[SIZE="5"]هل يجدي إصلاح التعليم التقني من أجل تدميره؟
صنع النقاش حول تفكيك الثانويات التقنية و المتاقن الحدث منذ النداء " فلننقذ الثانويات التقنية " (1) الصادر في شهر نوفمبر2006. و كانت أجوبة وزير التربية الوطنية توحي بأن انشغالات الأساتذة كانت مرتكزة بالخصوص على مناصب عملهم و مستقبلهم المهني في حين أن المسألة تدور حول مستقبل التعليم التقني، تطوره، مهامه و الحفاظ على هويته كركيزة للمنظومة التربوية. و قد سمحت ردود أساتذة التعليم التقني بفرض نقاش نأمل أن يسمح بتراجع المنطق الإنتحاري لمشروع تفكيك التعليم التقني.
هوية التعليم التقني:
إن إزاحة القناع عن الوجه الحقيقي للإصلاح الحالي للتعليم التقني و الخلفيات الإجتماعية و الإقتصادية لإعادة بناء المدرسة الجزائرية، تحـدٍ رفعته التنسيقية الوطنية للثانويات التقنية و المتاقن (CNLTT)، و فرض نفسه خلال اللقاء الوطني للثانويات التقنية و المتاقن المنعقد في 23 ديسمبر 2006 بالجزائر.
إننا في حقيقة الأمر أمام إصلاح يهيئ قتلا متعمدا و زوالا مبرمجا للتعليم التقني، معتبرا هذه الجريمة وفاة طبيعية كون الجاني غير ظاهر للعيان.
لقد بدأ اغتيال الثقافة التقنية بإلغاء 50% من الشعب التقنية، المتبقية منها عرفت تقلصا في الحجم الساعي المخصص للمواد التقنية إلى درجة الإستواء مع التعليم العام، كما عرفت انعداما للأعمال التطبيقية المكرسة للمفاهيم النظرية.
إن مصممو هذا المشروع، و بعيدا عن آفاق تعزيز هذا القطب التقني المستقل في التربية، أرادوا أن يجعلوا من التعليم التقني مجرد طقوس فارغة المحتوى لا تصلح إلا لتبقى كمعالم تذكارية.
فقد حُجبت الثقافة التقنية النوعية و المتخصصة بتنوع منهجي في الإصلاح الجديد. إذ أن التوجه الحالي لهذا الإصلاح مُـكرسٌ للتجريد، لليونة، للحركية و قابلية التأقلم مع الوظيفة. فبالتالي، فهو إعلان لزوال التخصص الرفيع المستوى.
إن وزير التربية الوطنية، أمام ما يعتبره عصيانا لمشروع إعادة تنظيم التعليم التقني، يصف الأساتذة الرافضين لتمييع التعليم التقني و إدماجه في التعليم العام، " بالأقلية المتشبثة بمخططات رجعية ". (2)
إن هذا التخويف السلطوي إنما جعل لإعاقة التعبير الحر و كبت النقد المتضمن لهذا النقاش. فأساتذة التعليم التقني يعتبرون أن الدفاع عن هوية هذا التعليم و استقلالية هذا العمود الناشئ تاريخيا ضمن المنظومة حق مكتسب. فإن كانت ضرورة تأقلم المدرسة مع تطور المعارف مبررا معنويا، فإن إبقاء التعليم التقني و إمكانية التوجيه إليه للجميع، مبرر سياسي يُهم كل المجتمع. فمن المدهش أن يُفلت مثل هذا النقاش، حول قطاع أساسي، من رقابة الساسة و أن يُــبرر الإصلاح بعد تطبيقه.
وعي و مقاومة لأساتذة التعليم التقني:إن وقوف أساتذة الثانويات التقنية و المتاقن في 16 جانفي 2007 (3) في يوم احتجاجي وطني، جعل مطالب أساتذة التعليم التقني جلية واضحة للعموم.
