اشكالية العلاقة بين الاسلام والديمقراطية - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

اشكالية العلاقة بين الاسلام والديمقراطية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2008-11-07, 12:04   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
المثابر120
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية المثابر120
 

 

 
إحصائية العضو










B18 اشكالية العلاقة بين الاسلام والديمقراطية



إشكالية العلاقة بين الإسلام والديمقراطية

باسل عبد المحسن القاضي

اشكالية العلاقة بين الواقع والنظرية
لعل مسألة العلاقة بين الإسلام والديمقراطية قد حظيت باهتمام كبير لا نجده كثيرا في أي مفهومين آخرين عدا مفهوم المعاصرة والأصالة الذي تنبع عنهما هذه الإشكالية ذاتها والتناقض والاتفاق المتولد عنها.
ونظرا لتشابك الآراء وتعددها وتنوعها والاجتهادات الكثيرة المنبثقة فيها سواء بالتأييد او المعارضة لذا كان علينا إذا أردنا ان نفهم حقيقة هذه العلاقة والإشكالية ان ننطلق من موقف حيادي في عرض وجهات النظر بدقة كافية، ومن ثم تحديد الأخطاء التي وقع ويقع فيها كثير من الباحثين الذين تعرضوا لهذه الإشكالية بسبب الموقف الدوجماطيقي او الإيماني السابق على الدراسة ، وخاصة حينما تحكم هذه الدراسة الموقف السابق عليها حتى ان الموقف منها يأتي وكأنما هو مصادرة على المطلوب من البحث التأصيلي او كموقف ميكانيكي تنسحب فيه وجهات نظر جاهزة منطلقة من موقف أيدلوجي تحكمه أساسيات غير مبرهن عليها إلا بطريقة قياسية فقهية او أحاديث وآيات يمكن صرفها إلى اكثر من نتيجة مختلفة ،
كل هذا يدعونا ونحن نحاول تأصيل الموقف علميا وفكريا وفلسفيا أن ندخل إلى هذا الوسط المتناقض دخولا هادئا وحياديا آخذين بنظر الاعتبار الأخطاء المنطقية والمزالق الفكرية التي وقع فيها غيرنا ،وهذا يجعلنا نحدد النظرة الابستولوجية التي ستحكم المنطق العقلي ونسبية الأحكام التي تفرزها هذه النظرة ، لذا سيكون طرحنا لها على وجهين
الأول الإشكالية النظرية والفكرية لهذه العلاقة بين الديمقراطية والإسلام والثاني الإشكالية الواقعية والتطبيقية على المستوى العربي والإسلامي.

