مقدمــة
في الوقت الراهن تجد الدول العربية نفسها أمام ضغوط لا حصرلها تحيط بأنظمتها السياسية داخليا وخارجيا لإجبارها على التغييروالإصلاح في إطارمنظومة عالمية مدروسة ونموذج جاهز للتطبيق، وهي في الواقع لا تهدف إلى دمقرطة هذه الأنظمة بقدر ما تريد أن تفرض عليها نظاما معينا، وتجد الضغوط الخارجية لها منفذا عبر السلبيات التي تحيط بالأنظمة العربية وفي مقدمتها دول المغرب العربي من حيث تركيز السلطات الذي يميزها وتأخرها في مسايرة الديمقراطية، مما يحتم عليها مراجعة العديد من الآليات الدستورية سعيا لتوزيع أكثرللسلطات في الدولة وإعطاء السلطة التشريعية دورا أكبر في صنع القرار باعتبارها تمثل سيادة الشعب والأمة وهذا ما يجعل منها عصب الديمقراطية.
تمكن النظامان الدستوريان الجزائري والتونسي خلال أكثر من أربعة عقود من الزمن، من إرساء قواعد نظامين سياسيين تعرضا للعديد من الانتقادات من طرف الفقه داخليا وخارجيا خاصة فيما يتعلق بالسلطات الواسعة لرئيس الجمهورية اتجاه جميع المؤسسات الدستورية، وككل الأنظمة التي تسعى للحفاظ على نفسها من الانهيار، حاول هذان النظامان توزيع السلطات بين هيئات مختلفة تأسيا بالأنظمة الديمقراطية عامة والتي لا يخرج توزيع السلطات فيها عن الإطار المعهود الذي تبناه العديد من الفقهاء والمنظرين لمبدأ الفصل بين السلطات، حيث تم توزيع الوظائف التشريعية والتنفيذية والقضائية بين سلطات ثلاث مستقلة عن بعضها البعض وتقرير رقابة متبادلة بينها لمنع استبداد إحداها أو تفوقهاعلى الأقل من الناحية النظرية، فالسلطة التشريعية تتولى سن القوانين والتشريعات والسلطة التنفيذية تعمل على تنفيذها والسلطة القضائية تسعى لحل مختلف المنازعات سواء كانت بين الأفراد فيما بينهم أو بين الأفراد والدولة أو أحد هيئاتها، وتحاول هذه السلطات أن تعمل بشكل يحفظ توازنها واستقرارها، حيث تنفرد كل منها بالوظيفة التي أنيطت بها دون أن تتدخل في مهام غيرها من السلطات .
إن استقلال هذه السلطات وانفصالها عن بعضها البعض لا يعني الفصل التام أو الجامد لأن هذا الأخير من الصعب بل من المستحيل تحقيقه عمليا وهو يؤدي حتما إلى شلل النظام وتوقفه لذلك تقررت عدة آليات تملكها كل سلطة اتجاه غيرها من السلطات، خاصة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية كونهما متلازمتين وعمل إحداهما مرتبط بعمل الأخرى ومن هنا، وجدت حتمية التعاون بينهما وبالتالي وجود وسائل للتأثير والرقابة المتبادلة تضمن صيرورة النظام بشكل منسجم وحركي.
تطورت السلطة التشريعية في الجزائر وتونس من حيث تشكيلتها وقوتها على الساحة السياسية وضمن مؤسسات الدولة، فبعد أن كان البرلمان الجزائري وكذلك التونسي سابقا مكونا من غرفة واحدة وهي المجلس الشعبي الوطني في الجزائرومجلس النواب في تونس، أضيف للبرلمان الجزائري في ظل دستور 1996 غرفة ثانية وهي مجلس الأمة وأضيف مجلس المستشارين كغرفة ثانية للبرلمان التونسي وذلك في آخر تعديل للدستور التونسي عام 2002، وجاء هذا في إطار اتجاه البلدين إلى الثنائية البرلمانية في موجة عرفتها العديد من دول العالم وكان لكل بلد مبرراته الخاصة به.
يتم انتخاب أعضاء المجلس الشعبي الوطني بالاقتراع العام المباشر لمدة خمس سنوات وهو يمثل الارادة الشعبية ويمارس المهمة التشريعية إضافة إلى صلاحياته في مجال الرقابة على الحكومة، ويتمتع أعضاؤه بالاستقلالية العضوية والوظيفية ويشمل تمثيله أغلب التشكيلات السياسية وكذلك مرشحين أحرارا والأمر نفسه في تونس إذ يتم انتخاب أعضاء مجلس النواب لمدة خمس سنوات عن طريق الاقتراع العام و يضطلع بدوره بالمهمة التشريعية والرقابية.
أما بالنسبة للغرفة الثانية من البرلمان في البلدين فيتم تعيين ثلثها من طرف رئيس الجمهورية والباقي عن طريق الاقتراع غير المباشر ودورها التشريعي والرقابي محدود مقارنة بالغرفة الأولى.
تملك السلطة التشريعية في كل من الجزائر وتونس على غرار العديد من الدول اتجاه السلطة التنفيذية حق الرقابة التي تتدرج من الأسئلة الشفوية والكتابية إلى طرح مسألة الثقة والتصويت على ملتمس الرقابة الذي يليه سقوط الحكومة وهو ما يعبر عنه الفقه بالمسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان، وفي مقابل ذلك تملك السلطة التنفيذية سلاحا خطيرا اتجاه السلطة التشريعية وهو ما يعرف بحق حل البرلمان وهو موضوع دراستنا.
إذن تتطرق هذه الدراسة لمسألة حل اليبرلمان في كل من الجزائر وتونس في إطار دراسة مقارنة على ضوء النظامين الدستوريين لهذين البلدين المتجاورين جغرافيا والمشتركين في العديد من الخصائص والقيم الدينية والثقافية وكذلك الجوانب التاريخية.
عرفت الحل الدساتير الأربعة للجمهورية الجزائرية ولم يعرفه الدستور التونسي لعام 1959 لأن النظام آنذاك أراد تحقيق الفصل التام بين السلطات، ثم جاء التعديل الدستوري لعام 1976 الذي أدرج لأول مرة حق الحل في النظام التونسي ويتميز الدستور التونسي بتعديلاته الكثيرة
( 14 تعديلا).
وتتناول معظم الدساتير في العالم مسألة حل البرلمان بطرق مختلفة ففي حين تمرعليها بعض الدساتير مرورا سريعا، هناك دساتير أخرى تتناولها بشكل مفصل وتختلف هذه الدساتير أيضا في الجهة التي يتقرر لها حق حل البرلمان والمبررات والحالات التي ينجم عنها الحل وكذلك الإجراءات والآثار، ونشير إلى أن العديد من الدول لم تأخذ بفكرة حل البرلمان لاعتبارات تتعلق بكل نظام سياسي وخصوصيته و فلسفة الدستور، أما بالنسبة للنظامين الجزائري والتونسي الحاليين فتبنيا الحل، حيث يرد في كلى البلدين على الغرفه الأولى من البرلمان فقط، بخلاف بعض الدول التي أخذت بحل الغرفتين.
تكمن أهمية موضوع الدراسة في كون الحل من أهم الآليات الدستورية المؤثرة على بنية النظام الدستوري وعمل النظام السياسي، إذ لا يتوقف الأمر عن كونها آلية دستورية، بل إن لها بعدا سياسيا مهما يجعل منها أداة يمكن استخدامها لأغراض سياسية بحتة، وذلك كونها سلطة بيد رئيس الجمهورية الذي يتمتع بصلاحيات واسعة إتجاه جميع السلطات وفي مقدمتها السلطة التشريعية، كما أن مسألة حل البرلمان عموما تعد من الموضوعات الدستورية التي تشكل قطب الرحى ومركزاهتمام الرأي العام وأهل الاختصاص في جميع الدول بحكم اتصالها بالنظام السياسي والاجتماعي، وباعتبار أن التجربتين الدستوريتين الجزائرية و التونسية في هذا الخصوص حديثتين مقارنة بغيرها،إضافة إلى حداثة التعددية السياسية داخل البرلمان بالنسبة لكلى البلدين وما أحدثه ذلك من تأثير في بنية النظامين السياسيين، مما يستدعي الانتباه والدراسة لإحدى الآليات الدستورية الفاعلة في النظامين وهي الحل .
من جملة الاسباب لاختيار موضوع حل البرلمان في كل من الجزائر وتونس سبب شخصي وهوالرغبة في الاطلاع على تجربة بلد شقيق وكذلك الميل لموضوعات القانون الدستوري وما تتميز به من إثارة واهتمام من الرأي العام ولما تشكله من تأثير على جميع جوانب الحياة العادية، فضلا عن تعدد أبعادها وقيمة الأقلام التي كتبت فيها إضافة إلى أن هذا الموضوع يشكل مثارا للنقاش والجدل وله علاقة وطيدة بالكيفية التي يعمل بها النظام السياسي باعتبار الحل أحد أهم الميكانيزمات التي تميز النظامين الدستوريين الجزائري والتونسي، فضلا عن توفر المصادر والمراجع خاصة العامة منها والقرب الجغرافي للجمهورية التونسية مقارنة بغيرها من الدول العربية، إضافة إلى كون الموضوع المختار يتناسب والإمكانيات المادية المتاحة بالإضافة إلى العامل الزمني المناسب لإنجاز البحث .
أثناء إعداد هذا البحث تعرضنا لبعض الصعوبات في مرحلة تجميع المراجع والمتمثلة في قلة الامكانيات المادية التي تتيح لنا التنقل أكثر من مرة إلى الجامعات والمعاهد التونسية أين لم تصادفنا دراسات أو مراجع خاصة بموضوع حل البرلمان في النظام التونسي، بل وحتى المراجع العامة كانت قليلة جدا مقارنة بتلك الخاصة بالجزائر، هذا فضلا عن تصرفات بعض الجهات الإدارية من حيث تحفظها على تسليم وثائق أو مراجع للباحثين عموما وهذا في كلى البلدين .
كما تكمن الصعوبة في دراسة الحل أنها إضافة إلى كونها آلية قانونية، فلها أيضا بعد سياسي، لأن النظام الدستوري عموما يتأثر بثبات بالإطار السياسي الذي يؤثر بدوره على بنية الدستور بأن يحاول أن يفرض عليه طريقة عمل معينة والحل تتحكم فيه عوامل عديدة ومتنوعة وهي بالأساس سياسية، لأن استعماله ليس آليا تماما، خاصة في ظل التعددية الحزبية، حيث نجد أهم الاتجاهات السياسية ممثلة في البرلمان.
كأية دراسة مقارنة، يهدف هذا البحث للكشف عن مدى التقارب والاختلاف بين الحل في النظامين الدستوريين الجزائري و التونسي من جميع النواحي و توضيح العلاقة القائمة ما بين السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية و السلطة التشريعية ممثلة في المجلس المنتخب في كلى البلدين، وبيان القوة الحقيقية التي يمثلها حق الحل و دوره في عمل كل نظام سياسي و من خلال ذلك الكشف عن طبيعة النظام السياسي في كل من الجزائرو تونس .
بالنسبة للدراسات المتخصصة لم تصادفنا إلى حد الساعة إلا بعض الدراسات الدستورية التي تناولت موضوع حل المجلس الشعبي الوطني و ذلك كجانب فرعي نذكر منها:
-علاقة المؤسسة التشريعية بالمؤسسة التنفيذية، رسالة دكتوراه للدكتور سعيد بو الشعيرحيث تناول الحل في ظل دستور 1976.
-خصائص التطور الدستوري الجزائري، رسالة دكتوراه للأمين شريط، و بحث للأستاذ محمد إبراهيمي و كلاهما تناولا الحل في دستور1989.
-العلاقات بين السلطتين التنفيذية و التشريعية من خلال تطور النظام الدستوري الجزائري، رسالة دكتوراه لبوقفة عبد الله، تناول الحل في ظل دستور 1996 في إطار دراسته للعلاقة بين السلطتين.
أما بالنسبة للدراسات التي تناولت حق الحل في النظام التونسي، فإننا لاحظنا إنعدامها كليا ما عدى بعض الدراسات التي عالجت الموضوع بنوع من الاقتضاب نذكر منها:
-تعديلات الدستور التونسي، رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة لإكرام بن عمر.
-دور رئيس الدولة في حل الأزمات السياسية في التجربة التونسية ،دبلوم الدراسات العليا في القانون، لمحمد العايدي .
كما وجدنا الإشارة للموضوع في المراجع العامة التي اعتمدنا عليها حيث تعرضت العديد من الأقلام لموضوع حل البرلمان، سواء منها العربية أوالغربية، وفي الجزائرو تونس كذلك تناول العديد من الدارسين موضوع حل البرلمان و إن لم يكن ذلك بصفة مفصلة، إذ نجد الحل جانبا من جوانب دراسات يصب أغلبها في خانة دراسة علاقة السلطة التشريعية بالسلطة التنفيذية .
إن أهم الاشكاليات التي تطرح في مسألة حل البرلمان في النظامين الجزائري و التونسي هو كون رئيس الجمهورية في كل من الجزائر و تونس منتخب من الشعب مباشرة ، لكن المجلس المعني بالحل هو سلطة تشريعية منتخب أيضا مباشرة من الشعب و الاصل عدم إمكان حل المجلس المنتخب انفراديا من طرف رئيس الجمهورية الذي يمثل الجانب الاقوى في السلطة التنفيذية وهنا يحق لنا أن نتساءل : ما هي الجدوى من الحل ؟
- ما هي نقاط الاختلاف و الالتقاء بين النظامين فيما يتعلق بالحل من حيث المبررات، الصور، الإجراءات والآثار؟
- ما ما مدى تأثير هذه الآلية على مبدأ الفصل بين السلطات والديمقراطية وعلى طبيعة النظام السياسي في البلدين؟
- هل من الأفضل للبلدين الإبقاء على الحل أو الإستغناء عنه كما فعلت العديد من الدول ؟
في هذه الدراسة سنحاول الإحاطة بمختلف جوانب الموضوع وذلك بمناقشة النصوص الدستورية وكذلك التشريعية وبالأخص تلك المتعلقة بعلاقة الحكومة بالبرلمان وسنسعى للإجابة عن مختلف التساؤلات مع تقديم جملة من الاقتراحات ووجهات النظر.
اتبعنا في هذه الدراسة المنهج المركب نظرا لتعدد أوجه وأبعاد الموضوع، حيث اعتمدنا على المنهج التاريخي و المنهج المقارن و منهج تحليل المضمون.
وقد إرتأينا تقسيم هذا البحث إلى فصلين :
-الفصل الاول : تعريف الحل، مبرراته وصوره في النظامين الجزائري والتونسي، حيث نخصص المبحث الأول للتعريف بالحل ومبرراته والمبحث الثاني لصور وأشكال الحل في النظامين الجزائري و التونسي.
- الفصل الثاني: إجراءات الحل وآثاره في النظامين، حيث ومن خلال مناقشة النصوص الدستورية نحاول إبراز مواطن القوة والضعف، لنخلص في الأخير بخاتمة نقدم فيها جملة ما توصلنا إليه من اقتراحات والتي تصب في تعديل بعض النصوص الدستورية والتشريعية المتعلقة بالموضوع آملين أن تكون في المستوى المطلوب.
الفصل الأول : تعريف الحل ، مبرراته و صوره في النظامين الجزائري والتونسي
ظهر الحل لأول مرة في كنف النظام البرلماني التقليدي الذي لم يكن وليد نظريات فقهية بل كان نتاج ظروف تاريخية عرفتها بريطانيا عبر قرون من الزمن .
تطور النظام البرلماني ومعه تطورحق الحل في انجلترا( ) و قد كان بيد الملك يستعمله متى أراد لتجميد تمثيل البرجوازية التي كانت تضايقه وبفضل النظال الحزبي استقلت الوزارة عن الملك واستحوذت على السلطة وانتقل حق الحل إليها( ) ، حيث مورس لأول مرة من طرف وزارة "وليم بيت W.pitt" الذي احتكم إلى الشعب لحسم الخلاف الذي نشب بينه وبين البرلمان وأدى إلى حله وجاءت نتيجة الانتخابات مؤيدة للحكومة( ).
مع تطورالزمن وضعت للحل ضوابط ليصبح والمسؤولية السياسية تقنيتين تحفظان التوازن والتعايش بين السلطتين والتشريعية والتنفيذية في إطار ما يعرف ب " تقنية التوازن "، الذي يعد مسألة في غاية الحيوية ويشكل في مجال القانون الدستوري معيارا لتصنيف الأنظمة السياسية إلى استبدادية و ديمقراطية، كما أنه يشكل في مجال العمل السياسي محور الصراع الدائم بين السلطة و المحكومين.
أصبح الحل في نظر الكثير من الفقه التقليدي والحديث أيضا مقابلا للمسؤولية السياسية للحكومة وقد تبنت العديد من الدول النظام البرلماني البريطاني بكل خصائصه ، في حين اكتفى البعض منها باقتباس بعض سماته فقط ، منها حق السلطة التنفيذية في حل البرلمان ومن بينها النظامين الجزائري و التونسي.
سيكون هذا الفصل مدخلا للتعريف بالحل و كذلك جملة المبررات التي يسوقها الفقه لتبني هذه الآلية الدستورية الهامة التي تلعب دورا كبيرا في عمل النظام السياسي و عليه نتناول تعريف الحل و مبرراته في مبحث أول ثم صور الحل في النظامين في مبحث ثان .
المبحث الأول : تعريف الحل و مبرراته
سنخصص المطلب الأول للتعريف بالحل لغويا واصطلاحيا ثم نتناول مبرراته في مطلب ثاني .
