السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
منقول من كتاب :
التّصوّفا لمنْشَأ وَالمَصَادِر
تأليف الأستاذ :إحسان إلهي ظهير( رحمه الله )
.........فهذه هي عقيدة المتصوفة في الأولياء , والولاية , عين تلك العقيدة الشيعية الشنيعة التي ذكرناها من قبل , وهي تتضمن تفضيل الأولياء على أنبياء الله ورسله , والبعض الآخر كتموها عملا بالتقية التي لم يأخذوها أيضا إلا من الشيعة كما سنذكرها .
.....
وعلى ذلك قال صدوقهم ابن بابويه القمي :
( اعتقادنا في التقية أنها واجبة , لا يجوز رفعها إلى أن يقوم القائم , ومن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الإمامية , وخالف الله ورسوله والأئمة ) 1 .
وقال مفيدهم :
( التقية كتمان الحق وستر الاعتقاد فيه , ومكاتمة المخالفين , وترك مظاهرتهم بما يعقب ضررا في الدين أو الدنيا , وفرض ذلك إذن علم بالضرورة أو قوي في الظن ) 2 .
فهذا هو معتقد الشيعة ومبدؤهم الذي اشتهروا به , وعيّروا عليه , وطعنوا فيه .
ولكن المتصوفة أخذوه بكامله عنهم , وزادوا عليهم حيث اتهموا رسول الله بتهمة برّأ الله ساحته عنها بقوله : { وما هو على الغيب بضنين } 3 .
واستندوا بحديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع علمهم بأنه هو القائل : ( من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) 4 .
فقالوا :
( أمر الله نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بكتم أشياء مما لا يسعه غيره للحديث المروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : أوتيت ليلة أسري بي ثلاثة علوم , فعلم أخذ عليّ في كتمه , وعلم خيّرت في تبليغه , وعلم أمرت بتبليغه .
فالعلم الذي أمر بتبليغه هو علم الشرائع , والعلم الذي خيّر في تبليغه هو علم الحقائق , والعلم الذي أخذ عليه في كتمه هو الأسرار الإلهية ولقد أودع الله جميع ذلك في القرآن .
فالذي أمر بتبليغه ظاهر . والذي خيّر في تبليغه باطن لقوله ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق )
وقوله ( وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق )
وقوله ( وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه )
وقوله ( ونفخت فيه من روحي )
فإن جميع ذلك له وجه يدلّ على الحقائق ووجه يتعلق بالشرائع , فهو كالتخير , فمن كان فهمه إلهيا فقد بلغ ذلك , ومن لم يكن فهمه ذلك الفهم وكان مما لو فوجئ بالحقائق أنكرها , فإنه ما بلغ إليه ذلك لئلا يؤدي ذلك إلى ضلالته وشقاوته .
والعلم الذي أخذ عليه في كتمه فإنه مودع في القرآن بطريق التأويل لغموض الكتم , فلا يعلم ذلك إلا من أشرف على نفس العلم أولا , وبطريق الكشف الإلهي , ثم سمع القرآن بعد ذلك , فإنه يعلم المحلّ الذي أودع الله فيه شيئا من العلم المأخوذ على النبي صلى الله عليه وسلم في كتمه وإليه الإشارة بقوله تعالى ( وما يعلم تأويله إلا الله ) على قراءة من وقف هنا , فالذي يطلع تأويله في نفسه هو المسمى بالله فافهم ) 5 .
ويقول أبو نصر السراج الطوسي :
( إن حقائق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وما خصّه الله تعالى به من العلم , لو وضعت على الجبال لذابت إلا أنه كان يظهرها لهم على مقاديرهم ) 6 .
أي لم يظهر النبي صلى الله عليه وسلم جميع العلوم التي كان قد خصه الله بها – حسب زعمهم – وذلك لأجل أن الناس لم يكونوا يقدرون على حملها ومعرفتها .
وبمثل ذلك نقل الشعراني عن سيده محمد الحنفي أنه قال :
( وههنا كلام لو أبديناه لكم لخرجتم مجانين لكن نطويه عمن ليس من أهله ) 7 .
وهذا عين ما ذكره الشيعة عن جعفر بن الباقر أنه قال :
( إن عندنا والله سرا من سرّ الله , وعلما من علم الله , أمرنا الله بتبليغه , فبلّغنا من الله عز وجل ما أمرنا بتبليغه , فلم نجد له موضعا ولا أهلا ولا حمالة يحتملونه ) 8 .
ونسبوا إلى علي رضي الله عنه أنه قال :
( إن أمرنا صعب مستصعب لا يحمله إلا عبد امتحن الله قلبه للإيمان , ولا يعي حديثنا إلا صدور أمينة , وأحلام رزينة ) 9 .
