أشارت بطرفِ العين خيفةَ أهلها .. إشارة محزونٍ ولم تتكلّم فأيقنتُ أنّ الطرف قال مرحبا.. وأهلا وسهلا بالحبيبِ المتيّم

[مصطفى قاسمي]

أشارت بطرفِ العين خيفةَ أهلها ..
إشارة محزونٍ ولم تتكلّم
فأيقنتُ أنّ الطرف قال مرحبا..
وأهلا وسهلا بالحبيبِ المتيّم

السلام عليكم ورحمة الله

من منا لم يقرأ هذه العبارات ومن منا لم يسامر صاحبها ومن منا لم تجمعه به الأيام والليالي ولكننا افتقدناه

كما افتقدنا الكثير ممن كانت لهم بصمات في هذا المنتدى وها انا اليوم اقطف من احد بساتينه اجمل الورود

والمتمثل في موضوعه حدثتني تلك العيون حقا ابدع في تلك الواقعة التي صور لنا فيها حكايته مع ذلك المريض


*** إنه اخينا صوت خافت ***

بسم الله الرحمن الرحيم !

الحمدالله والصلاة والسلام على خير البشر ..وآله وصحبه ولمن اقتفى الأثر .. وبعد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

ليست العيونُ التي أقصد هي التي قال فيها الشاعر/ عمر المخزومي :
أشارت بطرفِ العين خيفةَ أهلها ..
إشارة محزونٍ ولم تتكلّم
فأيقنتُ أنّ الطرف قال مرحبا..
وأهلا وسهلا بالحبيبِ المتيّم

ولا تلك التي ترنّم وتغزّل فيها الشاعر الأموي / جرير التميمي ليحصل بعدها على جائزة نوبل ذلك العصر لأحسن بيت شعري في الغزل :
إنّ العيون التي في طرفها حورٌ..
قتللنا ثم لم يحيين قتلانا !!

كلا والله .. !!
ولكنها عيونٌ رأيتها في أحد المستشفيات
قد أخذ المرض من صحته وعافيته ما جعله طريحا للفراش .. مكبّلا بالبلاء الذي قدره الله له _ وقدر الله وما شاء فعل _
وقد لفّعوه بقطعة قماش زرقاء لا تعلم هل بداخلها جسد أم عودٌ من خيزران .. بعد أن عجردته الدنيا من ثيابه ورمته عن قوس واحده
حاصره المرضمن شتّى الجهات .. حتى أثخنه وهدّ أركانه .. أمراضٌ مزمنه وقلب معتل وجسدلا يتحرك .. قد ثقل منه كل شيء حتى ما عاد يستطيع أن يحرك لسانه ..

لم يكن لديه أحد عندما جئت إليه .. قبلت رأسه ودعوت له بما يُدعى للمريض ثم رمقت عينيه .. فماذا أرى !!
ماذا أرى والأسى جاثٍ فوق أجفانه .. ماذا أرى في العيون التي جفّت خمائلها.. وزالت نضارتها وتسلل الجفاف إلى سواقيها .. ماذا أرى
والتجاعيد تحيط بأطرافها وتحكي سنين من تحولات الزمن .. وآهات الماضي من آلام ومحن ..

كان ينظر إلي وقد اغرورقت إحدى مقلتيه بالدمع .. فاعتلاني شعور لا أعرفه من لاعجٍ قد أصاب المشاعر بمقتل !!
همعت دمعة لم تسقط بسهولة .. فكانت أبلغ من ألف حكاية وحكاية من الأحزان ومكابدة الهموم .. شفاه الله
لم أستطع الحديث وتحمل الموقف فمسحت دموعه وأخذت أكفكف دموعي وصار الحديث بموق العين بيني وبينه..

هممت بالخروج فاقتربت منه للدعاء والسلام عليه ونظرات الاستجداء بادية من عيونه للجلوس معه فترة أطول ..
خرجت وأنا أدعو له .. وأحمد الله على العافية
وقلت في نفسي وأنا أشاهد هذا المريض سيأتي اليوم _ إن طالت أعمارنا _ وسنكابد ما كابده هذا المريض
وسنرقد على هذا السرير الذي لن يسلم منه إلا من جاءه قضاء الله ..

اللهمّ إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك .. اللهم آمين
والسلام عليكم..