النظام المصرفي الجزائري واتفاقيات بازل
د/ سليمان ناصر
أستاذ بكلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير
جامعة قاصدي مرباح – ورقلة - الجزائر
مقدمة :
يُعتبر موضوع كفاية رأس المال للبنوك واتجاهها إلى تدعيم مراكزها المالية من أهم المواضيع التي تشغل خبراء المصارف في ظل العولمة والمتغيرات الدولية الحديثة، فمع تزايد المنافسة المحلية والدولية أصبحت البنوك عرضة للعديد من المخاطر الناتجة عن نشاط البنك أو طريقة تسييره وإدارته، أو من عوامل خارجية تتعلق بالبيئة التي يعمل فيها البنك.
تحت تأثير هذه الظروف، كان لزاماً على البنوك في أي نظام مصرفي أن تسعى إلى تطوير قدراتها التنافسية لمواجهة تلك الأخطار، وكان نتاج ذلك بداية التفكير والتشاور بين البنوك المركزية في العالم للتقليل من مخاطر العمل المصرفي، ثم إيجاد معايير عالمية لتطبيقها في هذا الصدد، فكانت هناك اتفاقيات بازل.
تُرى ما مضمون هذه الاتفاقيات ؟، وما طبيعة هذه المعايير ؟، وما هي تأثيرات كل منها على النظام المصرفي الجزائري ؟، ذلك ما سنحاول الإجابة عنه باختصار من خلال هذا البحث.
1- لجنة بازل واتفاقياتها :
أولى الخبراء في مجال البنوك اهتماماً متزايداً بحجم رأس المال، باعتباره خطَّ الدفاع الأوَّل في حالة تعرُّض البنك لخسائر بسبب توظيف أمواله في عمليَّات لا تخلو من مخاطر، مثل القروض والتوظيفات الأخرى، وذلك مقابل التزام هام، وهو ضمان أموال المودعين.
لذلك حاول هؤلاء الخبراء وضع معايير لقياس كفاية رأس المال منذ وقت مبكِّر، وبأشكال مختلفة، وأولى المعايير المستخدمة في هذا المجال كان نسبة رأسمال البنك إلى إجمالي الودائع، وذلك منذ سنة 1914م، وقد حددت هذه النسبة بـ 10 % عالمـيًّا، أي أن تكون الودائع تعادل عشرة أضعاف رأس المال، وساد هذا المعيار إلى سنة 1942م، حيث تخلَّت عنه المصارف خاصَّة الأمريكيَّة منها.
بعد الحرب العالميَّة الثانية استخدمت السلطات النقديَّة والمصارف معيار نسبة رأس المال إلى إجمالي الأصول باعتبار أنَّ الأهمَّ بالنسبـة للبنك هو كيفيَّة استخدام الأموال في توظيفات مختلفة، ومدى سيولة هذه الأصول.
تطوَّر الأمر بعد ذلك إلى استخدام مؤشِّر رأس المال إلى إجمالي القروض والاستثمارات، باستثناء بعض الأصول كالنقديَّة في الصندوق والأوراق المالية الحكومية، والقروض المضمونة من الحكومة على اعتبار أنَّ هذه الأصول ليست فيها مخاطرة بالنسبة للبنك. وقد ظهرت هذه الفكرة منذ سنة 1948م تقريبا( ).
بعد أن تفاقمت أزمة الديون الخارجيَّة للدول النامية، وتزايد حجم الديون المشكوك في تحصيلها والتي منحتها البنوك العالميَّة، ممَّا سبَّب أزمات لهذه البنوك، إضافة إلى المنافسة القويَّة من جانب البنوك اليابانيَّة للبنوك الأمريكيَّة والأوروبيَّة بسبب نقص رؤوس أموال الأولى؛ قامت السلطات الإشرافيَّة في أقطار مجموعة الدول الصناعيَّة العشرة الكبرى Group of ten (وهي: بلجيكا، كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، هولندا، السويد، المملكة المتَّحدة، الولايات المـتَّحدة الأمريكيَّة، بالإضافة إلى كلٍّ من: لوكسمبورغ وسويسرا) بتشكيل لجنة من خبراء السلطات النقديَّة والبنوك المركزيَّة في هذه الدول تجتمع عادة في مقرِّ بنك التسويات الدوليَّة Bank of International Settlements (BIS) بمدينة بال (بازل) السويسريَّة، وبها تقع أمانتها العامَّة، لذلك سمِّيت هذه اللجنة باسم ”لجنة بازل للإشراف المصرفي Basel Committee on Banking Supervision“ عُرفت توصياتها بمقرَّرات لجنة بازل، وكان ذلك سنة 1975م.
