بسم الله الرحمن الرحيم
القَصَّاصُون الجدد، [ لَمَّا هَلَكُوا قَصُّوا ] .
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد :
يعتمد بعض الدعاة على أسلوب القصة والحكاية لكي يعظ بها الناس ، وقد كان هذا الأسلوب في بعض الطوائف التي على غير منهج أهل السنة والجماعة ، وللأسف الشديد انتقل هذا الفعل إلى بعض الدعاة المتأثرين بأسلوب القصاصين فتراهم يسردون القصة سردا ، بل منهم من يرد الحق ويحذر منه بالقصة المكذوبة والحكاية الممزوجة بالباطل المبالغ فيها ، وهذه طريقة مفلسة لرد الحجج والبراهين بالتراهات والتفاهات ، وقد حذر السلف من القصاصين وبينوا سبيل المبتدعين في الدين.
عن خباب بن الأرت - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا هَلَكُوا قَصُّوا " حديث حسن [السلسلة الصحيحة “ 4 / 246]
علق الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحةعلى هذا الحديث فقال :.(قصوا ) قال في “ النهاية “ : و في رواية : “ لما قصوا هلكوا“ أي اتكلوا على القول و تركوا العمل , فكان ذلك سبب هلاكهم , أو بالعكس , لما هلكوا بترك العمل أخلدوا إلى القصص “ . و أقول : و من الممكن أن يقال : إن سبب هلاكهم اهتمام وعاظهم بالقصص و الحكايات دون الفقه و العلم النافع الذي يعرف الناس بدينهم فيحملهم ذلك على العمل الصالح , لما فعلوا ذلك هلكوا . و هذا هو شأن كثير من قصاص زماننا الذين جل كلامهم في وعظهم حول الإسرائيليات و الرقائق و الصوفيات . نسأل الله العافية .إهـ
قال ابن الجوزي : والقصاص لا يُذمون من حيث هذا الاسم لأن الله عز وجل قال : ( نَحْنُ نَقصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَص ) وقال : ( فَاقْصُص القَصَص ) ، وإنما ذُمَّ القصاص لأن الغالب منهم الاتساع بذكر القصص دون ذكر العلم المفيد ، ثم غالبهم يخلط فيما يورد وربما اعتمد على ما أكثره محال .إهـ [تلبيس إبليس] ( ص 150 ).
قال الإمام أحمد : " القصاص الذي يذكر الجنة والنار والتخويف وله نية وصدق الحديث ، فأما هؤلاء الذين أحدثوا من وضع الأخبار والأحاديث فلا أراه " اهـ ."الآداب الشرعية" (2/85) .
وللشيخ الإسلام ابن تيمية كتاب بعنوان : [أحاديث القصاص] أحاديث يرويها القصاص عن النبي وبعضها عن الله تعالى أجاب عنها وبين ما فيها من كذب وضعف.
يقول العلامة احمد النجمي رحمه الله تعالى:
ان الأسلوب القصصي أسلوب منتقد من الزمن القديم، ولقد حذر أهل العلم من السلف من الصحابة والتابعين فمن بعدهم حذروا من القصاص؛ الذين يعتمدون في وعظهم على القصة الممزوجة بالمبالغة والكذب.) إلى أن قال (فأسلوب أهل العلم هو الأسلوب الحق؛ آية قرآنية وسنة نبوية، وأحكام منقولة عن أهل العلم السابقين.) [الفتاوى الجلية عن المناهج الدعوية الجزء الثاني ص148]
الشيخ الفوزان محذرا من طريقة القصاصين :
السؤال: هل ايراد القصص أياً كانت على سبيل الدعوة منهج السلف الصالح ؟ أم يقتصر الإنسان على القصص التي وردت في الكتاب و السنة ؟
الجواب : نعم يقتصر الإنسان على ما ورد في القرآن من قصص الأمم السابقة وما ورد في السنة عن الرسول –صلى الله عليه وسلم – في القصص عن الأمم السابقة من أجل الموعظة والاعتبار وما عدا هذا لا يشتغل به ما لم يثبت في الكتاب والسنة ولا يشغل نفسه به ويشغل السامعين.[ الإجابات المهمة في المشاكل الملمة ص183].
وفي هذا العصر تأثر بعض ممن ترك العلم وأخذ بتزكية المنامات وذكر القصص محذرا بها من منهج العلماء في الجرح والتعديل ، فيذكر ويقول البارحة زارني خالد بن الوليد في المنام وقال : أنتم بين يدي عالم. يقصد نفسه.
كيف عرف أن الدي رآه خالد ؟عندما عرف أنه محذر منه إلتمس التزكية من المنام - والله المستعان-
وكذلك بعض المميعين الذين فقدوا الحجة والعلم ، أصبحوا يستدلون بالقصص للتحذير من علم الجرح والتعديل ، فيذكر قصة اتصال الروسي والأخر يذكر قصة سؤال الأمريكي الذي تشتت أهله بسبب هجرهم له !؟ ومغزاهم هو الطعن في علماء الجرح والتعديل. والتحذير من منهج الغلاة – زعموا-.
قال الشيخ عبيد الجابري حفظه الله تعالى : (العالم هو من يفقهه الناس في دين الله من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يبين للناس دينهم ويبصرهم من القران ومن حديث النبي صلى الله عليه وسلم وفق فهم السلف الصالح وأما من يأتي الناس بالحكايات والقصص فهذا ليس بعالم) [شرح الأصول الستة ص76].
وللشيخ سعد الحصين رحمه الله تعالى مقال ماتع ونافع بعنوان : (الدعوة إلى الله بالموعظة الحسنة لا بالقصص)
يقول فيها : وعلى هذه السنة ثبت فقهاء القرون المفضلة لا يرون الموعظة إلا الدعوة إلى الله على بصيرة من الكتاب والسنة تذكيراً بالله وحثاً على فعل ما أمر به ، ونهياً عما نهى عنه ، وتعليماً لأحكام شريعته في الاعتقاد أولاً ثم العبادات ثم المعاملات .
ثم خلفت من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون ؛ وبخاصة بعد أن ذرّ قرن الفكر الموصوف زوراً بالإسلامي بعودة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده من باريس ودعوتهما إلى (( تحرير الفكر من قيد التقليد )) ، وكانت بداية الانحراف – في هذا العصر – عن الوحي والفقه إلى الفكر والظن والعاطفة ، وهان على كثير من المسلمين – مهما كان مبلغهم من العلم وجوداً أو عدماً – القول على الله والحكم على شرعه حسب فكرهم واقتناعهم أي : حسب هواهم ، وقد حذّر الله عباده من سوء هذا المنقلب فقال تعالى { إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} (النجم:23) ... إلى أن قال رحمه الله تعالى : ...فإن أكثر المسلمين بعد أن غيّر الدعاة القصّاص فطرتهم – صاروا يقبلون عليهم وينفرون من الدّعوة على منهاج النبوة فازداد عدد القصّاص ونقص عدد الواعظين مما يذكّر بقول الله تعالى : {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} (الجـن:6)على الرّأيين في مرجع الضّمير في قوله{ فَزَادُوهُمْ } ، فالجناية على الدّعوة والجاني القاصّ والمعجبون به معاً.
فاحذر أخي من القصاصين واجتنب مجالستهم أو السماع لهم
قال معاوية بن مرة – رحمه الله - : ( سألت الحسن البصري : أقرأ في مصحفي أحب إليك أم أجلس إلى قاص ؟ قال : اقرأ في مصحفك قلت : أعود مريضاً أحب إليك أم أجلس إلى قاص ؟ قال : عد مريضك قلت : أشيع جنازة أحب إليك أم أجلس إلى قاص ؟ قال شيع جنازتك قلت استعان بي رجل على حاجة له أحب إليك أذهب معه أم أجلس إلى قاص ؟ قال اذهب في حاجة أخيك ... حتى جعله خيراً من مجالس الفراغ ) . الحوادث و البدع ص 111
والله لن يستفيد المسلم من هؤلاء القصاص علما ولا خيرا، بل لو جاءت الشبه لأزاغت قلبه ، فيزين له الشيطان البدع فيركبها يحسبها النجاة فيهلك مع الهالكين.
نسأل الله علما نافعا وعملا صالحا وتوبة نصوحا.
أبو عبد السلام جابر البسكري
السبت 19ربيع الأول 1436 هجري
موقع التصفية و التربية