1—الإشكالية النظرية والفكرية :
لو بدأنا هذا الطرح بالبديهيات العلمية المحددة للابستمولوجيا وما تفرضه على الأحكام ، فإننا سنجد ان هناك محددا فكريا لهذا الطرح يستند إلى ان أي موقف تقويمي يصدر الأحكام فإنه يجب أن لا يغفل المصادرة على المطلوب التي يقفها العقل الإنساني تجاه أي حكم او قرار ، هذه المصادرة تقول بأن مجرد تحديد موقع (الحاكم )العقلي يفرض (سلب ) حيادية إصدار الأحكام ،فكما هو الحال في الفيزياء النسبية وكما تحدث انشتاين في نظريته حيث نجد ان (موقع) المراقب يؤثر تأثيرا كبيرا على مجموعة الأحكام التي يصدرها تجاه أي حركة او سرعة او زمن في الكون كله ، وهذا (الموقع) الفيزيائي –الزمكاني- للمراقب يتحكم ويتأثر بكل أحكامه تجاه هذه القضايا مما وصم جميع الأحكام الفيزيائية في الكون بوصمة النسبية ، فاليمين واليسار والشمال والجنوب كمحددات مكانية تؤثر على الأحكام ، كما ان سرعة المراقب مع أو ضد اتجاه أي حركة سيؤثر على الحكم والقرار الذي يصدره هذا المراقب ، وحتى سرعة الضوء التي هي المطلق الوحيد في نسبية انشتاين نراها اليوم تخضع لهذه النسبية بعد ان أثير مسالة احتمال وجود سرعة تتجاوز سرعة الضوء.
إذن فأي حكم فيزيائي ليس له صحة إلا بالنسبة لمراقب ولما كان الكون كله بما فيه المراقب هو في حركة دائمة متفقة او مختلفة مع المراقب وبالنسبة له، إذن فجميع الأحكام نسبية بحكم الواقع مهما كانت دقة الرصد الفيزيائي التجريبي والحساب الرياضي المستعمل في التجربة .
وعلى مستوى الابستمولوجيا فان القصدية الفينومينولوجية للوعي –كما تحدث عنه هوسرل-تتحكم وتؤثر على أي حكم عقلي على الأشياء ، وإذا كانت قصدية الوعي مسلمة سيكولوجية –معرفية تكاد تصل إلى مستوى التعبير الفسيولوجي او الآليات الفسيولوجية ،فإن دور الإرادة النفسية لا يمكن إغفاله في طلب أي حكم عقلي على الأشياء .
أن هذه النسبية تظهر شد ما تظهر حينما تصدر أحكامها على شيئين مختلفين بغرض الجمع بينهما او الفصل بينهما حد التناقض ، كما أنها تظهر اكثر حينما تصدر أحكامها اعتمادا على مرجعيات عقائدية سابقة على وجود المسألة المطروحة ذاتها ، وهكذا نجد ان هذه النسبية تظهر في الحكم على يسار ويمين ويمين الوسط …الخ ، ان الحكم على اية مسألة اجتماعية او سيكولوجية او عقلية يتأثر في كل هذا أكثر من تأثره في المجال العلمي الطبيعي لوجود نفسية بشرية تميل وتتفاعل معه هذه الاتجاهات ذات الطابع الإنساني.
إننا إذا سلمنا بهذه البديهيات ندخل مجال الإشكالية النظرية بين الإسلام والديمقراطية دخولا أمينا بنسبة كبيرة بعد ان أخذنا الاحتياطات اللازمة لذلك قدر الإمكان فكيف يمكن عرض هذه الإشكالية النظرية والفكرية ؟

الاسلام والديمقراطية –تعددية المنظور:
لعل الدراسة التي قدمها الأستاذ عاطف احمد والمنشورة على الإنترنت بعنوان _الإسلام والديمقراطية تعددية المنظور خير مثال لنا لإيضاح ما يمكن ان تعطيه المنظورات المختلفة لهذه العلاقة من أحكام مختلفة فالأستاذ عاطف احمد يستخدم أربع زوايا للنظر إلى هذه العلاقة هي منظور النص الديني التي يعتمد فيها على النصوص الدينية لإصدار الأحكام على هذه العلاقة، ثم المنظور الأيدلوجي الذي يتجاوز النصوص الدينية إلى معطيات الأيدلوجيا ويجعل النص الديني يقول ما تريد الأيدلوجيا قوله ، ثم منظور التاريخ الإسلامي الذي هو التاريخ الواقعي المعبر عن هذه العلاقة عبر الحكم الإسلامي ، وأخيرا منظور الاستدلال المنطقي-العقائدي والذي فيه يخضح الحكم للمقدمات المنطقية التي تحكم النتيجة حتى أنها يمكن أن تعطي حكمين متناقضين باختلاف مقدمة كل منهما فكيف استخدم الكاتب هذه المنظورات وما هو الحكم الذي توصل إليه في كل منهما؟
يبدأ الكاتب بالحديث عن انه سيجاوب على سؤالين باعتبارات مختلفة، هذان السؤالان هما :
الأول هو هل هناك مواصفات دينية للديمقراطية ؟
والثاني هو كيف يمكن تطبيق الديمقراطية في مجتمع تدين غالبيته بالإسلام ؟
يقول الكاتب(إن السؤال الأول ينطوي على فرضية مسبقة هي ان ثمة ما يمكن تسميته بديمقراطية دينية ثم التساؤل عن المواصفات التي تتطلبها بينما يرى البعض وهو ليس بالقليل ان الديمقراطية –بصيغتها المعاصرة-هي منظومة سياسية حداثية ليس باستطاعتنا رصدها على النحو الراهن في أي فكر سابق على الحداثة ، اما السؤال الثاني فإجابته تتطلب إما إثبات وجود الديمقراطية في الإسلام واما الفصل بين الدين والسياسة على النحو الذي نراه في الدولة الحديثة والسؤالان معا يستدعيان اذن تحديد العلاقة بين الإسلام والديمقراطية الأمر الذي يطرح بدوره سؤالا مركزيا هو : أي إسلام نعني او بتعبير أدق من خلال أي منظور نتعامل مع الإسلام ؟هل من خلال القراءة الملتزمة للنص الديني ام من خلال الاستدلال المنطقي ؟ أمن معتقد معين أم من خلال التاريخ الواقعي للإسلام ؟ أم من خلال منظور مستمد من أيدلوجية معينة ؟فهناك على الأقل منظورات أربع تنبي ما قد يترتب عليها من رؤية ديمقراطية ) وهكذا تأخذ الأحكام نسبيتها الحقيقية او حقيقتها النسبية والتي نراها تتعدد حسب زاوية النظر التي يصدر الأحكام القيمية عليها فكيف فعل الكاتب هذا؟

المنظور الديني:-
يبدأ الأستاذ عاطف بمنظور النص الديني مشيرا بان النص القرآني يتحمل اوجه متعددة من التفسيرات الواسعة المحتملة مما يجعله متاحا أمام أي باحث يستخدمه لخدمة فرضه مما يجعله أحيانا يجتزئ النص من سياقه ويتعسف في تأويله أما الكاتب فيعرف المنظور الديني الذي يقصده بقوله(ذلك المنظور الذي يستكشف كافة النصوص الواردة في القرآن المتعلقة بموضوع البحث ثم يلتزم في فهمها ببنيتها اللغوية من ناحية وبالسياق اللغوي العام وسياق الوقائع المرتبطة بتلك النصوص من ناحية أخرى ليخرج في النهاية بتفسير موضوعي قدر الإمكان لا يتأثر كثيرا بموقفه او اتجاهه الفكري المسبق ) ، وهكذا يبدأ تطبيق هذه المعطيات على الموضوع فماذا وجد؟ يقول (فعلى سبيل المثال هناك نصوص تستخدم كثيرا لتبرير القول باحتواء الإسلام على المنظومة الديمقراطية وهي نصوص تتعلق عادة بمفهوم الشورى ومفهوم البيعة ومفهوم الاستخلاف وقيم الكرامة والعدل ، رغم علمهم ان للشورى حتى في حالة اعتبارها نظاما سياسيا مواصفات خاصة ليس بمقدورنا إذا أردنا ان نكون موضوعيين ان نتجاهلها هي :
أولا أنها عمل يصدر عن الحاكم او صانع القرار وأنها اختيارية في إجرائها استشارية في نتيجتها ، وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله ،
ثانيا :أنها منظومة قبلية سابقة على الإسلام تعبر عن متطلبات الحياة في جماعات (واقع تاريخي)
وثالثا :أن هناك مفهوما ورد به نص ديني قد يجعل المسألة أكثر تعقيدا مما تبدو وهو مفهوم طاعة أولى الأمر ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولياء الأمر منكم –النساء 59)فأيا كان تفسير عبارة أولي الأمر فإن مفهوم الطاعة في حد ذاته لا يستقيم مع مبدأ المشاركة في صنع القرار السياسي ومساءلة السلطة ومراقبتها وسحب الثقة منها والذي هو جوهر العملية الديمقراطية) وهكذا يتحول مفهوم الشورى إلى نسبيته التاريخية والمفهومية تجاه مفهوم الديمقراطية من خلال هذه المحددات للمفهوم وللممارسة التاريخية له.
أما بالنسبة لمفهوم البيعة الذي يعرفه الأستاذ عاطف بأنه(اتفاق او عهد يجري بين طرفين ويلتزم كل منهما بالتزام ما تجاه الآخر) ويستشهد في بيعة العقبة الأولى (حيث دخل بعض الاوس والخزرج في الإسلام والثانية التي هي معاهدة بين الاوس والخزرج والنبي صلى الله عليه وسلم هدفها حماية النبي مقابل انتمائه لهم ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة –الفتح-18-19) وفي التوبة ( ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم –مبايعة من الله ) وهذه البيعات لم تكن من البيعات التي تكون لرؤساء الدول إذ لم يكن من شأن النبي صلى الله عليه وسلم أن يصدر قرارات إلا ما أذن الله له من بيان وتوضيح للناس وبذلك يمكن القول ان الإسلام الدولة قد نشأ بعد ان انتهى أمر النبوة والرسالة .
وبعد ان يلاحظ الكاتب ان بيعة اجتماع بني ساعدة لم تكن دينية بأي حال حيث وصل فيها الجهاد إلى امتشاق السيوف وكانت الممايزة فيها على أسس دنيوية بحتة يبين أحقية المهاجرين قريش والأنصار حتى قال عمر كلمته الشهيرة : من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته ونحن أولياؤه وعشيرته ،وقال أحد الأنصار موافقا :ألا ان محمدا من قريش وقومه أحق به وأولى .ويصل الكاتب إلى القول بان كل تلك الأمور هي خارج النص الديني الأساسي (القرآن) وبالتالي فيمكن تحديد مجمل خصائص البيعة في أنها إقرار بالسلطة بما يعني –وقتها-ان الذي يبايع لن يعلن الحرب على من يأخذ البيعة وهو أمر شديد الأهمية في مجتمع تقوم الشرعية فيه على القوة القبائلية او العشائرية قبل كل شيء والبيعة بهذه الصفة من الصعب إيجاد صلة قوية بينها وبين عملية الانتخاب العام من خلال الاقتراع السري المباشر الذي يشارك فيه جميع الأفراد الراشدين العاقلين.
وحينما يناقش الكاتب مسألة الاستخلاف يرفض التفسيرات القائلة بأن نزول آدم عليه السلام إلى الأرض ما كان لخلافة الله بل كان عقوبة على خطيئة، وخلافة داود عليه السلام يمكن فهمها على أنها الملك بينما خلافة المؤمنين تأتي هنا بمعنى الفوز في نهاية الأمر ويستنتج انه( في كل الحالات فما دام الهدف من خلق البشر جميعا هو عبادة الله وفقا للنص القرآني الصريح فالخلافة هنا من الصعب فهمها على انه السيادة المطلقة بل هي نوع من التفويض المشروط بتنفيذ التعاليم الإلهية ) .
أما بالنسبة لقيم الكرامة والعدل فيعترف الباحث بان هناك نصوصا عديدة في القرآن تتحدث عن الأمر بالعدل والإحسان –النحل –90)وعن الحكم بين الناس بالعدل –النساء-58) وعن الأمر بالقسط بين الناس –ال عمران –21) وعن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بان يعدل بينهم –الشورى –15) وعن القوامة بالقسط ولو على أنفسكم –النساء-13) وكذلك عن الكرامة إلا انه يضيف ( لكن المشكلة هنا هي كيف يمكن الاستدلال على الديمقراطية من خلال قيم العدل والكرامة دون ان نتجاوز النصوص ومعانيها وسياقاتها).
وتظهر نسبية الأحكام اكثر –في علاقة الديمقراطية بالإسلام –حينما يصل الباحث إلى منظور الاستدلال المنطقي العقائدي فكيف ذلك؟
منظور الاستدلال المنطقي –العقائدي:
هنا تختلف الأحكام والنتائج باختلاف المقدمات الاعتقادية المختارة فمرة يكون هناك اتفاق بين الديمقراطية والإسلام ومرة يكون اختلاف حد التناقض ، فإذا كانت المقدمة الاعتقادية هي : ان الله هو الخالق العادل فمنهج الاستدلال يمكن ان يجري على النحو التالي :
الله خالق كل شيء –الله عادل فيما خلق
عدل الله في خلقه من البشر يقتضي ان يكون
كل البشر متساويين في الحقوق والواجبات
وكل البشر أحرار في فكرهم وسلوكهم حتى يمكن محاسبتهم على أفعالهم ،وإذن فالمجتمع يتكون من أفراد متساوين جميعا وأحرار يملكون القدرة على اختيار ما يفعلون وعلى ذلك فالسلطة في مثل هذا المجتمع يجب ان يتقاسمها الجميع أي ان يشارك الجميع في صياغة القرار السياسي بمختلف مستوياته بما في ذلك الأشكال المؤسسية المنظمة لهذه المشاركة والإجراءات العملية التي تتطلبها مثل الانتخابات وفصل السلطات وتداول السلطة وهذه هي مكونات الديمقراطية .
أما إذا كانت المقدمات الاعتقادية مثلا هي علم الله بمصلحة البشر الذي يتمثل في الشريعة فيمكن ان يجري الاستدلال كما يلي :
الله عالم بما فيه مصلحة البشر
الله وضع في الشريعة كل ما يحتاجه البشر
إذن على الإنسان ان يطيع أوامر الله كما يحددها أهل العلم المتخصصين في الدين ، حكم الشريعة يجب ان يسود وعلى الأفراد الطاعة (حكم ثيوقراطي مناف للديمقراطية)
وهكذا يمكن للاستدلال المنطقي الاعتقادي ان يصل بنا إلى نتيجتين مختلفتين وفقا لمضمون المقدمة الاعتقادية المختارة .

المنظور التاريخي :
أما المنظور التاريخي فان الباحث يتحدث عن التطبيق الإسلامي الحقيقي للإسلام عبر التاريخ الطويل له، حيث يجد الباحث ان هناك فترة وجيزة من التاريخ الإسلامي لا تزيد عن ربع قرن من مجموع أربعة عشر قرنا هي عمر الإسلام هي التي طبق الإسلام فيها تطبيقا جعلها فترة مقدسة وهي التي تنحصر في القرن الأول الهجري ثم فترة من القرن الرابع الهجري الذي شهد حركة فكرية وعلمية متفردة والتي كانت فترة الازدهار الحضاري التي أثرت في أوربا واستمدت منها حضارتها الراهنة ، ويرى الباحث ان هاتين الفترتين اعتبرتا ممثلتان للإسلام بينما يعتبر باقي التاريخ انحرافا عن الإسلام الحقيقي، وهو يرى ان هذا الحكم ينطوي على تحيز أيدلوجي واضح وقد تتناقض بعض فرضياته مع الوقائع التراثية التي وردت في كتابات القدماء خاصة ،ويرفض التسليم بداهة بأن الإسلام دين ودولة بناء على تأسيس النبي صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام الأولى ويقول بأن دمج السلطة الزمنية والدينية في السلطة السياسية في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قد يكون هو الأصل للمقولة التي شاعت في العصر الحديث من أن الإسلام دين ودولة وهي مقولة –كما يقول-تتسم رغم شيوعها بالالتباس الشديد لأنها لا توضح ما إذا كانت التشريعات الدنيوية –المعاملات- في الإسلام هي ذاتها دينا مقدسا وثابتا وملزما أم أنها دنيوية بحتة متغيرة وفقا لشروط الزمان والمكان ، وفي هذه الحالة هل تعني تلك المقولة إن الإسلام يتضمن الدين كما يتضمن شيئا آخر غير الدين هو الدولة ، أم أن الدولة رغم أنها دنيوية بحتة تظل داخل إطار الدين رغم أننا نحن البشر من ننشئ هذه الدولة وننظمها ونشرع لها ونديرها؟