1-1- اتفاقية بازل I :
بعد سلسلة من الجهود والاجتماعات قدَّمت اللجنة توصيَّاتها الأولى بشأن كفاية رأس المال، والذي عُرف باتِّفاقية بازل I، وذلك في يوليو 1988م ليصبح بعد ذلك اتِّفاقاً عالمـيًّا، وبعد أبحاث وتجارب تمَّ وضع نسبة عالمـيَّة لكفاية رأس المال تعتمد على نسبة هذا الأخير إلى الأصول حسب درجة خطورتها وبطريقة مرجّحة، وقدِّرت هذه النسبة بـ 8 %، وأوصت اللجنة من خلاله على تطبيق هذه النسبة اعتباراً من نهاية عام 1992م، ليتمَّ ذلك التطبيق بشكل تدريجي خلال ثلاث سنوات، بدءًا من 1990م، وكانت هذه التوصيَّات مبنيَّة على مقترحات تقدَّم بها"كوك *****"(*) ، والذي أصبح بعد ذلك رئيساً لهذه اللجنة، لذلك سمِّيت تلك النسبة السابقة لكفاية رأس المال بنسبة بازل، أو نسبة كوك، ويسمِّيها الفرنسيُّون أيضًا معدَّل الملاءة الأوروبي RSE ( ).
قامت مقرَّرات لجنة بازل على أساس تصنيف الدول إلى مجموعتين، الأولى متدنِّية المخاطر، وتضمُّ دول منظَّمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، يضاف إلى ذلك دولتان هما: سويسرا والمملكة العربيَّة السعوديَّة. أمَّا المجموعة الثانية فهي عالية المخاطر وتضمُّ بقيَّة دول العالم.
وتتحدَّد كفاية رأس المال وفقاً للاعتبارات التالية :
- ربط احتياطيات رأس المال لدى البنك بالأخطار الناتجة عن أنشطته المختلفة، بغضِّ النظر عمَّا إذا كانت متضمَّنة في ميزانيَّة البنك أو خارج ميزانيَّته.
- تقسيم رأس المال إلى مجموعتين أو شريحتين :
أ- رأس المال الأساسي: يشمل (حقوق المساهمين + الاحتياطيات المعلنة والاحتياطيات العامَّة والقانونيَّة + الأرباح غير الموزَّعة أو المحتجزة) – (القيم المعنوية + الاستثمار في الشركات التابعة).
ب- رأس المال التكميلي: يشمل احتياطيات غير معلنة + احتياطيات إعادة تقييم الأصول + مخصصات لمواجهة مخاطر عامة أو خسائر القروض + الإقراض متوسِّط وطويل الأجل من المساهمين أو من غيرهم (القروض المساندة) + الأدوات الرأسمالية الأخرى التي تجمع بين خصائص حقوق المساهمين والقروض.
ويجب احترام الشروط الآتية في رأس المال :
- ألاَّ يزيد رأس المال التكميلي على رأس المال الأساسي.
- ألاَّ تزيد نسبة القروض التي يحصل عليها البنك من المساهمين والتي تدخل ضمن هذا الإطار عن 50 % من رأس المال الأساسي.
- ألاَّ تزيد المخصَّصات العامَّة كحدٍّ أقصى عن 2 % مرحلـيًّا، ثمَّ تحدَّد بـ 1,25 من الأصول والالتزامات العرضيَّة مرجَّحة الخطر، لأنها لا ترقى إلى حقوق الملكيَّة.
- تخضع احتياطيَّات إعادة التقييم للأصول لاعتبارات معيَّنة (خصم بنسبة 55 % لاحتمال خضوع هذا الفرق للضريبة عند بيع الأصول).
- الأوراق المالية التي تتحوَّل إلى أسهم (يتمُّ سدادها بعد حقوق المودعين وقبل المساهمين).
- يُشترط لقبول أيَّة احتياطيَّات سرِّيـَّة ضمن قاعدة رأس المال المساند أو التكميلي أن يكون موافَقًا عليها ومعتمدة من قِبل السلطات الرقابيَّة، وأن تكون من خلال حساب الأرباح والخسائر، وأن لا يكون لها صفة المخصِّص، وبعض الدول لا تسمح بها.
تحسب أوزان المخاطرة بالنسبة للأصول كما يلي :
أوزان المخاطرة المرجحة للأصول حسب نسبة بازل
درجة المخاطرة نوعيَّة الأصول
صفر النقديَّة + المطلوبات من الحكومات المركزيَّة والبنوك المركزيَّة والمطلوبات(*) بضمانات نقديَّة وبضمان أوراق مالية صادرة من الحكومات + المطلوبة أو المضمونة من حكومات وبنوك مركزيَّة في بلدان OECD.
10 إلى 50 % المطلوبات من هيئات القطاع العام المحلِّـيَّة (حسبما يتقرَّر وطنيًّا)
20 % المطلوبات من بنوك التنمية الدوليَّة وبنوك دول منظَّمة OECD + النقديَّة رهن التحصيل.
50 % قروض مضمونة برهونات عقاريَّة، ويشغلها ملاَّكها.
100 % جميع الأصول الأخرى بما فيها القروض التجاريَّة + مطلوبات من قطاع خاص + مطلوبات من خارج دول منظَّمة OECD ويتبقَّى على استحقاقها ما يزيد عن عام + مطلوبات من شركات قطاع عام اقتصاديَّة + مساهمات في شركات أخرى + جميع الموجودات الأخرى.
