بين الاشاعرة و المشبهة

[abh3]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين


قال الله تعالى: هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ

اعلم رحمني الله وايّاك ووفقنا الى ما يحب ويرضى أنّ هذه الاية الكريمة تدل على وجود آيات محكمات وآيات متشابهات وأنّ الذين يبغون الفتنة والفرقة يزيغون باتباعهم ظاهر المتشابه من آي القرآن الكريم فضلوا سواء السبيل.

ومن أكثر المسائل التي خالف فيها المشبهةُ جمهورَ أهل السنة والجماعة هو اتباعهم لظاهر الاية الكريمة: الرحمن على العرش استوى. فأخذوها على ظاهرها ووصفوا معبودهم بالجلوس والاستقرار واختلفوا فيما بينهم فمنهم من قال انه مماس للعرش وآخرون قالوا استوى بلا مماسة بذاته وافتروا على أهل العلم من السلف والخلف ورموا الاشاعرة والماتوريدية بالتعطيل.

قبل أن أتكلم عن معتقدات اؤلئك المشبهة أحببت أن اوّضح باختصار بأنّ اهل السنة والجماعة يعتقدون ويثبتون صفة الاستواء لله تعالى, وينزّهون الله تعالى عن القول بالجلوس والتحيّز والاستقرار والجسمية. تعالى الله عن ذلك. فاعتقادنا انّ الله تعالى مستغن عن جميع المخلوقات, فجميع المخلوقات بحاجة اليه ولا يستغنون عنه طرفة عين.


المشبهة يعتقدون أنّ اللّه - تعالى عن ذلك - له أعضاء هي الوجه والعين واليد والقدم والسّاق والأصابع وغير ذلك، وإنّ هذه الأعضاء تشغل ذواتها حيّزاً ومكاناً، لأنّها أجزاء وأبعاض للذّات الإلهيّة وأثبتوا للّه تعالى جميع لوازم الأجسام المرئيّة من حركة وسكون، وارتفاع ونزول وغير ذلك، كلّ ذلك قالوه وذكروه في كتبهم، ويوجد فيها غير ذلك من المفاسد والقبائح أعرضنا هنا عن ذكرها بتفصيل لأنّ المقام لا يتّسع.

وهم عندما اعتقدوا بكلّ تلك المفاسد، وواجهتهم النّصوص التي تقطع بأنّ الباري تعالى ليس كمثله شيء، وأنّه تعالى لم يكن له كفوا أحد، وأنّه لا يشبهه شيء، وتواترت أقوال الأئمّة الكبار في تنزيه الباري عن كلّ ما ذكروه من قبائح، ولمّا وقعوا بين هذين الأمرين، حاولوا الخروج من هذا التّناقض، فلجأوا إلى قول غير مفهوم، ولا مقبول وازدادت خلافاتهم بعد ذلك فيما بينهم.
فقالوا مثلا في هذه الآية محلّ الكلام، الرّحمن على العرش استوى جلس، وكلّ جلوس له هيئة وكيفيّة، فادّعوا أنّهم علموا بنصّ الآية أصل الجلوس، ولم يعلموا كيفيّته ولا هيئته، واكتفوا بقولهم أنّ جلوس اللّه، تعالى عمّا يقولون، ليس كجلوس أحد من خلقه، فالملك يجلس على العرش بكيفيّة معيّنة، والفارس يجلس على ظهر حصانه بكيّفيّة أخرى، والصّبيّ يجلس على الأرض بكيّفيّة أخرى وهكذا، فكلّ واحد من النّاس له هيئة معيّنة عند جلوسه، وكذلك اللّه عندما جلس على العرش، كانت له كيفيّة خاصّة، وهذه الكيفيّة لا نعلمها، ولكنّها لا تشابه أيّ هيئة من الهيئات المعلومة، فقالوا: جلوس يليق به تعالى، جعلوا هذه العبارة تفسيراً لقوله تعالى: (استوى على العرش)، واتّخذوا هذا الفهم أصلا أصيلا من العقائد يكفّرون غيرهم، ويبدّعونهم، ويفسّقون بناء عليه.

أجارني الله وايّاكم من معتقدات المشبهة.


ولأهل السنة والجماعة أكثر من طريق للرد على جهالة هؤلاء, فذهب قوم من أهل السنة المتكلمين بالتكلم في الاصول وألزموهم الكلام في الادلة العقلية لاثبات فساد قول هؤلاء الجهلة الحشوية. وذهب آخرون يدققون في أقوال العلماء لينقلوا لهم التواتر من أقوال العلماء الثقات في تنزيه الله تعالى عن قول المشبهة.

ولنبدأ اولا ببيان معنى كلمة استوى في لغة العرب, فكلمة استوى تحمل أكث من أربعة عشر معنى في لغة العرب. فمن معانيها النضوج كقولك: استوت الفاكهة. ومن معانيها الاعتدال عن اعوجاج. ومن معانيها المساواة كقول الله تعالى: قل هل يستوي الاعمى والبصير. ومن معانيها الاستقرار كاستقرار سفينة نوح عليه السلام على الجودي. ومن معانيها القهر والغلبة والاستيلاء.

وللناظر أن يرى أي المعاني المذكورة أعلاه هي التي تليق بالله عزّ وجلّ والتي تناسب سياق الاية الكريمة الرحمن على العرش استوى.


وعندما قرر الاصوليون منهجا للرد على المجسمة في تمسكهم بظاهر هذه الاية ناظروهم بطريقة سؤال وجواب كما سأبينه لكم.

السؤال: هل تقول بأنّ الاستواء متعلق بالعرش.
الجواب: نعم

السؤال : هل تقر بأنّ الله تعالى خالق كل شىء من العرش الى ما دونه من المخلوقات؟
الجواب: نعم. (لأنه لو قال لم يخلق العرش يكون قد كفر)

السؤال : هل تقر بأنّ الله تعالى كان موجودا قبل خلق العرش ,وأنّ العرش كان عدما ثم أوجده الله تعالى.
الجواب: نعم. (لأنه لو قال أنّ العرش كان موجودا مع الله يكون قد كفر لإثباته وجود أزلي مع الله, فيكون قد أشرك مع الله مخلوقا آخر في صفات الله تعالى).

السؤال : هل تقر بأنّ الله تعالى كان متصفا بكل صفات الكمال قبل خلقه للعرش؟
الجواب: نعم. (لأنه لو قال لا, يكون قد كفر لعدة أوجه. يكون قد قال بأنّ الله تعالى كان متصفا بالنقص قبل خلقه للعرش. ويكون قد قال بأنّ الله تعالى كان محتاجا للعرش حتى تكمل صفات الكمال لله تعالى. تعالى الله عن مثل هذا الاعتقاد. ونعني بقولنا أنّ الله تعالى متصف بصفات الكمال يعني صفاته الذاتية).