طفلاً, إذ رغم مرور نصف قرن, لايزال حق العودة هو الشعلة التي تضيء ظلام الحياة التي يعيشونها. إن حق العودة ممكن لأنه رغم تدفق المهاجرين اليهود على إسرائيل, لاتزال معظم الأراضي الفلسطينية خالية أو بها غالبية من الفلسطينيين الذين بقوا في ديارهم, هذا ما أثبتته الدراسات الديموغرافية المبنية على الإحصاءات الإسرائيلية. وبناء على ذلك, لو تصوّرنا عودة لاجئي لبنان إلى الجليل, لما تأثرت كثافة اليهود في الوسط بأكثر من واحد في المائة. ولو عاد لاجئو غزة إلى ديارهم في الجنوب, لما تأثرت كثافة اليهود في الوسط بأكثر من 5%, بل إنه من المفارقات المؤلمة أن مجموع لاجئي غزة ولبنان هو نفسه عدد المهاجرين الروس الذين استوعبتهم إسرائيل بسهولة في التسعينيات. ومما يؤسف له أن كثيراً من المسئولين لا يدركون أنه بالإمكان عودة اللاجئين إلى ديارهم في إسرائيل حسب ما أكدته الدراسات الديموغرافية الجادة. وهم يقبلون بسهولة الخرافة الإسرائيلية أن المكان مزدحم وأن حدود الملكية قد زالت. وهذا خطل في القول وادّعاء مغرض لا يمكن أن يصمد أمام البحث الجاد. فلدينا اليوم مئات من الخرائط البريطانية التي تبين حدود الأراضي العربية ومساحتها في كل القرى والمدن, ولدينا في سجلات الأمم المتحدة حوالي نصف مليون سجل, يبين ملكية كل فرد ومساحتها ومكانها, والتقنية الحديثة باستعمال الحاسوب والأقمار الصناعية تستطيع إرجاع كل متر إلى أصله. وليس علينا أن نثبت أنه يوجد متسع في المكان لعودة اللاجئين إلى بيوتهم ولا أن نحدد مكان البيت والأرض, فحق الإنسان في العودة إلى بيته وحرمة الملكية الخاصة هي حقوق أساسية حسب الميثاق العالمي لحقوق الإنسان, لا يسقط بالتقادم ولا بالاحتلال أو فرض سيادة أجنبية, ولا يعقل أن يُفرض على صاحب البيت إثبات حقه أمام الغازي الأجنبي أو المهاجر اليهودي الذي يصل من أي بقعة من بقاع الأرض ليسكن هذا البيت. وكثير من الناس في الغرب يقبلون الحجة الإسرائيلية بضرورة بقاء إسرائيل نقية من العرب وضرورة بقاء اليهود أغلبية مطلقة. هذا القول العنصري لا يعادله عنـصرية إلا القول بأحقية جنوب إفريقيا في الحفاظ على الفصل العنصري (الأبرتهايد). هذه حجة غير قانونية وغير أخلاقية ,وأيضاً غير عملية. إذ تبلغ نسبة اليهود من كل سكان فلسطين بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط 55% والعرب 45%. وما هي إلا مسألة وقت حتى يتم التعادل بل يزيد لأن الزيادة الطبيعية السنوية بين الفلسطينيين تتجاوز 3.5% بكثير أحياناً, بينما تبلغ الزيادة الطبيعية لدى اليهود 1.5% سنوياً, تضاف إليها الهجرة التي قد تضاعف هذه الزيادة أو أكثر كما حدث في التسعينيات. لكن هذه الهجرة غير منتظمة. والاعتماد على الهجرة اليهودية أمر غير مضمون وسينضب يوماً ما, إذن فإن استمرار هذا الفصل العنصري المقيت هو غير قانوني وغير أخلاقي وغير عملي أيضاً. المستقبل صعب وواعد وإذ ننظر اليوم إلى حالنا في مطلع القرن الواحد والعشرين, نجد أن إسرائيل تخلّت عن سيناء التي احتلتها مرتين مقابل تخلي مصر أكبر دولة عربية عن الخيار العسكري لإنقاذ فلسطين مع بقائها ملتزمة بالحق العربي فيها, ونجد أن الأردن أعلنت عن معاهدة سلام مع إسرائيل تصوغ قانوناً ما جرى عليه التفاهم قبل سنوات عدة وتعتبر نهر الأردن حدّاً فاصلاً بين البلدين تاركة الضفة الغربية في قبضة إسرائيل, وتجرى المفاوضات أو تكاد بين إسرائيل وسوريا ولبنان مجتمعتين حول انسحاب إسرائيل من بلديهما بعد وقفة سياسية حازمة في سوريا وأخرى عسكرية في لبنان, وكلاهما يتحدث عن بلده. وابتليت فلسطين وأهلها بعواقب اتفاق أوسلو العاثر وما هو اتفاق بل خلاف, لأنه جرد الحق الفلسطيني من شرعية القانون الدولي وجعله رهناً لإملاء القوي على الضعيف المستكين, وما نظن أنه سيرقى إلى معاهدة سلام تجد القبول والرضا من الشعب الفلسطيني كافة, ولا من اللاجئين الذين لاتزال أغلبيتهم الساحقة (71%) خارج فلسطين بعيداً عن مناطق السلطة الفلسطينية وحكم إسرائيل. أما أرض مَن بقي على أرض فلسطين المحتلة عام 1967, في الضفة الغربية (مساحتها 21% من فلسطين), وقطاع غزة (1% من فلسطين), فلاتزال إسرائيل تقضم منها قطعة قطعة حتى التهمت أكثر من نصف الضفة ونصف القطاع. أما هؤلاء الباقون في أرضهم المحتلة عام 1948, فقد صادرت إسرائيل التي يحملون جنسيتها أكثر من نصف أراضيهم, لكنهم يمرون الآن بصحوة وطنية بعد أن اعتبرتهم إسرائيل أسرى حرب حتى عام 1966, فقد انتعشت آمالهم وكوّنوا أحزاباً وجماعات لتوكيد هويتهم وإرثهم الجغرافي والتاريخي. وهكذا يجد اللاجئون اليوم أنفسهم في أسوأ حال منذ النكبة, لأنه لا الحرب الصورية ولا السلام المزيف استعاد حقوقهم. والآن يطلبون منهم تحت غطاء السلام أن يسقطوا حقوقهم, ولم ينتظر هؤلاء اثنين وخمسين عاما في الشتات, مقاومين مناضلين صابرين, خارجين من غبار خمسة حروب وعدد لا يحصى من الغارات والإغارات, لكي يقرّوا بعدها أنه ليس لهم وطن وليس لهم حق أو تاريخ, وأن هذا كله قد كان وهماً وخيالاً - كما أراد لهم المتلفعون بجلد اسمه السلام - حتى أصبح الصائح (القدس عربية) مختل العقل أو إرهابياً تطارده الأنظمة والحكومات المحبة للسلام! هكذا عاد الوضع كما هو عليه قبل أكثر من نصف قرن, شعب يكافح وحيداً تحت وطأة غاز ومحتل, كان اسمه بريطانيا وربيبتها الصهيونية, وأصبح اسمه إسرائيل المتفردة بالقوة, التي لم تتخل يوماً عن ثوابتها, كما تخلى الكثير بالفعل إن لم يكن بالقول عن ثوابتهم. هاهو باراك يصرح كل يوم وهو منتفخ الأوداج عن ضرورة (الفصل الجسدي عن الفلسطينيين), وترجمة ذلك (التنظيف العرقي) أو الاستيلاء على أرضهم ونفيهم إلى مكان بعيد عنها بالتوطين أو أي نوع آخر من الإبادة الجغرافية, هكذا كان حال الصهيونية دوماً ولايزال. وبالمقابل, فإنه رغم كل النوائب سيبقى الشعب الفلسطيني متماسكاً صامداً ,وسيبقى مكافحاً مدافعاً عن حقوقه حتى يعود إلى أرضه. ولن يعود السلام الحقيـقي إلا بالعودة إلى الوطن, لاشك عندي في ذلك. ويبقى أن يسجّل التاريخ كم من التضحيات ينبـغي بذلها حتى يتحقق حق العودة.
|
||||
![]() |
الكلمات الدلالية (Tags) |
فلسطين |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc