![]() |
|
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]() بقلم الشيخ عبد المالك رمضاني
أنزل الله كتابَه الكريمَ ليُتلى و يُعمل به ؛ قال الله تعالى : ﴿ وَ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ ﴾ ( الكهف : 27 ) ، و قال : ﴿ وَ هَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَ اتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ ( الأنعام : 155 ) ، و قال : ﴿ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَ لَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ ( الأعراف : 3 ) . و لا يتمّ العملُ بالكتاب الكريم إلا بعد تدبُّرِ معانيهِ ، قال الله عزّ و جلّ : ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَ لِيَتَذَكَّرَ أُولُوا اْلأَلْبَابِ ﴾ ( ص : 29 ) ، و قد حصل لكثير من المسلمين في هذا الزّمان ضَعفٌ ملحوظٌ ؛ لأنّهم تركوا العمل بكثيرٍ منه ، و قنعوا منه بما يجلبُ لهم بعض منافعهِ ، فاتّخذوه جُنّةً من الجِنّةِ ، واستولدوا به الأجنّة ، بل جمعوا به الأقوات ، وقَصَروا نفعه للأموات ، و ابتدعوا قراءته إذا رجلٌ مات ، و الله يقول : ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَ قُرْآنٌ مُبِينٌ . لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَ يَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ ( يس : 69 - 70 ) ، فأين تفهّمُه و تنويرُ البصائر به و إحياءُ القلوب به ؟! و أين العمل به و التأدّب بآدابه ؟! فكيف بتبليغه و الدّعوة إليه ؟ ! قال الله عزّ و جلّ : ﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا القَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ ءابَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ ﴾ ( المؤمنون : 68 ) ، و ينبغي للمسلمين الحذر من هجر تدبّره ؛ فإنّ هذا سبيلُ من أُقفل على قلوبهم ، قال الله عزّ و جلّ : ﴿ أَفَلاَ يتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ ( محمّد : 24 ) ، فإنّ ترك تدبّره أوّل حاجبٍ عن العمل به ، مع أنّ الله قد يسّره للذّكرِ ؛ كما قال : ﴿ وَ لَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهْلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ ( القمر : 17 ) ، و كذلك فإنّ الله أحكمَ آياته فلا ترى فيه تناقضًا و لا انحرافًا ، وقد مضى عليه أربعة عشر قرنا فلم يضع منه حرفٌ و لم يُستنكر منه لفظٌ ؛ قال الله عزّ و جلّ : ﴿ أَفَلَا يَتَدبَّرُونَ القُرْآنَ وَ لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيرًا ﴾( النّساء : 82 ) ، و أخرج عبدُ الرّزّاق ( 5984 ) بسندٍ صحيحٍ عن الحسن أنّه قال في قوله تعالى : ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَ لِيَتَذَكََّرَ أُولُوا الأَلْبَابِ ﴾ ( ص : 29 ) : " و ما تدبّرُ آياته إلا اتّباعُه بعمله ، و الله ! ما هو بحفظ حروفه و إضاعة حدوده ، حتّى إنّ أحدَهم ليقولُ : و الله ! لقد قرأت القرآن كلّه و ما أُسقطُ منه حرفا واحدا ، و قد أَسقطَه كلّه ! ما ترى له في القرآن من خُلُق و لا عملٍ ، و حتّى إنّ أحدهم ليقول : و الله ! لأقرأُ السّورةَ في نَفَسٍ واحدٍ ! و الله ! ما هؤلاء بالقرّاء و لا العلماء و لا الحكماء و لا الورعة ! و متى كان القرّاء يقولون مثل هذا ؟! لا كثّر الله في المسلمين من هؤلاء !! " . و قد جعل الله آياته باهرةً ، و حُجَجه قاهرةً ، كلّما مرّ عليه زمن ازدادت حجّته في الظّهور ، و أيقنت الخليقة معه بالقصور ، و لقد تحدّى الله به أفصح العرب إنسهم و جنّهم على أن يأتوا بمثله فعجزوا و لو كانوا مجتمعين ، قال الله عزّ و جلّ : ﴿ قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتِ الِإنْسُ وَ الجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ ( الإسراء : 88 ) ، بل تحدّاهم على أن يأتوا بعشر سورٍ مثله فقط فعجزوا ؛ قال الله عزّ وجلّ : ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بَعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَ ادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُم مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ ( هود : 13 ) ، بل تنزّل معهم إلى أن تحدّاهم بسورة واحدة ، فقال : ﴿ وَ إِنْ كُنْتُم فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ ( البقرة : 23 ) ، وهذا تحدٍّ ما بعده تحدٍّ ! و لو لم يكن سواه لكفى إعجازًا للبشريّة ودلالةً لهم على صدق الرّسالة المحمّديّة ، وقد كان من فضل الله على النّاس أنّه ما يُرسِل رسولاً إلّا يظهر حجّته بإظهار معجزته ، وجعل لرسوله محمّد صلّى الله عليه وسلّم معجزاتٍ كثيرة ، أظهرها القرآن الكريم ؛ و لذلك روى البخاريُّ ( 4981 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبيّ صلّى الله عليه و سلّم : " ما من الأنبياء نبيّ إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، و إنّما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي ّ ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة " ، قال ابنُ حجرٍ في " الفتح " ( 6/582 ) : " و أشهر معجزات النبيّ صلى الله عليه وسلّم : القرآن ، لأنّه صلى الله عليه وسلّم تحدّى به العرب و هم أفصح النّاس لسانا ، وأشدّهم اقتدارا على الكلام بأن يأتوا بسورة مثله فعجزوا ، مع شدّة عداوتهم له و صدّهم عنه ! حتّى قال بعض العلماء : أقصر سورة في القرآن : ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ ﴾ ( الكوثر : 1 ) ، فكلّ قرآن من سورة أخرى كان قدر ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ ﴾ سواء كان آيةً أو أكثرَ أو بعضَ آيةٍ فهو داخلٌ فيما تحدّاهم به ، وعلى هذا فتصل من هذه الحيثيّة إلى عدد كثير جدّا ، و وجوه إعجاز القرآن من جهة حسن تأليفه و التئام كلماته و فصاحته و إيجازه في مقام الإيجاز ، وبلاغته ظاهرة جدّا ، مع ما انظمّ إلى ذلك من حسن نظمه و غرابة أسلوبه ، مع كونه على خلاف قواعد النّظم و النّثر ، هذا إلى ما اشتمل عليه من الإخبار بالمغيّبات ممّا وقع من أخبار الأمم الماضية ممّا كان لا يعلمه إلا أفراد من أهل الكتاب ، و لم يُعلم أنّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم اجتمع بأحد منهم و لا أخذ عنهم ، و بما سيقع فوقع على وفقِ ما أخبر به في زمنه صلّى الله عليه و سلّم و بعدَه ، هذا مع الهَيْبَة التي تقع عند تلاوته ، و الخشية التي تلحق سامعَه ، و عدم دخول الملال و السّآمة على قارئه و سامعه مع تيسُّر حفظه لمتعلّميه ، و تسهيل سرده لتاليهِ ، و لا ينكر شيئا من ذلك إلا جاهلٌ أو معاندٌ ، و لهذا أطلق الأئمّة أنّ معظم معجزات النّبيّ صلّى الله عليه وسلم القرآن ، و من أظهر معجزات القرآن إبقاؤه مع استمرار الإعجاز " . و لا يزال التّحدي قائما إلى اليوم ، فعلى النّصارى و اليهود و المشركين أن يجمعوا بلاغيّيهم و شعراءهم و أدباءهم العرب ليأتوا بمثل سورة واحدة إن كانوا صادقين في تكذيب هذا الكتاب ! و هل يُعقل أن يأتي أُمّيٌّ من جزيرة العرب بكتاب يتحدّى به جموع قومه و فيهم الخطباء و البلغاء ، ثمّ يتحدّى أحفادهم و أحفاد أحفادهم إلى آخر زمن البشريّة ؟! و هل يُعقل أن يغلب رجلٌ واحدٌ ملايينَ الرّجال على مدى التّاريخ البشريّ ؟! قال ابنُ القيّم في " بدائع الفوائد " ( 4 /1547 - العمران ) : " إن حصل لكم ريب في القرآن و صدق من جاء به و قلتم : إنّه مفتعلٌ ، فأتوا و لو بسورة واحدة تُشبهه ، وهذا خطاب لأهل الأرض أجمعهم ، ومن المحال أن يأتي واحد منهم بكلام يفتعله و يختلقه من تلقاء نفسه ، ثمّ يطالب أهل الأرض بأجمعهم أن يعارضوه في أيسر جزء منه ، يكون مقداره ثلاث آيات من عدّة ألوف ، ثمّ تعجز الخلائق كلّهم عن ذلك ، حتّى إنّ الذين راموا معارضته كان ما عارضوه من أقوى الأدلّة على صدقه ، فإنّهم أتوا بشيء يستحي العقلاء من سماعه ، ويحكمون بسماجته و قبح ركاكته و خسّته ، فهو كمن أظهر طيبًا لم يَشمَّ أحد مثل ريحه قطّ ، وتحدّى الخلائق ملوكهم وسوقتهم بأن يأتوا بذرّةِ طيبٍ مثله ، فاستحى العقلاء و عرفوا عجزهم ، وجاء الحُمقانُ بعذرة منتنةٍ خبيثةٍ ، و قالوا : قد جئنا بمثل ما جئت به ، فهل يزيد هذا ما جاء به إلا قُوّةً و برهاناً و عَظَمةً و جلالةً ؟! "
|
||||
الكلمات الدلالية (Tags) |
القُرْآنِ, تدبُّرُ |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc