من صنع ذلك المخنث؟!
التقيتها صدفة في الشارع، حينما زرت عمتي، عجوز في السبعين من العمر أو تزيد عليها قليلا، قصيرة القامة ، جميلة المحيا، كانت تتصبب عرقا، ووجهها تشوبه حمرة قانية، قد عصر عصرا لفرط الجهد المبذول.
كانت تحمل كيسين ثقيلين تتمايل معهما يمنة ويسرة.
سألتني أن أساعدها في حمل الأثقال، عفوا أقصد في حمل الأكياس...فسارعت منتشية كفتاة يعتمد عليها أخيرا في شيء ذا قيمة.
قبلت جبينها، وسألتها عن الوجهة، فتبين أنها جارة عمتي ، وأن منزلها يبعد عنا بضع خطوات...
أصرت علي أن تحمل هي كيسا وأنا كيس، ولكنني رفضت وكابرت ، فكيف يعقل أن تقدر هي على حملهما مسافة طويلة، بينما تعجز مثلي عن ذلك لبضع خطوات متبقية!!
استلمت الكيسين وأحسست أنني بقوة "جون سينا" وليتني ما فعلت، فقد عاد الي الاحساس بأنني فتاة مسكينة. لبثت مدة من الزمن أحاول حلحلتهما من الأرض، واستطعت ذلك بعد جهد جهيد، وحرج شديد...وفقرات عمودي الفقري تعاني التهديد..
تأملت لوهلة محتوى الكيسين، يبدو أنه مؤونة شهر كامل، مضافا اليه رأس بقرة أو ثور كبير ربما ( البوزلوف)!!
سألتها مستغربة:
- الحاجة ماعندكش ولاد؟!
أجابت بشيء من الخجل، يغلفه يأس وقنوط ومرارة.
- لا لا يا بنتي، عندي خمسة ذكور وبنتين…وزوجي توفاه الله.
- وين راهم، علاش الحاجة انتي اللي تقضي ، خدامين؟!
- لا لا يا بنتي، ولاد دروك قاع كيف كيف، كيلو بطاطا ما يجيبوهش، يا حسراااه، الرجال كانوا بكري، ولاد دروك ما يحمو ما يبردو.
وصلنا للعنوان المطلوب، قبلتها مجددا وأغدقت علي هي دعوات مباركات أنستني آلام الظهر و الفقرات.
قفلت راجعة و زفراتي تلعن أشباه الرجال، واستنفرت خلايا دماغي، تستحثني و تغدق علي بالخواطر والأفكار لكتابة موضوع عن تخنث هؤلاء ولا مبالاتهم...
حدثت عمتي بشأنها، فوجدت لدى العمة خبرها.
قالت عمتي لا تحكمي على الأشياء من ظاهرها،
ولو أنك نظرت الى مبتدأها لأدركت حقيقة منتهاها.
ثم استطردت عمتي تقول عن جارتها تلك:
ذلك المخنث تربى في حجرها، هي من كانت تغطيه صغيرا ليستمتع بسباته مثل دب الكوالا صباحا، بينما تبعث ابنتها الصغيرة لابتياع الخبز مع أول خيوط الصباح.
يستنكر الزوج ويمتعض قليلا، ويسألها لماذا لا تكلف تلك السباع الممددة على الفراش بدل قطته المدللة...لكنها تدافع عنهم كل مرة بعذر أقبح من غيره.
تكبر الفتاتان ولا تزال مهمتهما التسكع في الأسواق، أما البنين فما بين بلايستيشن أو تمدد في الفراش والتمتع بمشاهدة أفلام الأكشن!!
يثور صبر الزوج مجددا، فتسكته الزوجة فورا، فالشيطان قد وجد لها مبررا.
- خليهم يشرو باش يشوفوهم لي جان ويتزوجو !!
توفي الزوج، وتزوجت البنات، وهكذا انتهى بها الحال!!
عدت للمنزل، وكعادتي فتحت موضوعها مع أخي، فحدثني هو الآخر عن مثيلتها فقال:
كوني أبيع الأواني المنزلية، جاءت جارتي الخمسينية ، امرأة عاملة، ذات عينين غائرتين، وهالات سوداء أسفل عيونها مثل دب الباندا، ووجه عليه ذبول الدنيا كلها، رسم عليه الزمن خطوط الغم والهم.
قال أنها ابتاعت خزانة بلاستيكية، دفعت ثمنها، وقفلت راجعة لمنزلها، وأودعتها عنده لحين حضور من يحملها.
قال أخي: كان الزوج خارجا، يضع رجلا على رجل، ويطالع الجريدة الفرنسية، والابن أقصد "السبع" لم يمض على دخوله منزله سوى ربع ساعة...
لذلك توقعت أن يكون أحدهما هو المعني الذي سيستلم الخزانة، لكنني فوجئت بقدوم ابنتيها بدلا من ذلك تحت نظرات الأب وإقراره.
فقد جاءت فتاة في عمر السابعة عشر مع أخرى تقارب الثلاثين لتقاسم حمل الخزانة الكبيرة والثقيلة نوعا ما.
يقول أخي:
(( وكم كان ذلك قاسيا ومخجلا للغاية)).
يتابع أخي حكايته عنها فيقول:
عادت إلي مجددا، وسألتني اذا كنت أعرف سكنا للإيجار، قالت بأن سكناها بالكراء وتزيد عن عشر سنوات، ولكن صاحبها عاد إلى الوطن وينوي السكن بها.
قالت أنها لا تنام الليل، وأنها لم تذق طعم النوم لمدة تزيد عن ثلاثة أيام متتالية، وأنها تحمل هم ايجاد مسكن يأويها وأبنائها!!
استغرب أخي ثقل الهموم التي تحملها، في مقابل أريحية زوجها!!
هذه الأدوار انعكست بسبب الحريات التي تقدم للمرأة، ووقوف القانون معها.
وهي التي استغلت ضعف زوجها وطيبته وكراهيته للمشاكل فقامت بإلغائه وكانت تحاول في كل مرة إرغامه على التنازل عن رأيه، فقط لمجرد تقليد الأخريات والظهور بمظهر المرأة العصرية المتمدنة.
فظلمت نفسها, بتعويدها لزوجها القيام بكل المهام المنوطة به في الأصل، كالتسوق وشراء مستلزمات البيت، من أثاث وثياب للأولاد وأخذهم للمدارس والطبيب، إلى غير ذلك من الأمور، وكل ذلك بحجة التحضر والمدنية وتقليد الأخريات.
وأصبحت تكثر من الخروج إلى الأسواق، فتعلمت الجرأة والتسلط ، وأضحت تعصر الرجل من هذا المدخل الذي قصّر فيه...وتهمله وتلغيه
وساعدتها في ذلك القوانين الوضعية التي أصبحت تساند المرأة في تسلطها وتجعلها تكسر قوة الرجل وهيبته، فهي ملاذ وقوة لها تهدد به الرجل متى احتاجت ذلك ويقف عاجزا أمام قوة النظام الذي يسلب إرادته حتى وإن كان محقا.
أما تلك العاملة التي لا تسد ثغرا، ولا يحتاج عملها أحدا، فأصبحت العصمة المالية بيدها، واخشوشنت أخلاقها، فسيطرت على زوجها وأولادها، فصرنا نرى أولئك الأشباه من حولها.
(( على نفسها جنت براقش))
العبرة:
الزوج على ما عودتيه، والابن على ماربيتيه
الزوج اذا وجد من يريحه من هم الأولاد سيستريح، من يريد التعب؟!
وهذا موجود حتى لدى الغرب الكافر، فما نراه في الدول الاسكندنافية، حيث صار الرجل هو المسؤول عن التربية وخدمة البيت والمرأة تعمل!!
وهذه البلدان عرفت على أنها أرض الفايكينغ المتوحشين، صار شبابها ورجالها مجبرون على مرافقة المرأة في كل مكان و القانون يجبرهم على عدم التضييق عليها.
في كتاب الرجال من المريخ والنساء من الزهرة، ورواية ( وقالت لي) للكاتبة دعاء عبد الرحمن نجد:
الرجل اذا وجد امرأة قوية مستغنية، لن يحس برجولته معها ولن يكون معطاء.
أما اذا أحس بضعفها واحتياجها فسيبذل لها الغالي والنفيس.
# بقلم: شمس_الهمة