مستعدون للتضحية ليرقى منتدانا ، هل أنتم مستعدون لحظرنا ؟

[من حين لآخر]

بسم الله وبه نستعين

إن لكل مرحلة من مراحل الحياة في اعمارنا ، تداعيات ومقاييس ، منعرجات وأساليب ، نختارها أحيانا ، وأحيانا كثيرة نُجبر على العيش فيها بما تحويه من أفراح وآلام ، ولا يمكننا أبدا التفكير في العودة إلى الوراء حيث لا شيء هناك غير الفر اغ ، ليس الذين طُبعت أسماءهم في ذاكرة الحواسيب لحظة ميلادهم على وعي كبير لهذا وتصديق ، ولكن الجيل الذي تربى على الريشة والدواه يفهم جيدا ويدرك أننا ننتقل إلى مرحلة جديدة لا يجب ألا نجعلها تسبقنا فتغلبنا إنها الرقمية والحاسوبية ، ولا يكاد يكون الأمر جديدا أو قابلا للنقاش ، ولكنه والله حديث يجرنا إلى حديث

تنتقل أفكارنا عبرها ، يصبح البوح في غيرها مضيعة للوقت والصوت حين لا تجد الآذان الصاغية إلا من وراء شاشتك ، إننا اليوم نعيش تلك المرحلة بأفراحها وما فيها من المسّرات وبآلامها وما تفرض علينا من أوجاع وآهات ، إننا اليوم نعيشها ، وليست الحياة راحة لنا في كل حين ، إنّما للوجع أيضا نصيب ودور في قولبة شخصياتنا وتلوينها ، رسمهاو تدبيرها ، إننا اليوم لا نختار كيف نعيش ، والطريقة التي ننام بها ، والوضعية التي نجلس عليها ، وإلا فليقل لي أحدكم بالله متى آخر مرة تربّع الجلسة على زربية جدته المخلوقة من صوف الماعز والأرانب ، ومن أصبح منا بالله يُتقن تلك الجلسة ويطمئن لها ولا تلتوي ركبتاه ، ومتى آخر مرة نظرت من نافذة غرفتك لتستنشق زقزقة عصفور مغرّد شدّ انتباهك ..

إننا اليوم مجبرين على التسكّع بلا ملل على مكاتبنا الرقمية فاتحين النوافذ على بعضنا البعض ، يطلب كل واحد من صاحبه إيفاءه بما استجد ،لانه غادر مكتبه هنيهة طارقا زر الثلاجة الرقمية ايضا ليشرب بعض السللترات من الماء المعدني ، وتراه يسأل ما فاته وغادره من الحروف والألوان ، وكأنه ينتظر مستقبله عند آخر النقطة التي ينقطها القاضي

إننا نعم نطلب نطلب التجديد ونرفض الرتابة ، وما تلك إلا فطرة قامت عليها النفس الباحثة عن التشويق الهاربة من ملل الواقعية ، تلك النفس التي ما بات يجذبها انحناء الشمس المدلل إلى الغروب ولا نسمة الصباح العليل وأناقة الشمس وهي تشرق بمرح

لكننا اليوم مجبرين على البحث عن الكيفية التي تريحنا في العيش مطمئنين ..

قد اخترناها ولا مناص ...وقد رهن كل واحد منا ميله وقلبه لإحدى النوافذ وجاورها من غير انصراف عنها ، وقابلها بإدمان وإتقان ، وصنع من خلالها أصدقاء وإخوة وأحبّة ... زملاء في الاهتمام وجيران في الأفكار ..

نتقابل كل يوم وليلة ، يطّعم أحدنا الآخر بفكرة فينير له درب كان في نظره قاتما ، ويبّخه بفوح عطرحروفه المنتشية ، ونبقى على تلك الأويقات من السعادة إلى أن يغلبنا النعاس فننام متطّلعين لغد كثير الإشراق وكثير التشويق مختلف الألوان

إن أحدنا ليجلس للآخر ويحادثه ويبادله أكثر من الوقت الذي يجله مقابلا شقيقه بالبيت أو يعادله في أحسن الأحوال ، ويؤلمنا فراق الأحبة إذا فارقونا أفلا يؤلمكم ما يؤلمنا ؟ كما يؤلمنا الجرح الغئر في ظهورنا لا نستطيع له حكّا ولا تضميدا ، إننا اليوم لا بد أن نجتمع لنجتمع أبدا ما شاء الله لنا أن نجتمع إلى الفراق الأخير حيث لا ينفع الولدان والخلان إلا من علم نفعنا به بعضنا أو دعاء بإخلاص دعاه أحدنا لأخيه فنفع به نفسه وأخاه ..

إننا اليوم لابد أن نجتمع لنقتلع ذلك السلوك الذي نمقته جميعا .. سلوك الفراق المفاجئ المحتّم الغادر ، فما بقي لنا من الأيام في أعمارنا لسنا بحاجة إلى تجفيفها بمزيد من الألم وتبليلها بمزيد من الدموع ...

وسأكتب غدا موضوعا !!!