المتبرع - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الثّقافة والأدب > قسم الإبداع > قسم القصة ، الرّواية والمقامات الأدبية

قسم القصة ، الرّواية والمقامات الأدبية قسمٌ مُخصّصٌ لإبداعات الأعضاء في كتابة القصص والرّوايات والمقامات الأدبية.

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

المتبرع

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-11-26, 13:47   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
sollo44
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية sollo44
 

 

 
إحصائية العضو










New1 المتبرع

وقف فؤاد أمام المرآة ينظر إلى وجهه ، و كان يبدو باسما و حائرا في آن واحد ، عيونه البنية القابعة تحت نظارات طبية ، و وجهه المستدير المكلل بلحية سوداء منتظمة ، و قوامه المائل إلى النحافة ، كل ذلك كان يشير إلى أنه بطل محظوظ بحق، القصة كلها ابتدأت بقطرة دم واحدة ، الدم الذي ينتشر في عروقنا ، فيمد بكل سخاء أجسامنا بالطاقة و الهواء و الغذاء ، هم بالخروج من البيت فألقى على نفسه نظرة أخيرة ، تفحص جيوبه و تأكد أنه يحمل معه بطاقة التبرع بالدم ، و خرج كعادته مسرعا قافزا من على السلالم ، في الشارع كانت الحركة متوترة ، و الطرقات مكتظة بالسيارات المستعجلة ، و على الأرصفة مشى الرجال و السيدات بملابسهم الشتوية الجميلة الباهرة ، رأى فؤاد شرطيا ينظم حركة المرور بصفارة ، و رأى أولادا يقطعون الطريق ، رأى متسولا ينام متكورا تحت شجرة من أشجار الزينة المغروسة على جانبي الطريق ، مر بقربه رجل يتكلم عبر الهاتف فسمعه يخوض في شجار مع صديقته التي رفضت القدوم لموعد مضروب ، وصل إلى مقر جمعية المتبرعين بالدم ، أقبل رئيس الجمعية يضمه بذراعين مفتوحين و هتف مسرورا :
- ها قد جئت أخيرا ..... و الله كنت سأكلمك .
فقال فؤاد و هو يخفي انزعاجه :
- تعرف أنني لا أخلف المواعيد .
فقال الأخر مذكرا :
- أعرفك جيدا يا فؤاد ، و لكن اعذرني فنحن في زمن تخلف فيه المواعيد على نية مبيتة .
فقال فؤاد :
- أنذهب للمستشفى ؟؟
و بسرعة قال الرئيس :
- على بركة الله فالمرأة تنتظر .
انطلقا في سيارة صغيرة إلى مشفى المدينة ، و كان الرئيس يحكي في مواضيع عديدة و لكن فؤاد بدا غير مستوعب لما يقوله صديقه ، غاص ذهنه في متاهات من التأمل ، و امتزجت عواطف الرقة و الرثاء و الأمل في قلبه و ساءل نفسه بصوت خفيض : هل نعمة أن يجري في عروقك دم نادر ؟؟
انتبه فجأة لصوت فرملة السيارة ، و سمع صديقه يطلب منه النزول ، دخلا بسرعة للمشفى ، و في قسم الولادة كانت المرأة لازالت تنزف ، و دمها من الفئة النادرة و المتبرعون قليل ..... و عندها خطر فؤاد كبارقة أمل تشق صخور اليأس ، علت أصوات قلقة داخل الصالة : لقد جاء المتبرع أخيرا ، الحمد لله .
كان كأنه كتلة من الحياة و الأمل تمشي على رجلين ، نظر إلى المرأة الممددة على سرير ذي لحافات بيضاء أحالها النزيف الدامي إلى حمراء كلون الحرية ، اقشعر بدنه ، لم يلحظ وصول الأطباء إلى الصالة ، لم يشعر بوخزة الإبرة في ذراعه ، لم يشعر بسريان دمه عبر الأنبوب البلاستيكي أبدا ، كان بداخله شعور واحد فقط هو ضرورة انقاذ المرأة ، و مساعدتها على الخوض في الحياة من جديد ، مساعدتها لا إرضاء لنفسه المتورمة من كثرة الضياع ، لا إرضاء لنفسه الراغبة في الزواج منذ أربع سنوات كاملة ، و لكنه نداء الواجب ، كان عليه أن يرضي ضميره بداخله ، كان عليه أن يجيب على السؤال الذي يحطم شموخ كبريائه في كل يوم : هل نعمة أن يجري في عروقك دم نادر ؟؟
كان عليه قبل كل شيئ أن يرضي ربه و يقوم بما هو صحيح .
مرت اللحظات بسرعة ،نجح الأطباء في وقف النزيف ، و وفر فؤاد للأطباء كمية كافية من الدم اللازم لعلاج المرأة ... مرت أخيرا تلك اللحظات العصيبة ، مرت بعد خوف و قلق على حياة المرأة ، و أي خوف و أي قلق ؟؟ إنهما من النوع الذي لا يرحم ، إنهما من النوع الذي يقتل باحترافيه كبيرة .
اجتمع أهل السيدة حول فؤاد ، و من القلوب شكروه ، حتى زوجها القاسي بكى و هو يشكر فؤاد ، لم يملك فؤاد حبس الدموع أيضا ، و راح الزوج يقول بامتنان :
- أخي فؤاد ، لقد أنقذت زوجتي ، و ساعدتنا في الخلاص من هذه النكبةالمريرة ، أطلب ما تشاء و كلي سمع و طاعة .
فقال الآخر بإيمان :
- لا تتعب نفسك يا أخي ، أنا لم أفعل شيئا خلا الواجب ..... و إن كان أحد يستحق الشكر فهو بارئ الدم .
تعجب الرجل و قال يائسا :
- إذن فأنت لا تريد شيئا مقابل صنيعك ؟؟
فأجابه فؤاد بما يقطع حيرته :
- لا شيئ البتة .
************************************************** **********************
و بعد عامين ، كان فؤاد يسير " ببرويطته " وسط المدينة متجها لشراء كيسين من الإسمنت ، لم يتزوج لحد الآن و لم ينتهي بعد من بناء غرفتين شرع في بنائهما منذ سنوات ، الأشغال تتقدم ببطء ، و الأسوار لم ترتفع إلا قليلا ، ينقصه الكثير بعد لينتهي من البناء ، و ليس انتهاء البناء بزوال لمشاكله ، فبعد ذلك سيصبح مطالبا بالزواج أكثر من أي وقت مضى، فحجته بعدم وجود المسكن ستصبح واهية حينها ،هذا كان تفكيره و هو يجر " البرويطة" ذات العجلة المهترئة .... فجأة تتوقف سيارة فخمة من أمامه ، و ينزل منها رجل عظيم الهيبة .... راح الرجل بود و امتنان يعانق فؤاد ، و يسأله عن حاله ، و عن صحته ، فؤاد المندهش لم يفهم شيئا و قال بحماقة :
- عذرا سيدي ... و لكنني لا أعرفك .
فقال الرجل :
- لا يهم فانا أعرفك ........ و لكن أنظر إلي جيدا .
نظر إليه في تمعن بعيون تكاد تنطبق ثم قال أسفا :
- لم أذكرك يا سيدي .
و قال الرجل بسرعة : أنا زوج السيدة التي كانت يوما ستموت ، و أنت الرجل الذي تبرع لها بدمه .
فرد الآخر في حينه :
- كيف حال زوجتك ؟؟ و حال ابنها ؟
- هي في صحة جيدة .... أما الصبي فقد تجاوز العامين من عمره .
- الحمد لله على سلامتهما .
تحدثا قليلا ثم قال الرجل :
- إلى أين يا فؤاد .
- ذاهب لشراء كيسين من الاسمنت .
- فهل تسمح لي بمساعدتك بأن أحملهما عنك في سيارتي ؟
- لا ...لا .... لا يصح ... سيارة مثل هذه لا يصح أن تحمل الاسمنت .
و بعد اصرار الرجل نزل فؤاد عند رغبته ، رميا " البرويطة" ، و حملا الاسمنت و انطلقا عبر الطريق المؤدية للبيت و خلال مسيرهما علم الرجل أن فؤاد مقبل على زواج ، و انه في حيرة من أمره .
و عند وصولهما ، قال فؤاد مازحا :
- هذا هو مشروعي الذي أعمل عليه منذ ستة سنوات ، مشروع لبيت يتكون من غرفتين .
ضحك الرجل و هتف متفائلا :
- مشروع جميل ، و لا ينقصه إلا بعض المساندة .
فطلب منه فؤاد توضيحا لمعنى المساندة ، و في الحين صاح الرجل بلهجة حازمة :
- مساندة صغيرة ، كأن أتكفل انا بشراء الاسمنت الذي تحتاجه ، و توفير الآجور و البلاط و الحديد و الرمل ، و أن أشتري لك تجهيزا للمطبخ و أثاثا لغرفة النوم ، ثم إن بناء مسكن من غرفتين لا يروق لي ، فما رأيك أن نجعله بيتا من ستة غرف بدور أو دورين ، و هكذا ستتمكن من العيش في فسحة من أمرك .... و لا تشغل بالك بمهر العروسة و لا بمصاريف العرس فهذا كله سيكون على حسابي الخاص .
تجمد فؤاد في مكانه من فرط الحيرة، و لكنه استجمع أنفاسه و قال معتذرا آخر الأمر :
- عرض كهذا لا يرفضه إلا مجنون ، و هذا المجنون يقف أمامك الآن يا سيدي .
ابتسم الرجل و أخرج من جيبه مصحفا صغيرا ، و راح يحلف بأغلض الأيمان حتى وافق فؤاد أخيرا على عرضه .
********************************************
بعد ستة أشهر وفى الرجل بوعوده ، و سرعان ما ارتفعت الأسوار ، و امتلأت الغرف بالأثاث و المعدات .... و أقيم لفؤاد عرس شهدت لضخامته السماء ، اختفى الرجل فجأة من حيث ظهر ، و لم يترك عنوانا و لا رقم هاتف لشكره ، في حين كان فؤاد في سعادة غامرة ........ وقف أمام المرآة ينظر لنفسه من جديد و كان السؤال القديم يتردد بداخل صدره كالمارد المكبل بالسلاسل: هل نعمة أن يجري في عروقك دم نادر ؟؟أخذ فؤاد نفسا عميقا و تنهد بقوة تركت على المرآة هالة من الضباب و قال مستيقنا :
- نعمة و رب الكعبة ...... و رب الكعبة إنها لنعمة .









 


رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
المتبرع


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 07:39

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc