في سنة 1996 في أحد السجون الجزائرية وفي جناح السياسيين (الارهابيين)
كانت الصالة تضم حوالي 50 من السجناء الاسلاميين المتشددين . بعضهم ينتمي ل الجيا (الجماعة الاسلامية المسلحة) وآخرون ينتمون لجماعة الهجرة والتكفير . انتقلت الحرب بينهم من الغابات والجبال إلى داخل السجن . حيث كانت كل جماعة لا تطيق الأخرى وكانوا يقتسمون الصالة ويمنع كل فريق تجاوز الحدود
الغريب أن الحقد تطور إلى حد غريب وعجيب لكل جماعة آذان ولكل جماعة إمام ولكل جماعة مصلى
جماعة تسبق أخرى فتقيم الصلاة الجهرية (خاصة صلاة المغرب) . يقوم إمامها الذي يؤمها بتطويل القراءة والركوع والسجود لمدة طويلة حتى يمر وقت المغرب ويحرم الجماعة الأخرى من فضل الصلاة في وقتها
في بعض المرات تقوم الجماعة الثانية باقامة الصلاة بالتوازي مع الجماعة الأولى (في وقت واحد) فيقوم إمام إحدى الجماعات برفع صوته للتشويش حتى لا يسمع أفراد الجماعة الأخرى قراءة إمامها ثم يقوم الإمام الثاني برفع صوته اكثر وأكثر ويصبح السجن كله يتفرج المسرحية (هرج ومرج)
قد يقول البعض هنا لماذا تنقل لنا هذا؟ أو يقول آخرون كما العادة أن هؤلاء لا يمثلون الاسلام
وأنا أقول إن هؤلاء المذكورين هنا فيهم الأئمة والجامعيون والأساتذة ومترشحين للبرلمان سنة 1992 ورؤساء بلديات وبطالين وتجار ومن كل الشرائح الاجتماعية
هؤلاء الذين كنا نناقشهم أثناء النشاط السياسي بأن ما يقومون به ليس من الدين. فكانوا يأتون بالحجج والأدلة من القرآن والسنة وكتب ابن تيمية .
ولما صعدوا الجبال وبدأ العمل القتالي كنا مستهدفين لأننا كفار ومرتدين ومخالفين ولاعبينها فاهمين .
إن أولئك الذين عاشوا في التسعينات وهم يدعون الجهاد وتكفير الشعب واعتبار أنفسهم الحق ومن يخالفهم هو الباطل ويستحق السحق والموت
هؤلاء لا يختلفون عن الكثير من الأعضاء هنا الذين يعتبرون أنفسهم على حق ومن يخالفهم هو على باطل وأن نفس الآيات والأحاديث معهم
إن الأدلة التي يقدمها البعض لتبرير القتل في سوريا أو العراق أو أفغانستان أو الصومال أو الجزائر لا تختلف عن الأدلة التي كان يقاتل بها العباسيون ضد الأمويين والمرابطين ضد الموحدين وهي نفسها التي قاتل بها ملوك الطوائف بعضهم بعضا وقاتل بها الفاطميون والحماديون والرستميون وهي نفسها التي تحرك الحروب اليوم في كل بلاد المسلمين
إن عمر هذا الصراع من عمر هذا الدين تقريبا فإلى متى يبقى المسلمون في الصراع ونقاش وتكفير
متى يتوقف الصراع الديني والمذهبي والطائفي وأغلبنا لم يختر دينه وطائفته ومذهبه بل ورثناهم .
متى نرى المسلمين جميعا يتناقشون على النظريات العلمية والابتكارات والاختراعات التي تحدث في كل البلدان
كل الأمم تتعلم من تاريخها ونحن نعيد تاريخنا المشين كل يوم وكل دقيقة
هل وجدت الأديان للسلام أم للحروب والقتال والفناء