لا زال متطرفو خوارج العصر ، وما يسمى " تنظيم القاعدة " يجاهدون ليل نهار في سبيل البحث عن ضحايا جدد ، والزج بهم طعمًا في عمليات إجرامية في صقع من صقاع المعمورة أو بقعة من بقاع العالم ، وسوف أبرز هنا : أهم مواصفات المتطرف الصغير البريء المغرر به ؛ حيث تتم دراسة ملفه ومعرفة تفاصيل حياته ، وظروفه العائلية والمعيشية والنفسية وغيرها ؛ قبل ترشيحه تفجيريًا بريئًا أو عضوًا في منظمة إرهابية تسمى : " القاعدة " ، وفق مواصفاته الفكرية والعقلية ، وما يتسم به من نبوغ وذكاء وسرعة بديهة وغيرها .
• يراعى في أولوية الإختيار أن يكون " المرشح " ضحية خلافات زوجية حادة ربما تنتهي بالطلاق ؛ فيكون الطفل البريء في الغالب طريح وساوس وهموم تنتهي به غالبًا لوضع نفسي متردي وتؤدي إلى سوء حالته الصحية والنفسية وتدهور تفكيره وهيئته ، أو أن يكون قد عاش اليتم بأنواعه وآلامه وقسوته ؛ فيكون أيًا منهما مهيئًا لمن يضمه بحنان مصطنع شديد ، ويقدم له عبارات : الود والمحبة والحنان والرحمة والشفقة ، ويسمعه كلمات رقيقة رفيقة ويناديه بأحلى الألقاب وأجمل الأسماء .
• يعتمد فريق البحث عن خلايا الإرهاب والتطرف الفكري أولوية إختيار من تعثر بهم قطار مواصلة التعليم ؛ فيكون قد أنهى فقط مرحلة التعليم الإبتدائية أو المتوسطة ولم تساعده الظروف ربما الذهنية لرسوبه المتكرر أو ظروفه المعيشية لفقره وأسرته المدقع وعدم قدرته على مواكبة زملائه ؛ فيكون الترك أقرب إلى مخيلته وأسهل وأسرع للتخلص أو غيرها من الظروف الأخرى المعيقة لمواصلة التعليم ، ولعل من أسباب حرصهم الشديد على من انقطع عن مواصلة التعليم كونه متدني الثقافة ؛ فلا يدرك بسهولة خطر مخططاتهم الآثمة وأهدافهم الدنيئة ، ويساعد على ذلك ما يعيشه من فراغ وقتي ونفسي شديدين جدًا ؛ فيملئون عليه هذا الفراغ لينتهي به الأمر إلى محترف في الإجرام وباسم مجاهد في سبيل الله ، وحقيقة جهاده في سبيل الشيطان والهوى .
• يتعمد فريق البحث عن خلايا التطرف الفكري وبذكاء شديد وحذر شديد الإختيار والترشيح لعضوية التطرف الفكري بعضًا ممن تربطهم صلة قرابة بأشخاص من ذوي المكانة والوجاهة ، أو لأحد أقاربهم مناصب مهمة ومسئوليات أمنية حساسة ؛ فيصطادون هذا الغر البريء ؛ ليتم تسخيره في تقديم كافة التسهيلات لهم في جرائمهم وأعمالهم التخريبية الآثمة .
• يقوم فريق البحث عن ضحايا التطرف الفكري بدراسة الأوضاع البيئية والإجتماعية ، وما يستجد من معوقات لحصولهم على ضحايا جدد ؛ فتشكل لجان عاجلة تقدم حلولاً جذرية بعضها يتضمن مادة صوتية مسجلة تخاطب بعض شرائح المجتمع كوالدي الضحية مثلاً وأمه - بالأخص - لتهيئة نفسيتها وتخفيف آلام مصابها بإبنها وفلذة فؤادها كقولهم : ( أماه إن ابنك شهيد ؛ فلا تحزني ، وهو الآن يداعب الحور العين في الفردوس من الجنة ) ، وكأنهم قد ورثوا النبوة بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ونزل عليهم وحي رباني بذلك وبصكوك غفران لشهداء التكفير والخروج على أئمة الإسلام !!
• يقوم فريق كبير من فرق خلايا التطرف الفكري ، وبعد كل عملية قتل إنتحارية لأحد جنودهم البواسل في الداخل أو الخارج - العراق مثلاً - بزيارة جماعية لوالد المقتول وأسرته ، ويقومون بتهنئتهم بما قام به إبنهم من عمليات إنتحارية أهلك فيها الحرث والنسل ، ولا غرو فقد قالها إمامهم عبد الرحمن بن ملجم حينما قتل علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - :
يَا ضَرْبَةً مِنْ تَقِيَ مَا أَرَادَ بِهَا ... إلاَّ لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي العَرْشِ رِضْوَانا
إنِّي لأَذْكُرُهُ يَوْمًا فَأَحْسَبُهُ ... أَوْفَى البَرِيَّةِ عِنْدَ الله مِيزَانا
أَكْرِمْ بِقَوْمٍ بُطُونُ الطَّيْرِ أَقْبُرُهُمْ ... لَمْ يَخْلِطُوا دِينَهُمْ بَغياً وَعُدْوَانا
كما يقومون بتقديم العزاء لوالده وأسرته ، وتبشيرهم بنيل إبنهم الشهادة في سبيل الله ، وهل اطلعوا الغيب ، أم اتخذوا عند الرحمن عهدًا ؟
خلاصة الأمر : أن الكثير من ضحايا التطرف الفكري سواء قضوا في عمليات إنتحارية تفجيرية ، أو قبعوا في إحدى سجون العالم العربي وغير العربي حقيقة حالهم : أنهم ضحايا لظاهرتي الطلاق وترك مواصلة التعليم والإنقطاع من المدرسة في سن مبكر .
إن ظاهرة الطلاق وما يترتب عليها من نشوء بل إهمال للأولاد وغفلة عن تربيتهم وتنشئتهم ليكونوا لبنات صالحات في مجتمعهم تحتاج - في نظري - إلى دراسة عاجلة ، ولعل من المناسب وجود مؤسسات ومدارس خاصة تعنى بمن يمر بمثل تلك الظروف من الأبناء فيتم احتواؤهم من قبل السلطات والأنظمة الرسمية وتنشئتهم والعناية بهم حتى يتجاوزوا مرحلة الخطر ، ويكملوا تعليمهم وتكون لهم الأولوية في العمل الرسمي .
وإن ظاهرة ترك التعليم والإنفصال من المدرسة في سن مبكرة ومرحلة عمرية صغيرة ، والإختفاء بعد ذلك تحتاج إلى حلول عاجلة وناجعة وهامة جدًا لعل من أبرزها : تكليف المؤسسات التعليمية بفتح ملفات خاصة لمثل هؤلاء ومتابعتهم بدقة شديدة وتقديم تقارير كاملة عنهم ليتم بعد ذلك تقديم كافة التسهيلات والمعونات المعنوية والمادية لتجاوزهم ظروفهم الصعبة والمعيقة لمواصلة تحصيلهم العلمي ؛ كما أن من المهم العمل على صنع قرار ملزم بمواصلة التعليم ومعاقبة من يتساهل في ذلك ، أو يتهاون في تنفيذه كما هو الحال في كثير من دول ومجتمعات العالم .
وثم ظاهرة أخرى : وهي مواصلة التلميذ دراسته حتى تسجيله في الجامعة ، وبعد ذلك تقوم خلايا التطرف بملاحقته وفق توصيات خاصة ودراسات مستفيضة عن تاريخه وسيرته وحالته وميوله ومشاهداته ونفسيته ومحاولة إقناعه بضرورة إعادة الأمة الإسلامية إلى عزها وسؤددها ومجدها بإقامة الخلافة الراشدة المزعومة ، وضرورة نصرة المسلمين المستضعفين في الثغور ، وتستمر المحاولات ، وربما كان الضحية مهيأ نفسيًا نتيجة بعض البرامج والجلساء وأشرطة السي دي " الجهادية " التي كانوا يجتمعون على مشاهدتها في مرحلة التعليم الثانوية خصوصًا طلاب المعاهد الدينية والأقسام الشرعية بالثانويات ، وتنتهي بعملية غسيل دماغي للضحية حيث يبدأ بالتغيب عن جامعته شيئًا فشيئًا موهمًا والديه بأنه على ما يرام ، ويفاجأ الوالدان بعد ذلك بما لم يكن في الحسبان .
وهنا نصيحة للوالدين بضرورة المتابعة اليومية ومعرفة الجلساء بل معرفة كل صغيرة وكبيرة عن فلذة الكبد قبل أن يقع الفأس بالرأس ، والعض على أصابع الندم ولات حين ساعة مندم .
والله من وراء القصد .
د. إبراهيم بن عبد الله المطلق