المطلب الأول : تعريف الحل
الفرع الأول:التعريف اللغوي
نقول حل أي فك ، إرخاء ما كان مشدودا ، و نقول حل مؤسسة أي أنهى وجودها و أعلن بطلانها قانونيا ( ).
الفرع الثاني : التعريف الاصطلاحي
يعرف بعض الفقه في مصر الحل كما يلي : "يقصد بالحل إنهاء مدة المجلس النيابي قبل المدة القانونية المقررة لنيابته أي قبل نهاية الفصل التشريعي " ( )و يعرفه بعض الفقه في الجزائر كالتالي: " الحل هو أمر معطى لمجلس منتخب أن ينفض قبل نهاية عهدته " :
«La Dissolution: ordre donné à une assemblée élue de se séparer avant l’expiration de son mandat» " ( )
إذن يتمثل الحل في: إنهاء مهمة البرلمان قبل انتهاء عهدته القانونية وبذلك يتوقف تمثيل الهيئة التشريعية لمدة محددة، ويأخذ حل البرلمان عدة صوروفق ما تحدده أحكام الدستورالتي تتناول موضوع الحل و ذلك بالنظر إلي الهيأة التي تقرره ( ).
وقد حاول الفقه تصنيف الحل إلى عدة صور وأشكال وفي الحقيقة أن هذا التصنيف ما هو إلا محاولة فقهية تهدف إلى تمييز أشكاله بعضها عن بعض، وتختلف هذه الأشكال من دولة إلى أخرى، فهناك الحل الوزاري وهو الحل الذي يجريه رئيس الجمهورية أو الملك أو صاحب الحق في إجرائه تلبية لطلب الوزارة أو الحكومة في حالة نشوب خلاف بينها وبين البرلمان، والحل الملكي أو الرئاسي الذي يجريه الملك أو رئيس الدولة من تلقاء نفسه و بإرادته وفقا لما يخوله له الدستور( )، وهنالك ما يعرف بالحل التلقائي أو الآلي وهو صيغة يقترحها بعض الباحثين والتي تغدو بموجبها الجمعية النيابية التي تسقط حكومة ما مشلولة لهذا السبب بالذات( ) و هذه الصور ليست حصرية ، إنما أوردناها على سبيل المثال و سوف نخصص مبحثا لصور الحل في النظامين الجزائري و التونسي .
المطلب الثاني: مبررات الحل
في الحقيقة أن الحل لا يجب أن ننظر إليه من الناحية السلبية كونه يمثل إنهاء لتمثيل شعبي ، فلديه العديد من المبررات التي ستكون لنا مناسبة لدراستها .
اعتبر الفقه التقليدي وعلى رأسهم "ديغي Duguit" أن الحل والمسؤولية السياسية للحكومة الوسيلتان الأساسيتان اللتان تؤثر بهما كل سلطة على الأخرى، في حين اعتبره كل من "إيزمان" و"برتملي" عنصر أساسي لتوازن النظام البرلماني أما "هوريو" ، فإضافة إلى ذلك اعتبره:"Elément de moralité politique. ( ) .
بالرغم من الانتقاد الذي تعرض له الفقه التقليدي من حيث تبنيه لحق الحل كأحد مميزات النظام البرلماني( ) ومن كونه ينطلق من فكرة الفصل بين السلطات والتي في ضوئها يحلل هذا الفقه حق الحل، واعتباره أن حق الحل الذي لا يحقق قاعدة التوازن يصبح وسيلة للهيمنة على السلطة التشريعية ، إلا أن هذه الافكار لها ما يبررها و لقد أثبت" Carré de malberg " أن التساوي بين السلطات التي بنى عليها الفقه التقليدي نظريته لم يحدث أبدا، بل إنه " لا يمكن أن يكون حقيقة في المجال القانوني"( ) ففي كل الحالات وفي تاريخ جميع الأنظمة كانت هناك إحدى السلطات هي التي تهيمن، لقد كان حق الحل أحد الصلاحيات الملكية يهدف إلى حماية سموها من سلطة البرلمان، ورغم أفول نجم الملكية، صمد حق الحل وأريد إعطاؤه مبررات جديدة ، إلا أن هذه المبررات لا يمكن أن يكون لها طابع إلزام قانوني بأي حال من الأحوال( ).
و رغم ذلك يرى الفقه أن الحل تفرضه مبررات عملية لا شك في قوتها ، وأن أهم هذه المبررات ترتكز أساسا في عدة نقاط ، ربما لا نجدها جميعا في نظام دستوري واحد ، بل نجد أحدها على الأقل وقد صنفناها كما يلي :
ضبط العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية (الفرع الأول)
البحث عن أغلبية برلمانية (الفرع الثاني )
الفرع الأول: ضبط العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية
يعمل الحل على حفظ التوازن بين البرلمان والحكومة في إطار تقنية التوازن المعروفة بـ ( )"Poids et Contrepoids "أو" Checks and balances " التي تعطي لكل من السلطتين التشريعية والتنفيذية آليات تأثير متبادلة، وهذا في إطارالنظام البرلماني الكلاسيكي( ) الذي يقوم على الفصل المرن بين السلطات.
يلعب حق الحل في إطار ضبط العلاقة بين السلطتين دورين رئيسيين :الأول هوالمساهمة في إقامة التوازن بين السلطتين التشريعية و التنفيذية، و الثاني هو حل الخلاف بينهما في حال تعذره بطرق أخرى .
الفقرة الأولى : إقامة التوازن بين السلطتين
إن قاعدة حل البرلمان كأية قاعدة دستورية، يفترض أن تهدف إلى حصر السلطة السياسية في إطار ظوابط و نظم تتحرك وفقها و داخلها لأن الدساتير أصلا ارتبطت بفكرة الحد من الافراط في السلطة لفسح المجال أمام الحرية، وإذا كان من المألوف تقسيم السلطة إلى ثلاث اجنحة كما في الجزائروتونس، فإن إيجاد التوازن بين هذه السلطات يعتمد على طريقة تنظيم السلطة و كيفية تحديد الصلاحيات وتحديد العلاقة بينها بشكل يكفل منع الاستبداد و طغيان سلطة على البقية.
-أولا: مفهوم التوازن
مبدأ التوازن من المبادئ الأساسية للنظام البرلماني التقليدي الذي يقوم على عدم ترجيح كفة هيئة على أخرى حتى يستمر الاثنان في السلطة، مما يفترض أن تكون العلاقة العضوية بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية مؤسسة على عدم التعارض وهذه الموازنة أمر حيوي، بل ويعد أكثر الأمور حساسية، والملاحظ أنه لا يمكن لمبدأ التوازن أن يتحقق عمليا إلا إذا قام النظام السياسي على مبدأ حكم الأغلبية( ) وهو في الحقيقة لا يتوقف على التوافق بين السلطتين، بل بوجود آليات تتولى حل الاختلافات التي قد تظهر بين السلطات( ).
ثانيا : دور الحل في تحقيق التوازن
حق الحل عادة يكون مقابلا للمسؤولية السياسية للحكومة، هذا في النظام البرلماني التقليدي، فالبرلمان دائم الرقابة على الحكومة وله حق إسقاطها، وإزاء هذا يجب أن يعطى للسلطة التنفيذية حق الدفاع عن نفسها، وبمنحها حق الحل، يتحقق ذلك التوازن( ) ونعتقد أن هذا الدورمن الممكن أن يلعبه الحل في كل من النظامين الجزائري والتونسي، بالرغم من إجماع الفقه على عدم تصنيفهما في خانة الأنظمة البرلمانية، فإدراج حق الحل في الدستور لا يعني أن النظام برلماني و هو النظام الذي يعتبر الفقه الغربي الحديث "المسؤولية السياسية" أهم معاييره حتى وإن لم تنص على الحل، فهذا الأخيركما يقول الأستاذ "دي فرجيه" هو وحده من يسمح بإعادة الكفة أو تعديلها لصالح السلطة التنفيذية بسبب تأثير البرلمان على الحكومة بواسطة المسؤولية السياسية، لكن لعبة الأحزاب السياسية تغير جذريا العلاقات بين البرلمان والحكومة( ).
إن أعضاء البرلمان عادة يحرصون على البقاء في مناصبهم بشكل أكبر فلا يمكن أن يدمروا أنفسهم بمثل هذا الإجراء و يفضلون في نهاية المطاف الخضوع للسلطة التنفيذية بدل سقوط الهيئتين والعودة للناخبين، فأعضاء الحكومة عادة زعماء أو أعضاء مهمين في أحزاب قوية ولديهم نفوذ واسع وحظ أوفر للعودة للسلطة، بينما أعضاء البرلمان أقل حظا ونفوذا، بل معظمهم أشخاص عاديون، فإعادة انتخابهم قد تكون مكلفة وتنطوي على معاناة مادية ونفسية لا يستهان بها.
سحب الثقة لا يكون إلا إذا كانت الحكومة ائتلافية فإذا ساد الخلاف بين الأحزاب، قد تسحب الثقة من الحكومة مما يؤدي إلى حل البرلمان، ففي بريطانيا لا يحدث ذلك نظرا للنظام الحزبي الموجود المبني على الثنائية و نظام الانتخابات القائم على الأغلبية المطلقة( ).
ويرى بعض الفقه أن التهديد وحده أو التلويح بالحل وحده يكفي لإقامة التوازن ( )، إنه تهديد متوازن يسميه "Vedel" "توازن الرعب" " L’équilibre de la terreur " ( ) وهذا الأمر يدعو النواب إلى التفاهم مع الحكومة ( ) والعكس صحيح، فتهديد النواب للحكومة بسحب الثقة منها يجرها إلى التفاهم معهم وبدون حق الحل يرى جانب من الفقه أن التوازن يختل وتميل الكفة لصالح البرلمان( )، مما ينعكس على طبيعة النظام السياسي .
إذا كان الفقه قد اختلف حول اعتبار حق الحل معيارا للنظام البرلماني و الذي إذا فقده يميل النظام وينحرف إلى نظام الجمعية النيابية ( )، إلا أنه يكاد يجمع أن حق الحل سلاح جبار يستخدم لإعادة التوازن بين السلطات ( )، إنه بقاء تاريخي "Une survivance historique" صمد رغم ضعف الأنظمة الملكية التي نشأ في ظلها، أكثر مما هو معيار للنظام البرلماني الذي ظهر في كنفه.
الفقرة الثانية: حل النزاع بين السلطتين
يفترض أن يكون حق الحل وسيلة لحل الخلاف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وظهور الخلاف بين السلطتين يعود لأسباب عديدة، من بينها فرضية سحب الثقة من الحكومة أو التصويت على ملتمس الرقابة (لائحة اللوم)، ففي هذه الحالة يكون تدخل رئيس الجمهورية بالحل لإنهاء التعارض بين السلطتين باللجوء إلى الناخبين، ويفترض ألا يكون رئيس الجمهورية طرفا في الخلاف، فالهدف من إعطائه هو حق الحل دون الحكومة هوألا يكون(أي الحل) وسيلة هجومية ضد المجلس( )، فيتدخل دون انحيازه لأي طرف بصفته ضامنا لاستمرارية المؤسسات.
أولا: مفهوم النزاع : حسب الفقه التقليدي حق الحل هو إجراء لحل النزاع بين الهيئات الدستورية، وعليه فهذه النظرة ترتبط خاصة بالجوانب الخارجية لهذا النزاع دون الأخذ كثيرا بأسبابه وأبعاده المتغيرة، فكيف يظهر هذا النزاع؟ وما هي العوامل التي ينشأ منها؟
النزاع يعني الصدام بين أشخاص أو قوى، وتطبيقه في القانون الدستوري، يثير جملة من الصعوبات، وأهمها التداخل الدائم للمعطيات القانونية والسياسية، ففي ظل غياب بعض النصوص الدستورية أو غموضها، تفسر المؤسسات صلاحياتها وتتصرف انطلاقا من معطيات غير قانونية Extra juridique والتي قد يؤثر عليها الدستور لكن لا يمكنه التحكم فيها مهما كانت دقته ومهما كان جموده.
إن العلاقات بين السلطات تتوقف على حالة الأحزاب السياسية وبالتحديد اتجاه أغلبية المجلس المنتخب، وظهور أي نزاع بين السلطات يتوقف أيضا على المدرسة الانتخابية وبنيتها الاجتماعية التي تعطي للقوى السياسية وجهها، فالتوترات التي تحدث داخل أي نظام سياسي لا يكون لها أبدا بعدا قانونيا فقط ، حتى وإن كان موضوع الخلاف يبدو على أنه قانوني( ).
والمصادر القانونية للخلاف يمكن أن تكون النظام الحزبي القائم على التعددية التي قد تفرز مجلسا منقسما مما يشكل مصدرا لعدم الاستقرار الوزاري خاصة في ظل الأنظمة التي تعتمد على الأغلبية، فيتدخل الحل لتشكيل أغلبية أكثر تماسكا مساندة للرئيس أو الحكومة، وقد تختفي كل مصادرالخلاف كأن يكون الصراع موجودا بين المجلس والحكومة لكن لا يعلن عنه أحيانا( )، خاصة في الدول التي لم تترسخ فيها القيم والتقاليد الديمقراطية كالجزائر و تونس .
إن الخلاف بين السلطتين جد وارد وأحيانا يكون مرغوبا ومطلوبا حتى تتبلور الاتجاهات العامة وتظهر الحقيقة، فلا تطرح مسألة مسؤولية الحكومة أمام البرلمان لمجرد رفض هذا الأخير مشروع قانون تقدمت به الحكومة، بل يجب أن تكون المسألة موضع الخلاف مسألة سياسية هامة وبمثابة محك الثقة للحكومة ( )، يجب أن يظهر أن المجلس قد تجاوز وتمادى في سلطاته.
أما بالنسبة للنظامين الجزائري والتونسي، يقوم كلاهما على ثنائية الجهاز التنفيذي و الحكومة مسؤولة أمام كل من الغرفة الأولى للبرلمان ورئيس الجمهورية وينجم عن ذلك قيام علاقات بين الأقطاب الثلاثة:رئيس جمهورية، حكومة، برلمان ، وقد تصطدم هذه الهيئات بمواجهات متوقعة أثناء صيرورة النظام السياسي وتتراوح هذه المواجهات بين الضعف والقوة إلى درجة يمكن أن تهدد استمرار أحدها في السلطة، فالثنائية في مسؤولية رئيس الحكومةعلى حد قول البعض تعد مصدرا للتوترومنشأ للأزمات بين الهيئات( ).
إن النزاع يمكن أن يكون بين الغرفة الأولى من البرلمان والحكومة أو بين رئيس الجمهورية والبرلمان أوخلافا داخليا في السلطة التنفيذية بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المنبثقة عن الأغلبية البرلمانية .
ثانيا: دور الحل في تسوية الخلاف بين السلطتين
إن فكرة الحل كوسيلة لحل الخلاف بين المؤسسات الدستورية ساقها الفقه التقليدي متأثرا بالنموذج الإنجليزي في إطار نظرة شاملة للنظام البرلماني أين تسود ثنائية الجهاز التنفيذي الذي تشكل فيه الحكومة وسيطا بين البرلمان ورئيس الدولة، واعتبر هذا الفقه أن حق الحل وسيلة لتحقيق وضمان التعاون بين السلطات(أي الفصل المرن) و أنه حق طبيعي وشرعي : "Un droit naturel et légitime وضرورة التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية تؤدي حتما إلى إمكانية نشوب خلاف بينهما، فهذا أمر طبيعي لا مفر منه والصدام بينهما حتمي و الحل يحسم هذا الخلاف بدعوة الهيئة الناخبة لتقول رأيها، فالنظام البرلماني يقبل بكل هدوء إمكانية الخلاف بين السلطات لأن لديه من الإمكانيات التي تجعله ينهيها دون عنف( ) ،طالما أن الحل يسمح بنقل الخلاف أمام هيئة الناخبين ( ).
وقد ميز الفقه هنا بين الحل الملكي الذي يأتي حلا للنزاع بين رئيس الدولة والبرلمان، والحل الوزاري الذي يهدف لحل النزاع بين البرلمان والوزارة( ).
أما في النظامين الجزائري والتونسي فقد سبق وأشرنا أن الخلاف يمكن أن يكون بين المجلس المنتخب من الشعب مباشرة والحكومة أو بين المجلس المنتخب من الشعب مباشرة ورئيس الدولة( ) ، أو حتى خلافا داخليا في كنف السلطة التنفيذية : رئيس الجمهورية في مواجهة رئيس الحكومة المساند من البرلمان .
1- حل النزاع بين الغرفة الأولى والحكومة
كل من النظامين الجزائري والتونسي منحهما المؤسس سلطة الحل الرئاسي التي يمكن استخدامها من طرف رئيس الدولة في حالة نشوب خلاف بين الغرفة الأولى للبرلمان والحكومة التي هي مسؤولة أمامه ، وذلك في حال تصويت النواب على لائحة لوم(ملتمس رقابة) أو رفض منح الثقة للحكومة( )، وليس هناك شك أن هذا النزاع يمس مباشرة رئيس الجمهورية فهو من يختار رئيس الحكومة( ) الذي لا يطبق إلا سياسة رئيس الجمهورية( ) فهو رئيس يحكم "Un chef qui gouverne" والماسك الأول بزمام السلطة التنفيذية، بل إنه في حالة تضامن معها وأي ملتمس رقابة موجه نحوه دون شك( ) وهو يملك من الوسائل التي تمكنه من إنهاء هذا النزاع وبالتحديد حقه في حل البرلمان( )، حيث يتدخل في حالة الخلاف بين المؤسستين الدستوريتين لإنهاء الانسداد الذي قد ينشأ من جراء عدم التوافق بين السلطتين( ).