المصدر : من إعداد الباحث بتصرف عن بعض مراجع البحث.
تحسب أوزان المخاطرة بالنسبة للالتزامات العرضية (التعهدات خارج الميزانية) كما يلي :
يتم ضرب قيمة الالتزام في معامل ترجيح الخطر (حسب الجدول اللاحق) ثم يتم ضرب الناتج في معامل الترجيح للالتزام الأصلي (المدين) أو المقابل له في أصول الميزانيَّة، ومعاملات الترجيح للتعهُّدات خارج الميزانيَّة هي كالآتي :
أوزان المخاطرة المرجحة لعناصر خارج الميزانية
أوزان المخاطر البنود
100 % بنود مثيلة للقروض (مثل الضمانات العامَّة للقروض).
50 % بنود مرتبطة بمعاملات حسن الأداء (خطابات الضمان، تنفيذ عمليَّات مقاولات أو توريدات).
20 % بنود مرتبطة بمخاطر قصيرة الأجل تتمُّ بالتصفية الذاتيَّة (الإعتمادات المستنديَّة).
المصدر : من إعداد الباحث بتصرف عن بعض مراجع البحث .
يصبح معدَّل كفاية رأس المال حسب مقرَّرات لجنة بازل كما يلي :
رأس المال (الشريحة 1 + الشريحة 2) 8 %
مجموع التعهدات والالتزامات بطريقة مرجحة الخطر
1-2- التعديلات التي أُدخلت على اتفاقية بازل I :
بعد وضع هذه النسبة رأت المصارف ضرورة إعادة النظر في احتساب كفاية رأس المال لديها، وذلك مقابل المخاطر المتنوِّعة التي أصبحت تتعرَّض لها، خاصَّة في ظلِّ انتشار التعامل بالأدوات المالية الحديثة كالمشتقَّات، لذلك أصدرت لجنة بازل اتِّفاقيَّة خاصَّة لاحتساب الملاءة أي كفاية رأس المال لمواجهة المخاطر السوقية بعد أن كانت الاتفاقية الأولى تُعنى بمخاطر الائتمان فقط، وقد كان ذلك في يناير من سنة 1996م وفي صورتها النهائية بعد أن طرحتها كاقتراح للنقاش في أفريل 1995م، وتغتبر هذه الاتفاقية تعديلاً لاتفاقية 1988م، ومع تلقي الملاحظات وإدخال التعديلات عليها أصبحت جاهزة للتطبيق في سنة 1998م.
وتتمثل مخاطر السوق في التعرض للخسائر بالنسبة للبنود المتعلقة بالميزانية أو خارجها نتيجة للتحركات في أسعار السوق، وأهمها مخاطر أسعار الفائدة وأسعار الصرف وأسعار حقوق الملكية (أسعار الأسهم) وأسعار السلع.
من خلال هذا التعديل يمكن للبنوك أن تختار بين الصيغة التنظيمية التي وضعتها اللجنة والنماذج الداخلية الخاصة بكل بنك على حده والتي يضعها لمواجهة مخاطره السوقية، ومع أنَّ هذه التعديلات أبقت على معدَّل الملاءة الإجماليَّة عند 8 % كما ورد في اتِّفاق بازل I إلاَّ أنها عدّلت من مكوِّنات النسبة كما يلي :
سمحت للبنوك بإصدار قروض مساندة لأجل سنتين لتدخل ضمن الشريحة الثالثة لرأس المال، وذلك لمواجهة جزء من مخاطرها السوقيَّة، وبهذا يصبح رأس المال الإجمالي يتكوَّن من: الشريحة الأولى (رأس المال المدفوع + الاحتياطيات + الأرباح المحتجزة) + الشريحة الثانية (رأس المال المساند أو التكميلي). وهذا كما هو محدَّد في اتِّفاقيَّة 1988م + الشريحة الثالثة (قروض مساندة لأجل سنتين)، وهذه الأخيرة أي رأس المال من الطبقة الثالثة يجب أن تتوفَّر فيه الشروط الآتية :
- أن يكون على شكل قروض مساندة لها فترة استحقاق أصليَّة لا تقلُّ عن سنتين، وأن لا يتجاوز 250 % كحد أقصى من رأس مال البنك من الطبقة الأولى المخصَّص لدعم المخاطر السوقيَّة.
- أن يكون صالحاً لتغطية المخاطر السوقيَّة فقط، بما في ذلك مخاطر الصّرف الأجنبي.
- يجوز استبدال عناصر الطبقة الثانية بالطبقة الثالثة من رأس المال، وذلك ضمن الحد المذكور.
- أن تكون الشريحة الأولى من رأس المال الشريحة الثانية + الشريحة الثالثة. وقد قرَّرت اللجنة أن يكون هذا القيد رهناً بالإرادة الوطنيَّة.