المنظور الايدلوجي:
أخيرا نأتي إلى المنظور الأيدلوجي والذي يعني معالجة النص من منظور غير ديني مستمد من تصورات ومفاهيم ورؤية فردية للعالم والحياة بحيث يرى في النص ما يعتقده هو لا ما يقوله النص، فبينما يفترض أن التفسير والتأويل كليهما يلتزمان بضوابط لغوية ومنهجية معينة فإننا نجد أن القراءة الأيدلوجية تعفي نفسها من تلك الضوابط وتستنطق مفردات النص –طوعا أو كرها-بمفرداتها هي ويمكن –كما يقول الباحث-تصور خطوات القراءة الأيدلوجية على النحو التالي :

1-تبني منظومة معينة من التصورات والمعتقدات تنشأ –عادة –بعيدا عن التعامل مع النص الديني ، أي في سياق معرفي وثقافي واجتماعي ينتمي لعصر مغاير تماما لزمن ورود النص.

2-توظيف تلك المنظومة في تكوين تصور معين للمسألة الدينية ولما يجب أن يكون عليه النص الديني أي ما يجب أن يحتويه من مبادئ وحقائق ونظم في مختلف المجالات .

3-البحث عما يؤيد ذلك التصور فيما ورد في النص الديني من كلمات أو عبارات أو إشارات هنا وهناك وفصلها عن سياقها اللغوي والوقائعي حتى يمكن تحميلها بالمعنى المراد الوصول إليه ، وقد يكون ذلك المنظور ليبراليا مثلما نجد في مدرسة محمد عبده وامتداداته الفكرية وقد يكون اشتراكيا مثلما كان لدى عمار اوزيجان الجزائري في الجهاد الأفضل ولدى سلمان غانم الكويتي المعاصر ولدى جمال البنا في كتاباته العديدة وقد يكون أصوليا يتبنى مبدأ الحاكمية لله ويستبعد تماما من أي عملية تشريعية ويضع التشريع الإلهي في مواجهة التشريع الوضعي واخيرا قد يكون علمانيا مثلما نجد أيضا في بعض مواقف المفكرين وفي تيار الإسلام النقدي الذي يمثله في الفكر المعاصر اركون وخليل عبد الكريم ونصر أبو زيد وغيرهم ، وفي كل حالة من تلك الحالات نجد أن الإسلام يتغير مضمونه وفقا لنوع الأيدلوجيا التي يتبناها الباحث ويتغير بالتالي الموقف مما إذا كان الإسلام يتوافق مع الديمقراطية أو يتنافى معها ,
هكذا نجد أن طبيعة المنظور المستخدم تنعكس على طبيعة الحكم الناتج عنه ومن هنا كان تعدد الاجتهادات في الديمقراطية والإسلام حتى وجدنا من يحرمها ويعتبرها كفرا واضحا وصريحا ويصف من يدعو إليها بالكافر اعتمادا على مقدمات في الفكر الإسلامي وآخر يعتبرها هي الصورة المتطورة من نظام الشورى الإسلامي حتى أطلقوا مصطلح الشورىقراطية وهناك من يصف القائلين باختلاف الديمقراطية عن الإسلام بأنه لم يفهم الإسلام ولا الديمقراطية على حد سواء وحتى على مستوى الكتابات الغربية نجد من يعتقد أن الإسلام دين ديمقراطي وهناك فعلا ما يمكن أن نسميه الديمقراطية الإسلامية ويستشهد عليها بالنصوص والتاريخ ومنهم من يعتبر الإسلام دين ثيوقراطي حاكميته مطلقة ذات طابع الهي .
وهكذا تتعدد الاجتهادات حتى يمكن القول إن تعدد وجهات النظر تصل إلى حد التعدد الفقهي ذاته بل والى الطوائف الإسلامية وتعددها واجتهاداتها بل نجد الاختلاف أحيانا حتى في المذهب الواحد ففيهم مؤيد وفيهم معارض والبعض يعترض على الديمقراطية بمجرد ذكرها كمصطلح غربي .

