[align=center]آمال ضائعة
أصبحت عقارب الساعة التي بيد" أمل " تقترب من منتصف النهار، الجو ممطر تصاحبه من حين لآخر سقوط حبات البرد، الشوارع شبه خالية إلا من بعض المارة الدين يركضون باتجاه منازلهم.
انتظرت "أمل" كثيرا بجانب مقر عملها رغم أن ثيابها تبللت على الآخر، أما المظلة التي بيدها تكسرت بفعل الرياح...لقد مضى على انتظارها لخطيبها "محمود" حوالي ساعتين، ليس من عادته التأخر كل هدا الوقت، لمادا تأخر؟ مادا حدث له؟ أسئلة تدور في دهن "أمل" أنستها ما آلت إليه حالتها في هدا اليوم الممطر.
في هده اللحظات التي كان دهنها مشغول في التفكير، يأتي أخوها "مصطفى بسيارته على غير العادة يتوقف ثم يقول لها: هيا اصعدي ترد عليه أمل" بعدما رأت ملامحه متغيرة: لكن مادا حدث لمحمود" اخبرني؟ الحمد لله على كل حال، اصعدي وستعرفين..تعرض لحادث مرور عند عودته من العمل، وهو الآن في المستشفى تبقى أمل صامتة غير قادرة على الكلام ، يواصل مصطفى :لا تخافي فالإصابة بسيطة، وسوف تتأكدين من دلك عند رؤيته، وصل "مصطفى" "وأمل" المستشفى وأسرعا إلى غرفة "محمود" وما إن رأته "أمل" حتى سقطت أرضا مغميا عليها، ولم تفق إلا بعد نقلها إلى البيت، حيت وجدت كل أفراد عائلتها حولها...
قامت مذهولة والدموع تنهمر من عينيها..أمي مادا حدث "لمحمود"؟ تجيبها أمها: قولي الحمد لله يا بنيتي لقد أجريت له العملية وتحسنت حالته ...لكن متى سيخرج من المستشفى؟ وهل استطيع زيارته الآن؟ تقول الأم: تمهلي قليلا يا"أمل"فهو الآن في قاعة العناية المركزة، أما زيارته ستكون في الغد بحول الله، لكن ما حير "أمل" كثيرا ..اللغز الذي كانت تراه في أعين أفراد عائلتها خاصة أمها.
طالت تلك الليلة على"أمل" وكأنها سنة بأكملها، وبين الفينة والأخرى تأخذها ذاكرتها إلى الذكريات الجميلة وكيف تعرفت على"محمود"، فمحمود هو ابن جارهم "احد" وبما أن العلاقة كانت جد وطيدة بين العائلتين فقد تواصلت الزيارات بينهما حتى بعدما غير "خالد"-أبو محمود- مقر سكنه بسبب ظروف عمله... ويعود "لمحمود" الفضل في انقاد حياة "أمل" عندما أصيبت بانهيار عصبي إثر وفاة أبيها حيث حاولت الانتحار برمي نفسها من شرفة المنزل..
فبدلك الموقف الشجاع"لمحمود" أصبحت تبدي ميولها واهتمامها به، رغم انه في الكثير من الأحيان كان يظهر إعجابه بها...وما هي إلا بضعة شهور حتى تقدم لخطبتها، وتتفق العائلتان على إجراء مراسيم الزواج بعد سنة واحدة ...
وبينما هي مسترخية تعيد شريط الذكريات ..إذ بها تسمع صوت أمها :أمل، أمل... انهضي لقد حان الوقت لزيارة محمود،...قامت "أمل" من سريرها رغم أنها لم تدق طعم النوم طوال الليل.
ﺬهبت "أمل" برفقة أمها وأخيها على مثن السيارة ، وهي تعد الثانية تلو الأخرى، و ما هي إلا دقائق حتى وصلا ...تنزل "أمل" مسرعة تتسابق خطاها تاركة ورائها أمها وأخاها ..تدخل غرفة "محمود" تجده على حال كادت تفقدها أعصابها ، تصيح بعدها بأعلى صوتها: محمود محمود.. ينظر إليها دون أن ينطق بأية كلمة..تعيد الكرة... محمود أنا أمل..ما بك؟الم تعرفني ؟!
حينها تأتي الممرضة لإخراجها..تلحق بها أمها ثم تأخذها لغرفة الاستقبال لتهدئتها.. وبعد أن هدأت قليلا تعلمها بالخبر الذي كان كالصاعقة..لقد فقد محمود ذاكرته أثناء الحادث ..حينها فقط وجدت "أمل" حلا للغز الذي رأته في عيون أفراد عائلته وحيرها ...في الأخير تسلم "أمل" بالأمر الواقع وتقول في نفسها:" قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا".
بعد شهرين يخرج محمود من المستشفى وهو لا يعي من حوله... لم تنقطع "أمل"على زيارته في بيته رغم معارضة أمها وكانت في كل مرة تبدل قصارى جهدها لمساعدته على تذكر ولو بعض الأحداث البسيطة من ماضيه، لكن لا حياة لمن تنادي...
