ولم أر في عيوب الناس شيئاً *** كنقص القادرين على التمام
حين يلقي بها المتنبي فأنما يلقي بقارعة على قلوب من ركنوا الى حياة الدعة واعرضوا عن المعالي بقليلِ نوالٍ ،هذا البيت الذي في رائعته "ملومكما يجل عن الملام " يلخص حال الكثيرين في مجتمعاتنا ، افراد يتميزون بقدر كبير من الذكاء والموهبة والابداع لكنهم يعطلونها اما كسلاو اكتفاءا بما عندهم او اغترارا بمن حولهم ممن قَصُرُوا عن مراتبهم عجزاً فخيِِّل اليهم انهم بلغوا الكمال في حين انهم دُونٌ اذا قُورنوا بأقرانهم .
هي مأساة لهم وخسارة لمجتمعهم، مأساة حقيقية سيعرفونها عندما يرفع حجاب الغفلة ويدركون مقدار الوقت الذي اهدروه والفرص التي ضيعوها والتي كانت بها مكاسب ومتع اضعاف ما كان قد حصل لهم ، تلك المأساة ستكون اقسى حين تُعضُّ اطراف الندم اسفا على العمر الذي ذوى ولم يعد بالامكان التعويض فيه او اللحاق بالركب وليس في هذا مبالغة،فمن عاش جزءا من التجربة يعلم كيف يمكن ان تتحول تلك الطاقات المكبوتة الى نيران تصلي الروح وتدمرها.ِ
الفرق بين هذا المصير و النهايات "الافضل" يكمن في تفاصيل صغيرة قد لا ينتبه لها احد ، نقاط الضعف الاكبر لدى هؤلاء : الارادة والانضباط ، فشيء من هذا وذاك قد يحدد الخط الفاصل بين النجاح والفشل ...فالفوز يعتمد في اغلب الاحيان على السعي والاجتهاد اكثر من اعتماده على العبقرية والذكاء.
هذه الحكمة التي تركها المتنبي خلفه (وكم هي كثيرة حكمه !) تنبيه الى هذا الخطأ الجسيم الذي يقترفه الانسان في حق نفسه... تنبيه لعل مبعثه انه هو الاخر كان يكابد هذا الشعوراثناء مقامه بمصر.....وليس مثله من يقيم على مثل هذا الامر ،فهو القائل : إِذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَروم ***فَلا تَقنَع بِما دونَ النُجومِ
وفي الختام : لكل شيء عن ضياعه سلوى الا ضياع الحياة الاخرى !