أسماءُ الله تعالى هل هي 99 اسمًا فقط؟
اتَّفَقَ علماءُ المسلمين على أنَّ أسماءَ الله تعالى أكثرُ من تسعة وتسعين وغيرُ محصورة بعدد معيَّن؛ كما نقل النَّوَويُّ وابنُ تيمية وغيرُهم من أهل العلم؛ إذ لا يجوز أن تتناهى أسماؤه؛ لأنَّ مدائحَه وفواضلَه غيرُ متناهية؛ فكلُّ اسم متضمِّنٌ صفةً، ومن الصفات ما يتعلَّق بأفعال الله، وأفعاله لا مُنْتَهَى لها.
وأَيَّدَ ذلك ابنُ القَيِّم: «أن الأسماءَ الحسنى لا تَدْخُلُ تحت حَصْر ولا تُحَدُّ بعدد؛ فإن لله تعالى أسماءً وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده، لا يعلمها ملك مقرب، ولا نبيٌّ مُرْسَلٌ». ثم اسْتدلَّ بالحديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «أسألُكَ بكُلِّ اسم هُوَ لَكَ سَمَّيتَ به نَفْسَكَ أوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا منْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ في كِتَابِكَ أَوِ اسْتَأْثَرتَ به في عِلْمِ الغَيبِ عِنْدَكَ»([1]) .
وقال الخطابيُّ وغيرُه أنَّ معنى التِّسعة وتسعين إنَّما هو المُشرع بالدعاء بها، وغيرها من الأسماء لم يشرع لنا الدعاء بها.
وأشار البيهقيُّ بأنَّ تحديدَ تسعة وتسعين اسما لا يَنْفي غيرَها؛ وإنما وقع التَّخْصيصُ بذكرها لأنَّها أشهرُ الأسماء وأَبْيَنُها معاني، وفيها وَرَدَ الخبرُ أنَّ مَنْ أحصاها دخلَ الجنَّة.
إذن ما المقصود بـ99؟
المقصودُ كما ذَكَرَ جمهورُ العلماء هو الإخبارُ عن دخول الجنة بإحصاء 99 اسمًا من أسماء الله تعالى، و(إن) الواردةَ في الحديث خبرٌ لـ (من أحصاها) بمعنى (إنَّ مَنْ أحصاها)، وذَكَرَ النَّجْديُّ في قول (تسعة وتسعون مائة إلا واحد): "هو تكرار للتأكيد".
معنى (أحصاها):
تحتمل عدةَ وجوه حَصَرَها ابنُ القَيِّم والخَطَّابيُّ في مراتب ثلاثة متقاربة:
1- الحفظ: إحصاءُ ألفاظها وعددها؛ أن يعدَّها حتى يستوفيها حفظًا كما قال به البخاريُّ والنَّوَويُّ، واستدلَّ براوية مسلم الأخرى للحديث: «مَنْ حَفِظَهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ».
2- الفهم: فهم معانيها ومدلولها وحسن مراعاتها.
3- الدُّعاء: دعاؤه بها دعاءَ ثناء وعبادة، ودعاء طلب ومسألة.
قال القرطبيُّ عن مراتب إحصاء أسماء الله: «من كَرَم الله – تعالى - أنَّ مَنْ حَصَلَ له إحصاء هذه الأسماء على إحدى هذه المراتب مع صحَّة النِّيَّة أن يُدْخلَه اللهُ الجنةَ؛ وهذه المراتب الثلاثة للسابقين والصِّدِّيقين وأصحاب اليمين».
8- من أحصاها؟
لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم حديث حصر فيه أسماء الله الحسنى؛ ومن قام بحصرها هم ثلاثة من رواة الحديث اجتهادًا منهم، ثم ألحقوها بالحديث الوارد عن الرَّسول بأنَّ لله تسعةً وتسعين اسمًا؛ فالْتَبَسَ على بعض العامَّة أنَّها واردةٌ عن الرَّسول؛ ولذا تَتَبَّعَ عددٌ من العلماء الطُّرُقَ التي وردت فيها الأسماء فوجدوها جاءت من ثلاثة طرق كلُّها ليست عن الرسول صلى الله عليه وسلم:
الطريق الأولى - وهي الأشهر بين الناس - عن الرَّاوي (الوليد بن مسلم)، أخرجها:
1- التِّرْمذيُّ في سُنَنه (3849)، كتاب الدَّعَوات.
2- ابنُ حبَّان في صحيحه، موارد الظمآن (2384).
3- الحاكم في المستدرك، (1/16).
4- ابن منده في كتاب التوحيد، (2/205).
5- البيهقيُّ في السُّنَن الكبرى، كتاب الإيمان (20312).
الطريق الثانية: عن الرَّاوي (عبد الملك بن محمد الصَّنعاني)، أخرجها: ابنُ ماجه في سننه، باب الدعاء (3994).
الطريق الثالثة: عن الرَّاوي (عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان)، أخرجها:
1- الحاكم في المستدرك (1/17).
2- البيهقي في الأسماء والصفات.
وهذه الرِّوايات الملحقة بالحديث هي اجتهادًا منهم وليست إلزامًا للأمة، ومن الخطأ التَّعْويلُ على هذا العَدِّ وقَصْرُ النَّاس عليه؛ فعلى سبيل المثال: في الكتاب والسُّنَّة أسماء ليست في رواية الوليد؛ مثل اسم "الرب" و"المنان" و"الوتر" و"الشافي"، وغيرها كثير.
وقال شيخ الإسلام ابنُ تيمية - رحمه الله - عن هذه الرِّوايات الثَّلاثة: "قد اتَّفَقَ أهلُ المعرفة بالحديث على أنَّ تلك الرِّوايات ليست من كلام النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ وإنَّما من كلام بعض السَّلَف، ونَقَلَ ابنُ حجر عن ابن عطيَّة - رحمهما الله - قوله: "حديثُ التِّرْمذيِّ ليس بالمتواتر، وبعضُ الأسماء التي فيه شذوذٌ".
لأجل ذلك اختلفت قائمةُ أسماء الله الحسنى باختلاف العلماء حولها؛ فظهرت أسماءُ كثير منهم أعادوا جمعَ وحصرَ الأسماء الحسنى؛ مثل الخطابي والقرطبي وابن القيم الذي ألف قصيدة (النُّونيَّة)؛ رَصَدَ وشرح فيها أسماءَ الله ومعانيها في ستة آلاف بيت.
والشيخ السعديّ وابن عثيمين، وأخيرًا الشيخ ابن باز الذي أشرف على قائمة أَعَدَّها الشيخُ سعيد بن وهف القَحْطانيّ؛ وهي التي أخذنا بها في الكتاب مع إسقاطنا لاسم (جامع الناس ) مستعيضين عنه باسم (الوتر) الذي أورده الشيخ القحطانيُّ ضمنَ أسماء تزيد على التسعة وتسعين؛ وذلك لاختلاف العلماء حول اسم (جامع الناس) أنه من الأسماء المشْتَقَّة من الأفعال المقيَّدة بزمن أو مكان مخصوص؛ أي أنه بيوم القيامة فقط؛ }رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ{ [آل عمران: 9]، وليست مطلقةً على كلِّ حال.
الاسمُ الأعظمُ
لله اسمٌ أعظم من كُلِّ أسمائه الحسنى تُلَبَّي به مطالبُنا ويُسْتجابُ دعاؤنا، وقد نَبَّهَ الشَّيخُ السَّعيدُ - رحمه الله - على خطأ؛ ظَنَّ الناسُ بأنَّ الاسم الأعظم لا يعرفه إلا مَنْ خَصَّه الله بكرامة خارقة للعادة؛ فإنَّ اللهَ حَثَّ على معرفة أسمائه وأثنى على مَنْ عرفها وتَفَقَّه فيها ودعا بها.
أَدلةُ ثبوت الاسم الأعظم
1- عن بُرَيْدة الأَسْلميِّ أَن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم سَمعَ رَجُلاً يَقُولُ: «اللهُمَّ إنِّي أَسألكَ أَني أَشهَدُ أَنكَ أنتَ اللهُ لاَ إله إلا أنتَ الأحَدُ الصَّمَدُ الذي لمْ يَلدْ وَلَمْ يُولد ولم يَكنْ لَهُ كُفوًا أحدٌ». فقال: «لَقدْ سَأَلتَ اللهَ بالاسم الذي إذا سُئلَ به أعطى وَإذا دُعي به أجَابَ» ([2]) .
2- عن أنس أنهُ كَانَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جَالسًا وَرَجُلٌ يُصَلِّي ثُمَّ دَعَا: «اللهُمَّ إنَّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لَاَ إِلاَّ أَنْتِ المنَّانُ بَديعُ السَّموات وَالأَرْض يَا ذَا الجلال وَالإكْرَام يَا حَيُّ يَا قّيُّومُ». فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ دَعَا اللهَ بِاسْمِه الْعَظيم الذي إذا دُعي به أجَابَ وإذَا سُئل به أعطى»([3]) .
3- عَنْ أَبي أُمَامَةَ عَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اسْمُ اللهِ الأَعظَمُ الذي إِذَا دُعي به أَجَابَ في سُوَر ثَلاثَ البَقَرة وآلِ عِمْرَانَ وَطَهَ»([4]) .
ما سببُ إخفاء الاسم الأعظم؟
قيل: إنه مخفيُّ التَّعْيين كليلة القدر وساعة الإجابة يوم الجمعة؛ لتحفيز المؤمن على طلب كلِّ الأسماء الحسنى بالثَّناء والدُّعاء.
ما هو اسمُ الله الأعظمُ؟
اختلف العلماء حولَ تحديد الاسم الأعظم؛ بعضُهم صَرَّحَ به، والبعض الآخر رَفَضَ تعيينَه للناس حثًّا لهم على إحصاء الأسماء الحسنى والأخذ بها جميعًا؛ لكن يلاحَظُ أنَّ الاسمَ المتكررَ في الأحاديث الثَّلاثة السابقة هو (الله)؛ وَرَدَ في الحديث الأول، وورد في الحديث الثاني بصيغة (اللهم) بزيادة ميم في آخره.
وقد اختلفت الأقوال في الحديث الثالث؛ قيل: إن الاسمَ في السور الثلاث هو (الحيُّ القيوم)؛ حيث لم يرد مقرونًا إلَّا في هذه السُّوَر الثَّلاث، وقيل: بل إنَّه تأكيدٌ على أنَّه (الله)؛ لورودها في هذه السُّوَر (الله لا إله إلا هو)، وزادوا على ذلك بسَرْد تَمَيُّز اسم الله عن غيره بخصائص سنوردها لاحقًا؛ قال بذلك ابنُ القَيِّم والخَطَّابيُّ والقُرْطبيُّ والطَّبَريُّ وغيرُهم.
([1])رواه أحمد في مسنده (3784) والبزار وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه والحاكم، وصححه الألباني.
([2])رواه الأربعة أبو داود (1495) الترمذي (3812) ابن ماجه (3990) مسند أحمد (23667)، وحسَّنه التِّرمذيُّ وصحَّحه ابنُ حبان والحاكم والذَّهبيُّ والألبانيُّ؛ وهذا الحديث أرجح من حيث السَّنَد من جميع ما وَرَدَ في ذلك.
([3])أبو داود (1497) الترمذي (3889) ابن ماجه (3991) مسند أحمد (12534) صححه ابن حبان والحاكم والذهبي والألباني.
([4])ابن ماجه (3988) حسنه الألباني.