إن تحكيم الشعب بعد الحل لن يكون إلا حيث تعدد الأحزاب فيتخذ الشعب بعد الحل موقفا من الأغلبية المختلفة مع الحكومة، فإما أن ينحاز لها ويعيد انتخابها أو يقلل من المعارضة باتخاذه موقفا لصالح الحكومة، فانتماء الهيئتين لحزب واحد يحول دون تحقيق ذلك لأن أي خلاف بينهما تتم تسويته داخل الحزب هذا إذا ما يحدث فعلا ( ).
2- حل الخلاف بين الغرفة الأولى من البرلمان ورئيس الجمهورية
قد يلجأ رئيس الجمهورية إلى استعمال حق الحل كنتيجة لعدم التوافق بينه وبين نواب الغرفة الأولى، ويلجأ إلى الإرادة الشعبية لتقول كلمتها التحكيمية بناء على أن الديمقراطية الحديثة تعطي للمواطنين دورالحكم( ) ، فحق الحل وإن كان يعبر عن وجود أزمة عند ممارسته، فعن طريقه يتم تحكيم الشعب وهذا ما دعا الكثيرين إلى اعتبار الحل بديلا عن الاستفتاء( ) لأنه يسمح بتدخل الهيئة الانتخابية في الحياة السياسية في الوقت الذي تعاني فيه المؤسسات خلافا أو مشكلا خطيرا وتتردد الطبقة الحاكمة في تقرير مصير نواب الشعب دون استشارته، وكأن الرئيس لا يفصل في النزاع بقدر ما هو يلجأ لهيئة الناخبين، بعبارة أخرى هو يلجأ للحل من أجل القيام بالاستفتاء( ) و هذا الطابع التحكيمي للشعب هو الذي يؤكد الطابع الديمقراطي للمؤسسات( ).
وتتدخل نظرية الحل كبديل عن الاستفتاء( )، خاصة عندما تتضح معارضة الشعب لآراء النواب وميوله السياسية والاقتصادية ، حتى يتأكد مدى التطابق بين إرادة النواب والإرادة الشعبية وتعتبرهذه النظرية أن الحل وسيلة تمنح للشعب فرصة التعبير عن مدى قبوله لنوابه ، إنه وسيلة لرقابة وملاحظة مدى تطابق إرادتي الشعب والنواب( )، التي قد تنشأ بينهما هوة إما لطول العهد أو لتغير الحوادث( ).
أما إذا اصطدم رئيس الدولة مع الحكومة المعززة بتأييد البرلمان فإنه يلجأ إلى إقالة الحكومة وحل البرلمان في آن واحد( ) وهذه تعد مغامرة منه، إذ لن يقوم بها إلا إذا كان مدعوما من أغلبية معارضة أو من الرأي العام ( )، في هذه الحالة فإن الرئيس لن يلجأ إلى الحل بوصفه حكما، لأنه طرف في النزاع، بل كونه الضامن لسير المؤسسات والسلطات بانتظام واطراد.
يبقى أن نشير أن استعمال حق الحل لا يكون بمجرد نشوب الخلاف بين الطرفين، فلا شك أن من يملك سلطة الحل سوف يختار الوقت المناسب لإجرائه، حتى تكون نتيجة الانتخابات لصالحه، ورغم ذلك فقد أثبتت التجربة الدستورية في الانظمة المقارنة أن الحل تتدخل فيه كثير من المعطيات عدا القانونية منها وهي معطيات سياسية لا يتحكم فيها الدستوروهي متغيرة ولا يمكن التنبؤ بها.
لقد انتقد بعض الفقه فكرة أن يكون الحل سلاحا بيد السلطة التنفيذية تحمي به نفسها أو أنه أدة لحل الخلاف بين السلطتين التشريعية و التنفيذية،إذ اعتبر هؤلاء أن - حق الحل لا يستطيع أن يحمي أو يعزز السلطة التنفيذية طالما أن القرار في النهاية بيد الهيئة الناخبة، فالحل في حالة الخلاف لا يمكن أن يكون أبدا حماية للسلطة التنفيذية ضد البرلمان .
الاعتقاد بان الحل يمكنه عن طريق الانتخابات تجاوز الخلافات في النظام الدستوري لا يتحقق دائما فالواقع أكثر تعقيدا لأن السلطة التي تملك حق الحل لن تستعمله إلا إذا رأت أن لديها فرصة للحصول على قرار لصالحها من طرف الهيئة الناخبة، فماذا تستفيد إذا كانت الظروف السياسية غير مجتمعة، وأبرز مثال على ذلك ما حدث في فرنسا من 1877 إلى 1940، حيث ظهرت عدة خلافات بين الحكومة ورئيس الجمعية الوطنية وغرفة النواب، ولم يجر أي حل، وبالعكس منذ 1958 مورس حق الحل عدة مرات، في ظل توفر شروط سياسية تتمثل في وجود حزب قادر على تشكيل أغلبية ( ).
الفرع الثاني: البحث عن أغلبية
لا تتوقف مبررات الحل على ضبط العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، من خلال دوره في إقامة التوازن أو حل الخلاف المتوقع بينهما، فقد يمارس الحل في غياب كل خلاف أو نزاع وهذا ما أقدم عليه الرئيس الفرنسي "بومبيدو" في 30/06/1968، وذلك في غياب أي تهديد للحكومة من طرف الجمعية الوطنية، كما وقد يستعمل الحل لحل أزمة سياسية ( ) وذلك للحصول على أغلبية برلمانية ( ).
إن البحث عن أغلبية برلمانية لا يكون فقط عند انعدامها، فهذا الأمر موجود في نظام الثنائية الحزبية كبريطانيا أين تنبثق الحكومة دوما من الأغلبية في مجلس النواب، بل قد يكون أيضا في الأنظمة التي يتشتت فيها البرلمان ( )، و هذا من شأنه أن يؤدي إلى استقرار الحكم و يقف كحاجز أمام الأزمات السياسية خاصة في حالة وجود حكومات ائتلافية ( ) .
التحليل العميق للدستور الجزائري وكذلك التونسي يوحي بأن رئيس الجمهورية في حاجة لتأييد أغلبية برلمانية تمكنه من تنفيذ سياسته وإلا فإنه سيكون بين خيارين:إما أن يخضع أو يستقيل( ) ، وهذا ما نلمسه من خلال حالات الحل التي سوف نتعرض لها لاحقا في الدستورين.
إجراء الحل للحصول على أغلبية يضعنا أمام احتمالين:الاحتمال الأول:وجود أغلبية برلمانية (فقرة أولى) و الاحتمال الثاني: وجود مجلس مشتت ومنقسم (فقرة ثانية) .
الفقرة الأولى: وجود أغلبية برلمانية
إن وجود الأغلبية البرلمانية ونقصد بذلك أغلبية موالية للرئيس، لن تمنعه من استعمال الحل، فرغم اتسام هذه الحالة بتوافق الشركاء الثلاثة، أين يصبح رئيس الجمهورية منشطا حقيقيا للأغلبية، في هذه الحالة فإنه يتصرف كحكم حيادي، ويفترض أنه غير معني بالصراعات السياسية، أما رئيس الحكومة فإنه يظل تابعا سياسيا له، والحل في هذه الظروف يتم إجراؤه للبحث عن أغلبية تحقق عدة أهداف:
-الهدف الأول:تمديد حالة التجانس الموجودة (أولا).
-الهدف الثاني:مطابقة الأغلبية الرئاسية مع الأغلبية البرلمانية ( ثانيا).
-الهدف الثالث:إعطاء توجه جديد للحياة السياسية ( ثالثا) .
أولا: تمديد حالة التجانس الموجودة
في هذه الحالة فإن إجراء الحل يسعى لإفراز أغلبية تمدد من حالة التجانس الموجودة ( ) وذلك لتحقيق المزيد من الغلبة على الأحزاب السياسية المنافسة رغم تمتع الحكومة بالأغلبية في المجلس وانصياعه لمطالبها، وقد تطلب الحل الحكومة عندما ترتفع شعبيتها في وقت ما نظرا لإنجاز حققته أو فضيحة وقع فيها أحد خصومها، ونضرب مثالا لذلك الحل الذي أجراه الرئيس الفرنسي جاك شيراك عام 1997 مستغلا شعبيته التي حققها انتصاره في انتخابات الرئاسة عام 1995، وادعى شيراك في خطاب له أن الحل أجري بهدف إعطاء الشعب الكلمة ليقول رأيه في مدى إيقاع "Rythme " التغيرات المستقبلية "، لكن الناخبين لم يتقبلوا أسباب الحل لأن الحكومة كانت تملك أغلبية واسعة، فانتصرت المعارضة لتحكم على رئيس الجمهورية الفرنسي بالتعايش الطويل، مما سينعكس سلبا على استعمال مثل هذا الحل" التكتيكي" في المستقبل ( ).
وقد تكون الأغلبية غير مريحة أو أنها محققة بسبب تحالف عدة أحزاب، وأجري الحل اعتقادا من السلطة التنفيذية أن نتائجه ستكون لصالحها ( )، ليفرز أغلبية أفضل.
في مثل هذه الظروف فإن الرئيس وفي حالة التعايش يجري الحل قاصدا من ذلك ضرب حكومة التعايش ( ) والتي تكون في الواقع مسؤولة أمام المجلس وغير مسؤولة أمام الرئيس، والفقه في فرنسا يرى أن حكومات التعايش لا يكون في ظلها وجود لازدواج في السلطة التنفيذية ( ) ،لكن الأمر يختلف في أنظمة كالجزائر وتونس بالرغم من إقرارهما لثنائية الجهاز التنفيذي ومرد ذلك يعود إلى عدم ترسخ الافكار الديمقراطية بعد فيها و على رأسها فكرة التعايش و ذلك لقصر التجربة الديمقراطية في البلدين والتي تتطلب لا محالة عقودا من الزمن، فهناك ممارسات لا يمكن للدستورأن ينظمها نظرا للارتباط الوثيق للنظام الدستوري بالنظام السياسي، هذا من جهة و من جهة أخرى يلاحظ أن رئيس الجمهورية في كلى البلدين يتمتع بشعبية واسعة ومساندة من الحزب أو مجموعة الأحزاب المتكتلة داخل البرلمان، ضف إلى ذلك الوسائل العديدة و المتنوعة التي يؤثر بها الرئيس على البرلمان سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
وقد يلجأ الرئيس للحل دفاعا عن حقوقه أمام اعتداءات المجلس النيابي ( ) و يتوقف ذلك على الإطار السياسي الذي يجري فيه الحل خاصة موقف الرأي العام من الحكومة والبرلمان، فوضع رئيس الجمهورية يتغير حسب شدة المساندة أو المعارضة التي يتعرض لها ويلجأ عادة إلى الحل عندما يعتقد أن الشعب يؤيده ( ).
ثانيا: مطابقة الأغلبيتين
قد يستعمل الرئيس المنتخب جديدا حقه في حل مجلس النواب وذلك حتى تتطابق الأغلبية الرئاسية مع الأغلبية البرلمانية وهذا في الواقع حق مشروع للرئيس في أن يحل مجلسا انتخب قبله بمدة خاصة إذا كانت الأغلبية فيه معارضة له وقد سمح بذلك المؤسس الدستوري التونسي بصريح النص ( ) ،أما النظام الجزائري فاكتفى بآلية الحل الرئاسي التي يرجع اختيار استخدامها لرئيس الجمهورية ( )، فهو غير مقيد بأي شرط زماني،ويمطنه استعماله عقب انتخابه .
وقرار الحل كما سبق وأشرنا قد يكون من أجل اقتران الأغلبيتين( ) بعد الانتخابات الرئاسية كما في النظام التونسي أو قبلها لكن في هذه الحالة قد يصبح سلاحا خطيرا ضد الرئيس نفسه وينقلب ضده ، فاستعماله ضد مجلس معارض قد يجعل من الحل مسألة ثقة ويصبح مستقبل الرئيس على المحك ( )، فرفض الرئيس التعامل مع الأغلبيةعن طريق الحل و اللجوء إلى الشعب لا يمنع هذا الأخير من معارضة رئيس الجمهورية في قراره و إعادة نفس الأغلبية ( ) ، في هذه الحالة و إذا لم يقدم استقالته، سيضطرلخوض تجربة التعايش ( ) .
ثالثا: إعطاء توجه جديد للحياة السياسية
في غياب أي خلاف بين السلطتين قد يكون الحل في عدة أحوال ضرورة واجبة لصالح البلاد ( )، وذلك عندما تحدث فجوة بين إرادة الشعب وإرادة ممثليه، فكثيرا ما تتغير آراء الشعب وميوله السياسية والاقتصادية، بينما يظل مجلس النواب على نزعته الأولى وفي هذه الحالة لا يكون الشعب على وفاق مع المجلس ولا تكون الحكومة وهي من زعماء الأغلبية معبرة عن إرادة الأمة ( ) ، وقد يترتب على ذلك نتائج خطيرة إذا ما تناول المجلس تقرير المسائل الحيوية في البلاد فعلى رئيس الدولة أن يعمل على تحقيق إرادة الرأي العام فيحل المجلس.
في هذا الإطار يرى بعض الفقه أن الحل هنا أيضا يقوم كبديل عن الاستفتاء ( )، حيث يرى "ديغي" أنه : "يجب على الحكومة أن تحل البرلمان عندما ترى أن السياسة المتبعة منه لم تعد تستجيب لإرادة البلاد، فإن الحل عندئذ يثير استفتاء حقيقيا" ( ) .
وقد تزعم نظرية الحل بديل عن الاستفتاء الفقيه" Carré de malberg" في بداية القرن العشرين عندما رأى أن الحل إجراء يهدف لإثارة استشارة شعبية، واعتبره وسيلة لمعرفة مدى تطابق إرادتي الشعب والنواب، فالناخب على حد رأيه لا يختار النائب بل يختار سياسة معينة، وفريقا حزبيا معينا بذاته ( ) .
وأيا ما كانت مبررات الحل في مثل هذه الظروف فإن رئيس الدولة الذي يملك سلطة الحل سيتصرف حتما بوصفه الضامن لاستمرارية عمل السلطات و ممثلالإرادة الأمة بسبب طريقة انتخابه والتي ينافس بها مجلس النواب من حيث الشرعية الشعبية.
الفقرة الثانية : وجود مجلس مشتت ومنقسم
في الواقع أن إيجاد أغلبية برلمانية من شأنه أن يؤدي إلى استقرار الحكم ويقف كحاجز أمام الأزمات السياسية ، خاصة في حالة وجود حكومات إئتلافية، ناتجة عن برلمان منقسم
ومشتت ( )، و يرجع تشتيت المجلس في كل من الجزائر و تونس بالأساس إلى النظام الانتخابي القائم على الأغلبية النسبية و نظام تعدد الأحزاب الذي يصعب معه فوز حزب واحد بالأغلبية البرلمانية( ) ، فمثل هذا الأمر لا يحدث في بريطانيا مثلا نظرا لقيام الثنائية الحزبية التي تسمح بفوز أحد الحزبين بمقاعد المجلس ومن ثمة تشكيل الحكومة مما يضطر معه تعيين حكومة ائتلاف فسلطة تعيين رئيس الحكومة تكون متوقفة على التوافقات المسموح بها، ولم يلزم المؤسس الدستوري في كل من تونس و الجزائر رئيس الجمهورية بتعيين رئيس الحكومة من الأغلبية البرلمانية، لكن ذلك لا يمنع من مراعاته لهذه الأغلبية تجنبا للصدام بين الحكومة والمجلس ( ).
إن تعيين حكومة إئتلاف يؤدي إلى تقليص حرية رئيس الجمهورية بسبب تهديد التحالف الحكومي، فتصبح الحكومة مركزا للتوترات بين المجلس من جهة والحكومة ورئيس الجمهورية من جهة أخرى و ووجود مجلس منقسم يسبب العديد من المشكلات التي تعوق سير المؤسسات الدستورية مما يدفع بالخلافات بين الأحزاب داخل البرلمان إلى الواجهة ، ويجعل من حل المجلس أمرا لا مفر منه للحصول على أغلبية برلمانية تسمح باستقرار النظام الدستوري ( ) .
فما هي الآثار السلبية التي يخلفها تشتيت المجلس؟(أولا)وكيف يتم التعامل معها؟(ثانيا).
أولا: الآثار السلبية لتشتت المجلس النيابي
أول ما ينتج عن تشتيت المجلس النيابي وانعدام أغلبية متجانسة به هي أن الأمورقد تصل في إطار صيرورة النظام السياسي إلى نوع من الانسداد لأن الحكومة لا تستطيع تنفيذ برنامجها إلا إذا حازت ثقة البرلمان، مما يتطلب وجود ائتلاف يكون أغلبية مساندة لها داخل المجلس النيابي حتى وإن كانت مكونة من أحزاب متعارضة لا تجمعها إلا المصالح الآنية وإن كان البعض يرى في أن تشتت البرلمان هو الذي يسمح للحكومة بتنفيذ أي برنامج سياسي ( ) ، نظرا لاستحالة توحد المجلس ضدها، وهذا الأمر ليس خطأ طالما أن استعمال الحل يتم وفق ما تقدمه المعطيات السياسية، فهشاشة الأغلبية هي أمر إيجابي وسلبي في آن واحد، وعلى كل فإن الأنظمة تختلف فيما بينها بالنسبة لتقبل التعايش، فالنظامان في الجزائر وتونس وفق البنية التي هما عليها اليوم، يتيحان لرئيس الجمهورية سلطات واسعة تجعلهما يتعايشان مع ألد الخصوم السياسيين دون اللجوء إلى حل المجلس، فعقب الانتخابات الرئاسية في الجزائر عام 2004 لم يقم رئيس الجمهورية بحل المجلس الشعبي الوطني كما توقع البعض عقب انهزام زعيم الأغلبية بالمجلس في انتخابات الرئاسة، لأن رئيس الجمهورية استطاع أن يشكل تحالفا رئاسيا قويا لا زال قائما إلى اليوم.
