العمل - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الثّقافة والأدب > قسم الإبداع > قسم القصة ، الرّواية والمقامات الأدبية

قسم القصة ، الرّواية والمقامات الأدبية قسمٌ مُخصّصٌ لإبداعات الأعضاء في كتابة القصص والرّوايات والمقامات الأدبية.

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

العمل

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-01-07, 15:46   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
sollo44
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية sollo44
 

 

 
إحصائية العضو










Icon24 العمل

عرف محمود منذ صغره بأنه شاب خامل لا فائدة منه ترتجى ، و أنه يحرص بعناية عجيبة على تحسين منظره ، فتراه لامع الشعر حليق الوجه ، أنيق الثياب دوما ، و ما تصرفه ذلك إلا دليل على ترسب النرجسية في عروقه ، و إذا خطر في المدينة تحسبه مركبا سار يشق اللج مختالا ، أماكن جلوسه معروفة للجميع ، المقهى و قاعة الإنتظار في محطة المسافرين ، أو تجده متسكعا في الدرب الموصل لحرم الجامعة ، يعتمد في مصروفه اليومي على منة من والده ينتزعها منه غلابا ، أو على دنانير يستلها من أمه بعد أن يلينها بقبلة على جبينها و أخرى على كفها ، كانت مأساة الوطن تكبر بلا شك ، و تعسر الحال حتى ظن الجميع أن لا مخرج و لا حيلة ترفع غبن المأساة أو تصرفه ، و طوق الخوف رؤوس العباد و أحلامهم و نقش الفقر على أجسادهم جروحا غائرة لا تندمل ، العيش الكريم طموح المحاويج ، و رغبة الرغائب الكبرى ، فما أجمل أن تستفيق صباحا متدثرا بغطاء غال الثمن ، ثم تستحم على عجالة داخل غرفة زجاجية تحبس الدفء و البخار ، و تختمها بوجبة فطور على الطريقة الإنجليزية و عيالك حولك محبورون بجمال النعمة ، ثم تنطلق بالسيارة الفاخرة إلى حوائجك اليومية ، لا هم ،لا كربات ، و لا كدر ينغص صفو الحياة عليك ، و لكن كيف السبيل لحياة يسيرة رغيدة بلا عمل و كيف لمحمود مثلا أن يغير من عقليته التافهة ؟؟.
يرن الهاتف فجأة و إذا به رشيد يطلب من محمود لقاءه عند مسجد الرحمن ، وفي ساحة المسجد التقى الصديقان و بسرعة قال رشيد :
- محمود ، هل ترغب في مصروف سريع و سمين ؟؟
فرد عليه في تذمر :
- لو علمت أنك هاتفتني من أجل العمل ما لبيت لك نداء و لا أنا هنا متسكع بلا فائدة .
فقال رشيد :
- فكر جيدا يا محمود ، لقد كبر والدك ، و أصبحت سخرية للجميع ، حتى صغار الحي صاروا يضربون بك في الكسل أمثالا .
فأجابه من فوره :
- لا تتعب نفسك يا صديقي ...... فلا فائدة من المحاولة .
- كيف تقول لا فائدة من المحاولة و أنت لم تعرف العمل الذي سنقوم به ؟؟
فهتف في استياء محمود :
- هات من الآخر و خلصنا من وجع الدماغ .
تنهد رشيد و سكت قليلا ثم قال متفائلا :
- " السي جلال " .... غني حينا و كبير أثريائه لا شك أنك تعرفه .
فعلق محمود ساخرا :
- رمز الفساد و الرشى و الصفقات المشبوهة فمن لا يعرفه ؟
- يا أخي كيف تعلم فساد الرجل و أنت لا تعرف منه إلا وجهه ؟؟ .... أتقول ذلك عن رجل شيد الجوامع ، و أطعم المساكين ، و أوفد للحج رجالا كثيرا ؟
و إذا بمحمود يضحك ضحكات مسعورة ، و يقول متهربا من النقاش :
- حسن ... ما بال الرجل ؟؟
- السي جلال يبحث عن عمال يقومون له ببعض الصيانة في قصره . و قد علمت ذلك من "عمي الديلمي " .... هو في الواقع يبحث عن شابين بلا عمل ، تماما مثلي و مثلك ليقوما له بما يحتاج من عمل و لكنه يحتاجهما ليوم واحد فقط ثم يدفع لهما و يذهبان في حالهما .
تعجب محمود و سأله بفضول كبير :
- و ما هو العمل الذي يتطلب يوما واحدا ينتهي باستقالة ؟؟ أنا لم أسمع بذلك في حياتي .
فقال رشيد :
اسمع يا محمود ، يرغب السي جلال بتغيير خطوط الصرف الصحي لقصره ، و كذلك تجديد المراحيض و الحمامات ، كما يريد جمع بعض النفايات المتراكمة جراء الحفلات المتتالية و الولائم الضخمة خلف الأسوار . إنه يفكر في انجاز هذا كله في أسرع وقت ممكن و بأقل عدد من العمال لأنه لا يحب دخول الأغراب إلى مسكنه .
نظر إليه الآخر و حدجه بنظرة جارحة و انفجر غاضبا :
- أتريدني ان أكون عاملا وضيعا عند الفاسد المرتشي ؟؟ تبا للقاء جمعني بك .... فلتذهب إليه وحدك .
و انطلق عائدا بسرعة كبيرة ، و تملكه الغضب و النقمة حتى صار كالأعمى الجاهل و أمام غضبه و نقمته قال رشيد :
- محمود ، بالعمل تصفو حياتك ، و لا تحتقر عملا ما دام يكفيك ذل السؤال . فأنت بلا عمل كجسد بلا روح .