أيضا ( لا يحتمله ملك مقرب , ولا نبي مرسل , ولا مؤمن أمتحن الله قلبه للإيمان ) 10 .
هذا وأن الصوفية اتهموا أبا هريرة رضي الله عنه أنه قال :
( حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم جرابين من العلم : أما أحدهما فبثثته في الناس , وأما الآخر فلو بثثته لقطع مني هذا البلعوم ) 11 .
كما كذبوا على عليّ بن الحسين زين العابدين أنه قال :
( يا ربّ جوهر علم لو أبوح به لقيل لي : أنت ممن يعبد الوثـــنا
ولاستحل رجال مسلمون دمي يرون أقبح ما يأتـــونه حســــــنا
إني لأكتم من علمي جـــواهره كي لا يرى الحق ذو جهل فيفتننا )12 .
وقال النفزي الرندي :
( في قلوب الأحرار قبور الأسرار , والسر أمانة الله تعالى عند العبد , فافشى بالتعبير عنه خيانة , والله تعالى لا يحب الخائنين , وأيضا فإن الأمور المشهودة لا يستعمل فيها إلا الإشارة والإيماء , واستعمال العبارات فيها إفصاح بها وإشهار لها , وفي ذلك ابتذالها وإذاعتها , ثم إن العبارة عنها لا تزيدها إلا غموضا وانغلاقا , لأن الأمور الذوقية يستحيل إدراك حقائقها بالعبارات النطقية , فيؤدي ذلك إلى الإنكار والقدح في علوم السادة الأخيار .
قال أبو علي الروذباري رضي الله تعالى عنه : علمنا هذا إشارة , فإذا صار عبارة خفي ) 13 .
وأما لسان الدين بن الخطيب فقال :
( حملة علم النبوة هم الذين عناهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل , قالوا : وهذا العلم هو الذي لا يجوز كشفه , ولا إذاعته ولا ادعاؤه , ومن كشفه وأذاعه وجب قتله واستحل دمه وينسبون في ذلك إلى خواص النبوة وخلفائها كثيرا كقوله :
يا ربّ جوهر علم لو أبوح به لقيل لي : أنت ممن يعبد الوثـــنا
ولاستحل رجال مسلمون دمي يرون أقبح ما يأتـــونه حســــــنا ) 14 ز
وكان كبار المتصوفة يعملون بهذا المبدأ , ولم يكونوا يظهرون للناس علومهم وأفكارهم كما روى الكلاباذي عن الجنيد أنه قال للشبلي :
( نحن حبّرنا هذا العلم تحبيرا , ثم خبأناه في السراديب , فجئت أنت , فأظهرته على رؤوس الملأ .فقال : أنا أقول وأنا أسمع , فهل في الجارين غيري ) 15 .
ونقل الشعراني كذلك عن الجنيد أنه ( كان يستر كلام أهل الطريق عمن ليس منهم , وكان يستتر بالفقه والإفتاء على مذهب أبي ثور , وكان إذا تكلم في علوم القوم أغلق باب داره , وجعل مفتاحه تحت وركه ) 16 .
وأيضا روى عن الشاذلي أنه كان يقول :
( امتنعت عني الرؤيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم , ثم رأيته , فقلت : يا رسول الله , ماذ نبي ؟ فقال : إنك لست بأهل لرؤيتنا لأنك تطلع الناس على أسرارنا ) 17 .
والصوفية يكتمون آراءهم ومعتقداتهم عن غيرهم , ويوصون مريديهم في كتبهم ومؤلفاتهم التي كتبت للخاصة وخاصة الخاصة , فالصوفي الشهير عبد السلام الفيتوري يكتب في كتابه ( الوصية الكبرى ) :
( إخواني , وسنذكر لكم كلاما في المغيبات لكن يجب الإمساك عنها إلا لأهله الذين يكتمونه , ولا ينبغي إظهاره للسفهاء الذين يلحقون به إلى الأمراء والجبابرة وأهل الدنيا ) 18 .
وهناك نص مهم جدا ذكره الشعراني يقطع في هذا الموضوع فيقول :
وكان بعض العارفين يقول:
( نحن قوم يحرم النظر في كتبنا على من لم يكن من أهل طريقتنا , وكذلك لا يجوز لأحد أن ينقل كلامنا إلا لمن يؤمن به , فمن نقله إلى من لا يؤمن به دخل هو والمنقول إليه جهنم الإنكار , وقد صرح بذلك أهل الله تعالى على رؤوس الأشهاد وقالوا :
(من باح بالسرّ استحق القتل ) 19 .
وقد ذكر الدباغ حكايات كثيرة عن الذين لم يكتموا السرّ فابتلاهم الله ببلايا عديدة , من القتل والصلب والحرق والعمى وغير ذلك 20 .
وكان منهم الحلاج , لأنه لم يقتل إلا لإفشاء سرّه 21 .
وكما يروون أن الخضر عبر على الحلاج وهو مصلوب , فقال له الحلاج :
( هذا جزاء أولياء الله ؟
فقال له الخضر : نحن كتمنا فسلمنا , وأنت بحت فمتّ ) 22 .
وكما رووا عن أبي بكر الشبلي أنه قال :
( كنت أنا والحسين بن منصور شيئا واحدا إلا أنه أظهر وكتمت ) 23 .
وننقل أخيرا أن أحمد بن زروق , وابن عجيبة ذكرا عن الجنيد أنه كان يجيب عن المسألة الواحدة بجوابين مختلفين , فكان يجيب هذا بخلاف ما يجيب ذاك 24 .
هذا عين ما رواه الشيعة على محمد الباقر كما ذكر الكليني عن زرارة بن أعين أنه قال :
( سألت أبا جعفر عن مسألة فأجابني , ثم جاءه رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني . ثم جاء رجل آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي , فلما خرج الرجلان قلت : يا ابن رسول الله , رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبت كل واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه ؟
فقال : يا زرارة , إن هذا خير لنا وأبقى لنا ولكم , ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدّقكم الناس علينا , ولكان أقل لبقائنا وبقائكم .
قال : ثم قلت لأبي عبد الله عليه السلام : شيعتكم لو حملتموهم على الأسنة أو على النار لمضوا وهم يخرجون من عندكم مختلفين , قال : فأجابني بمثل جواب أبيه ) 25 .
فهذا هو المبدأ الخطير الآخر الذي أخذه المتصوفة من الشيعة ليكونوا حزبا سرّيا يعمل في الخفاء لهدم مبادئ الإسلام وتعاليمه , ولتأسيس ديانة جديدة تعمل لتوهين القوى الإسلامية ونشاط المسلمين لنشر الكتاب والسنة , والتقاعد عن الجهاد والغزوات , وبناء المجتمع الإسلامي على أسس كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , وقد وضعناه أمام الباحثين والقراء مع المقارنة بين أفكار الآخذين والذين أخذ عنهم , معتمدين على أوثق الكتب وأثبتها وأهمها لدى الطرفين .
(1)- الاعتقادات لابن بابويه القمي ص ٤٤ .
(2)- شرح اعتقادات الصدوق فضل التقية ص ٢٤١ .
(3)- التكوير الآية ٢٤ .
(4)رواه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد وغيرهم .
(5)- الإنسان الكامل لعبد الكريم الجيلي ج١ ص ١١٧ الطبعة الرابعة ١٤٠٢ هـ مصر .
(6)- كتاب اللمع للطوسي ص ١٥٩ .
(7)- طبقات الشعراني ج٢ ص ٩٨ .
(8)- الأصول من الكافي ج١ ص ٤٠٢ , أيضا بصائر الدرجات الكبرى للصفار ص ٤٠ .
(9)- انظر نهج البلاغة .
(10)- الأصول من الكافي ج١ ص ٤٠٢ .
(11)- الأصول من الكافي ج١ ص ٤٠٢ .
(12)- أيضا .
(13)- غيث المواهب العلية للنفزي الرندي ج١ ص ٢١٤ .
(14)- روضة التعريف بالحب الشريف ص ٤٣٢ .
(15) التعرف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي ص ١٧٢ ط القاهرة .
(16) اليواقيت والجواهر للشعراني ج٢ ص ٩٣ ط مصطفى البابي الحلبي مصر ١٣٧٨ هـ .
(17) انظر الطبقات للشعراني ج٢ ص ٧٥ .
(18) الوصية الكبرى لعبد السلام الأسمر الفيتوري ص ١٠٥ " مكتبة النجاح طرابلس ليبيا الطبعة الأولى .
(19)- اليواقيت والجواهر للشعراني ص١٧ ط مصطفى البابي الحلبي مصر .
(20)- انظر الإبريز للدباغ ص ١٢ .
(21)- انظر تذكرة الأولياء لفريد الدين العطار ص ٢٥٢ ط باكستان .
(22)- شرح حال الأولياء لعز الدين المقدسي مخطوط ورقة ٢٥١ .
(23)- أربعة نصوص ص ١٩ بتحقيق ماسينيون ط باريس .
(24)- انظر قواعد التصوف لابن زروق ص ١١ . ط القاهرة , أيضا إيقاظ الهمم لابن عجيبة ص ١٤٤ .
25) الأصول من الكافي كتاب فضل العلم باب اختلاف الحديث ج ١ ص ٦٥ . ط طهران .