عند حساب نسبة رأس المال الإجمالية للبنك يتمُّ إيجاد صلة رقميَّة بين مخاطر الائتمان ومخاطر السوق عن طريق ضرب مقياس المخاطرة السوقيَّة في 12,5 (وذلك على أساس أن 100 مقسومة على 8 وهي الحد الأدنى لكفاية رأس المال تساوي 12,5) ثمَّ إضافة الناتج إلى مجموع الأصول المرجحة لأوزان المخاطرة.
وبما أنَّ المخاطرة السوقيَّة قد تختلف من بنك لآخر فقد تضمَّنت مقترحات اللجنة طرقاً إحصائيَّة نمطيَّة لقياس هذه المخاطرة، منها القيمة المقدَّرة للمخاطرة (Value at Risk ( VAR إضافة إلى مقاييس كمية ونوعية أخرى.
تصبح إذن العلاقة المعدَّلة لحساب كفاية رأس المال كما يلي :
إجمالي رأس المال ( شريحة 1 + شريحة 2 + شريحة 3 ) 8 %
الأصول المرجّحة بأوزان المخاطرة + مقياس المخاطرة السوقيَّة × 12,5
للإشارة فإنَّ اللجنة ترى أنه يتعيَّن على البنوك المستخدمة لنماذج داخلـيَّة أن يكون لديها نظام متكامل لقياس المخاطرة يعبِّر عن كلِّ مخاطرها السوقيَّة، وبالتالي يجب قياس المخاطرة باستخدام منهج واحد، أي باستخدام النماذج الداخليَّة، أو باستخدام النموذج الموحَّد الصادر عن اللجنة( ).
1-3- اتفاقية بازل II :
في يونيو 1999م نشرت لجنة بازل اقتراحات أوَّليَّة لإطار جديد لقياس الملاءة المصرفيَّة (كفاية رأس المال) يحلُّ محلَّ اتِّفاقيَّة عام 1988م، وتدخل فيه معايير تأخذ في الاعتبار وبشكل أكثر دقَّة وشموليَّة معامل المخاطرة في ميزانيَّات المصارف. وفي 16 يناير 2001م تقدَّمت لجنة بازل بمقترحات أكثر تحديدًا وتفصيلاً حول الإطار الجديد السابق لمعدَّل الملاءة المصرفيَّة، وطلبت إرسال التعليقات عليها من المعنيِّين والمختصِّين والهيئات (ومنها صندوق النقد الدولي) قبل نهاية شهر مايو 2001م، وكان من المتوقَّع أن تصدر اللجنة النسخة النهائيَّة من هذا الاتفاق قبل نهاية عام 2001م، لكن نظراً لكثرة الردود والملاحظات تمَّت إجازة هذه النسخة في يونيو 2004م، وحُدد لها أجل تطبيق يمتد إلى نهاية سنة 2006م كحد أقصى، وهو الذي عُرف باتِّفاقيَّة (بازل II).
يقوم الاتفاق الجديد على ثلاثة أسس هي :
1- طريقة مستحدثة لحساب كفاية رأس المال المرجّح بأوزان المخاطرة واللازم لمواجهة مختلف المخاطر، حيث جاءت بتغييرات جوهربة في معالجة مخاطر الائتمان والسوق، وقدمت تغطية شاملة لمخاطر التشغيل Operational risk التي لم يكن لها أي حساب في اتفاقية بازل I، والتي تُعرَّف بأنها مخاطر الخسائر التي تنجم عن عدم كفاية أو إخفاق العمليات الداخلية والعناصر البشرية والأنظمة أو الأحداث الخارجية.
2- ضمان وجود طريقة فعَّالة للمراجعة والمراقبة، أي أن يكون للبنك أو غيره من المؤسَّسات المالية الخاضعة لإشراف الجهات الرقابيَّة الآلية اللازمة للتقييم الداخلي لتحديد رأس المال الكافي كنهج للرقابة الاحترازية ضد المخاطر.
3- نظام فاعل لانضباط السوق والسعي إلى استقراره أو الانضباط بسلوكيات السوق Market discipline، وهذا يتطلَّب من أي بنك أو مؤسَّسة مالية أن تقوم بالإفصاح عن رأسمالها ومدى تعرُّضها للأخطار، والطرق المتَّّبعة لتحديد حجم الخطر حتَّى يكون عملاء هذه المؤسَّسات ودائنوها على علم بها، وليتمكَّنوا من تقدير المخاطر التي يواجهونها نتيجة تعاملهم مع هذه المؤسَّسات.
ويلاحَظ في اتفاق بازل II أنه أبقى الحد الأدنى لكفاية رأس المال عند 8 % إلاّ أن قاعدة الموجودات التي يحسب على أساسها تمّ توسيعها إلى حد يؤدي إلى زيادة رأس المال المطلوب.
وبناءً على تقييم الجهات الرقابيَّة لقدرات البنوك في إدارة مخاطرها، فإنَّ الاتفاق الجديد المقترح (اتفاق بازل II) يمنح الخيار للبنوك في اعتماد إحدى المناهج الثلاثة لتقدير رأس المال لمواجهة مخاطر،الائتمان، وتمثّل طرق قياس تتسم بدرجة متزايدة من الحساسية للمخاطر وهذه المناهج هي :
1- المنهج الموحَّد الذي يعتمد على التقييم الخارجي للائتمان، وهو يمثّل الطريقة المعيارية أو القياسية.
2- منهج التصنيف الداخلي Internal Ratings-Based Approach (IRB) (*)، أي طريقة التقويم الداخلي بصيغتها التأسيسية (الأساسية).
3- منهج IRB المتقدِّم أو المنهج القائم على النماذج(**)، أي طريقة التقويم الداخلي بصيغتها المتقدمة.
ولكنَّ البنوك التي ترغب في تبنِّي مناهج التصنيف الداخلي بصيغتيه الأساسية والمتقدمة عليها أن تُخضع نظامها في تسيير المخاطر لجهات رقابيَّة، وعلى ضوء تقرير هذه الجهات يمكن للبنوك أن تتخطَّى النموذج الموحَّد إلى نموذج IRB الأول أي تأسيس نظام للتقييم الداخلي بصيغته الأساسية، ومنه إلى نموذج IRB المتقدِّم( ).
ويلاحَظ أيضاً بأنَّ الاتفاق الجديد (بازل II) يتخلى عن التمييز بين المقترضين السياديِّين من منظَّمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومن غير الأعضاء في المنظَّمة والبنوك، وذلك بإرجاع ترجيح المخاطر إلى النوعية وليس إلى عضويَّة المنظَّمة، كما يعترف الاتفاق بتقنيَّات الحدِّ من مخاطر الائتمان( ).
ومن جهة أخرى فإن الاتفاق الجديد يمنح الخيار للبنوك أيضاً في اختيار إحدى الطرق الثلاثة الآتية لمواجهة مخاطر التشغيل :
1- طريقة المؤشر الأساسي.
2- الطريقة المعيارية (القياسية).
3- الطريقة المتقدمة.
كما نذكّر في الأخير بأنه بالرغم من حرص الكثير من دول العالم على تطبيق مقرَّرات لجنة بازل (لكونها معايير مصادق عليها دوليًّا)، إلاَّ أنَّ هذه اللجنة لا تملك صلاحيَّات قانونيَّة لفرض توصيَّاتها على الدول ولو كانت الدول الأعضاء في اللجنة، وبالتالي فإنَّ الأمر يتطلَّب اعتماد محافظي البنوك المركزيَّة في مختلف الدول للتوصيَّات الصادرة عن تلك اللجنة لتصبح ملزمة لها.
2- النظام المصرفي الجزائري في ظل اتفاقيات بازل :
2-1- لمحة عامة عن النظام المصرفي الجزائري :
ورثت الجزائر بعد الاستقلال نظاماً مصرفياً تابعاً للاقتصاد الفرنسي وقائماً عل النظام الحر الليبرالي، وبالرغم من إنشاء مؤسسات مالية وطنية بعد الاستقلال مثل البنك المركزي الجزائري والخزينة العمومية والبنك الجزائري للتنمية BAD؛ إلا أنه كان هناك نظام مصرفي مزدوج قائم في شقّه الأول على النظام الرأسمالي وفي شقّه الثاني على النظام الاشتراكي وتحت سيطرة الدولة، لذلك قررت الجزائر تأميم البنوك سنة 1966م.
وبداية من تلك السنة تأسست مجموعة من البنوك التجارية العمومية، وبعضها قام على أنقاض البنوك الفرنسية المؤممة، فظهرت البنوك الآتية :
- البنك الوطني الجزائري BNA سنة 1966م.
- القرض الشعبي الجزائري CPA سنة 1967م.
- بنك الجزائر الخارجي BEA سنة 1967م.
- بنك الفلاحة والتنمية الريفية BADR سنة 1982م.
- بنك التنمية المحلية BDL سنة 1985م.
أُدخلت على النظام المصرفي الجزائري العديد من الإصلاحات أهمها : إصلاحات 1986 وإصلاحات 1988 ، لكن أهمها كانت إصلاحات 1990 وذلك بصـدور قانون النقد والائتمان (القانون رقم 90-10) والذي حاول تكييف وضع النظام المصرفي الجزائري مع متطلبات اقتصاد السوق الحر، تماشياً مع الإصلاحات الاقتصادية العامة التي باشرتها الجزائر بعد تخليها عن النـظام الاشـتراكي منذ نهاية الثمانينيات من القرن الماضي.
وبموجب هذا القانون الأخير أصبحت للبنوك العاملة بالجزائر حرية تمويل مختلف القطاعات الاقتصادية، وتقديم الائتمان لمختلف الآجال طبقا لظاهرة الشمولية في العمل المصرفي، كما فُتحت السوق المصرفية الجزائرية -بموجب هذا القانون- أمام القطاع الخاص والأجنبي، إضافة إلى تعزيز رقابة البنك المركزي (بنك الجزائر) على البنوك، وتمكينه من أداء عمله في إطار واسع من الاستقلالية، وقد تعززت هذه الصلاحيات أكثر بموجب التعديلات الـتي أدخلت على هذا القانون، والتي تمثلت في الأمر رقم 01-01 لسنة 2001م ثم الأمر رقم 03-11 لسنة 2003م.