الحرية وسط التجانس بين الديمقراطية والإسلام:
حينما ننطلق من مفردة الحرية في الإسلام كأساس للحديث عن قرب الإسلام وبعده عن الديمقراطية وباعتبارها المضمون الحقيقي لممارسة الديمقراطية سواء على المستوى الفردي أو الجماعي وصولا إلى حرية اختيار نظام الحكم ومن ثم باعتبار الديمقراطية في أساس نشأتها كانت على أساس الحقوق الطبيعية للإنسان فماذا نجد ؟
في دراسة للدكتور عادل العوا عن الحرية في أصولها الإسلامية ينطلق من تأكيد الإسلام على الحرية باعتبارها فطرة فطر الله الناس عليها سواء من باب العدالة الإلهية على البشر أو من باب أن الله أعطى الإنسان قدرة للاختيار إن شاء عمل خيرا أو عمل شرا ، أي إن حق الاختيار متاح للإنسان بمجرد وجوده وما دام الإسلام يعترف بان الإنسان له قدرة الاختيار فقد سلم بأول مفردة من مفردات الاختيار الإنساني وقد أعطاه الله سبحانه وتعالى عقلا قادرا على أن يكون مرجعية أولية للتفضيل بين طريق وطريق عبر المعرفة والمنطق الذي له ، إذن في البدء كانت الحرية ثم كان العقل والمعرفة أدوات تغذية هذا الاختيار بما يصلحه أو يقومه على الطريق المطلوب ، وهكذا نرى أن الإسلام ينطلق من حق طبيعي للإنسان يسبق به أي اختيار ديني أو فكري أو سياسي …الخ ولا نجد في أي آية في القرآن أو حديث شريف ما يعارض هذا بل كل الآيات والأحاديث تؤيد هذه الحقيقة وتؤكدها .
هكذا نجد أن الحرية تسبق الإسلام في الإنسان وبالتالي فاختيار الإسلام كعقيدة يأتي لاحقا لوجود هذه الحرية ، بل إن الاختيار الإنساني الأول بعد خلق الإنسان الأول آدم عليه السلام كان العصيان لما أمر به ، وعصيان آدم عليه السلام لربه جاء بعد إعطائه الحرية ومنظومة المعلومات حول الشيطان وعداوته للإنسان فلما اختار العصيان لم يكن إلا مختارا وقادرا على تأكيد هذه الحقيقة والقدرة ، من هنا فان الإسلام يذهب مع حق الاختيار حتى النهاية .
إذن ففطرة الإنسان كما يقررها الإسلام كانت الحرية في الاختيار أي فطرة الحرية وهو بهذا يتجاوز أي مذهب فكري يتعرض لمبدأ الحرية لدى الإنسان وهذه الحرية أمانة الله التي استأمن الإنسان عليها والتي رفضتها الكائنات كلها ورضيها الإنسان( انا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان ) وهكذا وجدنا إن كل الكائنات تسجد لله تعالى بحكم تنازلها عن الاختيار للطاعة لله إلا الإنسان ( ألم تر أن الله يسجد له ما في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب –الحج –18) فمخلوقات الله جميعا تسجد له إلا بني الإنسان فان منهم الساجدين ومنهم الكافرين ومنهم المطيع ومنهم العاصي وهذا اختيار محض .
إذن فتعريف الإنسان في الإسلام انه حرية قبل كل شيء قبل ان يكون موصوفا بأي صفة ثم بعد ممارسته لتلك الحرية في اختيار عقيدته يبدأ الحكم على سلوكه بالصواب او الخطأ ولو شاء الله سبحانه وتعالى لهدى الناس جميعا ولكنه لم يفعل ذلك لانه أراد الإنسان ان يطيعه بحريته وارادته ومن هنا فان الحرية في الإسلام مبدأ حركته كلها( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين –يونس-99) .
يقول العالم الجزائري الشيخ عبد الحميد بن باديس عن واجب الدولة الإسلامية في كفالة الحرية للفرد المسلم (حق كل إنسان في الحرية كحقه في الحياة ومقدار ما عنده من حياة هو مقدار ما عنده من حرية والمعتدى عليه في شيء من حريته كالمعتدى عليه في شيء من حياته وما أرسل الله من رسل وما شرع لهم من الشرع إلا ليحيوا أحرارا وليعرفوا كيف يأخذوا بأسباب الحياة والحرية ، وحتى يستثمروا الحياة وتلك الحرية إلى أقصى حدود الاستثمار النافع وما انتشر الإسلام في الأمم إلا لما شاهدت فيه من تعظيم للحياة والحرية ومحافظة عليها وتسوية بين الناس فيها مما لم تعرفه تلك الأمم من قبل لا من ملوكها ولا من أحبارها ورهبانها ) .

يتبع >








 


 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 17:16

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc