اعلم رحمك الله أنّ فهم السلف الصالح هو أسلم الفهوم وأفضلها، لأنّهم عاشوا الوحي والتنزيل، وبيّنوا وأظهروا لنا السبيل الذي نسير عليه، فمن تمسّك به نجا ومن تخلّف عنه غرق قال ابن القيم رحمه الله < فالصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كانوا في زمن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على عقيدة واحدة، لأنّهم أدركوا زمن الوحي وشرف صحبة صاحبه وأزال عنهم ظلم الشكوك والأوهام > مفتاح دار السعادة 2/262
ما هو مذهب السلف:
وقال السفاريني رحمه الله < ومذهب السلف ما كان عليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم والتابعين لهم بإحسان وأتباعهم وأئمّة الدين ممن شُهد له بالإمامة وعُرِف عظيم شأنه في الدّين، وتلقّى النّاس كلامهم خلف عن سلف دون من رمي ببدعة أو شهر بلقب غير مرضي مثل الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة والجبرية والجهمية والمعتزلة والكرامية > لوامع الأنوار البهية 1/ 21
وجوب اتباع السلف:
وقال العلاّمة الموفّق بن قدامة رحمه الله < وقد ثبت وجوب اتباع السلف رحمة الله عليهم بالكتاب والسنّة والإجماع والعبرة دلّت عليه، فإنّ السلف لا يخلوا من أن يكونوا مصيبين أو مخطئين، فإن كانوا مصيبين وجب اتباعهم، لأنّ اتباع الصواب واجب وركوب الخطأ حرام، ولأنّهم إذا كانوا مصبين كانوا على الصراط المستقيم، ومخالفهم متّبع لسبيل الشيطان الهادي إلى صراط الجحيم، وقد أمر الله باتباع سبيله وصراطه ونهى عن اتباع ما سواه فقال { وأنَّ هذا صراطي مستقيما فاتّبعوه ولا تتّبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله ذلكم وصّاكم به لعلّكم تتّقون }
وإن زعم زاعم أنّهم مخطئون كان قادحا في حقّ الإسلام كلّه، لأنّهم إذا جاز أن يخطئوا في هذا، جاز خطؤهم في غيره من الإسلام كلّه، وينبغي أن لا ننقل عنهم الأخبار التي نقلوها، ولا نثبت معجزات النّبي صلّى الله عليه وسلّم التي رووها فتبطل الرّسالة وتزول الشريعة ولا يجوز لمسلم أن يقول هذا أو يعتقده > ذم التأويل ص 35
وقال الأوزاعي رحمه الله < اصبر نفسك على السنّة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عمّا كفّوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنّه يسعك ما وسعهم > تلبيس إبليس لابن الجوزي رحمه الله ص 10
وقال الإمام عبد الحميد بن باديس رحمه الله وهو يتكلّم عن الصحابة رضي الله عنهم < إنّهم لمّا سلكوا الطريق المستقيم بالمعنى المستقيم، انتهى بهم السير إلى أحسن قرار ومقام، إلى دار النعيم المقيم، في جوار الرّحمان الرّحيم، فإذا اشتقت إلى نهايتهم فتمسّك بهدايتهم وزن أعمالك بأعمالهم وأحوالك بأحوالهم فإذا جعلت ذلك من هذه وحملت عليه نفسك بصادق عزمك وصبرت كما صبروا رجوت أن تظفر بما ظفروا >
وقال أيضا رحمه الله < إنّ اختلاف الأفكار والطباع، مع اختلاط الأمم في الزمن الطويل، أدّى بالفرق الإسلامية إلى كثير من الإختلاف، وكان من بين ذلك لا محالة بدع دينية في الإعتقادات والأعمال، وكلّ ذي بدعة – لابد – معتقدا فيها صوابا، ومتلمسا لها دليلا، ولا يقف بالجميع عند حدّ واحد، إلاّ بدليل واحد، وهو التزام الصحيح الصريح مما كان عليه النّبي صلّى الله عليه وسلّم وكان عليه أصحابه، فكلّ قول يراد به إثبات معنى ديني ولم نجده في كلام أهل ذلك العصر نكون في سعة من ردّه وطرحه وإماتته وإعدامه، كما وسعهم عدمه، ولا وسّع الله على من لم يسعه ما وسعهم، وكذلك كلّ فعل ديني لم نجده عندهم، وكذلك كلّ عقيدة فلا نقول في ديننا إلاّ ما قالوا، ولا نعتقد فيه إلاّ ما اعتقدوا، ولا نعمل فيه إلاّ ما عملوا، ونسكت عمّا سكتوا فهم كما قال الشافعي في رسالته البغدادية < أدوا إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وشاهدوه والوحي ينزل عليه فعلموا ما أراد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عاما وخاصا وعزما وإرشادا، وعرفوا من سنّته ما عرفنا وجهلنا وهم فوقنا في كلّ علم واجتهاد وورع وعقل وأمر، استدرك به علم واستنبط به وآراؤهم لنا أحمد وأولى من رأينا عند أنفسنا > أثار عبد الحميد بن باديس 4/243
قال العلامة المحدّث الألباني رحمه الله < لا بدّ للمسلم أن يجمع بين أمرين اثنين : صدق الإخلاص في النية لله عزّ وجل، وحسن الإتباع لما كان عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم .
فلا يكفي إذًا أن يكون المسلم مخلصا وجادا فيما هو في صدده من العمل بالكتاب والسنّة والدعوة إليهما، بل لا بدّ بالإضافة إلى ذلك من أن يكون منهجه منهجا سويّا سليما، وصحيحا مستقيما، ولا يتمّ له ذلك على وجهه إلاّ باتباع ما كان عليه سلف الأمّة الصالحون رضوان الله تعالى عليهم أجمعين > التحذير من فتنة التكفير لعلي حسن ص 60