ثانيا: دور الحل في التعامل مع انقسام المجلس
نلاحظ أن الكثير من الأنظمة كالجزائر وتونس تقرر الحل كنتيجة لبروز أزمة وزارية ثانية و ذلك عند التأكد من استحالة وجود أغلبية توافق على برنامج الحكومة أو تمنحها الثقة التي
تطلبها ( ) مما يحتم البحث عن أغلبية بإجراء الحل تمكن الحكومة من العمل، لكن المشكلة تكون عندما تجد السلطة التنفيذية نفسها أمام ذات الأغلبية البرلمانية ( ) ، في هذه الحالة فإن رئيس الجمهورية يكون قد تصرف كحكم ليضمن استمرار عمل النظام السياسي وقد يتصرف كزعيم حزب يهدف إلى حصول حزبه على الأغلبية البرلمانية ليحقق حالة التجانس التي يسعى إليها كل نظام سياسي ( ).
نتائـــج:
بعد استعراضنا لتعريف الحل و مجمل مبرراته يتضح أن النظر إلى مسألة حل البرلمان لا يمكن أن تتم بمعزل عن العديد من الآليات الدستورية الأخرى حتى يمكن الإلمام بكافة أبعادها .
-بالنسبة لتعريف الحل لاحظنا شبه إجماع على أنه إنهاء المدة النيابية للمجلس ، إلا أن الاختلاف الفقهي يظهر لاحقا حول مدى إرتباط حق الحل بالنظام البرلماني لأنه على ضوء الاجابة على هذه الاشكالية تتم دراسته .
-إن المبررات التي ساقها الفقه لتبني الحل بدءا من ضبط العلاقة بين السلطتين التشريعية و التنفيذية وذلك باعتباره الوسيلة التي يقترحها البعض لإقامة التوازن بينهما أوحل الخلاف الوارد بين هاتين المؤسستين المرتبطتين وظيفيا ، إلى غاية البحث عن أغلبية برلمانية تتيح لرئيس الجمهورية تجنب تجربة التعايش ، تجد مكانا لها في النظامين الدستوريين الجزائري و التونسي .
- بالنسبة لعنصر إقامة التوازن بين السلطتين، وجدنا أن هناك العديد من النصوص الدستورية الخاصة بتنظيم العلاقة بين السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية ، والتي تتماشى و هذا المبررعلى الأقل من الناحية النظرية، و يمكن إعتبارالمادتين 82 و84 من الدستور الجزائري، والفصل 63 من الدستور التونسي تصب في هذا الاتجاه .
-بالنسبة لعنصر البحث عن أغلبة برلمانية ، نجد المادة 129 من الدستور الجزائري و كذا الفصل 57 من الدستور التونسي يمكن أن يحققا النتيجة المرجوة ، لكن طبعا في وجود مخاطر عديدة ناتجة عن المعطيات غير القانونية .
المبحث الثاني : صور الحل في النظامين
لقد أردنا أن يكون هذا المبحث تقديما لصور الحل المعتمدة في النظامين وذلك للتعريف أكثر بهذه الآلية قبل التطرق لمختلف الإشكاليات التي تثيرها.
بناءا على النصوص الدستورية يعرف النظامان الدستوريان الجزائري و التونسي صورتين للحل، حيث يشتركان في صورة الحل الرئاسي في حين ينفرد النظام الجزائري بالحل التلقائي والإجراءان يختلفان من حيث الجهة التي تباشر التصرف أي الرئيس في كلى البلدين ، والمجلس الشعبي الوطني في الجزائرفيما يتعلق بالحل التلقلئي( )، والطبيعة المزدوجة للحل في الجزائريعتبرها البعض أمرا سياسيا قبل أن يكون قانونيا ( ).
قبل التعرض لصور الحل نشير إلى أن هذه آلية لا ترد إلا على الغرفة الأولى للبرلمان"المجلس الشعبي الوطني" دون الغرفة الثانية أي مجلس الأمة هذا في الجزائروذلك لعدة اعتبارات، حيث يرى البعض أن الغرفة الثانية تلعب دور مراقب وتحل محل المجلس الشعبي الوطني في حالة شغوره وذلك كهيئة تشريعية ( )، في حين يرى اتجاه آخر أن عدم قابلية مجلس الأمة للحل هو ضمان لاستقرار مؤسسات الدولة واستمراريتها والأستاذ الأمين شريط من هذا الرأي وهو الذي أعطى أرقاما عن الغرف الثانية القابلة للحل في العالم إذ قدرها بحوالي 19 حالة فقط، كما رأى أن إقرار التجديد الجزئي للغرفة الثانية هو حتمية عن عدم قابليتها للحل ( ).
في حين يرى اتجاه آخرفي تبريرعدم قابلية مجلس الأمة للحل كضمان لديمومة المؤسسة لا أساس له من الصحة ( )، هذا في الوقت الذي ينتقد فيه العديد من الدارسين وجود مجلس الأمة ويرون فيه تفكيكا للبرلمانية وإضعافها على حد تعبيرهم ( )، بالرغم من وجود العديد من الفقه المؤيد لوجوده( ).
في الواقع نحن لا نميل إلى فكرة نيابة الغرفة الثانية للغرفة الأولى في فترة شغورها، فهي لا تضطلع بالدور التشريعي الذي أسند للمجلس الشعبي الوطني ونعتقد أن عدم قابلية الغرفة الثانية للحل يعود لجملة من الأسباب أهمها الوسائل الرقابية التي تتمتع بها الغرفة الأولى دون الغرفة الثانية اتجاه السلطة التنفيذية عامة والحكومة خاصة، وسوف ترى مدى ارتباط صورتي الحل بالعلاقة بين الحكومة والمجلس الشعبي الوطني.
أما المؤسس الدستوري التونسي فقد أراد بدوره أيضا أن يرد الحل على الفرفة الأولى للبرلمان بعد إحداث الغرفة الثانية (مجلس المستشارين) و ذلك بناءا على التعديل الدستوري لعام 2002.
نظرا لاشتراك النظامين في صورة الحل الرئاسي سوف نقوم بدراستها أولا في(مطلب أول) مع بيان خصائصها و الوظائف التي تؤديها مع بيان الطبيعة القانونية للحل الرئاسي ، ثم نتطرق للحل التلقائي الذي ينفرد به المؤسس اللدستوري الجزائري في (مطلب ثان) .
المطلب الأول: الحل الرئاسي – الصورة المشتركة بين النظامين -
سبق و أشرنا أن الحل يكون رئاسيا أي بناء على رغبة الرئيس وباقتراح منه ، ويكون وزاريا إذا كان بناء على طلب رئيس الحكومة، وفي الحالتين لا يتم إلا بمرسوم رئاسي ( ) ،وإذا كان معظم الفقه يميز بين الحلين الرئاسي والوزاري ، فإنه في الجزائر و كذلك تونس عمليا يكون الحل رئاسيا ولو طلبته الحكومة أو بادر به رئيس الجمهورية لأنه وحده يملك سلطة تقريره، لذا يسميه البعض بالحل الإرادي.
نبحث أولا عن الحالات التي قررها كل مؤسس دستوري للحل الرئاسي مع بيان خصائصها ووظائفها ( فرع أول) ثم نتطرق للطبيعة القانونية للحل الرئاسي في النظامين (فرع ثان) .
الفرع الأول : حالات الحل الرئاسي في النظامين ، خصائصها ووظائفها .
الفقرة الأولى : حالات الحل الرئاسي في النظامين
أولا : حالات الحل الرئاسي في النظام الجزائري
أورد المؤسس الدستوري الجزائري حالة واحدة للحل الرئاسي وهي تلك المنصوص عليها في المادة 129 من دستور 96 " يمكن لرئيس الجمهورية أن يقرر حل المجلس الشعبي الوطني أو إجراء انتخابات تشريعية قبل أوانها، بعد استشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة، ورئيس الحكومة ...".
كما نصت المادة 84 من دستور 1996 على ما يلي : " تقدم الحكومة سنويا إلى المجلس الشعبي الوطني بيانا عن السياسة العامة..... لرئيس الحكومة أن يطلب من المجلس الشعبي الوطني تصويتا بالثقة.في حالة عدم الموافقة على لائحة الثقة يقدم رئيس الحكومة استقالة حكومته.
في هذه الحالة يمكن لرئيس الجمهورية أن يلجأ قبل قبول الاستقالة إلى أحكام المادة 129 أدناه" ( )، أي يمكن لرئيس الجمهورية حل المجلس الشعبي الوطني، ويظهر من خلال نصي المادتين أن الحل الرئاسي يمكن إجراؤه عند رفض المجلس الشعبي الوطني منح الحكومة الثقة التي تطلبها منه أو عند أي وقت يراه رئيس الجمهورية مناسبا، فقد يحل الرئيس المجلس إذا قاومه عند ممارسة صلاحية من صلاحيته كأن يطلب قراءة ثانية ويرفض المجلس أو يطلب الموافقة على المعاهدات التي يبرمها أو في حالة التعديل الدستوري...ألخ ( ) .
وتثير المادتين عدة إشكالات سوف نطرحها ونحاول الإجابة عليها و ذلك في إطار دراسة خصائص هذا النوع من الحل و الوظائف التي يؤديها .
ثانيا: حالات الحل الرئاسي في النظام التونسي
نحى المؤسس التونسي الأصلي سنة 1959 منحى الدساتير التي تأخذ بنظام الفصل الصارم للسلطات مائلا إلى نظيره لأمريكي، إذ لم يمكن رئيس الجمهورية من حل البرلمان وفي المقابل لم يمكن البرلمان من ممارسة رقابة على الحكومة تصل إلى حد إسقاطها، واكتفى بوضع آليات رقابية بعيدة كل البعد عن تلك المعروفة في النظام البرلماني وكان ذلك بسبب تحفظ المشرع الدستوري التونسي حول النظام البرلماني الذي اتبعته عدة دول و تعرضت لأزمات سياسية متتالية ( ) ،وهذا بعد أن كان النظام البرلماني حلما للشعوب التي كانت محرومة منه والذي توقع العديد من الدارسين انهياره في نهاية القرن العشرين بسبب الأزمات الخطيرة التي يعيشها في كل الأنحاء والتي تبشر بزوال حكم البرلمانات ( ).
تغير توجه المؤسس الدستوريالتونسي تدريجيا منذ التعديل الدستوري المؤرخ في 08/04/1976 الذي أدخل بعض الميكانيزمات البرلمانية على النظام التونسي، حيث أصبح من حق رئيس الجمهورية حل البرلمان ( ) والذي كان يسمى آنذاك " مجلس الأمة" ( الفرقة الوحيدة للبرلمان آنذاك) قبل التحاق تونس بركب دول التي تبنت نظام الفرقتين في موجة دستورية اجتاحت العديد من الدول ( ) وفي مقابل الحل بإمكان البرلمان التصويت على لائحة لوم ضد الحكومة.
ثم جاء تعديل 25/07/1988 ليغير من شروط الحل لكنه أضاف إمكانية أو حالة أخرى للحل الرئاسي وهي سلطة لرئيس الجمهورية المنتخب جديدا إثر شغور منصب الرئاسة، حيث أجاز له التعديل حل المجلس المنتخب الذي أصبح يحمل اسم" مجلس النواب " والدعوة لانتخابات تشريعية قبل أوانها ( )وأدخل تعديل 1988 على الحل شروطا جديدة و بذلك يكون المؤسس الدستوري التونسي تبنى فقط الحل الرئاسي الذي يكون بمبادرة من رئيس الجمهورية لكن إمكانية استعماله تكون في مناسبتين :
- إمكانية حل مجلس النواب من طرف الرئيس المنتخب جديدا بعد حالة الشغورفي منصب الرئاسة و قد نص على ذلك الفصل 57 : " عند شغور منصب رئيس الجمهورية لوفاة أواستقالة أو عجز تام ... ولرئيس الجمهورية الجديد أن يحل مجلس النواب و يدعو لانتخابات تشريعية سابقة لأوانها وفقا للفقرة الثانية من الفصل 63 " و الفقرة هذه هي آخر فقرات الفصل 57 الذي ينظم حالة الشغور في منصب الرئاسة ( ) .
- إمكانية حل الرئيس لمجاس النواب على إثر مصادقة المجلس على لائحة لوم ثانية ضد الحكومة طبقا للفصل 63: "يمكن لرئيس الجمهورية إذا صادق مجلس النواب على لائحة لوم ثانية بأغلبية ثلثي أعضائه أثناء نفس المدة النيابية إما أن يقبل إستقالة الحكومة أو أن يحل مجلس النواب ..... "
ونتعرض لهاتين الحالتين تباعا.
1- الحل الموالي للفوز بالانتخابات الرئاسية:
نص الفصل 57 من الدستور التونسي الذي تناول مسألة الشغور في منصب الرئاسة وما ينجر عنها من آثار وكيفية تنظيم قواعد الإنابة في فقرته الأخيرة " لرئيس الجمهورية الجديد أن يحل مجلس النواب ويدعو لانتخابات تشريعية سابقة لأوانها وفقا للفقرة 2 من الفصل 63 وقد نصت هذه الفقرة على وجوب تضمن قرار الحل دعوة الناخبين لانتخابات تشريعية مسبقة خلال 30 يوما على الأكثر.
مما سبق يتضح لنا أن الحل المشار إليه يندرج في إطار إعطاء رئيس الجمهورية الجديد المنتخب إثر حصول شغور في منصب الرئاسة سلطة حل مجلس النواب سعيا منه للبحث عن أغلبية رئاسية أو تطابق الأغلبية الرئاسية مع الأغلبية البرلمانية وقد اعتبره بعض الفقه في تونس قبيل تجديد مشروعية الغرفة الأولى ( )
ثانيا :الحل الرئاسي الموالي للتصويت على لائحة اللوم الثانية ضد الحكومة
نص الفصل 63 من الدستور التونسي على الحالة الثانية للحل الرئاسي :
" يمكن لرئيس الجمهورية إذا صادق مجلس النواب على لائحة لوم ثانية بأغلبية ثلثي أعضاءه أثناء نفس المدة النيابية ( ) إما أن يقبل استقالة الحكومة أو أن يحل مجلس النواب ".
يستفاد من الفصل 63 أن هذا النوع من الحل مرتبط بالعلاقة بين الحكومة ومجلس النواب، حيث نص الفصل 62:" يمكن لمجلس النواب أن يعارض الحكومة في مواصلة تحمل مسؤولياتها، متى تبيين له أنها تخالف السياسة العامة للدولة والاختيارات الأساسية المنصوص عليها بالفصلين 49 و 58 ويكون ذلك بالاقتراع على لائحة لوم " ( ).
الشيء الملاحظ من قراءة هذا الفصل و كذلك الفصلين49 و 58 ( ) هو أن مراقبة مجلس النواب للحكومة تتعلق بطريقة تنفيذ هذه الأخيرة للسياسية التي يضبطها رئيس لجمهورية ولا تتعلق المراقبة بمحتوى السياسة وبذلك يتحول مجلس النواب إلى مساعد لرئيس الجمهورية في مراقبة الحكومة ( ).
وقد عدل المؤسس الدستوري التونسي إجراءات التصويت على لائحة اللوم التي كانت إجراءاتها أكثر شدة، حيث قلص من عدد المراحل من جهة ومن جهة أخرى أبعد رئيس الجمهورية عن كل صراع بين مجلس النواب والحكومة حيث كان الدستورالتونسي قبل تعديله سنة 1988 يجعل اللجوء إلى لائحة اللوم إجراءا شبه مستحيل، حيث كان يشترط تقديمها من طرف ثلث أعضاء مجلس النواب ولا يصوت عليها إلا بعد 48 ساعة وهذا مع العلم أن التصويت على لائحة الثقة يجب أن يسبقه التصويت على لائحة معللة بأغلبية الأعضاء تقدم إلى رئيس الجمهورية وإذا لم تلق صدى خلال 3 أشهر، هنا فقط كان بامكان النواب التصعيد والوصول إلى المواجهة بينهم وبين الحكومة بالتصويت على لائحة اللوم التي تؤدي إلى استقالة الحكومة.
بالرغم من كل القيود الواردة على مثل هذه الرقابة قبل تعديل 1988، إلا أن نتيجة التصويت على لائحة ثانية ضد الحكومة تجعل من رئيس الجمهورية يستقيل حيث أن اللائحة الثانية إذا كانت لنفس الأسباب وفي نفس الظروف تحول الصراع بين مجلس النواب ورئيس الجمهورية ( ) إلا أنه يمكن القول ان الدستور التونسي آنذاك كان يقيم نوعا من التوازن بين السلطتين من خلال الحل والاستقالة لكن بعد تعديل1988 والأمر كما هو اليوم تخلى الدستور المعدل على استقالة الرئيس في حالة مصادقة مجلس النواب المنتخب على إثر حل سابق على لائحة لوم ثانية لنفس السبب، في هذا التخلي أكثر من دلالة سياسية بالأساس ( ) و هذا يجعل من الحل في هذه الظروف مختلفا عن سابقه، فقبل التعديل تميز الحل الوارد بالفصل 63 أنه مرتبط بالعلاقة بين الحكومة ومجلس النواب .