وكنتيجة لهذا الانفتاح كان لزاماً على النظام المصرفي الجزائري أن يساير التنظيمات الحديثة والمعايير العالمية للعمل المصرفي وأهمها مقررات لجنة بازل، فكان صدور التنظيم رقم 91-09 بتاريخ 14/08/1991م المحدد لقواعد الحيطة والحذر Les règles prudentielles في تسيير البنوك والمؤسسات المالية، ثم التعليمة رقم 74-94 في 29/11/1994م والتي جاءت لتفصيل وتوضيح كيفية تطبيق التنظيم السابق.
يبلغ مجموع البنوك التجارية المعتمدة بالجزائر 19 بنكاً، إضافة إلى 6 مؤسسات مالية ما بين بنوك أعمال واستثمار وشركات تأجير مالي( ).
2-2- تأثير اتفاقيات بازل على النظام المصرفي الجزائري :
في الجزائر حدِّدت التعليمة رقم 74-94 الصادرة في 29 نوفمبر 1994م معظم المعدَّلات المتعلَّقة بقواعد الحيطة والحذرLes règles prudentielles المعروفة عالمياً، وأهمُّها تلك المتعلقة بكفاية رأس المال.
فقد فرضت هذه التعليمة على البنوك الالتزام بنسبة ملاءة لرأس المال أكبر أو تساوي 8 % تطبَّق بشكل تدريجي مراعاة للمرحلة الانتقالية التي يمر بها الاقتصاد الجزائري نحو نظام اقتصاد السوق، وحدَّدت آخر أجل لذلك نهاية ديسمبر 1999م، وذلك وفق المراحل الآتية ( ):
- 4 % مع نهاية شهر جوان 1995م.
- 5 % مع نهاية شهر ديسمبر 1996م.
- 6 % مع نهاية شهر ديسمبر 1997م.
- 7 % مع نهاية شهر ديسمبر 1998م.
- 8 % مع نهاية شهر ديسمبر 1999م.
وقد حدَّدت المادة 5 من التعليمة السابقة كيفيَّة حساب رأس المال الخاص للبنك في جزئه الأساسي، بينما حدَّدت المواد 6 و7 العناصر التي تُحتسب ضمن رأس المال التكميلي للبنك، ومجموع هذين الجزأين يشكِّل رأس المال الخاصَّ للبنك، بينما بيَّنت المادَّة 8 من التعليمة مجموع العناصر التي يتوفَّر فيها عنصر المخاطرة، ثمَّ صنَّفتها المادَّة 11 وفق أوزان المخاطرة الخاصَّة بها سواء بالنسبة لعناصر الميزانية أو عناصر خارج الميزانية، وكلُّ ذلك بطريقة مشابهة لما ورد في مقرَّرات بازل I ( ).
أما بالنسبة لاتفاق بازل II فقد أصدر بنك الجزائر التنظيم رقم 02/03 بتاريخ : 14/11/2002م والذي يجبر البنوك والمؤسسات المالية على تأسيس أنظمة للمراقبة الداخلية، تساعدها على مواجهة مختلف المخاطر (الائتمانية، السوقية، التشغيلية) تماشياً مع ما ورد في هذا الاتفاق، إلاّ أن اتفاق بازل II يتميز بالكثير من التعقيد وبالتالي الصعوبة في التطبيق، مما يتطلب من بنك الجزائر إصدار تعليمات Instructions لتوضيح كيفية تطبيق التنظيم السابق، وذلك حتى لا يتأخر عن الأجل المحدد له عالمياً كما حدث مع اتفاق بازل I.
2-3- أمثلة تطبيقية :
لدراسة مدى التزام البنوك العاملة بالجزائر بمعيار لجنة بازل لكفاية رأس المال اخترنا عينة منها تتكون من أربعة بنوك، بنكان عموميان جزائريان وهما: البنك الوطني الجزائري BNA وبنك الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط CNEP-Banque، وبنك خاص أجنبي هو المجموعة العربية المصرفية ABC الجزائر، وبنك إسلامي مختلط بين القطاع العام الجزائري والقطاع الخاص الأجنبي وهو بنك البركة الجزائري، كما اخترنا فترة الاختبار بحيث تكون قريبة من الأجل الذي حددته التعليمة رقم 74-94 وهو نهاية سنة 1999 كما رأينا سابقاً. وقد كانت النتائج كما يلي :
- البنك الوطني الجزائري BNA : هو أول بنك تجاري يتأسس بالجزائر، أنشئ سنة 1966م، حقّق نسبة كفاية لرأس المال تصل إلى 10,12 % سنة 1997م ( )، لتنخفض بشدة إلى 6,12 % سنة 1999م، ثم لتبلغ 7,64 % سنة 2000م ( )، مما يدل على أن هذا البنك لم يول الاهتمام الكافي لهذه النسبة، وهذا بالرغم من أن ترتيبه ضمن 100 مصرف عربي جاء في المرتبة 28 سنة 2001( )، وهو الترتيب الذي ينشئه سنوياً اتحاد المصارف العربية بناءً على عدة معطيات أهمها : حجم الأصول، حجم الودائع، حقوق المساهمين، صافي الربح.
- الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط CNEP : تأسس سنة 1964م كصندوق ادخار، ثم تحوّل إلى بنك سنة 1997م ليصبح اسمه CNEP-Banque. حقق نسبة ملاءة لرأس المال تقدر بـ 14 % سنة 2001م ( )، وهي نسبة جيّدة مقارنة مع حداثة خضوعه للتنظيمات البنكية.
- المجموعة العربية المصرفية ABC : مجموعة دولية مقرها البحرين، فتحت أول فرع لها بالجزائر سنة 1998م بمساهمات جزائرية، حقق هذا البنك نسبة كفاية لرأس المال تصل إلى 22,98% سنة 2000م، لتنخفض إل 9,84 % سنة 2001م، ثم لترتفع إلى 15,62% سنة 2002م( )، وهذا يعني أن هذه النسـبة مراقَبة بشدّة من طرف البنك ويحاول تحسينها باستمرار، ويبدو أن خبرته الدولية كانت وراء ذلك.
- بنك البركة الجزائري : أول بنك إسلامي يفتح أبوابه بالجزائر، وهو فرع لمجموعة البركة الدولية التي يفع مقرها بالبحرين، يملك رأسماله مناصفة مع هذه المجموعة بنك الفلاحة والتنمية الريفية BADR الجزائري وقد تأسس سنة 1991م. يحقق هذا البنك نسبة ملاءة عالية لرأس المال وباستمرار، فقد بلغت هذه النسبة سنة 1999م على سبيل المثال 33,9 %( )، ثم 21,7 % سنة 2003م( )، ويبدو هنا أيضاً أن الخبرة الدولية للبنك إضافة إلى الرقابة الداخلية الصارمة كانتا وراء ذلك.
هذا بالنسبة لاتفاق بازل I، أما اتفاق بازل II فإن برنامج "آمسفا AMSFA - دعم عصرنة القطاع المالي الجزائريAppui à la Modernisation du Secteur Financier Algerien /" الذي تطبّقه الجزائر حالياً في إطار برنامج "ميدا MEDA" قد تمكّن من تأسيس نظم للمراقبة الداخلية حسب اتفاقية بازل II لدى ثلاثة بنوك عمومية فقط لحد الآن وهي : بنك الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط CNEP-Banque وبنك التنمية المحلية BDL وبنك الفلاحة والتنمية الريفية BADR( ). ومن المعلوم أن تطوير أنظمة الرقابة الداخلية للبنوك يُعد إحدى الأركان الثلاثة الأساسية لاتفاقية بازل II.
2-4- ملاحظات حول تأثير اتفاقيات بازل على النظام المصرفي الجزائري :
وكخلاصة لهذا البحث المختصر، وبعد استعراضنا لتأثير اتفاقيات بازل على النظام المصرفي الجزائري يمكننا تسجيل الملاحظات الآتية :
1- بالنسبة لاتفاقية بازل I فقد تأخر تطبيقها من طرف البنوك الجزائرية إلى نهاية سنة 1999م وذلك كما نصت عليه التعليمة رقم 74-94، بينما حدّدت لجنة بازل آخر أجل لتطبيقها بنهاية سنة 1992م. كما أن هذه اللجنة منحت للبنوك فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات للالتزام بمعيارها، بينما منحت التعليمة السابقة للبنوك الجزائرية فترة تصل إلى خمس سنوات لتطبيق هذا المعيار، وذلك تماشياً مع الفترة الانتقالية التي يمر بها الاقتصاد الجزائري نحو اقتصاد السوق الحر، والتطبيق المتدرج للإصلاحات الاقتصادية منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي.
2- حدَّدت التعليمة رقم 74 – 94 معامل ترجيح للخطر بنسبة 100 % بالنسبة للمساهمات في الشركات، وذلك موافق لما وضعته لجنة بازل، إلاَّ أنَّ بنك الجزائر وفي ملحق خاصٍّ بالتعليمة السابقة وضع هذه المساهمات في بند: ديون على الزبائن والأفراد، بينما المساهمات أو المشاركات ليس لها طابع الديون على الغير أو الحقوق، لا في النظام المصرفي التقليدي ولا الإسلامي.
وعلى ضوء هذه الملاحظة، فإنَّ التساؤل الوارد هنا هو عن مدى مصداقية هذه النسب، وهل تمثِّل فعلاً الأمثلة السابقة ملاءة جيِّدة لتلك البنوك؟، فقد تكون النسب الحقيقية في النهاية أعلى أو أقلَّ من النسب المحسوبة.
