*في جنب الله
قال ابن الجوزي: قوله تعالى : { في جَنْبِ الله } فيه خمسة أقوال :
أحدها : في طاعة الله تعالى ، قاله الحسن .
والثاني : في حق الله ، قاله سعيد بن جبير .
والثالث : في أمْر الله ، قاله مجاهد ، والزجاج .
والرابع : في ذِكْر الله ، قاله عكرمة ، والضحاك .
والخامس : في قٌرْب الله؛ روي عن الفراء أنه قال : الجَنْب : القُرْب ، أي : في قُرْب الله وجِواره؛ يقال : فلان يعيش في جَنْبِ فلان ، أي : في قُرْبه وجواره؛ فعلى هذا يكون المعنى : [ على ] ما فرَّطْتُ في طلب قُرْب الله تعالى ، وهو الجنة .
قال ابن أبي عالدل: قوله : » عَلَى مَا فَرَّطت « ما مصدرية أي على تَفْريطي ، وثمَّ مضاف أي في جنب طاعة الله ، وقيل : في جنب الله المراد به الأمر والجِهَةُ يقال : هُوَ في جَنْبِ فُلاَنٍ وَجانِبِهِ أي جِهَتِهِ ونَاحِيَتِهِ ....
( فصل )
المعنى : أن تقول نفس يا حسرتي يعني لأن تقول : نفس كقوله : { وألقى فِي الأرض رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ } [ النحل : 15 ] و [ لقمان : 10 ] أي لئَلاَّ تَمِيدَ بكم ، قال المبرد : أي بَادِرُوا وَاحذَرُوا أنْ تَقُولَ نفس ، قال الزجاج : خوفَ أن تصيروا إلى حال تقولون يا حسرتنا يا ندامتا والتحسر الاغْتمَام على ما فات ، وأراد : يا حَسرتي على الإضافة لكن العرب تحول ياء الكناية ألفاً في الاستغاثة فتقول : ياَ وَيْلَتَا ، ويَا نَدَامَتَا ، وربما ألحقوا بها الياء بعد الألق ليدل على الإضافة كقراءة أبي جعفر المتقدمة ، وقيل : معنى قوله : { ياحسرتا } أي يا أيَّتُهَا الحَسْرَةُ هذا وَقْتُكِ قال الحسن : قَصَّرْتُ في طاعة الله ، وقال مجاهد : في أمر الله ، وقال سعيد بن جبير في حق الله ، وقيل : قصرت في الجانب الذي يؤدي إلى رضا الله ، والعرب تسمي الجنب جانباً.
وقال الرسعني في ( 6/564 ) :
قوله تعالى : { يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله } :
قال الحسن : في طاعة الله .
وقال سعيد بن جبير : في حق الله .
وقال مجاهد والزجاج : في أمر الله . وأنشدوا للسابق البربري :
أما تتقين الله في جنب وامق ****** له كبد حرّى عليك تقطّع
وقال الفراء : الجنب : القرب : أي : على ما فرطت في قرب الله وجواره .
يقال : فلان يعيش في جنب فلان ، أي : في قُربه وجواره .
فعلى هذا ؛ يكون المعنى : على ما فرطت في قُرب الله ، وهو الجنة .
7* قوله: " وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ "
فال ابن ابي حاتم:
حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،"قَوْلُهُ: " وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ " , قال: عِلْمُهُ". وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، نحو ذلك.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ ابْنِ عَبَّاسٍ . ثم ذكر رواية ""الْكُرْسِيُّ: مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ" (قلت : هذا الحديث ضعيف ولم أجده في مسند الامام أحمد )
والوجه الثالث : " السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ فِي جَوْفِ الْكُرْسِيِّ، وَالْكُرْسِيُّ بَيْنَ يَدَيِ الْعَرْشِ".
قال ابن الجوزي: { وسع كرسيه } أي : احتمل وأطاق . وفي المراد بالكرسي ثلاثة أقوال . أحدها : أنه كرسي فوق السماء السابعة دون العرش ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما السموات السبع في الكرسي إِلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة " وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء . والثاني : أن المراد بالكرسي علم الله تعالى . رواه ابن جبير عن ابن عباس . والثالث : أن الكرسي هو العرش ، قاله الحسن .
**ابن عادل: فصل في حقيقة « الكُرْسِيّ »
واختلفوا فيه على أربعة أقوال :
أحدها : أنَّه جسم عظيم يسع السَّموات ، والأرض قال الحسن : هو العرش نفسه .
وقال أبو هريرة : الكرسيُّ : موضوعٌ أمام العرش ومعنى قوله : { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السماوات والأرض } أي : سعته مثل سعة السَّموات والأرض .
وقال السُّدِّيُّ : إنَّه دون العرش ، وفوق السَّماء السَّابعة ، وفي الأخبار أن السموات والأرض في جنب الكرسيّ كحلقة في فلاةٍ ، والكرسي في جنب العرش كحلقة في فلاةٍ .
وأمّا ما روي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : الكرسيُّ : موضع القدمين فمن البعيد أن يقول ابن عباس هو موضع القدمين لأن الله سبحانه وتعالى منزه عن الجوارح .
وثانيها : أنَّ « الكرسي » هو السُّلطان ، والقدرة ، والملك .
ثالثها : هو العلم ، لأنَّ العلم هو الأمر المعتمد عليه « والكُرْسِيُّ » هو الشَّيء الذي يعتمد عليه ، وقد تقدَّم هذا .
ورابعها : ما ختاره القفَّال وهو : أنَّ المقصود من هذا الكلام تصوير عظمة الله وكبريائه؛ لأنَّه خاطب الخلق في تعريف ذاته ، وصفاته بما اعتادوه في ملوكهم ، وعظمائهم كما جعل الكعبة بيتاً له يطوف النَّاس به كما يطوفون ببيوت ملوكهم ، وأمر النَّاس بزيارته ، كما يزورون بيوت ملوكهم .