الفقرة الثانية : خصائص الحل الرئاسي في النظامين ، ووظائفه
أولا : خصائص الحل الرئاسي في النظامين
ينطوي الحل الرئاسي على عدة خصائص مشتركة تكشف عنها النصوص الدستورية وهي أن الحل الرئاسي بكافة حالاته في النظامين الدستوريين الجزائري و التونسي سلطة خاصةو تقديرية لرئيس الجمهورية مع انفراد المؤسس الدستوري التونسي بخاصية تفيد تقييده للحل الرئاسي و حصره في مناسبتين اثنتين فقط و المنصوص عليهما في الفصلين 57 و63 من الدستور و هما عقب الانتخابات الرئاسية ( سلطة خاصة برئيس الجمهورية المنتخب جديدا ) و تصويت مجلس النواب على لائحة لوم ثانية ضد الحكومة و يشترك الفصل 63 مع المادة 129 من الدستور الجزائري في إضفائهما الطابع التحكيمي للحل الرئاسي في حين تغيب هذه الخاصية في الحل الوارد في الفصل 57 و من هنا سوف تتم دراسة خصائص الحل الرئاسي في النظامين كما يلي :
1-الحل سلطة خاصة وتقديرية : خاصية مشتركة
2-الحل الرئاسي سلطة تحكيمية : خاصية مشتركة
3-الحل الرئاسي سلطة مقيدة : خاصية ينفرد بها النظام التونسي
1-الحل سلطة خاصة وتقديرية : خاصية مشتركة
أ-الحل الرئاسي سلطة خاصة برئيس الجمهورية: سلطة حصرية.
في النظام الجزائري تدل المادة 129 من الدستورعلى أن سلطة الحل تعود لرئيس الجمهورية دون غيره، إذ بإمكان الإطاحة بالهيئة الشرعية النابعة عن الشعب مباشرة في الوقت الذي يفرض فيه الوضع السياسي والقانوني تواجدها وهذه السلطة خاصة وفاعلة ( ) ، فحتى إذا كانت الحكومة هي من تطلب الحل فالسلطة تظل ملكا لرئيس الجمهورية دون غيره وذلك بالاستناد إلى:
- النص الصريح للمادة 129 الذي يجيز لرئيس الجمهورية الحل.
- أن المؤسس الدستوري الجزائري لم يدمج فكرة "التوقيع المصاحبContreseing " أو فكرة التصديق على قرارالحل بل وعلى أي قرار يتخذه رئيس الجمهورية ( ) ،هذا عكس النظام البرلماني أين يكون رئيس الحكومة هو صاحب المبادرة بقرار الحل وما على رئيس الدولة إلا التوقيع المجاور( ) مما يجعلنا نلاحظ أن الؤسس الدستوري الجزائري أضفى على الحل الرئاسي مرونة لاستعماله وفق معطيات الساعة.
- أن الحل سلطة غير قابلة للتفويض وهذا ما نصت عليه المادة 87/2 التي منعت تفويض رئيس الجمهورية سلطته في حل المجلس الشعبي الوطني وتقرير إجراء الانتخابات التشريعية قبل أوانها، بل إنه حتى في حالة الغيبة أو الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية، يمنع إجراء الحل ( ).
- إن الاستشارة المنصوص عليها في المادة 129 ليست إلا إجراء شكليا ولا تمس بأي حال سلطة رئيس الجمهورية.
ولقد منح حق الحل لرئيس الجمهورية ولم يمنح لرئيس الحكومة لعدة اعتبارات، أهمها أن رئيس الجمهورية يعتبر حامي الدستور ومجسد وحدة الأمة والدولة وممارسته لحق الحل تأتي في سياق تكريس المؤسس الدستوري لتفوق رئيس الجمهورية وتعبيرا عن إرادته في التدخل في المجال السياسي وذلك كصاحب السلطة التنفيذية وقد يستعمل الحل كأداة للضغط على المجلس الشعبي الوطني ليتعاون مع الحكومة.
إن إعطاء حق الحل لرئيس الجمهورية عرف دستوري 76 و 89 وإذا كان دستور 1989 كرس تعددية الأحزاب التي تتطلب وجود مثل هذه السلطة بيد رئيس الجمهورية الذي يفترض أنه فوق الأحزاب وصراعاتها ( )، فإنه في دستور 1976 والذي بدوره أخذ بعدة آليات تكفل تفوق رئيس الجمهورية الأمين العام للحزب الواحد، وهو نظام يضمن عدم ظهور أي صراع بين المؤسسات وبالتالي يقضي على احتمال قيام أية معارضة وقد كان في ظل هذا الدستور حق الحل حقا مطلقا لرئيس الجمهورية بالرغم من أنه يتعارض ومنطق النظام لأن استعماله يثبت سوء اختيار الرئيس، كما أنه يتعارض مع وحدة القيادة .
وفي الحقيقة أن دستور 1976 اقتبس واضعوه العديد من أحكام دستور الجمهورية الخامسة الفرنسي لعام 1958 خاصة تلك المتعلقة بتدعيم سلطات رئيس الجمهورية وتقويته على البرلمان حيث كان الدستور الفرنسي الوحيد من ضمن الدساتير الغربية التي أعطت امتدادا بذلك الشكل لسلطات السلطة التنفيذية خاصة رئيس الجمهورية، و في مقابل ذلك واضعو دستور 1976 استبعدوا كل ما يتعلق بالتعددية الحزبية والتداول على السلطة، إلخ ...( )
وفي النظام التونسي نجد الحل الرئاسي الوارد بالفصلين 57 و 63 يتميز أيضا بكونه سلطة حصرية خاصة برئيس الجمهورية التونسي دون سواه و ذلك أيضا بصريح النص، كما يدعم هذا القول أن سلطة الحل لا تفوض في حالة غيبة الرئيس ولا حتى في حالة الشغور وكذلك الحالة الاستثنائية ( ) و قد يكون في هذا الأمر تدعيم و حماية لمجلس النواب و باستقراء الفصل 57 استرعى انتباهنا أن هذا الفصل ينظم إحدى الحالات التي لم ينظمها الدستورالجزائري الذي لم ينص بصريح النص على حق رئيس الجمهورية الجديد في حل المجلس الشعبي الوطني لكن الحل الرئاسي في الجزائرو الذي سبقت لنا دراسته يمكن أن يمارسه رئيس الجمهورية في الوقت الذي يراه مناسبا له وبالتحديد عقب انتخابه حتى يتاح له العمل مع برلمان يريحه .
ب- الحل سلطة تقديرية لرئيس الجمهورية
الدليل على ذلك أن طلب الرأي بشأن قرار الحل كما تشير المادة 129 من الدستور الجزائري يعد مجرد تشاور لا غيرو مرسوم الحل لا يحتاج إلى تصديق من أي جهة كانت عكس بعض الأنظمة الأخرى .
لقد تأثر الدستور الجزائري بفكرة أن رئيس الجمهورية يقرر الحل بناء على ما يقدره فكره فعليه أن يفحص الأمر بروح العقل المسؤول الذي لا يعرف العاطفة أو الخطأ، له وحده أن يضع البنواب أمم الهيئة الناخبة و يضمن لنفسه أسباب النجاح ( ) .
إن نص المادة 129 وسع من دائرة السلطة التقديرية لرئيس الجمهورية وهذا الاستنتاج مؤسس على وجهة نظر المؤسس الدستوري التي أصلا من الجانب النظري لا تقبل الجدل ( ) ، إنها سلطة تقديرية كامنة في ذاته الشخصي ( ).
وتظهر السلطة التقديرية في الحل من خلال:
- عدم خضوعها إلى أي شرط جوهري: لا من حيث الآجال أو الإجراءات.
- اختصاص الرئيس بالحل دون غيره وهو اختصاص فعلي كما رأينا لا اختصاص شرفي كما في النظام البرلماني ( ).
و قد نحى المؤسس الدستوري التونسي هذا المنحى وبدوره منح لرئيس الجمهورية المنتخب جديدا مطلق الحرية في استعمال حقه في حل مجاس النواب، أي أنه يتمتع بسلطة تقديرية في تقرير الحل من عدمه وهذا يستنتج من عبارة " و لرئيس الجمهورية الجديد ..."التي وردت في الفصل 57 و عبارة " يمكن لرئيس الجمهورية ...." الواردة بالفصل 63 و بذلك "أتاح الفصل 63 لرئيس الجمهورية هامش تحرك هام إذا صادق مجلس النواب على لائحة لوم ثانية، ذلك أنه يمكن له في مثل هذه الحالة إما أن يقبل استقالة الحكومة أو أن يحل مجلس النواب بحيث يسمح له باستخلاص العبرة من استمرار معارضة البرلمان للحكومة في اتجاه تغليب موقف المجلس بقبول استقالة الحكومة أو في اتجاه تغليب موقف الحكومة بحل المجلس و يندرج هذا الخيار المرن و الذي يعطي رئيس الجمهورية هامش مناورة في هذا المجال "( )
2-الحل سلطة تحكيمية : الطابع التحكيمي للحل الرئاسي لا يمكن فهم الحل كآلية منفصلة، بل يجب أن يتم ذلك في إطار المجموعة الدستورية التي ينتمي إليها، إن جميع المبادئ والتجارب تفرض أن يوجد هناك حكم فوق التيارات السياسية يستطيع ضمان استمرارية الدولة و مؤسساتها، في ظل التوافقات ( ) .
لقد أراد التحول الدستوري الجزائري منذ 1989 إرساء دولة غير حزبية تتواجد خارج الصراعات الحزبية وحتى تكون محايدة فإن رئيس الجمهورية بتجسيده للدولة وهو المستفيد من هذا البناء الدستوري، ومبدئيا لا ينتمي إلى أي حزب و ينجر عن ذلك أن يتوقف ( ظاهرا ) عن النضال لحزبه ليصبح رئيس كل الجزائريين فلديه الشرعية بذلك ويقوم بضمان حماية المبادئ الأساسية للدولة، الاستقلال الوطني، سلامة التراب الوطني والسير العادي للمؤسسات والنظام الدستوري ( ).
يرى بعض الدارسين في الجزائر أن المادة 129 من دستور1996 تفيد أن الحل اختصاص تقديري وتحكيمي لرئيس الجمهورية دون أن تنص على ذلك صراحة كالمادة 05 من الدستور الفرنسي التي تعتبر رئيس الجمهورية حكما " Arbitre " وهذا ما يفسر اتساع صلاحياته وعبارة التحكيم ظهرت لأول مرة في الدستور الفرنسي وأكدها الجنرال "ديغول" الذي كان له الدور الأبرز في وضع دستور 1958. ( )
وتظهر خاصية رئيس الجمهورية كحكم بين المؤسسات في البلدين من خلال استعماله لصلاحيات تهدف لاستقرار العلاقات بين المجلس والحكومة وما يخول له هذه الوظيفة هو الآتي:
أ- منافسته للمجلس المنتخب في تمثيله للشعب فله الحق في التوجه إليه بالاستفتاء دون واسطة وباعتبار أن الشعب مصدر كل سلطة مما يمنح الرئيس صفة تمثيلية للشعب بأكمله ويخول له التعبير عن الإرادة العامة والتكلم باسمه، بل بإمكانه تجاوز السلطة التشريعية باللجوء مباشرة إلى الشعب ( ) .
ب- رئيس الجمهورية هو أول مسؤول في هرم الدولة أي السلطة ( ) وله تأثير على عمل المؤسسات الأخرى، وتمتعه بالسيادة باعتباره ممثلا للدولة وهو يتفق مع التكييف الذي قدمه الرئيس ديغول.( ) وما يزيد من مكانة شمولية وظيفة التمثيل العام التي تبدأ من التدشين والافتتاح إلى اتخاذ القرارات الهامة وفي إطار تواجد رئيس الجمهورية في مركز يجعله يمثل كل الشعب وهو يعلو على السلطات وعلى جميع المتناقضات والاختلافات السياسية الداخلية وهذه في الحقيقة تقنيات منبثقة عن دوره السلطوي المركزي المخفف أحيانا والمكثف أحيانا أخرى( ) ،وكونه المسئول عن سير السلطات العمومية، فإن ذلك يمكنه من استعمال حق الحل لإنهاء أي نزاع بين المؤسسات ويتدخل في حالة الأزمة لإعادة سير النظام فيظهر الحل بأنه وسيلة للتحكيم الرئاسي تهدف إلى تسوية النزاعات ( ) ،لكن هل حقا أن الحكم وفق المفهوم المبين يفرض رأيه الخاص على الآخرين؟ فرئيس الجمهورية ينطق بالحل ممارسا مهمته كحكم ، لكن كحكم بالمعنى الإيجابي ( ).
كما يصر بعض الدارسين في تونس على الطابع التحكيمي للحل الرئاسي في النظام التونسي من خلال تحليل الفصل 63 من الدستور و الذي بموجبه لا يمكن لرئيس الجمهورية اللجوء للحل إلا بعد مصادقة مجلس النواب على لائحة لوم ثانية خلال نفس المدة النيابية ومعنى ذلك أن رد فعل الرئيس على لائحة اللوم الأولى غير ممكن لأن تعديل 1988 أخرجه من دائرة النزاع بين الحكومة والمجلس( ) بعد أن كان التصويت على لائحة اللوم الثانية يؤدي إلى حل المجلس وكان يتعين على رئيس الجمهورية تقديم استقالته، أما حاليا فلائحة اللوم لم يعد ينتج عنها استقالة الرئيس بل إمكانية حل المجلس النيابي أو إقالة الحكومة.
إذن لم يعد رئيس الجمهورية وحسب بعض الفقه في تونس طرفا في الخلاف بين مجلس النواب والحكومة وبالتالي لا يمكن أن يتأثر بانعكاساته وبذلك يكون المؤسس التونسي على حد قولهم أعاده إلى منزلة الحكم بين المجلس والحكومة، يخير بين الحل وقبول استقالة الحكومة( )، هذا و يرفض العديد من الباحثين إضفاء الطابع التحكيمي للحل الرئاسي و على رأسهم الدكتور الأمين شريط الذي يرفض اعتبار الرئيس الجزائري حكما بالمفهوم الذي أتى به دستور الجمهورية الخامسة الفرنسي عام 1958 لوجود العديد من الاختلافات بين النظامين الدستوريين،أهمها فكرة التوقيع المجاور وامتلاك الرئيس الجزائري لسلطات هامة على المجلس دون أن يمتلك عليه المجلس
شيئا ،و هو طرف في "للعبة السياسية وإن لم ينص الدستور صراحة على إنه رئيس السلطة التنفيذية، فهو رئيسها القانوني ، بل هو روحها و مصدرها بكاملها"( ).
في الحقيقة أن وظيفة التحكيم أو سلطة التحكيم تعرضت لنقاش شديد من طرف بعض الفقهاء بين مؤيد ومعارض ورأى معارضو هذه الفكرة أن مفهوم التحكيم يصطدم بمشكلتين:
الأولى: تتعلق بغموض مفهوم التحكيم وكونه مفهوم قديم تجاوزه الزمن ، حيث وحسب فقه القانون الدستوري الحديث أن فقه التحكيم ينتمي للملكيات الدستورية في القرنين 18 و19، ليدعم سلطة الملك شبه الإلهية التي جعلته فوق الجميع) (.
الثانية: تتعلق باستحالة تطبيق فكرة التحكيم في الأنظمة الحديثة لتعارضها مع الديمقراطية الغربية التي تعتبر الشعب هو الحكم ووضع رؤساء الدول لا يسمح لهم بلعب دور الحكم، فالرئيس إما أن يكون معينا بطريق الاقتراع المقيد وبالتالي لا شيء يعطيه هذه المكانة العالية أو السلطة ليكون حكما، أو أن ينتخبه الشعب مباشرة وهنا لن يكون تدخله كحكم، بل بالضرورة سيكون تدخل " خصم وحكم" .
في الواقع إن القيام بمهمة التحكيم يفرض الحياد، والقاعدة الذهبية تقول أنه لا يمكن أن يكون الشخص خصما وحكما في آن واحد : " On ne peut être juge et partie à la fois " ونحن نؤيد هذا الرأي إذ يصعب أن يكون رئيس الجمهورية في كل من الجزائر و تونس حكما في مسألة الحل ( ) لأن سلطة الحل كما هي في النظامين الدستوريين من الصعب أن تكون سلطة محايد ة أو نوع من التحكيم بين هيئتين دستوريتين إحداهما ترتبط عضويا ووظيفيا برئيس الجمهورية، فمجرد وجود حق الحل في الدستور من ضمن الكثير من الآليات الدستورية التي بيد الرئيس و التي يستطيع من خلالها التأثير على أية هيئة دستورية ( ) ، يعد كافيا لتكريس تفوق رئيس الجمهورية على المجلس المنتخب، أضف إلى ذلك طريقة توزيع السلطات في النظامين التي لا تضمن لرئيس الجمهورية الحياد الذي يفرضه دور الحكم الذي يمارسه باسم الشعب ( ) ، دون أن ننسى التعددية السياسية ومكانة رئيس الجمهورية في النظامين السياسيين الجزائري و التونسي و التي لا تسمح له بالبقاء محايدا أو مستقلا في ممارسة الحل .