فبغض النظر عن نسبة المشاركة في هذا الإضراب و المقدرة برقم أدنى بكثير مما هو في الواقع، فإن الحركية الوطنية لإضراب الثانويات التقنية للجزائر، وهران، مسيلة، بومرداس، برج بوعرريج، باتنة، بجاية، تيزي وزو، جلفة، تيبازة، بليدة و المدية هي التي أحرجت الوصاية، لأنها تــٌشكل انطباعا صارخا للصدى الذي أحدثته التنسيقية الوطنية للثانويات التقنية و المتاقن بعد أن حـٌدد فحوى النقاش خلال اللقاء الوطني للثانويات التقنية و المتاقن المنعقد في 23 ديسمبر المنصرم من خلال لائحة المطالب المتمثلة في:
__________________________________________________ ______________
(1) النداء " فلننقذ الثانويات التقنية " الذي صدر في أول نوفمبر 2006 عن مجلس ثانويات الجزائرCLA و النقابة المستقلة لعمال التربية و التكوين SATEF، كـٌـلل بإنشاء تنسيقية الثانويات التقنية CLT.
(2) بيان ديوان وزارة التربية الوطنية المؤرخ في 16 جانفي 2007.
(3) 16 \ 01 \ 2007 أول إضراب تاريخي لأساتذة التعليم التقني، سمح بإعطاء رؤية واضحة لمطالبهم و إطار تعبيرهم في
الـ CNLTT.
1- التخلي عن مخطط تفكيك الثانويات التقنية و المتاقن ،
و الإبقاء في عين المكان على الفرق البيداغوجية و العتاد.
2- فتح حوار حول آفاق لتعليم تكنولوجي و تقني مجدد و ذو نوعية. (4)
لقد سجل الملاحظون في الساحة الإجتماعية أن وزارة التربية الوطنية التي كانت تتكل على عطالة أساتذة الثانويات التقنية و المتاقن، وجدت نفسها ملزمة بالخروج من صمتها عندما بدأت تتلاشى هذه العطالة، و هذا ما جعلها تصف المسعى الرامي إلى توعية أساتذة الثانويات التقنية بالمسعى الهامشي، مستهينة بوقع الإضراب، حينما صرحت بأن: " أقلية من الأساتذة تتعنت في وقوفها ضد توجه الحركية الجديدة المندرجة ضمن الإصلاح، بتشبتها بمخططات رجعية".
إن هذا النوع من التصريحات في بيان رسمي ما هو إلا مثال حي يرمز إلى نظام استعمال السلطة الذي يسمح بتجنب سيرورة غير عادية لقرارات غير منطقية و فرضها كحتمية لا مفر منها: ما على المجتمع المدني و الفاعلين في الساحة إلا الخضوع لقرارات اتـُخذت، و بالتالي القبول بإنكار حق الممارسة الديمقراطية.
إن هذا التصريح العنيف غداة إضراب 16 جانفي 2007، يلخص مدى إدراك وزارة التربية الوطنية لمنهجيتها في إجراء إصلاحات في قطاع التربية، أو بالأحرى تجنبها للنقاش حول الإطار القانوني لمسعى تفكيك التعليم التقني، بالرغم من أن التوصيات المشتركة لمنظمة اليونسكو و المنظمة العالمية للعمل UNESCO-OIT (6) سنة 1966، الخاصة بظروف العمال الأساتذة (CEART) لاسيما في المادة 9 التي تنص على ما يلي: " من الأجدر الاعتراف بأن تنظيمات الأساتذة تسمح بالمساهمة الفعالة في تطوير التربية و بالتالي لابد من اشراكها في إعداد السياسة المدرسية". (5)
مصالح هامة وراء الإصلاح:
إن التساؤلات التي طرحت حول سيرورة تفكيك الثانويات التقنية والمتاقن، و إلغاء نصف الشعب و كذا تقلص الحجم الساعي للشعب المتبقية و تفرع المعارف التقنية ضمن مخطط هيكلي، سمح لأساتذة التعليم التقني بكشف خلفيات هذا الإصلاح الجديد للمنظومة التربوية:"إندثار للمعارف التقنية، تحديد الوصول إلى المعارف، مساس بديمقراطية التعليم بانتقاء مبكر و أخيرا إعادة تعريف التعليم التقني بتحويله إلى تكوين مهني".
لقد أجاب أساتذة التعليم التقني عن مبررات وزير التربية حول نسبة 80 % من الرسوب في الجذع المشترك بالجامعة، إذ اعتبروا أن الوزير لم يشرح أسباب هذه الظاهرة الحقيقية التي ظهرت مع مطلع الثمانينات، بزوال شعبة الرياضيات، و تعدد المواد الثانوية التي احتلت وقتا هاما من الحجم الزمني المخصص للمواد الأساسية، كالعلوم الفيزيائية، الرياضيات و المعارف التقنية، فبدا حينها الإخفاق جليا ببداية إفلاس التعليم التقني رغم الإرادة و التفاني اللذان أبدهما أساتذة التعليم التقني. و من ثمة نستنتج أنه لا يمكن تلقين معارف أكثر تخصص إذا لم نملك توجيها مبنيا على المكتسبات الأولية في التعليمين المتوسط و الثانوي. فإذا أردنا تكوين مهندسين، فلابد أن نهتم، بالموازاة، بالمشاكل و الصعوبات و ليس تفكيك الثانويات التقنية و المتاقن.
من أجل ذلك، و أخذاً بعين الإعتبار التطور العام للتعليم التقني و المشاكل الناجمة عن إعادة تنظيمه، طالب اللقاء الوطني للثانويات التقنية والمتاقن في النقطة الثانية من توصياته بـ: " فتح حوار حول آفاق
لتعليم تكنولوجي و تقني مجدد و ذو نوعية".
فبهذا المطلب، فإنه يـُعيد الأمور إلى نصابها و يضع المنهجية المعمول بها للتشخيص و أخذ القرارات و كذا فضاءات التحكيم لمثل هذه القرارت.
(4) يمكن الإطلاع على لائحة المطالب و توصيات اللقاء الوطني الأول في موقع الأنترنات لمجلس ثانويات الجزائر المخصص
للتنسيقية الوطنية للثانويات التقنية و المتاقن ( CNLTT ) في العنوان: www.cladz.org
(5) لجنة مشتركة لخبراء اليونسكو- المنظمة العالمية للعمل من أجل تطبيق التوصية المتعلقة بظروف العمال الأساتذة CEART ، سنة 1966.
مــاهــي مــهــام التــعــلــيم التــقــني؟
لقد حدد اللقاء الوطني المنعقد بالجزائر يوم 23 ديسمبر 2006، مهمتين للتعليم التقني:
- تسمح الثقافة التقنية بالجمع بين تلقين المهارات التطبيقية و المعارف الأكاديمية.
- يهدف التعليم التقني إلى إنتاج الأفعال عكس التعليم العام أو العلمي الذي يرمي إلى فهم العالم.
فقد ترسخ هذا التلقين تاريخيا في فضاء سمي بالثانوية التقنية أين تعايشت الأدبيات و التجريب و المعرفة التكنولوجية.
إن هذا اللقاء سمح بتشخيص كافة التدابير التي تم تطبيقها في الميدان، و ذلك انطلاقا من المهام التي حددها للتعليم التقني.
إن الخطاب البليغ لوزير التربية الوطنية حول الإصلاح لا يدين التعليم التقني بكيفية صريحة، لكنه بالمقابل يلغي نصف الشعب التقنية و يُـبقي النصف الآخر تحت تسمية تقني رياضي بأربعة تفرعات.
