الحمد لله ربا العالمين حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه والصلاة والسلام على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
بارك الله فيك أخي محمد البوخاري على التنبيه وجعله الله في ميزان حسناتك , فالأمر مما عمت به البلوى مع ورود النصوص الشرعية الصحيحة ببيان فساده كما نقل الأخ علي الجزائري عن الشيخ بن باز عليه رحمة الله تعالى , فالطعن في الأنساب من أمور الجاهلية التي جاء الإسلام بمحاربتها وتنفير الناس عنها ومما يدل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا « اثنتان في الناس هما بهم كفر ، الطعن في الأنساب ، والنياحة على الميت »(1),بل قد ورد أن الطعن في الأنساب من أمور الجاهلية صريحا في الحديث حيث قال صلى الله عليه وسلم : «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر في الأحساب و الطعن في الأنساب و الاستسقاء بالنجوم و النياحة» والحديث صححه الألباني رحمه الله(2).
بل قد عد الطعن في الأنساب من الكبائر كما ذكره الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتاب الكبائر .
ومثله الفخر في الأحساب على سبيل إزدراء الناس وتحقيرهم والعجب بالحسب وهذا ما دل عليه الحديث السابق : « أربع في امتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن» وذكر منها : « الفخر في الأحساب» .
ولو تأملتم معي قوله عليه الصلاة والسلام : « اثنتان في الناس هما بهم كفر ، الطعن في الأنساب ، والنياحة على الميت» لرأيتم فيه تشديد عظيم حيث قال هما بهم كفر أي من تلبس بالطعن في النسب فهو في كفر ومثله النياحة على الميت(3).
وإنما على العبد أن يتعلم ويسعى لمعرفة نسبه لا للتفاخر والطعن وإنما يتعلم منها ما يصل به رحمه وهو ما جاء في الحديث صريحا وهو ما رواه أبو هريرة- رضي الله عنه- مرفوعا : «تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ، فإن صلة الرحم محبة في الأهل ،مثراة في المال ، منسأة في الأثر» والحديث صححه الألباني رحمه الله تعالى (4).
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي :" قوله : ( تعلموا من أنسابكم ) : أي من أسماء آبائكم وأجدادكم وأعمامكم وأخوالكم وسائر أقاربكم
( ما ) : أي قدر ما
( تصلون به أرحامكم ): فيه دلالة على أن الصلة تتعلق بذوي الأرحام كلها لا بالوالدين فقط كما ذهب إليه البعض . والمعنى تعرفوا أقاربكم من ذوي الأرحام ليمكنكم صلة الرحم وهي التقرب لديهم والشفقة عليهم والإحسان إليهم ، فتعلم النسب مندوب" اهــ.
فجزاك الله خير أخي محمد البوخاري على التنبيه وهذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
------------------------------------------
(1)- صحيح مسلم الحديث رقم 100.
(2)- أنظر السلسلة الصحيحة[ 2 / 371 حديث رقم 734].
(3)- تنبيه : إطلاق الكفر هنا لا يقتضي تكفير صاحبه الكفر الأكبر وحشا أن نقول بذلك ولذا وإزالة للبس أرد التنبيه ولذا أنقل كلام شيخ الإسلام بن تيمة رحمه الله تعالى على هذا الحديث:" فقوله : هما بهم كفر. أي هاتان الخصلتان هما كفر قائم بالناس فنفس الخصلتين كفر حيث كانتا من أعمال الكفار وهما قائمتان بالناس لكن ليس كل من قام به شعبة من شعب الكفر يصير كافرا الكفر المطلق حتى تقوم به حقيقة الكفر كما أنه ليس كل من قام به شعبة من شعب الإيمان يصير مؤمنا حتى يقوم به أصل الإيمان وفرق بين الكفر المعرف باللام كما في قوله صلى الله عليه وسلم : « ليس بين العبد وبين الكفر - أو الشرك - إلا ترك الصلاة » وبين كفر منكر في الإثبات .
وفرق أيضا بين معنى الاسم المطلق إذا قيل : كافر أو مؤمن . وبين المعنى المطلق للاسم في جميع موارده كما في قوله : لا ترجعوا بعدي كفارا ، يضرب بعضكم رقاب بعض " اهــ كلامه رحمه الله من كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم.
(4)- أنظر السلسلة الصحيحة [1 / 497 حديث رقم 276].