إذا كانت مهمة التحكيم موجودة فعلا في النظام الدستوري الجزائري ويعهد بها إلى رئيس الجمهورية باعتبارها وظيفة ضرورية تتطلبها طبيعة النظام ( ) وحسن سيره بصفة مطلقة فإنها في الحل حتما لن تكون كذلك ، لأنها تمثل قيمة سياسية قبل أن تكون قانونية ( ) والدليل على ذلك أن رئيس الجمهورية لا يستعمل الحل لأجل الحل، وقد سبق ورأينا جملة المبررات التي تسوق استعمال الحل الرئاسي وكيف أن الفقه حكم على مثل هذا الحل الذي لا يكرس التوازن بين السلطتين أنه أداة للهيمنة في يد رئيس الجمهورية، فهذا الأخير عندما يقرر الحل لا يتصرف كحكم محايد،فهو في كل الأحوال لن يتصرف بمعزل عن رئيس الحكومة الذي يثق في شخصه، فوجود مجال مشترك بين الحكومة ورئيس الجمهورية يجعل هذا الأخير مقدما في خلاف بين الحكومة وأغلبية النواب وفي مثل هذه الفرضية يجد نفسه أمام خيارين: إجراء الحل أو عدم إجرائه ( ) ومن الطبيعي أن رئيس الجمهورية قد يحل المجلس بطلب من رئيس الحكومة، لكن هذا الطلب يقع على مستوى العلاقات السياسية و ليس على المستوى القانوني( ) ، إن قراءة المادة 84/6 والتي تجيز لرئيس الجمهورية استعمال المادة 129 أي حل المجلس الشعبي الوطني على إثر عدم منحه الثقة للحكومة، يثبت بصورة قطعية أن رئيس الجمهورية ليس محايدا وسوف نثبت من خلال دراستنا للحل التلقائي مدى التلاحم بين رئيس الجمهورية وحكومته، وأنه عندما يحل المجلس، فإنه يتصرف كحكم ولكن حكم نشيط وفاعل وبالتالي يبتعد عن فكرة الحياد ( )، و الامر ذاته يمكن أن يحدث في النظام التونسي نظرا لطبيعة العلاقة التي تربط رئيس الجمهورية بالحكومة، فرئيس الدولة في النظام السياسي التونسي يمارس دستوريا سلطات واسعة، فهو رئيس لسلطة تنفيذية قوية تهيمن على السلطة التشريعية وعلى باقي مؤسسات الدولة و يسيطر كليا على الجهاز التنفيذي ويمارس سلطات على الحكومة ممثلة في شخص الوزير الأول وباقي الوزراء و ذلك في الظروف العادية وتزداد قوة في الظروف غير العادية،كما تتضاعف أهمية مركزه انطلاقا من كونه يستمد مشروعية أوسع من الشعب، مما يخوله نفوذا رمزيا ومعنويا قد يطمس ويسبق حتى شرعيته الدستورية ( ).
إذا كان العميد بوعوني " رأى في تعديل الفصل 63 اتجاه المؤسس الدستوري التونسي إلى وضع الرئيس الحكم " Le président Arbitre " ( ) إلا أننا نخالفه الرأي فالرئيس ليس غريبا عن السلطة التنفيذية، فهي كما سبق وأشرنا تستمد وجودها منه والرقابة التي يمارسها مجلس النواب على الحكومة ليست رقابة سياسية بالمعنى الصحيح بقدر ما هي رقابة من نوع خاص ، مضمونها السهر على حسن تنفيذ الحكومة للسياسة العامة التي يرسمها رئيس الجمهورية، وهذا ما نص عليه الدستور بصريح النص ( ) وبالتالي ففكرة حياد رئيس الجمهورية عند استخدامه لحق الحل طبقا للفصل 63 مردود عليها، هذا فضلا عن الطابع الرئاسي للنظام التونسي وذلك ما نستخلصه من مجمل نصوص الدستور، بل من إرادة المؤسس الدستوري عام 1959 ( ).
3- الحل الرئاسي سلطة مقيدة (الخاصية التي ينفرد بها النظام التونسي).
الحل الرئاسي مقيد من حيث المناسبة التي يتم فيها،و يظهر ذلك من خلال تحليل الفصلين 57 و 63، فالحل الرئاسي الذي نص عليه الفصل 57 من الدستور لا يرد إلا إثرالانتخابات الرئاسية التي تلي الشغور في منصب الرئاسة لوفاة أو استقالة أو لعجز تام، ولا يمارسه إلا الرئيس المنتخب جديدا ، فقد نص الفصل 57 على هذا النوع من الحل في الفقرة الأخيرة منه بعد تناوله أولا لحالة الشغور في منصب الرئاسة وذلك لوفاة أو استقالة أو لعجز تام وهي الحالة التي يقررها المجلس الدستوري التونسي بالأغلبية المطلقة لأعضائه ثم يبلغ إلى رئيسي مجلسي البرلمان و يتولى رئيس مجلس النواب مهام الرئاسة بصفة مؤقتة ، وإذا تزامن شغور منصب الرئاسة مع حل البرلمان فإن رئيس مجلس المستشارين هو الذي يتولى منصب الرئاسة ويمارس القائم بمهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة المهام الرئيسية على ألا يحق له ممارسة البعض منها كاللجوء إلى الاستفتاء وحل مجلس النواب( ) ، فالحالة الأولى للحل التي نص عليها الفصل 57 تبين أنه جائز فقط لرئيس الجمهورية المنتخب جديدا بعد حالة الشغور في منصب الرئاسة ، فقد وقع تعديل الفصل 57 عام 1988 لتمكين رئيس الجمهورية المنتخب إثر شغور منصب الرئاسة لوفاة أو استقالة أو عجز تام من حل المجلس التشريعي وإجراء انتخابات سابقة لأوانها، غير أنه طرح إشكال آنذاك أن تلك الانتخابات لم تتزامن بالضرورة مع شهر نوفمبروفق ما يقتضيه الفصل 29 من الدستوروالذي كان يحدد بداية الدورة الأولى من المدة النيابية خلال النصف الأول من شهر نوفمبر، فاقترحت اللجنة المكلفة بدراسة مشروع تعديل الدستور سنة 1993 تعديل الفصل 29، لكن الحكومة لم ترض بذلك لكثرة الفرضيات التي قد تتم الانتخابات التشريعية فيها منفردة دون تزامنها مع الانتخابات الرئاسية لأن هذا التزامن كان يستفيد منه نواب الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس، فينتفعون من إشعاعه ويستغلون مشروعيته الشعبية ( ).
كما نص الدستور التونسي على عدم جواز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة خلال الفترة الرئاسية المؤقتة ومن كل ما سبق يتبين أن المؤسس الدستوري التونسي أراد أن يكون الحل سلطة خاصة برئيس الجمهورية دون سواه إذ منع على من يتولى منصب الرئاسة بصفة مؤقتة اللجوء إلى حل مجلس النواب وهذه النقطة تسجل لصالحه بسبب حرصه الشديد على الحفاظ على مصدر الشرعية الشعبية الثاني في غياب مصدر الشرعية الأول وهذا ما ذهب إليه المؤسس الدستوري الجزائري.
يستفاد من نص الفصل 57 بمفهوم المخالفة أنه إذا أعاد رئيس الجمهورية ترشيحه بعد استقالته أو فوزه بعهدة ثانية، فإنه لا يملك سلطة الحل هذه مع حرمان كل من رئيسي غرفتي البرلمان من الترشح لمنصب الرئاسة حتى في حالة تقديمها للاستقالة ( ).
أما بالنسبة للحل الرئاسي الوارد في الفصل 63 فلا يمكن إجراؤه إلا في إطار تصويت مجلس النواب على لائحة اللوم الثانية أثناء نفس المدة النيابية ، بعبارة أخرى أنه إذا لم تتعرض الحكومة لهذه الائحة فلن يستطيع رئيس الجمهورية ممارسة سلطة الحل ابدا ، لكن هذه المادة تثير بعض التساؤلات:
-إذا كان المؤسس الدستوري التونسي إشترط لجوازحل مجلس النواب تصويته على لائحة لوم ثانية ضد الحكومة أثناء نفس الفترة النيابية، فهل يقصد ذات الحكومة التي تعرضت للائحة اللوم الأولى ؟ لكن تلك الحكومة إستقالت بحكم الفصل 62على إثر لائحة اللوم الأولى ، هذا يعني أنها حكومة أخرى هي التي تتعرض للائحة اللوم الثانية ومعنى هذا أن المجلس و خلال مدة نيابته (خمس سنوات) لا يملك إلا التصويت على لائحة لوم واحدة و إلا تعرض للحل ونحن نرى أن في ذلك إجحاف في حق المجلس خاصة إذا لم تكن الحكومة الثانية في المستوى المطلوب ومن ذلك يتبين بوضوح أن بقاء الحكومة ليس مرهونا برضى المجلس بل بإرادة رئيس الجمهورية.
ثانيا: وظائف الحل الرئاسي
إذا كان إدراج حق الحل ساقته عدة اعتبارات ومبررات سبق لنا التعرض لها، فإن الحل الرئاسي يؤدي وظائف نستخلص أهمها من تحليل النصوص الدستورية، وأول هذه الوظائف أن الحل الرئاسي يشكل أداة لإخضاع الغرفة الأولى وتقليصا لدورها الرقابي، كما أنه يعزز المكانة السامية لرئيس الجمهورية على باقي المؤسسات وبالتحديد المؤسسة التشريعية أي أنه أداة لهيمنة رئيس الجمهورية على السلطة التشريعية.
يثير الحل الرئاسي في كل من الجزائر و تونس العديد من الإشكاليات التي تؤدي إلى وضع الغرفة الأولى للبرلمان محل انتباه وحذر مما يستدعي مسايرتها لسياسة السلطة التنفيذية، فتهديده الدائم للنواب بالعزل الجماعي طيلة الفترة التشريعية يظهر الحل الرئاسي على أنه وسيلة لكي تضع الغرفة الأولى محل انضباط، ونحن نؤيد هذا الرأي استنادا إلى النصوص الدستورية التي تكشف لنا الكثير و سنقوم بدراسة كل نظام على حدة .
1- الحل الرئاسي أداة لإخضاع المجلس النيابي
أ-في النظام الجزائري
يلاحظ أن المؤسس الدستوري الجزائري ربط إمكانية استخدام الحل الرئاسي عند عدم منح المجلس المنتخب الثقة للحكومة عند تقديمها للبيان السنوي أو تصويت المجلس على ملتمس الرقابة الذي ينجم عنه استقالة الحكومة، وهذا ما نصت عليه المادة 84 حيث نسجل الملاحظات التالية :
أ- المادة 84/1: " تقدم الحكومة سنويا( ) إلى المجلس الشعبي الوطني بيانا عن السياسة العامة " والبيان السنوي يتضمن حصيلة الإنجاز، نوعيته وعراقيله و الصعوبات والحلول المتخذة لمواجهتها إلخ ( )..وفي هذا الأسلوب تبدو لنا رقابة شديدة للمجلس على الحكومة.
ب- نصت المادة 84/3 على إمكانية إيداع لائحة عقب اختتام مناقشة النواب لعمل الحكومة، وذلك دون أن يبين لنا المؤسس الدستوري نوع هذه اللائحة الجوازية وإن كان تقديمها يغني الحكومة عن طلب الثقة، ويقول الدكتور الأمين شريط أنها يمكن أن تتضمن تحفظات من طرف المجلس الشعبي الوطني على عمل الحكومة ( ) .
لكن الدستور الجزائري لم ينص على إمكانية إصدار مجلس الأمة لأية لائحة على إثر تقديم الحكومة لبيان عن سياستها العامة أمامه عكس الأثر الذي رتبه على تقديم عرض عن برنامج الحكومة أمام مجلس الأمة ( )، أما بالنسبة للائحة التي يصدرها المجلس الشعبي الوطني ، هل يمكن اعتبارها لائحة سحب ثقة ؟ وما هو أثرها على الحكومة ؟ إذا كان هناك غموض في هذه النقطة ، فما هو واضح أن مناقشة البيان لا تفضي بالضرورة إلى إصدار اللائحة ( ).
ج- نصت المادة 84/4 على إمكانية إيداع النواب لملتمس رقابة ( ) وتحيلنا المادة هذه إلى المواد 135، 136 و 137 من الدستور وهي المواد التي تتحدث عن مسؤولية الحكومة أمام البرلمان وعن شروط إيداع ملتمس الرقابة (يجب أن يقدمه 1/7 النواب على الأقل) وعلى النصاب المطلوب للتصويت عليه (أغلبية 2/3) و الآجال إذ يتم التصويت عليه إلا بعد 03 أيام من تاريخ إيداعه.
إن تصويت النواب على ملتمس الرقابة يعني أن السياسة العامة لم تف بأغراضها المرجوة والتصويت بالأشكال المذكورة أعلاه، يرى فيه البعض أنه يمنح لمتلمس الرقابة جديته وأصالته ( )، في حين يرى البعض الآخر أنه من قبيل إخضاع الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة إلى إجراءات أكثر دقة وأكثر شدة بهدف تقليصها ( ).
يعبر ملتمس الرقابة عن تدهور العلاقة بين الحكومة والمجلس وانكسارها بشكل خطير ونجاحه مرهون بنوعية الأغلبية السائدة في المجلس ومدى انضباطها، ففي حال تمتع الحكومة بأغلبية قارة ومنضبطة من المستحيل نجاح ملتمس الرقابة ويصبح تقديمه من طرف المعارضة للوقوف أمام الحكومة ومراقبتها وليس لإسقاطها ( ).
في الواقع أن ملتمس الرقابة تحيط به جملة من الشروط والإجراءات التي تتجه في استبعاده، فنسبة 1/7 النواب صعبة التحقيق، كما أن النائب لا يصوت إلا على ملتمس رقابة واحد، ومهلة 03 أيام للتصويت عليه يرى البعض أنها كافية لإقناع النواب المؤيدين للحكومة زملاءهم والضغط عليهم للعدول عن ملتمس الرقابة هذا فضلا عن نصاب الموافقة الصعب( 2/3 )وهذه القيود تجعل من اللجوء إليه شبه مستحيل ( ).
د-تجيز المادة 84/5 للحكومة طلب تصويتا بالثقة: إن النص يعطي الحكومة الاختيار في هذا الأمر وبالتالي فإن منح المجلس الثقة للحكومة أو عدم منحها مرهون أولا وأخيرا بتقديمها للطلب، مما يجعل من طلب الثقة نتيجة دون مقابل في حين أن ذلك أمر وجوبي ومهم لأن الثقة جزء من المسؤولية السياسية للحكومة وهذا لسببين:
الأول : أن المجلس الشعبي الوطني لا يملك حق منح الثقة من تلقاء نفسه، وبالتالي لا يملك سحبها (فاقد الشيء لا يعطيه) عملا بمبدأ " من يملك التعيين ... " و هذا ما تؤكده المادة 62 من القانون العضوي 99/02 التي تنص " يكون تسجيل التصويت بالثقة لفائدة الحكومة في جدول الاعمال وجوبا بناءا على طلب رئيس الحكومة ..."
الثاني : خلو صياغة المادة 84/5 من أي صفة إلزامية وهي خاصية قواعد القانون العام وعلى رأسه القانون الدستوري ، وقواعد القانون العام كلها آمرة، وإعطاء رئيس الحكومة نصا يخول له الاختيار بين تقديم طلب الثقة من عدمه غير مستساغ( ).
إن الحكومة لا يمكن أن تطلب تصويتا بالثقة إلا في حالة واحدة وهي عند تقديمها للبيان السنوي عن السياسة العامة للمجلس، ولا يلجأ رئيس الحكومة إلى هذا الإجراء إلا إذا كان متأكدا من مساندة الأغلبية البرلمانية ( )، لأن الإقدام على ذلك دون ضمانات يعد مجازفة، ويرى الدكتور سعيد بوالشعير أن هذه الآلية تعد وسيلة يمكن أن يستخدمها رئيس الحكومة للضغط على رئيس الجمهورية إذا أحس بمحاولة ضغط من قبل هذا الأخير، وهذه المسألة لا يمكن أن تتحقق إلا بوجود أغلبية برلمانية متماسكة وقوية حتى تتناسب والمركز القوي لرئيس الجمهورية ( ).
وإضافة إلى حالة خلاف الحكومة مع رئيس الجمهورية ( )، فقد تطلب الحكومة الثقة أيضا في حالات أخرى:
- إذا كانت هناك معارضة واضحة لسياسة الحكومة في البرلمان أو خارجه، فتريد الحكومة تدعيم مركزها بحصولها على الثقة، مع العلم أن طلب الثقة يكون في مناسبة عرض الحكومة للبيان السنوي وهذه هي الحالة الوحيدة التي نص عليها الدستور، وهذا خلافا لبقية الأنظمة ، إذن فإمكانية طلب الثقة تكون مرة واحدة سنويا، ويستنتج من ذلك أن رفضها الذي يؤدي إلى الحل يكون سنويا، وعليه فالحل يمكن أن يجرى كل سنة، وهذا الأمر تدعيم لفكرة إطلاق المؤسس الدستوري الجزائري لسلطة الحل الرئاسي، أي إمكانية تكراره( ).
عرفت الجزائر تعاقب حكومات لم تقدم بيان السياسة العامة لعدم مرور سنة عليها وحكومات أخرى لم تقدمه رغم بقائها في الحكم أكثر من سنة ( )، من بينها حكومة علي بن فليس الذي قدم بيان السياسة العامة في 08/11/2001، ولم يطلب تصويتا بالثقة نظرا لتمتعه بأغلبية مريحة ناتجة عن تحالف ثلاثة أحزاب كبرى، ولم يكن ذلك مخالفا للدستور، لأن المادة 84/5 نصت على الإمكانية وقد سجلنا جملة من الملاحظات حول ظروف التصويت على لائحة الثقة التي تصب في تيسير الحصول عليها، عكس ملتمس الرقابة .
-تقليص حدود النقاش السابق للتصويت بالثقة وحصره في أضيق الحدود، حيث بعد تقديم رئيس الحكومة بعرض يشرح فيه أسباب طلب الثقة، يتدخل نائب يريد التصويت بالثقة، ثم نائب ضد التصويت بالثقة ( ) وقد تجاهل كل من الدستور والقانون العضوي 99-02 آجال المناقشة.
- لم ينظم المؤسس الدستوري نصاب الموافقة على لائحة الثقة وترك ذلك للقانون 99-02، خلافا لملتمس الرقابة الذي رسم حدود استعماله من حيث النصاب والآجال دستوريا، وفي هذا الخصوص لاحظنا أن القانون 99-02 نص على الأغلبية البسيطة( ) عكس ملتمس الرقابة(أغلبية الأعضاء) بينما لم يشرالنظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني الحالي إلى أي من هذه الاجراءات مطلقا،وتناول القانون 99-02 أثر عدم منح الثقة للحكومة فتحدث عن استقالة الحكومة وإمكانية حل المجلس( ).