و يُـترك اختيار فتح هذه الفروع لرئيس المؤسسة، دون أن تحدد مقاييس الإختيار بدقة، و هذا ما سيؤدي بطبيعة الحال إلى:
- فناء هذه الفروع لعدم وجود تلاميذ تتوفر فيهم الشروط.، كما كان الحال بالنسبة لمعظم أقسام العلوم
الدقيقة التي اختفت من الخرائط المدرسية للعديد من الأكاديميات.
- تقليص العرض البيداغوجي لاسيما الجزء المخصص للتجارب و التطبيقات من خلال تعادل الحجم الساعي للتعليم التقني مع الحجم الساعي للتعليم العام، إذ أن مجمل وحدات التعليم التقني ضمن شعبة تقني رياضي أصبح مختصرا على مادة تسمى تكنولوجيا، تٌــدرس 6 ساعات أسبوعيا بينما كان الحجم الساعي المتوسط للمواد التقنية التي يدرسها التلميذ في السابق لا تقل عن 15 ساعة أسبوعيا.
إن هذا التوجه الذي ينقص من قيمة التعليم التقني لن ينتج إلا تكوينا رديئا و متدنيا. فإذا فقدت الثانوية التقنية أولوية تلقين الثقافة التقنية كما يجب، فإنها ستتلاشى بفعل التشعب الذي يزيل المعارف التقنية.
إن تلقين المهارات التقنية بطريقة مفروضة لا يلائم نظم ترسيخ هذه الثقافة.
عنـدمـا تفـقد وزارة الـتـربيـة صوابها:
إن التعميم المحتمل لشعبتي تقني رياضي و اقتصاد، عملية بعيدة عن الواقع المدرسي و المستوى الوطني في الرياضيات و الفيزياء، و تعتبر هروبا إلى الأمام و مخادعة من صانعيها الذين لا يجيدون إلا وضع الحلول الترقيعية.
إن الحل المزعوم ما كان ليكون لو لم يكتشف وزير التربية فائضا مقدرا بـ 80 % من أساتذة التعليم التقني. فوُجـه خطاب ملغم مليء بالمخادعات لتبرير قرار تحويل الأساتذة الذي تم تكذيبه و العدول عنه غداة التصريح به. كما أن الزيادة في نسبة التوجيه بـ 30% للتلاميذ بين عشية و ضحاها، أمر لا يـُعقل إلا إذا أردنا تحويل شعبة امتياز إلى شعبة تدنٍ.
إن هذه الدوامة من التصريحات لوزير التربية على لسان حلفائه الظرفيين، يجعلنا نتيه داخل غليان جماعي. فاقتراح وزارة التربية،الذي أسر نقابة الـكناباست (CNAPEST)، و القاضي بتعميم شعبة تقني رياضي و اقتصاد، إقتراح مرفوض و حل غير مقبول لأنه يسير في اتجاه معاكس لمطالب أساتذة التعليم التقني المطالبين بالتخلي عن مخطط تفكيك الثانويات التقنية و المتاقن و الإبقاء في عين المكان عن الفرق البيداغوجية و العتاد.
لا يوجد إلا بديل واحد للخروج من مشروع بدون منفذ، و ذلك بتدعيم ما هو موجود، بتجديد الشعب الملغاة و تحديث أساليب التلقين التكنولوجي الذي يقتضي إدماج معارف متنوعة قابلة للتحويل و التنفيذ ( التحليل الوظيفي، تحليل القيمة، مسعى النوعية، التقييس، المحيط، مضمون التسيير، الإتصال ).
كما توجد إمكانية أخرى، بإعادة النظر في محتوى البرامج و الحجم الساعي للشعب المقترحة في الإصلاح الحالي مع الإحتفاظ في نفس السياق على جزء مهم من الممارسة التطبيقية.
و هذا ما سيتمحور حوله اللقاء الوطني الثاني للثانويات التقنية و المتاقن المزمع عقده في 08 فيفري 2007 بالجزائر.
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
2011-09-28, 19:49
المتقن تخرج منه عباقرة.اما ثانوية اليوم..................
العرض العادي