فضحك الآخر و قال معلقا :
- حقا ؟ سنرى كيف تغدو و أنت عبد عند سيدك جلال .
فتمتم الآخر مستاء :
- أنت إنسان طيب يا محمود لولا عنادك و تكبرك على العمل .
************************
في الصباح الموالي ، انطلق رشيد إلى قصر السي جلال ، و ناء جسده الهزيل تحت ثقل العدة التي يحملها ، فأس ، رفش ، مطرقة و إزميل ، و معدات سباكة و عتاد آخر كأنه يتجه للحرب ، و ها هو بعد العناء الذي كابده خلال الطريق يصل آخر الأمر لمقصده و في انتظاره وجد عمي الديلمي فقال مبتسما :
- ظننت أنك لن تجيئ يا ولدي و لكنك أثبت العكس فمرحى لك .
فقال الآخر معللا :
- ليس لي في الدنيا غير الأعمال الحرة و خلى ذلك لا أملك شيئا .
ضحك عمي الديلمي و قال متندرا :
- المهم أنك قد جئت بعد أن ظننا البلاد خلت من الشباب .
فقال ربيع مستفسرا :
- خلت البلاد من الشباب ؟؟
- أجل ، إن السي جلال يبحث منذ أسبوعين عن العمال و لم يوفق حتى اليوم .
زادت الأمور ابهاما على رشيد و سأل مجددا :
- و لا واحد ؟؟
- في الحقيقة كانوا يأتون يوميا للإستفسار عن طبيعة العمل ، و عندما يعلمون أنه شاق و قذر ، ينسحبون في تكبر .
- الآن فهمت سبب تعجبك من قدومي .
و سارا معا إلى القصر أين استقبلهما السي جلال ، و عند دخولهما صاح السيد بصوت قوي :
- هل تعلم طبيعة العمل الذي ستقوم به أيها الشاب ؟؟
فقال رشيد :
أجل أعلم .... و هو لا يختلف عن أعمالي اليومية على كل حال .
- أراك أحضرت معك عدة ثقيلة قد أنهكتك .
- لا تقلق بشأن العدة يا سيدي فهي أخف علي من وطأة الفقر .
ضحك السي جلال و قال بلهجة حازمة :
إذن ...دعنا نقوم بالعمل .
و قاده إلى المطبخ رفقة عمي الديلمي ، أين كانت مائدة ضخمة تتوسط قاعة المطبخ ، و كان الفتى في حيرة شديدة تكاد تلتهمه و عند ذلك قال السي جلال :
- تفضل بالجلوس و كل معي .
تعجب الفتى و قال مترددا :
- أتهزأ مني يا سيدي ؟
- أنا لا أهزأ منك و لكنني أدعوك لمشاركتي هذه الوجبة البسيطة قبل شروعك في العمل ....
مائدة هائلة و مأكولات غريبة ، مشروبات غازية ، حلوى ، مقبلات ، أصناف غريبة من الطعام ... أي حلم هذا يا رشيد و أي غرابة تحياها الآن . لا شك انه الجنون المتوثب للنيل منك ، و لا شك ان الحياة الرغيدة حمل أثقل عليك من الفقر فانت لم تخلق لمثل هذا المستوى من الحياة ......
قال السي جلال قاطعا تأملات الفتى :
- كل حتى تشبع .
و بعد انتهاء الأكل ، طلب رشيد من عمي الديلمي ان يريه الأماكن التي سيعمل على صيانتها فضحك و قال بسرور :
- صيانة ؟؟ .... أي صيانة يا رشيد ؟؟ ... السي جلال لم يدعك إلى هنا من أجل العمل أبدا ... من قال لك هذا .
فقال معتذرا :
إذن سأغادر ... فلا جدوى من بقائي .
تدخل السيد و قال حازما :
- لا أحد يخرج من قصري كما دخله أول مرة .
تخيل الفتى نفسه جثة هامدة تخرج من القصر في كيس و قال خائفا :
سأتصل بالشرطة .
ضحك السيد و غمغم قليلا ثم صاح في عمي الديلمي :
- أحضر الكيس بسرعة ، ألا ترى انه سيهرب منا ؟
خاف الفتى و قال في أعماق نفسه المضطربة :
هل كان محمود على صواب حين حذرني من السي جلال ؟
و في الحين صاح مستجديا :
- أرجوك يا سيدي لا تصنع بي سوء .
و أقبل عمي الديلمي يحمل بالجهد كيسا منتفخا و رماه عند أقدام الفتى و قال صارخا :
- إحمل الكيس يا رشيد .
تناوله بيمينه المرتجفه و قلبه يخفق في أقدامه و قال له السيد :
- ما بالك ؟ لا تخف ..... هيا افتحه .
فتحه فوجد به مالا لم ير مثله في حياته ، عادت إليه انفاسه أخيرا و في الحين قال السيد :
- ما ذا وجدت ؟
- مال بالكيس .
- إنه لك يا رشيد ....خذه .
تعجب الفتى و قال معتذرا :
- لم أتعود على اخذ المال من احد .
- و لكنه لك ..... إنه من حقك .... خذه و لا تخف ......
و عندما رفض الفتى عرض السيد أقبل إليه و قال شارحا :
- رشيد ، أنا واحد من أثرياء البلد ، و قد حال الحول على اموالي فأخرجت منها الزكاة ، و قررت أن اعطيها لمن يستحقها فعلا ... فاصطنعت قصة المراحيض و الحمامات و الزبالة .
و قال عمي الديلمي :
إنك في حقيقة لا حلم .... خذ المال و لا تخف ....فهذا جزاء من لا يتكبر على العمل مهما كان .
ضحك الفتى من قلبه و قال مبتهجا :
- الله أكبر .....يا ألطاف الله .









 


رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
العلم


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 19:18

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc