]ربما يسأل القارئ عن سبب العنونة بـ " أعداء المعلمين " ؟ والجواب يستحق مقال متكامل ، فأولا المفهوم والمنطوق مباشر ، وورد في الثقافة الإسلامية ما يعضد العنونة به ، وأراه مناسبا ، بل في غاية الدقة والشفافية والوضوح ، والأهم تأدية الغرض والوصول للهدف بسهولة ، لكل من يعنيه ، ولكل من له صلة بالموضوع ، والعنوان لا يمكن أن يكون في عداد العجائب ، لدى غالبية المعلمين ، وينبغي أن يتحسس كل من وقع في أعراض المعلمين ، وأن يتبين أين موقعه من عداوة المعلمين .
يبقى أن فسحة الاستثناء من المجموع مشروع ، على حد قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) } سورة التغابن
وما ينبغي فعله تجاه عداوة المعلمين ، بيان وجه الظلم في مسيرتهم وحياتهم وعملهم ومهنتهم ، على حد قوله صلى الله عليه وسلم " أنصر أخاك ظالما أو مظلوما " واستثناء ، ليس كل معلم مظلوم ، وليس كل معلم ظالم ، والظلم ليس هو ممارسة الاعتداء على الآخرين بالقول والفعل فحسب ، بل الظلم أوسع بابا ، فهو وضع الشيء في غير موضعه أيضا.
ربما يخجل البعض أو يتعاظم أن يسمع كلمة " ظلم المستويات التعليمية " أو أن يقول له شخصا ما : يا ظالم ، مع أن الظالم هو ذاك الإنسان ، الذي يتعمد وضع الأشياء في غير موضعها ، وقد يقع الظلم على النفس أو على المال أو على الولد أو على الزوجة .
وما أقصده هنا تحديدا ، أن المسلم المتجرد للحق ، لا يعجزه أن يتفهم ما يسمعه أو ما يقرأه حينما يدرك الاستخدامات اللغوية والأسلوبية في اللغة العربية.
بعد هذه المقدمة ، يحسن أن نحدد من هم أعداء المعلمين ؟! فئة غير مقدرة من حملة الشهادات العليا ، في الجامعات وغيرها ، يطالعنا بكم غير قليل من الكتابات حول المعلمين ، ظنا منهم أن هجومهم المتكرر على المعلمين ، هو السبيل للنهوض بالعملية التعليمية ، ولا بأس لو كان الأمر في حيز الاستثناء ، ولكن خطاب التعميم قديم ودائم ، وفي المقابل يمارس عددا من المثقفين ، دورا عدائيا للمعلمين ، ويتكاثر البعض رواتب المعلمين ، وهذا جزء من الظلم ، وصورة من صور العداوة ، وأتذكر جيدا ، عددا من الكتابات التي تقلل من شأن رواتب المعلمين ، وبين هذه الأصوات ، أصوات المعلمين ،ورغم كثرة المعلمين إلا أنهم كغثاء السيل.
عدد كبير من الناس ، يطالب باختبارات المعلمين ، ويمارس حربا إعلامية متكاملة حول المعلمين ، وربما تأتي الحرب على لسان الواصل منهم إلى وسائل الإعلام ، وما يقال في المجالس أشد جرما ، والسؤال : متى يتفهم الناس وضع المدارس والمعلمين قبل الإقدام على سب المعلمين علانية وسرا ؟
أدرك تماما حالة الإحباط التي يعيشها الظالم من المعلمين ،وهؤلاء هم من أعداء المعلمين المميزين ، ولا شك لدي ، ولكن ما زالت الضغوط على المعلمين كبيرة ، وحجم الهجوم واستعداء المعلمين اليوم ، أقسى وأشرس من ذي قبل .
والسؤال : هل من مصالحة مع المعلمين ؟!
إن إغلاق باب عداوة المعلمين ، ووقف الهجوم عليهم بحق وبغير حق ، ورفض التعميم ، وتفهم الأوضاع التعليمية والتربوية ، يتطلب جهودا ملموسا من وزارة التربية والتعليم ، قبل غيرها .
لا اعتراض على النقد ، ولكن المشكلة في تكوّين عداوة المعلمين ، وبالذات من قبل من يتوقع منهم الوقوف مع المعلمين ، لقد أخذ الموضوع أكبر من حجمه الطبيعي ، وبحسب مفهوم الآية الكريمة ، من المعلمين من هو عدو لكم أيضا .
فهل نغلق أبواب الفتنة من أجل سلامة مركب التربية والتعليم ؟! وكيف يتم ذلك ؟! هذا ما ينتظره عقلاء التربية والتعليم ، وما أتمناه أن يتفهم كل من يشهر لسانه وقلمه ومكانته في وجوه المعلمين أن يتق الله ، في قوله وفعله ، وأن يعلم بأن الرفق بالمعلمين له نتائجه الطيبة ، على الوطن والمواطن حاضرا ومستقبلا .
ربما يتكاثر البعض أن يسمع مثل هذا الحديث ، وأن من حق الناس أن يوضحوا ما في قلوبهم ، ولا اعتراض ، ولكن الحال تجاوزت الحدود ، وأخشى ما أخشاه هو نتائج هذا الزخم الإعلامي تجاه المعلمين ، ذلك لأن صور النقد وصلت لمرحلة الغلو المدمر.
إن الحل ليس في كثرة النقد ، بل الحل في تقديم الحلول مع النقد ، ولو أن كل منتقد قدم اقتراحا معقولا ، لوصلنا إلى الحلول .
إن توفير الأجواء للمعلمين أمر لا يمكن تأجيله ألبته ، كما هو توفير كل ما تتطلبه العملية التعليمية والتربوية .
ليس من المعقول أن يضغط البعض على سمعة المعلمين ، في الوقت الذي لا نسمع عن ضغط مماثل ، تجاه فئات الموظفين ، والقضاة وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات والكليات ونحوهم .
أليس من العجيب أن يتحمس بعض حملة الشهادات العليا ، لاختبارات المعلمين ، بينما لا يتحمسون لاختبارات كل حملة الشهادات العليا ؟! أليس من العجيب أن يتحمس الغالبية لربط علاوة المعلم بإنتاجه ومهنيته ، بينما لا يطالب الجميع بربط علاوة كل موظف حكومي بإنتاجه ومهنيته ؟!
أليس من العجيب أن يتحمس كل من حول المعلم بأن تكون إجازته لا تتجاوز شهر واحد ، في بلد عرف بشدة حرارة أجواءه لأكثر من ثلاثة أشهر ؟
حتى في أيام الربيع والشتاء ، لا يخلو الجو من حالات مميتة ، ومن طبيعة الطقس في الوطن الغالي ، أنه يسبب أمراض الربو والحساسية وغيرهما، ولا زال البعض ، يردد حديثه المتكرر عن إجازة المعلم ، وتزيد الكارثة تعقيدا ، حينما نعلم بأن المباني المدرسية ، غير قادرة على رد أذى ثلاثي الطقس المؤذي.
إن حجم الحرب الكلامية الموجهة للتعليم العام ، والموجهة للمعلمين لا تقارن بحجم الحرب الكلامية الموجهة لغيرهم ، ذلك لأن الإمكانات تختلف .
أمر الله تعالى بالصفح والعفو عن الأزواج والأولاد ، رغم عداوة بعضهم ، بعد التوقف عن ممارسة العداوة ، ولذا يجب إيقاف عداوة المعلمين ، وأن يصفح المعلمون عن أعدائهم .