عن أبي هريرة رضى الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قُل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان)[1]
الشرح:
في الحديث علاج لأمراض النفس، لمنع التردد والقلق والاضطراب،والحديث جمع بين القوة الجسدية والقوة النفسية والمعنوية، ثم ربط بين الأمرين الإيمان بالله تعالى، والتسليم بالقضاء والقدر.والمراد من القوي قوي عزيمة النفس في الأعمال الأخروية فإن صاحبها أكثر إقدامًا في الجهاد وإنكار المنكر والصبر على الأذى، واحتمال المشاق في ذات الله سبحانه وتعالى والقيام بحقوقه من الصلاة والصوم وغيرهما، والضعيف بالعكس من هذا إلا أنه لايخلوا عن الخير لوجود الإيمان فيه، ثم أمره صلى الله عليه وسلم بالحرص على طاعة الله وطلب ما عنده وعلى طلب الاستعانة به في كل أموره، وقوله صلى الله عليه و سلم فإن (لو تفتح عمل الشيطان) اي يلقي في القلب معارضة القدر ويوسوس به الشيطان، وقد جاء من استعمال جواز لو في فعل الخير وتمني الإكثار منه،وفى الماضي كقول النبى صلى الله عليه و سلم (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي) وغير ذلك فالظاهر أن النهي انما هو عن إطلاق ذلك فيما لا فائدة فيه فيكون نهي تنزيه لا تحريم.فلو قالها الإنسان تأسفا على مافات من طاعة الله تعالى أو ماهو متعذر عليه من ذلك ونحو هذا فلا بأس به وعليه يحمل أكثر الاستعمال الموجود في الاحاديث، وإنما المنهي عنه في الشرع هو تمني شيءٍ من الدنيا فهذا مكروه وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم
لو تفتح عمل الشيطان).فلو أن إنسانًا خرج للنزهة بسيارته ـ التي هي من أحسن السيارات ـ فأصيب بحادث وتكسرت السيارة فبدأ يقول: لو أني ما خرجت لهذه النزهة مانكسرت السيارة، ويندم نفسه، ويلوم نفسه، فهل ينفعه هذا؟ أبدًا لا ينفع، لأن هذا كُتب وسيجري الأمر بما كُتب مهما كان، وكذلك لو أن إنسانًا دخل في مشروع تجاري فلم يربح فيه فلا يقل:لو أني لم أدخل في هذا المشروع ودخلت في مشروع آخر لكان كذا وكذا، فيقال له: هذا الذي وقع هو الذي قدره الله عز وجل، ثم ما يدريك أنك إذا دخلت في المشروع الثاني أنه كان سيصير كذا وكذا؟ فكل ذلك غيب لا يعلمه إلا الله عز وجل، فعلى الإنسان أن يأخذ بالأسباب المشروعة ويستعين بالله سبحانه وتعالى. لأن الإنسان إذا أخذ بالأسباب ولم يحصل له عون وتوفيق من الله تعالى فلا يحصل ما يريد، فمجرد الأخذ بالأسباب لا يكفي، بل يُحتاج إلى شيء وراءه وهو توفيق الله وإعانته على حصول ذلك الشيء، كما أنه لا يترك الأسباب ويقول: أنا متوكل، وإذا قدر الله لي شيئًا فإنه سيأتيني، فهذا كلام باطل. فمجرد الأخذ بالأسباب ليس هو كل شيء، لكن مع الأخذ بالأسباب يستعين الإنسان بالله عز وجل، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا، وتروح بطانًا) فالطير لم تجلس في أوكارها، وتقول: إن قدِّر لي شيء فسيأتيني، بل إنها تغدو في الصباح خاوية البطون، وترجع في المساء ممتلئة البطون.