مرت سنة كاملة على الحادث ولم يتذكر "محمود" شيء، في نفس الوقت زاد إلحاح أم أمل على ابنتها للتخلي على "محمود" .لتستطيع في الأخير بلوغ مرادها وتفسخ الخطوبة، أما "أمل" بقيت وفية ولم تنزع خاتم الخطوبة
... و ماهي إلا أيام حتى يتقدم ابن خالتها "كريم" يومها تقول "أمل" وفي عينيها حسرة لم تستطع إخفاءها مخاطبة الجميع : لن أتزوج إلا محمود، " لن أتزوج إلا محمود، طأطأ كريم رأسه ثم نظر إلى أمه محاولا المغادرة لكن "أم أمل" تطمئن أختها فتقول:إنها لا تعي ما تقول فهي لا تزال تحث تأثير الصدمة...ستغير رأيه.
تتدهور حالة أم أمل الصحية بعدما أصيبت بالسكري وأصبحت طريحة الفراش ومع دلك زادت متاعب أمل وهمومها، ولم تعد ظروفها المادية تسمح لها بالعناية بأمها خاصة وأن أخاها الوحيد هاجر دون أن يعلمهم بشيء..في هده الأوقات الصعبة لم تجد من يساعدها إلا كريم وأمه.
نقل كريم خالته إلى المستشفى وتكفل بكل مصاريف العلاج ولان السكري مرض خبيث أنهك جسمها النحيل ولم تقدر على المقاومة لتفارق الحياة بعدها..وكانت آخر كلماتها لابنتها:أمل تزوجي كريم... هكذا بقيت آمل وحيدة تصارع قسوة الحياة .
لم ينقطع كريم على زيارتها أما أمه فلم تفارقها وبقيت قريبة منها باستمرار ، مضت شهور على وفاة أم أمل لكن طيف أمها لم يغادرها وكلماتها الأخيرة بقيت ترن في أدنها.. في هده الأثناء تكرر لها خالتها رغبة ابنها في الارتباط بها...ولان هواجس كثيرة كانت تطاردها وخوفها من الوحدة قبلت دون أدنى نقاش في هده الفترة انقطعت عن زيارتها لمحمود.
بدأت الاستعدادات للزفاف الذي حدد بعد شهر واحد ، وفي دلك اليوم وبينما كانت أمل منهمكة في ترتيب بعض الأغراض..تسمع طرقا على الباب..تذهب مسرعة تظن انه كريم...تفتح فتجد أم محمود هده الأخيرة لم تكن تعلم أن أمل قد قررت الزواج بكريم..تسلم عليها ثم تقول ، أبشري ابشري يا أمل لقد استعاد محمود ذاكرته بعدما سقط من على السلم ..ولما استفاق مباشرة سأل عليك، تنظر إليها أمل وعيناها تشع نورا ثم تصرخ محمود بعدها تتلعثم في الكلام ما...ماﺬا قلت...يا إلهي.ثم تبكي بحرقة شديدة.
تغادر أم محمود ..وما هي إلا لحظات حتى يأتي كريم وفي يده باقة من الزهور...يجد أمل شاحبة الوجه فيتعجب ويسألها في حيرة:ما بك يا أمل؟ ترد عليه دون تفكير : محمود محمود ..استعاد ذاكرته.. يصمت كريم برهة ثم يقول:إن لا زلت متعلقة به سأنسحب من حياتك إلى الأبد ثم يغادر المنزل.
تخاطب أمل نفسها : لكن ما ذنبك أنت؟ وبأي حق أجرح مشاعرك؟ عاد كريم إلى بيته و بقي يفكر طويلا بسائل نفسه: هل ستعود له ؟ مادا أفعل؟ في الأخير يتوصل إلى قرار الرحيل.
أما أمل فمباشرة بعد خروج كريم تذهب مسرعة إلى بيت محمود وهي على أحر من الجمر لرؤيته... لم تشعر بمرور الوقت وهي معه..بعد المغرب تعود وصورة محمود لا تفارق خيالها...لم تتذكر كريم إلا في اليوم الموالي تحاول أن تسأل عنه بالهاتف وقبل أن تحمل السماعة تخبرها خالتها انه اتصل بها وأخبرها أنه رحل إلى فرنسا، الأمر الذي حز كثيرا في نفس أمل .وأحست أنها السبب فكيف تستطيع النظر في عيون خالتها.. .".وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان" بقيت حزينة طوال تلك الليلة لتخطر على بالها فكرة لطالما راودتها وهي مواصلة دراستها بالجامعة لا سيما وان التسجيلات الجامعية قد بدأت
في الصباح الباكر تجمع وثائقها وتلتحق بالجامعة لتسجل في قسم المحاماة محاولة بدلك ان تنسى ماضيها الحزين.
رشيدة 2004
[/align]