في زمن كان الحمار وسيلة للتنقل ونقل الأمتعة وكان يصول ويجول في الشوارع كان له مكان مخصص
يربطه صاحبه فيه فيرى المار على ذالك المكان مجموعة من الحمير فيعقل المكان على أنه مخصص
للحمير ولم يكن الأمر يستدعي لافتة , فلا الحمار يقرأ ولا صاحبه يحتاج للافتة كي يفهم .
لما كنت أسير في الشارع كنت أقرأ الأسطر المكتوبة على الجدارن هي رسالة عاشق لحبيبته ورسالة
أخرى في الجدار الآخر شكوى وغيرها من الكتابات المتنوعة كتنوع الأزقة والشوارع كل الاماكن
متاحة لتنفيس والتبليغ والبوح وحتى لقذارة الإنسان أكرمكم الله التي ما كان ينبغي أن تكون علنا وجهارا
وما يزيد الحيرة أن كل الوسائل لتحد من هذا السوء باتت لا تجدي نفعا وأطرفها هي صورة الحمار الكبيرة
على الجدار وتحتها بخط عريض كتب مكان مخصص للحمير ما يجعلك تشك في كوننا نتطور ورتقي بل
ما زالت الحمير تجوب الشوارع والأزقة , تزاحم إنسان العصر بل كيف تقتنع أننا قطعنا شوطا عن الأمس
كان الرجل مهموم والحيرة تستبد به لقد علق الكتاب هكذا قال لي سنتين من البحث والنسخ واللصق حتى
اذا ما تراكمت الأوراق وأصبحت كتاب جاهز للنشر أوصد عليه النظام في مكان ضيق ربما هو آخر رواق
في مساحة القرص يمنحه أياه ما يتعذر عن فتح الباب ودفعه لطابعة فتخرجه أوراق مسطرة بالحبر الرقمي
عرض علي صاحبي جلسة خاصة وكنت مضطر أن ألقنه درس في التعامل مع النظام الذي اهداه لنا الغرب
نحن نتعامل معه بنفاق نؤمن أنه نتاج الأمة الكافرة التي لا تفتأ تستهزئ بينا وبديننا وتنعتنا بالحثالة الجاهلة
ولكن ترانا متمسكين بها كما يتمسك الرضيع بصدر أمه
كان يرى في آخر فرصة وكنت حريص على أن لا أترك هذه الفرصة تذهب سدا انسان لطالما احترمته
فكانت هيبته تسبقه فتفرض نفسها على الناس الذين يرونه من بعيد مثلي وربما طلابه في الجامعة وزملائه
رفعوا من تلك الهيبة بالقدر الذي يجعله محل القداسة وأكثر ما يرفع الأشخاص أن نسمع عنهم الكثير
ولكثرة حركتهم وفاعليتهم فيغيب عنا أنهم يقعون كما تقع الناس بل ننفي عنهم ذالك مطلقا . وتلك مشكلة
دخلت المكتبة لأشتري الجريدة فتأملت الأسم على غلاف الكتاب وكان صاحبي قد وعدني بنسخة منه فلا الوعد
ولا العهد كان فاذا كانت بعض النخبة تنسخ من الكتب القديمة وتلصق السطور بعبارات حديثة بل حين تقرأ فلسفة
الأولين وتستشف الفكرة فتجدها اليوم بعبارات حديثة تجعلها راقية ولكن أنظر الى حالنا اليوم ستقرأ الجريدة
وتتصفح الانترنت وتسمع الإذاعة وتشاهد التلفزة تقتنع أنك انسان متميز عن الحمير والدواب الذين هم معك
في البسيطة وحين تركب الطائرة ترى الفرق واضح وأنك مازلت تركب الحمار ربما الشعور بالسمو
هو من يعطيك الفارق أما الوسيلة فأنت لا تعطي لها قيمة ولا تريد أن تشعر بالوخز أن هناك درجات ينتمي
لها البشر وهذه الوسائل هي دالة على البشر وبصورة عامة كل أمة لها خصوصياتها وأثبتت تواجدها
كنت أسير وأقرأ في السطور حتى انتهيت الى مكاني وكانت الجملة الأخيرة اطلقونا الما يا ولاد ......