3- يلاحَظ أن التشريع المصرفي الجزائري قد ساير اتفاقية بازل I من خلال إصدار التنظيم رقم 91-09 سنة 1991م، ثم التعليمة رقم 74–94 سنة 1994م الموضّحة لكيفية تطبيق ذلك التنظيم وإن كان ذلك متأخراً للظروف التي ذكرناها سابقاً. ثم حاول أن يساير اتفاقية بازل II بإصدار التنظيم رقم 02-03 سنة 2002م، إلاّ أن هذا التنظيم يحتاج إلى تعليمات موضّحة لكيفية التطبيق بالنظر إلى التعقيدات التي تميّز الاتفاقية الأخيرة، ولعل ما يؤكد ذلك هو ما رأيناه من أن تأسيس أنظمة للرقابة الداخلية –وهي إحدى الأركان الأساسية لاتفاقية بازل II- والتي فرضها هذا التنظيم لم يتم لحد الآن إلاّ في ثلاثة بنوك عمومية، وهذا بالرغم من أن اتفاقية بازل II وكيفية تطبيقها يعدّ الشغل الشاغل للأنظمة المصرفية في معظم دول العالم بما فبها الدول العربية والنامية.
فعلى سبيل المثال قررت السلطات الرقابية في لبنان تطبيق اتفاقية بازل II في موعدها المحدد دولياً وهو نهاية سنة 2006 على مرحلتين ( ):
- الأولى : من سنة 2007م إلى سنة 2009م، وتُطبّق على 16 مصرفاً يمثلون ثلاثة أرباع موجودات القطاع المصرفي اللبناني.
- الثانية : من سنة 2010م إلى سنة 2015م، تُطبّق على جميع المصارف في لبنان بشكل أو بآخر.
كما أدخل البنك المركزي بدولة الإمارات العربية المتحدة في عملية مراجعة المخاطر الرقابية منهجية بازل II وذلك منذ شهر مارس 2003م، أي قبل الموعد المحدد لتطبيق هذه الاتفاقية بسنوات، إضافة إلى تطبيق نسبة كفاية لرأس المال تقدر بـ 10 % (أي أكبر من نسبة بازل) منذ سنة 1992م ( ).
4- إن تأخر البنوك الجزائرية في الالتزام بمعايير اتفاقية بازل II وقيام البنوك الأجنبية العاملة في الجزائر بذلك في الأجل المحدد من شأنه أن يجعل الأولى (عمومية أو خاصة) في وضع تنافسي غير ملائم مع الثانية.
5- إن التزام البنوك الجزائرية باتفاقيات بازل -خاصة الثانية منها- سيؤدي إلى كسب الاعتراف الدولي بها، خاصة ونحن نبذل الجهود الحثيثة لجذب الاستثمارات ورؤوس الأموال الأجنبية. كما أن ذلك يعتبر خطوة هامة في سبيل تأهيل القطاع المصرفي الجزائري بما يتماشى وظروف الانفتاح على العالم الخارجي، خاصة بعد إمضاء الجزائر لاتفاق الشراكة مع الإتحاد الأوروبي وقطعها لأشواط متقدمة في مفاوضات الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة.
الخاتمة :
لقد تبيّن من خلال هذا البحث أن اتفاقيات بازل سواء منها الأولى والتعديلات التي أدخلت عليها أو الثانية تعتبر من أهم التطورات العالمية التي مسّت القطاع المصرفي في السنوات الأخيرة وفي معظم دول العالم، ذلك لأن هذه التطورات جاءت لمواجهة تحديات خطيرة يواجهها هذا القطاع، مثل إفلاس العديد من البنوك سنوياً وتزايد مشكلة الديون المشكوك في تحصيلها بالنسبة للعديد الآخر منها، إضافة إلى المنافسة غير العادلة فيما بينها مما يعرّض أموال المودعين في مختلف البلدان لمخاطر كبرى، كما يعرّض الأنظمة المالية برمّتها للانهيار.
كما تتجلى أهمية هذه الاتفاقيات في كونها صادرة عن خبراء ذوي مستوىً عالٍ في التخصص المصرفي، إضافة إلى إثرائها وتعديلها لسنوات عديدة من طرف هؤلاء الخبراء والهيئات العالمية المتخصصة.
وقد تبيّن لنا أيضاً أن الجزائر لم تساير هذه التطورات العالمية بالشكل المناسب كما فعلت الكثير من بلدان العالم، ولم تسع إلى تطبيق معايير لجنة بازل على نظامها المصرفي إمّا بعدم احترام الآجال المحددة عالمياً أو بعدم وجود نصوص قانونية خاصة منها تلك الموضحة لكيفيات التطبيق، وهذا بالرغم من أهمية هذه المعايير على المستوى الدولي، وسعي الجزائر إلى فتح اقتصادها على العالم الخارجي، وهو الأمر الذي سوف تكون له آثاره السلبية على البنوك الجزائرية إذا لم يُستدرَك من قِبل المسؤولين على النظام المصرفي الجزائري قبل فوات الأوان.