إن ترتيب حل المجلس كأثر لعدم منح الثقة للحكومة، يؤدي إلى تعطيل أو تجميد ميكانيزم المسؤولية الوزارية وإلزام المجلس بالموافقة على طلب الحكومة حتى وإن كان مبرر الحل حسم الخلاف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، هذا فضلا عن أن المساءلة السياسية تقع ظاهريا على الحكومة لكنها تتجه في الجوهر إلى رئيس الجمهورية باعتباره منتخبا وصاحب برنامج وهو من يعين الحكومة التي تستمد وجودها منه ( ).
لقد أظهرت الممارسة الدستورية في الجزائرأن التصويت بالثقة لن يكون وسيلة لتحميل الحكومة مسؤوليتها كما يفترض ، بل هو أداة فعالة للضغط على البرلمان وبالتحديد المجلس الشعبي الوطني ولن يكون أداة فعالة للرقابة البرلمانية إلا إذا تم تدعيم الخصائص البرلمانية للنظام الدستوري الجزائري والتي تجعل من الحكومة أكثر استقلالا عن رئيس الجمهورية.
في كل الأحوال فإن المؤسس الدستوري ضيق من مجال استغلال النواب للمادة 84/5 تكريسا منه لإضعاف المجلس الشعبي الوطني، الذي أيا ما كانت نتائج مناقشته لبيان السياسة العامة، فهو الخاسر الأول و ينعكس ذلك إيجابا على الحكومة بالتقليل من مصادر عدم الاستقرار في علاقتها مع المجلس.
في فرضية سحب المجلس الثقة من الحكومة يجد رئيس الجمهورية نفسه أمام عدة خيارات: إما أن يلجأ للحل و يقبل استقالة الحكومة ويعيين آخرى مباشرة بعد الحل، أوأنه يتمسك بالحكومة بقبول استقالتها ثم اعادة تعيينها بعد أن يقرر الحل وفي كل الأحوال فإن رئيس الجمهورية لا يتصرف كحكم ( ) وفرضية استعماله لحق الحل تكمن خاصة في وجود أزمة بين رئيس الجمهورية بوصفه رئيس الجهاز التنفيذي والمجلس الشعبي الوطني ويستعمل الرئيس الحل لحماية الحكومة أو على الأقل يلوح باستعماله في حال توجيه ملتمس رقابة للحكومة وهذا يدعم بشكل كبير مركزها ويسمح لحكومة أقلية أن تظل في السلطة( ).
لقد منح حق الحل لرئيس الجمهورية ولم يمنح لرئيس الحكومة حتى لا يستعمله في حالة الخلاف بينه وبين المجلس ( )، لكن رئيس الجمهورية لا يستعمله بوصفه حامي وحدة الأمة والدولة وضامن لحسن سير المؤسسات بل بوصفه صاحب السلطة التنفيذية كأداة للضغط على المجلس ليتعاون مع الحكومة ( ).
حق الحل يظهر في كل الدساتير الجزائرية بصفة مطلقة تعطي لرئيس الجمهورية حق تجاوز السلطة التشريعية دون أية شروط تذكر( )، حتى دستوري 89 و96 اتجها إلى ترك الهيئة التمثيلية في درجة ثانية ولا تستطيع الارتقاء إلى مستوى رئيس الجمهورية ( ).
أيا من كان السبب في تدهور العلاقة، إن كانت الحكومة كونها المسؤولة عن تنفيذ البرنامج والسياسة العامة حسب المادة 83 من الدستورأو المجلس الذي يريد عرقلة الحكومة ويرفض التصويت على مشاريع قوانين تنفيذا لبرنامج سبق أن وافق عليه، فإن طرح الثقة يراد منه معرفة مدى رضى المجلس على أداء الحكومة فإذا منحها الثقة فذلك يعني التزاما منه بعدم مضايقتها مستقبلا وأي تدهور في العلاقة مستقبلا فإن المجلس يتحمل عبئه سياسيا، في هذه الحالة فإن رئيس الجمهورية سيلجأ إلى الحل إذا كانت له قناعة بأن المجلس هو المتسبب في سوء العلاقة وانكسارها بشكل خطير، سواء نجم ذلك عن تفتت الأغلبية في المجلس، أو لأي سبب آخريجعله غير قادر على أداء عمل تشريعي جيد، و هنا فيتصرف هنا رئيس الجمهورية كونه الساهر على حسن سير المؤسسات وصاحب برنامج منتخب على ضوئه( )، وعامل الأغلبية ومدى تماسكها له دور مفصلي في آداء البرلمان سواء كانت من حزب واحد أو عدة أحزاب ، و قد سبق و أشرنا إلى انتقاد البعض للائتلاف ، حيث يرون فيه تنكرا للناخبين الذين منحوا أصواتهم لبرنامج معين وفكر معين والائتلاف يؤدي إلى طمس معالمه "( ) ولا يعكس بالفعل الخارطة السياسية في الجزائر( ).
وبالرغم من ذلك فإنه وعلى أرض الواقع، استطاعت أحزاب التحالف الرئاسي أن توفر للحكومة أغلبية مريحة وسدت كل مبرر لحل المجلس الشعبي الوطني، في حين كان الكثير يتوقعون من رئيس الجمهورية حله عقب إعادة انتخابه في 2004 للتخلص من الأغلبية التي كان يمثلها حزب جبهة التحرير الوطني قبل انقسامه إلى جناحين، لكن رئيس الجمهورية لم يستعمل المادة 129 لأن أسباب حل المجلس قد زالت ولم تعد موجودة على حد قول البعض( ).
ب- في تونس
يشير الاتجاه العام للدستور التونسي إلى تغليب الآليات الرئاسية ، والحل في الواقع وإن كان البعض يعتبره أداة للاستقرار الحكومي، إلا أنه يعد وجهان لعملة واحدة، الوجه الأول أنه يعد أداة لإضعاف السلطة التشريعية وفي آن واحد هو أداة لهيمنة رئيس الجمهورية المهيمن أصلا على باقي المؤسسات و هذه الصورة تشمل الفصل 63 من الدستور التونسي و المادة 129 من الدستور الجزائري.
بقراءة توطئة الدستورالتونسي نجد عبارات تفيد التعهد بإقامة "ديمقراطية أساسها سيادة الشعب وقوامها نظام سياسي مستقر يرتكزعلى " قاعدة تفريق السلـط" ( ) أي الفصل بين السلطات وقد قسم الدستور التونسي إلى عدة أبواب، وخصص الباب الثاني، الثالث، والرابع للسلطات الثلاث على التوالي، التشريعية، التنفيذية والقضائية.
لقد طغت فلسفة النظام الرئاسي على دستور جوان 1959 لكنها لم تخلق نظاما سياسيا رئاسيا بمقوماته المؤسساتية الكلاسيكية، بل إن النظام التونسي كان رئاسيا متميزا( ) يهيمن فيه الرئيس على كافة المؤسسات حتى عندما أراد المؤسس الدستوري إدخال بعض الآليات البرلمانية عام 1976 كإجابة ممكنة لحل أزمة سياسية بعد فشل تجربة التعاضد و لكن دون المساس بمكانة رئيس الجمهورية ( )، وقد كانت ولا زالت لا ترقى إلى المستوى المعروف في الأنظمة الأخرى، وقد سبق وأن رأينا ذلك من خلال تحليل النصوص المتعلقة بحل المجلس النيابي وإسقاط الحكومة وكيف أن الاتجاه العام يصب في استبعاد تحريك الرقابة البرلمانية والحل يظل سلاحا بيد رئيس الجمهورية ليس له مقابل ، فإذا كان بإمكان المجلس الإطاحة بالحكومة فإنه لا يستطيع الإطاحة برئيس الدولة ( ).
والواقع أن تحديد الأساس لمسؤولية الحكومة يمكن تأويله كإقصاء لإعادة النظر في التوجيهات والاختيارات الأساسية التي يضبطها رئيس الجمهورية من قبل المجلس فلا يستطيع هذا الأخير إثارة مسؤولية الرئيس سياسيا أمامه في أي حال من الأحوال ، فقد حذف تعديل الفصل 63 من الدستور سنة 1988 إمكانية تقديم رئيس الجمهورية استقالته في صورة تصويت المجلس المنتخب على لائحة اللوم.
لقد جعل الدستور من المجلس هيكلا يسهر على حسن تنفيذ السياسة التي ضبط اختياراتها الأساسية رئيس الجمهورية( ) وجعل السلطة التشريعية غير مستقلة وغير منفردة باختصاصها التشريعي وفاقدة لأي دور في الظروف الاستثنائية ( ) في حين يصرح أحد المسؤولين التونسيين أمام مجلس النواب أن الفصل 62 يخول لمجلس النواب معارضة الحكومة وأن هذا الفصل فيه دعم للسلطة التشريعية وليس إضعافها ( ).
يضاف إلى جملة العوامل السابقة التي جعلت من مجلس النواب تابعا لمؤسسة الرئاسة، ضعف الأحزاب بصفة عامة وهذا الأمر ليس غريبا، فالنظام التعددي القائم في الدول العربية حاليا،لا يختلف عن نظام الحزب الواحد، ففي جميع هذه الدول يوجد حزب رئيسي تابع للدولة يرأسه رئيس الدولة شخصيا أو شخصا مقربا منه، يحتكر العمل السياسي ويسيطر على الأغلبية المطلقة من مقاعد البرلمان ويختلط بأجهزة الدولة الإدارية( ).
ولقد لفت نظرنا استياء أحد الباحثين التونسيين من تصرف النواب التونسيين عقب تولي الرئيس بن علي الرئاسة أول مرة من استعدادهم وموافقتهم على إجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها تقلص من مدة نيابتهم: " فللمرة الثانية وفي ظرف لا يتجاوز العشر سنوات، أعلن نواب الشعب موافقتهم اللامشروطة ومباركتهم الكاملة لمشروع يقلص من مدة نيابتهم ويحد من فترة نشاطهم النيابي ...وهو لعمري أمر غريب بالنظر إلى دور النائب كممثل لسيادة الشعب وهو المطالب أساسا بممارسة صلاحيته والحرص على دعمها دون أن يصبح أداة في يد غيره يقررله مصيره ويطوع دوره.أما في تونس، فيظهر أن المسألة تتعدى حدود الثقة المتبادلة بين السلطتين السياسيتين لتعكس بوضوح الوضع السلبي الذي يمر به المجلس النيابي" ( ).
الواقع أنه وكما لا يخفى على أحد، وقد سبق وأشرنا إلى هذه النقطة عند دراسة الحل الرئاسي في النظام الجزائري أن الخوف هو الخاصية المميزة للنواب وأن التلويح بالحل هو بداية تعقل المجلس.
ثانيا- الحل الرئاسي أداة لتكريس هيمنة رئيس الجمهورية
1- في الجزائر
أ-الحل الرئاسي وفقا للمادة 129 يعد وسيلة بيد رئيس الجمهورية تمكنه من منع سقوط الحكومة ( )، فالحل يوازن به المسؤولية السياسية للحكومة أمام المجلس الشعبي الوطني، وبدونه تصبح الحكومة مجرد واجهة يمكن التخلص منها في أي وقت.
ب- يرى البعض في الحل وسيلة لتعين السلطة التشريعية من طرف رئيس الجمهورية ( ).
ج-تكريس الدستور مركزا لرئيس الجمهورية يجعله الثقل الحقيقي للسلطة( ).
د-سلطات رئيس الجمهورية اتجاه المجلس الشعبي الوطني متعددة :يملك حق التشريع بأوامر بين دورتي البرلمان، وحتى مصادقة المجلس على هذه الأوامر عليها قيود حقيقية ( )، كما أن السلطة التنفيذية تتدخل في عمل البرلمان، حيث تساهم حتى في تحديد جدول أعماله، وقد يصادق المجلس على أوامر الرئيس خوفا من الحل ( ) ، ويملك رئيس الجمهورية إصدار القوانين، وطلب مداولة ثانية ( )، هذا فضلا عن سلطته في حل المجلس الشعبي الوطني، مما يصعب على المجلس مواجهته، علما بأنه منتخب مباشرة من الشعب.
يرى بعض الدارسين أن هناك غموض في تعريف دور رئيس الجمهورية في دستور96 الذي جعل منه رئيس السلطة التنفيذية دون أن يذكر ذلك بصراحة، فهو يذكره في أول الفصل الخاص بالسلطة التنفيذية ويذكره أكثر من 60 مرة وحتى رئيس الحكومة فرغم اللقب الذي يحمله إلا أنه لا يمارس أية إدارة عليا إلا من الناحية الإدارية و الدستور يؤكد أن واضعيه لم يريدوا شخصا ثانيا في السلطة التنفيذية ( ) ، وبهذه المناسبة أعرب الرئيس "بوتفليقة" مرارا أنه لا يريد أن يكون ثلاثة أرباع رئيس ( ).
لقد تم إبعاد رئيس الجمهورية عن مهام التسيير والتنفيذ وكلف بها رئيس الحكومة طبقا للمادة 85 من دستور 96 ( ) وذلك بهدف إبعاد رئيس الجمهورية عن كل مبارزة سياسية، خوفا من فقدان سلطته وشعبيته.
هـ-أعفى الدستور رئيس الجمهورية من المسؤولية السياسية عن سياسة هو صاحبها من الناحية العملية، و هذه الخاصية مستمدة من النظام البرلماني إعمالا لقاعدة "حيث لا توجد سلطة لا توجد مسؤولية" لكن المؤسس الدستوري الجزائري نحا في اتجاه مثيله الفرنسي، الذي أعطى رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة، وذلك ليجعل منه حكما بالمفهوم الذي تعرضنا له آنفا في ظل التعددية الحزبية، ويفسر سلوكه هذا، كون رئيس الجمهورية منتخب مباشرة من الشعب على أساس برنامج انتخابي ملتزم به أمام الشعب فقط ( ) ، لكن في الحقيقة إن رئيس الجمهورية عندما يقرر الحل، لا يفقد حساسياته السياسية العميقة وكونه رئيس كل الجزائريين، لا يمنعه من اتخاذ مواقف سياسية معينة والعمل على تأييدها ( ) و في غياب أي نص يفيد إمكانية التأثير على رئيس الجمهورية ولو معنويا، إلا أنه باعتباره حامي الدستور، وممثل الشعب، لا يمكنه تجاهل انشغالات هذا الأخير، وممثليه أي النواب.
ما ليس غريبا عن المؤسس الدستوري اتجاه جميع الدساتير الجزائرية إلى الأخذ بالتقنيات التي تسمح بعقلنة العمل البرلماني وتلك التي توطد رئاسة الجمهورية في مواجهة السلطة التشريعية بدرجات متفاوتة من دستور لآخر( ).
هناك تفوق واضح لرئيس الجمهورية على المجلس الشعبي الوطني، ورئيس الحكومة هو كبش الفداء في حالة الأزمة حتى لا يفقد رئيس الجمهورية مصداقيته وصورته، وهذا هو العنصر النفس اجتماعي " Pshychosocial " الذي لديه كبير الأثر على عامة الشعب ( ).
مما سبق يتبين لنا أن الحل الرئاسي أداة لإضعاف المجلس الشعبي الوطني، ومما يترتب عنه تقوية السلطة التنفيذية وعلى رأسها رئيس الجمهورية، تدعيما لصلاحياته، فهو يملك سلطة مستقلة تسمح له بالتوجه إلى أية سلطة أو هيئة دستورية، بل وحتى الأحزاب السياسية ورغم صراحة النصوص من الصعب جدا معرفة المكانة الحقيقية لهيئة الرئاسة في النظام السياسي الجزائري ( ).
يجب أن ندرك ان النظام الجزائري يفلت من التناقضات القانونية لهذا النظام المؤسس على مزج عناصرمن النظامين الرئاسي والبرلماني، وذلك عند تطابق الأغلبيتين، أين يتحول النظام الجزائري إلى نظام رئاسي حقيقي، فهذا التطابق في الأغلبية يؤدي إلى نتيجة حتمية، وهو أن يصبح رئيس الجمهورية محورا لكل شيء ولا وجود لسلطات موازية لسلطاته، لا رئيس الحكومة المحصور بين مطرقة رئيس الجمهورية وسندان المجلس( ) ولا النواب الذين فرض عليهم القانون واستخدام الأغلبية طاعة صارمة، ولا مجلس الأمة الذي فقد كل تأثير حقيقي له على القرار الرئاسي( ).
2- في تونس إن تحليل الدستور التونسي لا يدع مجالا للشك أن المؤسس الدستوري أراد رئيسا قويا يجمع بين يديه الكثير من السلطات الفاعلة من بينها سلطة الحل ، فالمسؤولية التي يتحدث عنها الفصل 62-63 للحكومة وكذلك الحل الرئاسي لا يعني وجود توازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في تونس ، لقد تم إدراج هاتين الآليتين أي مسئولية الحكومة و الحل لتدعيم مكانة رئيس الجمهورية بالنسبة لمجلس النواب ( )، وإذا كان المؤسس الدستوري التونسي وضع حدا لما كان سائدا في الصيغ القديمة في الفصل 63 التي كانت تتطلب أن تكون لائحة اللوم الثانية متخذة في نفس الظروف والأسباب التي أحاطت بمعارضة الحكومة في تحمل مسؤولياتها، فيمكن حاليا أن تستند لائحة اللوم الثانية إلى أسباب مختلفة ويرى الأستاذ بوعوني أن تعديل 1988 للفصل 63 لم يشدد على شروط المصادقة على لائحة اللوم الثانية ولم يحصر مجالها في نفس الأسباب، بل ترك المجال واسعا لإمكانية معارضة مجلس النواب للحكومة مما أضفى عليهامرونة، ويرى أن تعديل 1988 يعد ترشيدا مفرطا وأنه أعاد رئيس الجمهورية إلى سالف وضعه بجعله في مأمن من مغبة المواجهة مع البرلمان وأعاده إلى وضع اللامسؤولية السياسية التي خصه بها المشرع التأسيسي سنة 1959 الذي أعاد تنزيله منزلة الهيكل غير المسئول سياسيا في كل الأحوال ( ).
الواقع أننا نستغرب رأيا مماثلا للأستاذ بوعوني أحد أبرز أساتذة القانون العام في تونس في حين أن أبسط الباحثين بإمكانه أن يجزم تكريس الفصل 63 للهيمنة بشكل أكبر من طرف رئيس الجمهورية على مجلس النواب، فالمرونة التي يتحدث عنها الأستاذ بالنسبة لتقديم لائحة اللوم والاقتراع عليها بمقتضى تعديل 2002 (يقصد نسبة الأغلبية اللازمة لتقديم اللائحة ونسبة التصديق عليها) ( ) لا وجود لها ، لقد أصبح الرئيس غير خاضع لأية رقابة ولا محاسبة من أي جهة كانت لا من السلطة التشريعية ولا حتى من الشعب وهذا ما يدعم مركزه ويهمش المجلس النيابي والحكومة وإذا كان الحل في الواقع يستعمل لحل الأزمات السياسية على خلفية الصراعات بين المجلس النيابي والحكومة ، فإن احتمال حصول هذه الأزمات في النظام التونسي غير وارد ولا حتى ممكن في ظل المعطيات السياسية والدستورية الحالية ( ) .
" إن دراسة الدستور التونسي اليوم تظهر بدون شك وجوج آليات مراقبة بين السلطة التشريعية والتنفيذية، لكن البحث عن خصائص هذه الرقابة يحتاج إلى كثير من الحذر والاحتراز، ففي حين تقهقرت الوظيفة التشريعيةللمجلس، اكتسب هذا الأخير وسائل مراقبة على عمل السلطة التنفيذية، إذمكنه الدستور من وسائل المراقبة العادية وكذلك من وسائل إثارة المسئولية و لكن من هنا تأتي ملاحظتنا بخصوص الاحتراز ذلك أن وسائل المراقبة لم تمس بنفس القوة أو الحدة مكوني السلطة التنفيذية:الحكومة و رئيس الجمهورية، رغم بعض التردد حافظ هذا الأخير على مكانته الأولى في الدولة و في علاقته مع السلطة التشريعية ." ( )
لقد حافظت سلطات رئيس الدولة في الدستور التونسي رغم تعديلاته الكثيرة على كل مميزاته وخاصة بعد حذف الفقرة الخامسة من الفصل 63 واستبعاد أية مسؤولية يمكن أن يتحملها الرئيس في حالة معارضته لإرادة أعضاء البرلمان ومن ورائه إرادة الشعب ( )، ضف إلى ذلك أن الرئيس التونسي يملك عدة وسائل للتأثير على مجلس النواب بخلاف حق الحل، فهو:
1- يتمتع بحق المبادرة التشريعية إذ نادرا ما تصدر مبادرة من النواب ما عدا ما يكون في شكل تعديل.
2- له وحده صلاحية عرض مشاريع القوانين على المجلس الدستوري( ).
3- يمارس السلطة التقديرية إزاء مشاريع القوانين التي تصدر عن مجلس النواب الذين أصبح مجال تشريعهم محددا( ).
4- يشرع خلال عطلة النواب بمراسيم( ).
5- يختم القوانين (يصدرها).. إلى غير ذلك من الصلاحيات، هذا فضلا عن صلاحياته في الظروف الاستثنائية.
بالرغم من وصف بعض الفقه في تونس لإجراءات مراقبة الحكومة بالمرونة تدعيما للاتجاه الديمقراطي وتعزيزه، حتى يتم الانسجام بين السلطات الثلاث في تجسيد التطور المتوازن في جل الميادين ( ) فإن تلك الإجراءات لا تمت للديمقراطية وتوازن السلطات بصلة.
إضافة إلى ما تقدم يمكن إعتبار الحل الرئاسي أداة للحصول على أغلبية برلمانية و قد سبق تفصيل ذلك عند دراسة مبررات الحل ،فالحل الذي يلي الانتخابات الرئاسية تقره العديد من الأنظمة حتى في حال عدم السعي لتطابق الأغلبيتين، و هذا أمر مشروع بالنسبة لأي رئيس منتخب جديدا، خاصة في ظل التعددية السياسية في المجالس النيابية، و الذي تعرفه بعض البرلمانات العربية بما فيها البرلمانين الجزائري و التونسي ، فمنذ إعلان الرئيس بورقيبة على عدم ممانعته ظهور تنظيمات وطنية سياسية في 10/04/ 1981، ظهر المجلس الجديد المنبثق عن انتخابات نوفمبر 1981 التي أجريت في ظل التعددية، إلا أن تركيبة المجلس لم تختلف عن سابقاتها، وظل الحزب الدستوري مهيمنا إلى غاية يومنا هذا، رغم أن المجتمع التونسي عرف التعددية منذ الاستقلال لكن قانون الجمعيات الذي نظم عمل الأحزاب السياسية ، اعتبره بعض الدارسين مناف لروح الدستورلأنه جعل حق تكوين الأحزاب السياسية خاضعا لإرادة السلطة السياسية( ) .
في الفترة الممتدة من 1981 إلى1987 تم الاعتراف ببعض الأحزاب السياسية في تونس وهي: التجمع الاشتراكي التقدمي، الاتحاد الديمقراطي الوحدوي والحزب الاجتماعي التحرري، إلا أنها لم تسجل إلا حضورا ضعيفا جدا، فضلا عن عدة أحزاب أخرى، انشقت عن الحزب الاشتراكي الدستوري، و ظلت ضعيفة جدا كأحزاب معارضة( )، مما يدعونا للتساؤل حول جدوى الحل المنصوص عليه في الفصل 57 إن كان يفسر في الأنظمة التعددية العامة بأنه سبيل للبحث عن أغلبية تريح السلطة التنفيذية، فالحال في تونس فيه ما يقال .
الفرع الثاني : الطبيعة القانونية للحل الرئاسي
الفقرة الأولى: في الجزائر
يتضح من نص المادة 129 أن حل البرلمان لا يدخل في إطار التصويت بالثقة على الحكومة كما توحي المادة 84/6 من الدستور، إنما يندرج في إطار السلطات التي يمنحها الدستور لرئيس الجمهورية أين يتصرف بالحل بوصفه حكما، إذا كان النزاع بين المجلس الشعبي الوطني والحكومة ، وحتى في هذه الفرضية فقد رأينا أن رئيس الجمهورية لا يمكن أن يكون حياديا وكذلك قد يقرر الحل، عندما لا تصبح المؤسسة التشريعية تعبر عن طموحات وإرادة الناخبين( ).
اعتبر "إيزمان" أن حق الحل الذي لا يشكل المقابل المنطقي للمسؤولية السياسية،( الصورة التي عليها الحل الرئاسي في النظام الجزائري) يعد وسيلة للهيمنة على السلطة التشريعية ممنوحة لرئيس الجمهورية ( )، ويظهر ذلك من خلال عدة عوامل:
1- أن مركز رئيس الجمهورية في النظام الدستوري من حيث منافسته المجلس الشعبي الوطني في تمثيله للشعب، والمادتان 06 و07 من الدستوردعمتا علاقته بالشعب( )، إضافة إلى سلطاته الواسعة التي تضعه في وضع قريب من وضع الملك ( ).
2-الحل الوارد بالمادة 129 يختلف عن الحل المعروف في النظام البرلماني ، فغياب آلية التوقيع المجاور على قرار الحل تنفي عنه الطبيعة البرلمانية مما يجعله وسيلة للهيمنة على السلطة التشريعية ( ).
يرى الدكتور بوقفة أن الحل الرئاسي وسيلة قانونية ومبدأ دستوري "يقع عند الحد الفاصل بين النظامين البرلماني والرئاسي" أي أنه إحدى الخصائص الرئيسية للنظام البرلماني التي تقابل حجب الثقة على الحكومة أين يكون الحل والمسؤولية السياسية الوسيلتان اللتان تقيمان التوازن بين هيئتين، لكن كل المؤشرات تتجه إلى أن المؤسس الدستوري يغلب تطبيقات النظام الرئاسي على نحو من الشدة على الميكانزمات البرلمانية، فتفسير المواد الدستورية التي تنظم علاقة الحكومة بالبرلمان وبالنظر إلى الجانب التطبيقي للمادة 129 يظهر ذلك جليا( ).
3- إذا كان الحل مقررا لحل أزمة، فيمكن أن تحل الأزمة عن طريق استقالة رئيس الحكومة، عندما يرى أنه عاجزعن تسيير وإدارة أزمة، أو عند خلافه مع رئيس الجمهورية وهذه الحالة وهي الأكثر احتمالا( )، و من جانبنا نرى أنه مع السلطات الهائلة لرئيس الجمهورية مقارنة بالبرلمان، يظهرالحل الرئاسي على أنه أداة لإضعاف المجلس و تقوية الرئيس و ينعدم التوازن الذي يعطي للحل طبيعته البرلمانية .
4- إن ممارسة حق الحل تفترض أن يتمتع رئيس الجمهورية صاحب هذا الاختصاص بقوة كافية لمواجهة البرلمان، هذا الأمر يخوله له مركزه من خلال الاحتكار الواضح لسلطة القرار من طرفه( )، وعلى كل حال، فإن الحل الرئاسي يعد حقا رئاسيا مركزيا محضا، يحفظ استقلالية السلطة التنفيذية من السقوط من مستواها التنفيذي أو الرضوخ للاحتكار التشريعي البرلماني( ).
الفقرة الثانية: في تونس
يرى بعض الفقه في تونس أن طريقة الحل الرئاسي طبقا للفصل 63 ذات بعد برلماني، حيث أن النظم الرئاسية لا توجد بها هذه الطرق كماكان الأمر في الدستورالتونسي في صيغته الأولى، أي قبل التعديلات الدستورية عام 1976، فالحل بمثابة رد الفعل على مجلس النواب الذي صوت على لائحة لوم ثانية ضد الحكومة ( ).
إلا أن اتجاه آخر يتزعمه الأستاذ رافع بن عاشوريرى أن مسؤولية الحكومة أمام مجلس النواب تختلف عما هو متعارف عليه في الأنظمة البرلمانية، فموضوع المسؤولية وإجراءاتها يجعلان منها مسؤولية خاصة ومتميزة ( ) ،ويؤكد هذا القول أحد المسؤؤلين في الحكومة:" الدستور التونسي منذ البداية اعتمد النظام الرئاسي و في ذلك ضمان للاستقرار السياسي و النجاعة في تصريف شؤون الحكم وأنه رغم التعديلات التي أدخلت على الدستور التونسي ( حوالي 14 تعديلا كان آخرها تعديل 26/05/2002 الذي عدل 38 مادة من أصل 78 ) ومن بينها تعديل
08/04/1976 الذي أقحم لائحة اللوم و حل مجلس النواب ( وهي ميكانيزمات معروفة في الأنظمة البرلمانية) فقد حافظ النظام السياسي التونسي على طبيعته الرئاسية و يبقى رئيس الجمهورية ركيزة هذا النظام باعتباره يستمد الشرعية من الشعب ".( )
من جهتنا نرى أن الحل الرئاسي في النظامين الجزائري و التونسي بعيد كل البعد عن الحل البرلماني و قد رأينا أن المناسبات التي يمكن تحريكه فيها لا تمت للميكانزمات البرلمانية بصلة وحتى الحل الذي نص عليه الفصل 63من الدستور التونسي والمادة 84من الدستور الجزائري قد يوحي بأنه يندرج ضمن العلاقات بين الحكومة و الغرفة الأولى، قد توصلنا إلى أن هذه العلاقات لا تقوم على أساس المسؤولية السياسية بمعناها المتعارف عليه ، أين يقوم التوازن بين السلطتين التشريعية و التنفيذية، و عليه فنحن نؤيد رأي الفقيه آيزمان والعديد من الباحثين الجزائريين و على رأسهم الأستاذان بوقفة و الأمين شريط و كذلك بعض الدارسين في تونس من بينهم الاستاذ رافع بن عاشورفي اعتبارهم الحل الرئاسي خارج دائرة الحل البرلماني .
الفقرة الثالثة :الحل الرئاسي وطبيعةالنظامين الجزائري و التونسي
يرى البعض أن الحل الرئاسي هو الذي يجنب الانحراف نحو حكومة الجمعية النيابية، أين تهيمن السلطة التشريعية مطلقا، ولا يبدو الجهاز التنفيذي إلا عونا تنفيذيا خاضعا لها( ) فأيا ما كانت صحة هذا الرأي من عدمه فالواقع أن غياب الحل الرئاسي لا يحقق هذه النتيجة أبدا في كل الأنظمة، لأن كل نظام له خصائصه و لا يمكن إصدار الاحكام بشأن طبيعة أي نظام إلا بعد دراسة جميع الآليات الدستورية التي تحكمه باعتبارها جزء من كل ، أي باعتبار كل آلية منها جزء من النظام الدستوري، و ذلك مع مراعاة الاطار السياسي الذي يؤثر فيه بثبات.
إذا كانت النظم الديمقراطية الليبرالية تعطي لفكرة الحل مهمة مزدوجة، باعتباره تقنية دستورية بمثابة صمام أمان لتفادي شلل النظام أو جموده وكذلك كونه صيغة سياسية تساعد السلطة التنفيذية على توخي الحذر من الهيئة التمثيلية، فإن هذا الوصف يعد أقرب في النظامين الجزائري و التونسي، لقد كرس هذان النظامان كما رأينا سلطة تنفيذية قوية تتمتع بصلاحيات غاية في الخطورة، من بينها سلطة رئيس الجمهورية في حل المجلس النيابي وإقالة الحكومة وفي هاتين النقطتين يرى العديد من الفقه اقتراب النظامين من الرئاسي والبرلماني في آن واحد.
والواقع أن زرع أي نظام في مجتمع معين لا يجدي كثيرا لأن الزرع السياسي أصعب بكثير من زرع الأعضاء كما يقول أحد اباحثين الجزائريين :
" La greffe politique est encore plus difficile que la greffe d'organes "( )، صحيح أنه لا بد من نظام قوي لمجتمع في طريق النمو، إلا أن القوة يجب أن تكون في خدمة العدالة، وليس في خدمة العشوائية ( ).
الحق أن التعسف في استعمال الحل، لا يخشى فقط من أنظمة دول العالم الثالث، فكثيرا ما استعمل الحل في غياب أية أزمة، وحتى في ظل وجود أغلبية مريحة للحكومة ومثال ذلك الحل الذي أجاه جاك شيراك عام 97، حيث صرح في 02-04-1995، بأن "الحل لم يكرس من أجل أن يكون مقررا متى يكون ذلك مناسبا لرئيس الجمهورية، إنها سلطة ملكية إذا لم توجد أزمة كبرى لا يوجد حل" ( ) وأعاد هذا التصريح في 14/04/1996 بعد انتخابه، لكنه حل الجمعية الوطنية مرة أخرى في: 21/04/1997.
وإذا كانت بلدان العالم الثالث في وقت ما لا تمارس فيها الوظيفة الرئاسية لنفس الأهداف التي تمارس فيها هذه الوظيفة في النظام الرئاسي الأمريكي، ولا في نفس الظروف، وذلك لان هذه الدول كانت تسعى إلى توحيد الجهود والطاقات، مما أدى إلى توحيد السلطة وشخصنتها وسحبها من مجال التنافس وذلك ليكون رئيس الدولة هو عامل من عوامل الوحدة الوطنية وزعيم الأمة - هذا رأي الأستاذالأمين شريط الذي نراه أقرب إلى الواقع -( )، ويبقى النظامان رهينا التصنيف الذي منحه لهما العديد من الفقه العالمي و الفقه الوطني ( ) : نظامان رئاسيان مشددان ، بينما يحبذ الأستاذ بوالشعيرعدم تبني " التحليل السلبي إنما ينبغي إعتماد التحليل الأيجابي الذي يخدم تطور النظام الديمقراطي و تفسير النصوص العامة بما يدعم المسار الديمقراطي، لاسيما أن الأدوات القانونية تخدم ذلك الاتجاه، فبدلا من تبني التحليل الذي يخدم النظام الرئاسوي، نتبنى التحليل الذي يوجه إلى إقرار النظام الشبه رئاسي، لاسيما مع توفر أدوات تحقيق ذلك النظام سياسيا( الاحزاب) و دستوريا و عمليا " ( )، ومع إحترامنا لتفاؤل الأستاذ بوالشعير حول إتجاه النظام السياسي الجزائري إلى الطبيعة شبه الرئاسية ، فإننا نميل إلى رأي الأستاذ الأمين شريط بناءا على الرؤية التي أتاحتها لنا دراسة الحل في النظام الجزائري و كذلك التونسي الذي لا يبتعد كثيرا عنه، فقد سبق أن بينا أن مسئولية الحكومة أمام مجلس النواب مسئولية من نوع خاص و الحل الذي يقابلها بعيد عن الحل البرلماني و قد سبق و عرفنا إصرار الكثيرين على الطبيعة الرئاسية للنظام التونسي، و عليه فبالرغم من إلتقاء النظامين في العديد من النقاط المتعلقة بالحل من حيث صورة الحل الرئاسي و خصائصه و الوظائف التي يؤديها وكذلك من حيث طبيعته القانونية البعيدة عن الطابع البرلماني -ذلك لا يعني أن الحل الرئاسي في النظامين ذو طبيعة واحدة- إلاأن النظامين لا يختلفان كما رأينا من حيث التصنيف .